01‏/07‏/2020

مرافئ/ (كورونا) والامتحان الصعب


د. يحيى عمر ريشاوي
 انتشار مرض (كورونا) بهذه السـرعة، و تخطيه حاجز الـ(7) ملايين، جعل منه حدثاً عالمياً بمعنى الكلمة، إلى حد جعل بعض المراقبين يصف حال البشـرية: (بما قبل كورونا و ما بعده !). ولقد غيّر هذا الفيروس الغريب من أجندة السياسة العالمية، ومن أجندة عمل المنظّمات الدولية، وغير من طبيعة وشكل عمل المؤسسات الإدارية و الشـركات التجارية والمراكز التعليمية، وأثّر حتّى على الطقوس و العبادات الدينية، وعلى نمط عمل المؤسسات الإعلامية، باختصار وخلال ما يقارب ثلاثة أشهر فقط غير (كورونا) حياة البشرية على وجه الكرة الأرضية!
وأدخل هذا الوباء المتفشـّي، الجميع، في حيرة وامتحان؛ حيرة سرعة الانتشار، واستعصاء العلاج، وازدياد الوفيات، وامتحان صعب للجميع: (ساسة، وأطبّاء، وعلماء دين، واقتصاديين، وإعلاميين):
- الأطباء، والعلماء، والمراكز العلمية، رغم التطوّر الخيالي الحاصل في مجال علم الطب؛ من علاج ميكانيكي وآلي،
إلى أجهزة الأشعة الحسّاسة، والمعالجات الدقيقة في الشـرايين والقلب والدماغ، ونقل وتبديل الأعضاء البشـرية، وغيرها. هذا الفيروس أدخل الجميع في قاعة امتحان صعب، للإجابة على السؤال البديهي: كيف ومتى ينتهي هذا الوباء؟ وأين يكمن العلاج بالضبط؟ ومنذ تفشـي المرض والدول تتنافس فيما بينها، و تدعي حصولها على الدواء الشافي والكافي! والسؤال الأصعب، الذي يدور بخلد الجميع الآن، وأيقظ من جديد نظرية المؤامرة العالمية: لماذا انتشـر المرض في بداياته في بعض الأماكن دون بعض؟!
(الأطبّاء) الآن جالسون في زاوية من زوايا القاعة، منكبّون على الإجابة على هذه الأسئلة الصعبة وغيرها!
- الحكومات كذلك في حالة استنفار قصوى، كل الملفّات الإدارية والحكومية حالياً في إجازة!.. هذا الشـيء الذي لا يرى! أحدث إرباكاً في مؤسسات ودوائر الدولة، وغيّر من أجندة السياسة العالمية، وربّما كشف النقاب عن الصـراع بين الدول الكبرى، إلى حدّ استغلال هذا الفيروس للمصالح السياسية، ومحاولة استخدامه من قبل الحركات المعارضة للدول كورقة في الضغط السياسي، حتّى وصل الأمر للحديث عن الحرب الجرثومية والفيروس المطوّر في المختبرات (الطبية- العسكرية!)، بغرض استخدامه ضد دول أخرى، وغيرها من نظريات المؤامرة الدولية.
(السياسة) الآن تحاول - وبصعوبة - الخروج من هذا الامتحان بإجابات شافية وكافية!
- الاقتصاد العالمي، وتأثير هذا الوباء على سوق النفط، والبورصات العالمية. (كورونا) الآن ليس مجرّد فيروس ومرض جسمي، وإنّما امتدّت آثاره إلى الأسواق الاقتصادية العالمية والمحلية، أسعار النفط في صعود وانخفاض حادّ لم تشهده الأسواق و البورصات الاقتصادية منذ أمد، المشاريع الاقتصادية في معظم البلدان شبه متوقفة، الآف الشـركات أعلنت عن إفلاسها وسرحت عمالها، شركات الطيران تكبّدت خسائر بالملايين، خبراء الاقتصاد والشـركات الكبرى والمستثمرون يعيشون حالة من القلق والهلع من جراء الآثار المترتّبة اقتصادياً جرّاء انتشار هذا المرض!! كلّ هذا و(لحد الآن ما حدا شاف هذا العدو المزعج والخطير)! (الاقتصاديون) الآن تركوا كلّ شـيء، وهم منشغلون في الإجابة على الأسئلة الاقتصادية و المالية في امتحان (كورونا) الصعب!
- علماء الدين كذلك، في التعامل الواقعي والعملي مع هذا المرض، ومصطلحات التوكّل والتواكل والأخذ بالأسباب، بعضهم استعجل ورسب في امتحان حصـر المرض في مسمّيات (بلاد الكفر) وتناول لحوم بعينها، وغيرها من التفسيرات والتأويلات المستعجلة، والتي ما أنزل الله بها من سلطان. (كورونا) امتحان في كيفيّة الحكم على الأشياء بميزان المنطق والعقل والرجوع إلى المفاهيم الدينية الصحيحة، من قبيل المصلحة العامة وتغيّر الفتوى زماناً ومكاناً، والتي يتغافل عنها البعض، بدراية أو دون دراية.
(علماء الدين) الآن في امتحان عسير في كيفية التعاطي والربط بين عقائدهم الراسخة و مستجدّات العصر الحديث!     
- الإعلام والإعلاميون، وكيفيّة التعاطي مع أخبار وتطوّرات هذا المرض. المؤسّسات الإعلامية الآن في امتحان نظرية (المسؤولية الاجتماعية) الإعلامية، ومدى الالتزام بأخلاقيات المهنة، وخاصّة مع ازدياد حدّة المنافسة بينها في نشـر الخبر والسبق الصحفي، وأيضاً مع الانتشار السـريع والجنوني لمواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، والذي أثّر على المؤسسات الإعلامية التقليدية.
الإعلاميون الآن مطالبون بالتعامل بحساسية أكبر مع هذا الوباء، وعدم الاستعجال في نشـر الأرقام والبيانات مِنْ فمٍ، وموبايل! ومِنْ كل من هبّ و دبّ.
(الإعلاميون)، أيضاً، في امتحان عسير وشائك في أسئلة (الموضوعية، الدقة، التوازن)، وغيرها من أخلاقيات السلطة الرابعة..



منشور في مجلة الحوار | العدد 171 – 172 | صيف 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق