محمد واني
لا توجد قوة تضاهي الفساد في تدمير الشعوب والبلدان؛ قديماً وحديثاً، ما إن يبتلى به إنسان أو دولة أو مجتمع حتى يكون قد حكم على نفسه بالفناء والاستئصال بمرور الزمن، فالتدمير أحد تعريفات كلمة (الفساد) في أصلها اللاتيني (corruptus)، وهي النعت الماضي من (corrumpere)، التي تعني بدورها: أفسدَ، ورَشَا، ودَمّر. يعني أن الفساد بذاته مدمر، وقد حذر منه الأنبياء والمصلحون، وتصدوا له على مر العصور والأزمان، وخاضوا ضده صراعاً مريراً، وذكره الله في القرآن، وجعله محوراً أساسياً للصـراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشـر، والنور والظلام، وحثّ الإنسان على اتخاذ موقف مسؤول ضده؛ سواء
بالقوة أو بالقلب، وذلك أضعف الإيمان، فيما يصطلح عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالقرآن يذكر أنواع الفساد المختلفة (السياسي والاقتصادي والعقدي والأخلاقي ...)، بالتفصيل، من خلال سـرد قصص الأمم الغابرة، ويعدّ الشـرك بالله من أخطر أنواع الفساد، ثم يليه فساد الأخلاق الاجتماعي (قوم لوط)، والفساد المالي (قوم شعيب)، وفساد الميليشيات المهيمنة على الحكم {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}، ميليشيات تتحكم بدولة (ثمود)، التي تشبه - إلى حد كبير - عراق اليوم، مع فارق أن الميليشيات التي تتحكم في مؤسساته المؤثرة (الحكومة والبرلمان والمالية والنفط) يزيد عددها عن 67 رهطاً ميليشياوياً! وكذلك الفساد السياسي والإنساني والاقتصادي، الذي كان يمارسه فرعون وهامان وقارون، وما كانوا يقترفونه من جرائم التطهير العرقي ضد الإسرائيليين، وكذلك الأمر بالنسبة لأصحاب الأخدود الذين تعرّضوا لسياسة التطهير الديني. وقد حارب الإسلام كل أشكال الفساد،
بالتفصيل، وكلاً على حدة، وبيّن خطورته على المجتمع؛ كالكذب، وإخلاف الوعد،
وخيانة الأمانة، والرشوة والمحسوبية والاختلاس (نهب المال العام). وقولُ الزور
يعتبر من أكبر الكبائر، و"ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ
القيامةِ؛ العاقُّ لوالِدَيهِ، والمرأةُ المترجِّلةُ، والديوث"، كما ذكرها
الرّسول في حديث شريف، وهي تشكل خطورة على المجتمع والأمة.
ومن البدهي أن الفساد له أصحاب يعملون من أجل نشـره وترسيخه، والإصلاح أيضاً له أصحابه، وكلا الفريقين يتصارعان منذ أن وجد الإنسان، ويشنّان الحروب والغزوات ضد بعضهما البعض إلى يوم القيامة، حرب لا هوادة فيها، يستعملون فيها كافة الأسلحة التدميرية النووية، ولكن في النهاية تكون الغلبة للمصلحين الصالحين {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق