01‏/07‏/2020

البهافريدية بين إصلاح الزرادشتية ومعارضة الإسلام


أ.د. فرست مرعي
مقدمة
تعدّ حركة بهافريد (به آفريد) - في نظر غالبية المؤرّخين المسلمين؛ القدامى والمحدثين- إحدى حركات المعارضة الفارسية ضد الخلافة الإسلامية؛ بشقّيها الأموي والعباسي)[1](.
وهذه الدراسة تنطلق من منظور آخر، وهي أن هذه الحركة تعدّ إحدى حركات الإصلاح التي استهدفت الديانة المجوسية)[2](، لأن (به آفريد) شعر بحاجة النّاس الذين ينتمون إلى المجوسية (= الزرادشتية بالتحديد) للمحافظة على أصولها، التي كان الخطر يهدّدها، نظراً لانتشار الدين الإسلامي في تلك الأقاليم بشكل واسع، واضطراب الوضع
السياسي، وشيوع الفتنة في الأقاليم الشرقية (= خراسان وبلاد ما وراء النهر) )[3](. لذلك من السهولة بمكان، في مثل هذا الوضع، القيام بحركات إصلاح شاملة (راديكالية) في هذا الجانب، ومراعاة حاجات النّاس الدينية والاجتماعية، لا سيّما وأن غالبية تعاليمه مستمدّة من تعاليم الإسلام، التي يبدو أنه أعجب بها، فحاول التوفيق بينها وبين الزرادشتية، والخروج منها بدين جديد(= البهافريدية)، بغية ملائمته للواقع الجديد)[4](.

 العلاقة بين المجوسية والزرادشتية
اختلف علماء الملل والنحل القدامى، ومؤرّخي الأديان المحدثين، في الربط بين المجوسية والزرادشتية، هل هما تسميتان بمعنى واحد، أم مختلفتان؟ فذهب مؤرّخو الأديان المسلمين إلى أن المجوسية هي التسمية الأصلية، لا سيّما بعد أن أصابها التحريف، وبعد أن غالى أتباعها في تقديس النار، ومن ثم عبادتها)[5](، استناداً إلى ما ورد في الآية 17 من (سورة الحج))[6](. ولم يرد في المصادر الإسلامية القديمة ذكر الزرادشتية كديانة، عدا ما ذكره البلخي(=المقدسي) من أن الزرادشتية إحدى فرق المجوسية، بقوله: "... ومنهم الزردشتية؛ يقرّون بنبوّة زردشت، وثلاثة أنبياء يكونون بعده، ويقرؤون كتابه الأبسطا(= الآفستا)، ويعظّمون النّار قربةً إلى الله - عزّ وجلّ- لأنها أعظم الأسطقسات)[7](. ثم يزعم بعضهم أن النار من نور الله -عزّ وجل-، ويزعم آخرون: أنها بعض من الله عز وجل..." )[8](. وإنّما تطرّقوا في الكلام عن زرادشت كنبيّ للمجوس. يقول (مؤلف مجهول)، في تعريفه لمدينة (بركدر)، الواقعة في إقليم خراسان: "تقع على شاطئ نهر مرو...  وبها مجوس، ويدعون البهافريدية")[9](. بينما يقول المسعودي: "والأشهر من نسبه: أنّه زرادشت بن اسبيمان، وهو نبيّ المجوس، الذي أتاهم بالكتاب، المعروف بالزمزمة، عند عوام النّاس، واسمه عند المجوس: بستاه(= الآفستا)")[10](. بينما يقول في موضع آخر: "... ولثلاثين سنة خلت من ملكه، أتاه زرادشت بن بورشسب بن أسبيمان بدين المجوسية، فقبلها، وحمل أهل مملكته عليها...")[11](. وفيما يخصّ الفرق المنسوبة للمجوس، فقد ذكر الشهرستاني عدّة فرق، منها: الكيومرتية، والزروانية، والسيسانية (البهافريدية)، والثنوية، والمانية، والمزدكيّة، والديصانية، والكينوية(= المرقيونية)، والصيامية، وغيرها)[12](. بينما جاءت تسمية الزرادشتية في المراجع الأوروبية، بعد أن تمكّنوا من الحصول على مخطوطات تخصّ مجوس الهند(البارسيين)، بأنها التسمية الصحيحة، على أساس ربط اسم الدين بنبيّ ومؤسس الدين؛ كالمسيحية، والمانوية، وغيرها، كما هي العادة عندهم)[13](. بينما كانت تسمية الزرادشتية أو المزدائية – المزداسنية، هي المفضّلة لدى المؤرّخين والباحثين الإيرانيين)[14](.
موقع البهافريدية بين الفرق المجوسية
         ممّا تقدّم يبدو أن عدد الفرق المنسوبة للمجوس قد حدث فيها تغيير، تبعاً لاندثار بعض الفرق، وبروز وظهور فرق جديدة، في بداية العصـر العباسي الأوّل(132-247هـ/749-866م)، كالبهافريدية، والسنباذية)[15](، والخرّمية)[16](، والمقنّعية)[17](، والبابكية)[18](، والمازيارية)[19]( وغيرها. وهذا ما جعل بعض مؤرّخي الملل والنحل المسلمين (= علماء مقارنة الأديان)، يعدّون البهافريدية كإحدى فرق المجوسية التي حاولت التوفيق في تعاليمها بين الزرادشتية والإسلام)[20](،  حيت منعت الزواج بالمحارم، وترك الزمزمة أثناء تناولهم للطعام، على غرار المانوية التي مزجت هي الأخرى بين الزرادشتية والمسيحية)[21](. والإسفراييني هو العالم الوحيد، من بين علماء الملل والنحل المسلمين، الذي يعدّ البهافريدية والخرّمدينية من فرق المزدكية، إحدى فرق المجوسية)[22](.
الأوضاع السياسية والدينية في إقليم خراسان، في أواخر العهد الأموي.
شهد إقليم خراسان خلال حكم الخليفة الأموي مروان الثاني (127-132هـ/745-750م)، حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. فعند تثبيت (نصر بن سيار) والياً، من قبل الخليفة، في عام 127هـ/745م، ثار العرب اليمانية، بقيادة (جديع بن علي الكرماني)، معتبرين التثبيت تحدّياً لسياساتهم الناجحة هناك، وكانت آمالهم قد ارتفعت بتعيين (منصور بن جمهور)، وهو من اليمانية، والياً في عهد الخليفة يزيد بن الوليد القصير(126هـ/744م). لكنها اصطدمت تجاه تحدّي (نصر بن سيار)، وبقائه في السلطة، كأمر واقع، بعد مقتل الخليفة يزيد الثالث، الذي كان قد عزله، وعيّن اليماني ( منصور بن جمهور)، والياً على خراسان)[23](.
  من جانب آخر، فإن نصر بن سيار دعا المتمرّد القيسي (الحارث بن سريج) إلى العودة إلى مدينة مرو، عاصمة إقليم خراسان، بعد أن لجأ إلى بلاد الترك، منذ أكثر من عشـرة أعوام، بعد أن حصل على عفو له من الخليفة الأموي يزيد بن الوليد بن عبد الملك(يزيد الناقص)، على أمل أن يدعم جهوده في حكم خراسان ضد العرب اليمانية. وهذا ما زاد من تعقيد الوضع بين العرب القيسية، بقيادة الوالي نصـر بن سيار، والعرب اليمانية بقيادة جديع بن علي الكرماني، عندما اشترك اليمانية في القتال، وتمكّن خلالها زعيم العرب اليمانية جديع بن علي الكرماني، من قتل الحارث بن سريج (عام 128هـ/ 746م)، حليف نصر بن سيار. بعدها تمكّن ابن الحارث من قتل جديع الكرماني، بدعم من نصـر بن سيار)[24]( .
وحاول نصـر بن سيار جمع شمل العرب تجاه ما كان يخطّطه أبو مسلم، وغيره من قادة الدعوة العباسية، فإن أبا مسلم استطاع  الإيقاع بين العرب، من خلال استمالة ابني الكرماني (علي وعثمان)، مع اليمانية، إلى جانبه، ممّا أدّى بكفّة الميزان إلى الاختلال لمصلحة أبي مسلم، الذي أعلن في شهر رمضان عام 129هـ حركته، ودعا إلى (الرضا من آل محمد)، في مدينة إسفيذنج)[25](، وبالتالي انضمّ غالبية العرب اليمانية إليه، مع الموالي الفرس. لذا، فإن الأمور أخذت تسير لمصلحة الدعوة العباسية، وأصبح أبو مسلم -بالتالي -  الحاكم الأقوى في خراسان.
         في البداية شجّع أبو مسلم بهافريد في الدعاية لمذهبه، من أجل زيادة الاضطراب والفتن في إقليم خراسان، تمهيداً لإضعاف سلطة الخلافة الأموية، حتّى يتسنّى له في الأخير الإجهاز عليها، لا سيّما بعد أن تخلّص - عن طريق المكر والخداع - من كثير من الزعماء المنافسين له)[26](.
          تمتّعت خراسان بحكم شبه ذاتي، خلال سيطرة أبي مسلم الخراساني (129 – 137 هـ/747-755م)، الذي ضمّ إلى نفوذه الكثير من الأقاليم الشرقية الأخرى. وقد واجه أبو مسلم حركة بهافريد، التي بدأت في أواخر العهد الأمويّ، وكان عليه أن يقضي عليها، لأنها لم تكن في مصلحة الدعوة العباسية، ولا في مصلحة الدهاقين الفرس، ورجال الدين المجوس، لا سيّما بعد أن استتبّ الوضع لمصلحة الدعوة العباسية)[27](.
  استغل بهافريد - بذكاء - الاضطرابات التي كانت تموج بها الأقاليم الشرقية، في الخلافة الأموية، حيث كان العرب منقسمين على أنفسهم؛ بين مضـرية ويمانية، بالإضافة إلى حركات التمرد والعصيان، التي كانت الأجزاء الشـرقية من أراضي الخلافة الأموية مسـرحاً لها)[28](، فضلا عن الصـراعات التي حدثت بين أفراد البيت الأموي، بمقتل يزيد الثالث، وتولّي مروان بن محمد مقاليد الحكم.

من هو بهافريد
         آفريد فَروَدينان؛ يعني بهافريد بن فرفادنان أوماه فروردين، من أهل زوزن)[29]((سوزن)[30]()، وهي كورة واسعة تقع بين نيسابور وهرات، اشتهرت بكثرة علمائها. ولم تذكر المصادر المتوفّرة معلومات إضافية عن ولادته، سوى كونه مجوسيّاً (مزداسنيا- زرادشتيا)، وأن مدينة (زوزن)، مسقط رأسه، كانت تحوي في ذلك الوقت معبداً مهمّاً للمجوس(=الزرادشتيين)، جلبوا له النّار من أذربيجان الشمالية)[31](، حيث يقع المعبد الرئيسي للمجوس (آذركشناسب- آذركُشَسب) )[32](.
وقد جاب بهافريد البلدان، فزار بلاد ما وراء النهر، ووصل إلى الصين، وهذا ما زاد من سعة اطّلاعه، ووسّع من أفق تفكيره. إضافة إلى ذلك، فقد كان على اطّلاع على مبادئ الإسلام، بحكم العيش المشترك مع المسلمين، بجانب معرفته بتقاليد وآداب ديانته الأصلية المجوسيّة)[33](.
وفي ضوء ما تقدّم، يمكن القول إنه عندما ثار بهافريد، قبل إعلان الدعوة العباسية سنة 129 هـ، فإن أبا مسلم الخراساني لم يقف ضده، بل على العكس استفاد منه، باعتباره عاملاً جديداً يزيد في ضعف الدولة الأموية، في إقليم خراسان، وإن الدعوة العباسية حاولت الاستفادة من كلّ الظروف لصالحها، حتى ولو كانت معارضة للإسلام، كما في حالة خداش، وبهافريد.
 ادّعاء بهافريد النبوّة
         إن فكرة المهدية، أو ادّعاء النبوّة، ليست من وضع الشيعة، أو من عقائدهم التي اختصّوا بها، ويبدو أنها تسرّبت إلى الإسلام عن طريق التأثيرات اليهودية والمسيحية. فعند اليهود والنصارى، أن النبيّ (إيليا) قد رفع إلى السماء، وأنّه لا بد من أن يعود إلى الأرض في آخر الزمان، لإقامة دعائم الحقّ والعدل. وإنها ربّما امتزجت ببعض عناصـر (ساوسخايانتSaoschyant) الزرادشتي)[34](، حيث يؤمن الزرادشتيون بأنه سيظهر في آخر الزمان رجل  يحمل اسم (أشيزريكا) أو (أشيدربامي Ochederbami)، أحد أحفاد زرادشت، ومعناه الرجل العالم، ومدّة ملكه عشرون عاماً، الرجل الذي ينتظره المجوس)[35](،  والذي يزيّن العالم بالدين والعلم، ويحيي العدل، ويميت الجور، ويردّ السنن المغيّرة إلى أوضاعها الأولى، وينقاد له الملوك، وتتيسـّر له الأمور، وينصـر الدين والحقّ، ويحصل في زمانه: الأمن، والدعة، وسكون الفتن، وزوال المحن، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً)[36](.
ومن هنا، فإن بعض الباحثين أشاروا إلى أن (بهافريد) كان من الداعين إلى (مذهب الرجعة)، وكان هذا المبدأ شائعاً لدى بعض الفرق الشيعية المتطرّفة (الغالية) في العراق، أو لعلّ (بهافريد) اقتبسها من هذه الفرق الشيعية الغالية، أو ربّما نقلها من بعض الأفكار الإيرانية القديمة.

المنطلقات الفكرية لحركة بهافريد
          لدراسة المنطلقات العقائدية والفكرية لحركة بهافريد، لا بدّ من  دراسة الأوضاع الدينية في تلك الحقبة، في القسم الشرقي من الخلافة الإسلامية، وتحديداً إقليم خراسان، حيث احتكّ الإسلام بالعقائد البوذية)[37](، والآراء الشامانية)[38](، وحيث كان الدين الإيراني القومي (المجوسية - الزرادشتية)، على الخصوص، لا يزال يؤثّر في عقول الناس تأثيراً قوياً. ومن جهة أخرى، إجراء موازنة دقيقة بين العقائد الإسلامية والزرادشتية من جانب، والعقائد التي طرحها (بهافريد)، في برنامجه، من جانب آخر.
 يقول المستشـرق الروسي (فاسيلي فلاديميروفتش بارتولد) (المتوفى سنة 1930م) أن (بهافريد) حاول إعادة الدين الزرادشتي النقي)[39](. بينما يرى المستشـرق الهولندي (موسكاتي) (المتوفى سنة 1943م) إن حركة (بهافريد) إصلاحية تحاول إدخال عناصـر إسلامية جديدة في الديانة الزرادشتية)[40](. فيما يرى الدكتور غلام حسين صديقي: " أن عدداً كبيراً من الإيرانيين في هذه المناطق، ومناطق أخرى، كانوا قد بقوا على دينهم القديم، وتشاهد آثار الدين الإيراني في كلّ مكان، وكانت المراسم والشعائر الدينية تتّسم بالحرية النسبية")[41](.
          ويعلّق المستشرق الروسي (فلاديمير مينورسكي) (المتوفى سنة 1966م) على الوضع في خراسان، وبداية النهاية للسيادة العربية (= الإسلامية) فيها، وبروز العقائد الإيرانية القديمة(=حركة بهافريد)، والكشف عن حقيقتها، بقوله: "بعد أن جاءت الدعوة العباسية، أطلقت العواصف العنيفة الجديدة من عقالها، وحلّت عقدة الألسنة، وصرنا نسمع بقيام سلسلة من حوادث الثورات الكبرى، في وجه السيادة العربية، كثورة (به آفريد)، في حدود سنة 750م... وكانت لهذه الفتن - في الظاهر - صفة دينية، وعدّ زعماؤها مؤسسين لفرق دينية جديدة. وقد أدّت الكراهية الدينية، إلى تشويه الحقائق الواردة عن معتقداتهم، التي استمالت الناس - فيما يظهر - إلى عقائد إيران القديمة، من جهة. ومن جهة أخرى، عكست تأثير الانشقاقات العظمى داخل الإسلام. وهناك أمر واحد مؤكّد بعض التأكيد، وهو أن أسماء الزعماء الهراطقة أنفسهم هي أسماء إيرانية خالصة، ولا يوجد بين أعوانهم من يمثّل الأشراف... ")[42](.
   وليس أدلّ على عنف المقاومة التي أبداها السكان المحليون الإيرانيون، وغيرهم، بقيادة الدهاقين(=الارستقراطيون الإيرانيون)، ورجال الدين المجوس، بوجه نشـر الإسلام، من الرواية التاريخية التي يوردها المؤرّخ أبو بكر محمد بن جعفر النرشخي (المتوفى سنة 348هـ/ 959م) - وهو مؤرّخ محلّي- حيث يشير إلى ارتداد مدينة (بخارى)، الواقعة في بلاد ما وراء النهر شمال شرق إقليم خراسان (= جمهورية أوزبكستان الحالية)، أربع مرّات، عن السيادة الإسلامية، ممّا جعل القائد الإسلامي المعروف (قتيبة بن مسلم الباهلي)، يأمر العرب المسلمين بالإقامة مع  بني أهل بخارى، ويناصفونهم بيوتهم، ليختلطوا معهم، ويراقبونهم في سلوكهم، وعبادتهم)[43](. وبهذه الطريقة "ألزمهم بأحكام الشريعة، وأزال آثار الكفر، ورسم المجوسية..." )[44](.
وقد عبّر ابن حزم (المتوفى سنة 456هـ/1064م) عن هذا المسار الفارسي (الإيراني)، في عدائه للعرب المسلمين، بقوله: "الأصل في خروج أكثر هذه الطوائف عن ديانة الإسلام، أن الفرس كانوا من سعة الملك، وعلوّ اليد، على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسهم، حتّى أنهم كانوا يسمّون أنفسهم الأحرار والأبناء، وكانوا يعدّون سائر الناس عبيداً لهم. فلمّا امتحنوا بزوال الدولة عنهم إلى العرب - أقلّ الأمم عند الفرس خطراً - تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتّى. ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحقّ، وكان من قائمتهم... فرأوا أن كيده على الحيلة أنجح، فأظهر قوم منهم الإسلام..." )[45](.
وفي السياق نفسه، يذكر المستشرق الأمريكي المعاصـر(يحي الارمجاني): "إن الفرس ضمن العالم الإسلامي (جغرافياً)، ولكنهم ليسوا من العالم الإسلامي. فهم لا يزالون يتطلّعون بشغف، عبر 13 قرناً، إلى إيران قبل الإسلام. إن قلوبهم لا تزال شغوفة بخرائب برسيبوليس (= عاصمة الإمبراطوية الأخمينية – قرب مدينة اصطخر)، ورغم ذلك فقد ظهر الكثير من العلماء في مجالات الدين والعلم، وغيرها من المجالات، من الإيرانيين، وكان لهم دور مشهود في الحضارة الإسلامية([46]).
وكتب (بهافريد) لأتباعه كتاباً بالفارسية، وردت الإشارة عنه في كتاب (روضة الخلد)، لمؤلّفه (مجد خوافي) )[47]( ، لا يعلم الباحثون هل أنه كتب بالخط العربي، أو الخط البهلوي(=الفهلوي)، وردت فيه التعديلات التي أدخلها (بهافريد) على الديانة الزرادشتية، أو التي خالفهم فيها، ومن أهمّها:
1-            زعم أنه يوحى إليه في السـرّ(=ادّعى النبوّة).
2-            وفرض عليهم سبع صلوات:
 الأولى: في توحيد الله، وعبادته.
 والثانية: في خلق السموات والأرض.
 والثالثة: في خلق الحيوانات، وأرزاقها.
 والرابعة: في الموت.
 والخامسة: في يوم البعث والحساب، أو القيامة ويوم الحشـر والحساب.
والسادسة: لأهل الجنّة والنّار.
 والسابعة: في مدح وتمجيد أهل الجنّة فقط)[48](.
3-            السجود لعين الشمس على ركبة واحدة، في التوجّه نحوها في الصلوات، حيثما كانت.
4-            إسبال الشعر والجمم (=شعر مقدمة الرأس)، وتطويلهما.
5-            ترك الزمزمة عند الأكل)[49](.
6-            النهي عن ذبح الأنعام، إلا إذا هزلت وضعفت.
7-            النهي عن شرب الخمور.
8-            الامتناع عن أكل الميّتة.
9-            النهي عن الزواج من الأمّهات والبنات والأخوات وبنات الأخ (كان ذلك مباحاً لدى المجوس) )[50](.
10-          الاقتصار في المهور على أربعمائة درهم.
11-         تعمير الطرق والقناطر، من سبع أموالهم، وكسب أعمالهم)[51](.
12-         النهي عن عبادة النيران)[52](.
لأجل معرفة ماهيّة عقيدة (بهافريد)، يحاول المستشرق البريطاني (إدوارد براون) (المتوفى سنة 1930م)، ربط عدد الصلوات السبع بالعدد سبعة، وتلك المرتبطة بغيبة مؤسس الفرقة ورَجعته. أي إنّه يحاول ربط فكرة هذه الحركة بفكر فرق الغلاة، الذين يعتقدون برجوع أئمّتهم، وأبطالهم، إلى الحياة مرّة ثانية، لإحقاق الحق)[53](، ويستند في ذلك إلى قول الشهرستاني في الغلاة: "الغالية هم الذين غالوا في حقّ أئمتهم، حتّى أخرجوهم من حدود الخلقية، وحكموا فيهم بإحكام الإلهية، فربّما شبّهوا واحداً من الأئمّة بالإله، وربّما شبّهوا الإله بالخلق، وهم على طرفي الغلوّ والتقصير، وإنّما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية)[54](، ومذاهب التناسخية)[55](، ومذاهب اليهود والنصارى، إذ اليهود شبّهت الخالق بالخلق، والنصارى شبّهت الخلق بالخالق، فسرتْ هذه المشبّهات في أذهان الشيعة الغلاة، حتّى حكمت بأحكام الإلهية في حقّ بعض الأئمّة، وكان التشبيه بالأصل والوضع في الشيعة... وبدع الغلاة محصورة في أربع: التشبيه)[56](، والبداء)[57](، والرجعة)[58](، والتناسخ...")[59](.
يتبيّن ممّا سبق، أن ما أدخله (بهافريد) في الزرادشتية كان بتأثير الدين الإسلامي، الذي لا بدّ وأنه قد تعرّف عليه بعد الفتح الإسلامي لإقليم خراسان، فضلاً عن التعرّف على أفكار الحركات والشخصيات التي كانت تناصب العداء للخلافة الأموية في عقدها الأخير، مثل حركة الشيعة الغلاة، بقيادة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب)[60](، وحركة خداش)[61](، وغيرهما. وجلّ أفكار هؤلاء كانت أفكاراً مشوّهة تعادي العقيدة الإسلامية الصحيحة، لذا فلا عجب أن تأثّر بها (بهافريد)، كما ذكر آنفاً؛ لذلك فإن حركته لم تشكّل خطورة على الزرادشتية فحسب، بل على الإسلام أيضاً، حيث إن السكان المحليين الإيرانيين اندفعوا وراء حركته، باعتباره واحداً منهم، أكثر من اندفاعهم إلى أيّ شخصية أخرى. وتمّ استغلالها للرجوع إلى آدابهم ومعتقداتهم القديمة، لا سيّما بعد تعسّف بعض الولاة، وظلمهم للرعيّة؛ على أقلّ تقدير من ناحية جباية الجزية والخراج، رغم دخول الآلاف من هؤلاء في الإسلام.
وقد عبّر المستشرق الهولندي (مارتين تيودور هوتسما) (المتوفى سنة 1943م) عن هذه الحقيقة بكل واقعية، عندما ذكر أن سبب مقتل (بهافريد) كان: "لابتداعه تعاليم جديدة هي وسط بين الزرادشتية والإسلام، وهذه التعاليم ربّما جذبت الجماهير الإيرانية المتمسّكة بتقاليدها ومعتقداتها السابقة، لأن تعاليم (بهافريد) - وهو ابن جلدتهم- أقرب إليهم من أية تعاليم أخرى")[62](.

حوادث الحركة ونهاية بهافريد
ذهبت بعض الروايات التاريخية إلى أن (بهافريد)، قبل أن يعلن عن نفسه، ذهب إلى الصين، وبقي فيها سبع سنوات، وعند رجوعه جلب معه قميصاً أخضـر ناعماً من الحرير الصيني، كانت كفّ يده تسعه كلّه، ثم اختفى بعد تظاهره بالموت، لمدّة سنة، ثم ظهر، وزعم قائلاً: "إن الله أماتني منذ سنة، كما رأيتم وسمعتم، وقد أحياني الآن، وخلع عليّ ما ترون من خلع الجنّة، التي لا يوجد مثلها في الدنيا، وأوصى إلي ما سأخبركم به". علماً بأن الخضـرة هي لباس الفرس، وشعارهم. ولأهمية هذه الرواية، وغرابة العمل الذي قام به (بهافريد) لتغرير الناس البسطاء آنذاك، سنذكرها بنصّها: "لقد أعدّ (=بهافريد) أكباداً من الحمل (=الخرفان)، وحمّرها، وهرسها، ووضعها في كيس، وأخذ سكراً، ولبَّ اللوز، وطحنه، ووضعه في كيس آخر، وصنع من الكيسين وسادتين، وأخفاهما. ولما مرض، أمر زوجته أن تبني له قبّة (=ضريح) فيه مجرى لماء المطر، ثم إنّه لفّ الوسادتين والقماش الحريري في كيس من القماش، وقال لزوجته: سأموت في أية لحظة، حافظي على وصيتي، أخرجي حاجتي عندما يحين وقتها. وكانت زوجته تحبّه جداً، فقالت: ما وصيّتك؟ قال: ضعي هاتين الوسادتين في القبّة، ولا تبعديهما عنّي. قالت المرأة: سأفعل ذلك، وما حاجتك؟ قال: تعالي إلى قبّتي كلّ أسبوع، واغسلي وجهي بماء المطر المتجمّع قرب القبة، وتعهّدت له المرأة بذلك. وبعدها توفي (به آفريد)، أو كما يبدو، وأقامت المرأة مراسم العزاء، ونقلته من فراشه، مع الوسادتين، إلى القبّة. كان (به آفريد) يأكل يوماً من الأكباد، ويوماً من السكر ولبّ اللوز، ويشرب من ماء المطر. ومرَّ عام وهو على هذا المنوال في القبّة، ورصد وقت تجمّع النّاس حول قبّته لزيارته، عندها قام ولبس الرداء الأخضـر. وعندما شاهده النّاس، قال لهم: "أيّها النّاس: أنا به آفريد رسول ربّي إليكم")[63](.
في رواية أخرى، عن سير حركة (بهافريد)، يقول البيروني: "بأن (بهافريد)، بعد عودته من الصين إلى خراسان، وجلبه لثوب الحرير الأخضر، صعد ليلاً إلى قبّة أحد المعابد، دون أن يراه أحد، فرآه في الفجر أحد الفلاحين، ثم تجمّع النّاس حوله، فادّعى (بهافريد) أنه قدم من السماء، وشاهد الجنّة والنّار، وأن الله قد منحه هذا القميص الغريب، الذي كان في الجنّة. فتبعه عدد كبير من المجوس، عندما ادّعى النبوّة، ولكنّه خالف المجوس في أمور تشريعية كثيرة. لذلك، عندما دخل أبو مسلم مدينة نيسابور، سنة 131 /749م، جاءه رجال الدين المجوس؛ من الموبذان والهيربذان)[64](،  وشكوا إليه أن هذا الرجل (= بهافريد) قد أفسد الدين الإسلامي ودين زرادشت، فأرسل إليه أحد قادته (عبد الله بن شعبة)، حيث تمكن من أسـره مع بعض أتباعه في جبال باذَغيسَ)[65]( الواقعة بين نيسابور وهرات، وحمله إليه فقتله، ومن ظفر به من قومه، وبقي أتباعه المنسوبون إليه بالبهافريدية يدينون بما جاء به، ويتشدّدون في عدائهم للمجوس المعتقدين في الزمزمة عداوة شديدة، ويزعمون أن خادمه أخبرهم أنه صَعِد إلى السماء على جواد أصفر اللون، وأنّه كما صعد سوف ينزل إليهم، وينتقم من أعدائه")[66](.
   من جهة أخرى، أرسل أبو مسلم شخصين من أتباعه (شبيب بن واج الرورذي)، من أهالي مرو الروذ، و(عبد الله بن سعيد)، وعرضوا عليه الإسلام. وهنا تختلف الروايات، فمنها ما تنصّ على أنه أسلم، ورفع شعار العباسيين، ولكنّه رغم ذلك لم يترك التنبؤ (=ادّعاء النبوّة). ومنها ما تقول بأنه وقع في الأسـر في منطقة جبال باذغيس، على يد (عبد الله سعيد)، وحمل إلى نيسابور، حيث صلب قرب باب الجامع بأمر أبو مسلم الخراساني، كما قتل معه عدد كبير من أتباعه المنسوبين إليه، وأسـر آخرون. وظل له أتباع في خراسان حتّى القرن 4هـ/10م)[67](.
وفي رواية أخرى، أنه قبل أن يعلن عن نفسه ذهب إلى الصين، وبقي فيها عدّة سنوات، وحين رجوعه جلب معه قميصاً أخضراً مع رداء، ثم اختفى بعد أن تظاهر بالموت لمدة عام كامل، ثم ظهر وادّعى "أن الله أماتني منذ سنة، كما رأيتم، وقد أحياني الآن، وخلع عليّ ما ترون من خلع الجنّة، التي لا يوجد مثلها في الدنيا، وأوصى إليّ ما سأخبركم به")[68](.
تشير المصادر إلى كثرة أتباع (بهافريد)، فتذهب رواية إلى أن تعدادهم نحو ثلاثون ألفاً)[69](. وأوردت رواية أخرى: "فتبعه خلق كثير من المجوس، لمّا تنبّأ ")[70](. وتشير رواية ثالثة إلى أنّه "استجاب له خلق كثير")[71](. ولعلّ ذلك يعود إلى اليأس والتذمّر من الأوضاع السيئة، التي كان يعيشها سكان إقليم خراسان في ظل الحكم الأموي. كما أن الإسلام لم يستطع التغلغل بصورة كبيرة في تلك المنطقة، بسبب قوّة المرتكزات العقائدية والفكرية للأديان الأخرى المنتشرة فيها قبل ذلك، علاوة على جهل تلك المناطق للغة العربية، كما أن القابلية الشخصية لبهافريد على المحاججة والإقناع لعبت دوراً كبيراً، إضافة إلى عدم مواجهة السلطات الأموية له، نظراً للظروف الصعبة التي كانت تمرّ بها في أيامها الأخيرة. كما وأن أبا مسلم أفسح المجال له، لكي يدقّ مسماراً آخر في نعش الدولة الأموية)[72](.
 أشارت مصادر عديدة إلى استمرار مذهب البهافريدية إلى القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، حيث كانت تجري مناقشات بينهم وبين أتباع الديانات الأخرى. بجانب الإشارة إليها كإحدى مذاهب المجوسية)[73](، فضلاً عن ذلك أنهم كانوا ينتظرون عودة (بهافريد) في آخر الزمان، على اسم رجل يدعى (أشيزريكا)، ومعناه الرجل العالم؛ ينشـر الدين والعدل بين الناس، ويقضـي على الظلم والجور والفتن )[74](.

موقف الإسلام من البهافريدية
إن غالبية المصادر الإسلامية، التي أرّخت للبهافريدية، عدّتها إحدى فرق المجوسية. فيقول البغدادي بهذا الصدد: "وقالوا في المجوس إنهم أربع فرق: زروانية، ومسخية، وخرمدينية، وبهافريدية، وذبائح جميعهم حرام")[75](. مع الإشارة إلى النقاط التي خالف فيها (بهافريد) عقائد المجوسية، مثل: منع الزمزمة، وعدم نكاح المحارم، التي تعدّ إحدى النقاط الجوهرية في التفرقة بين الزرادشتية البهافريدية. ورغم ذلك، فقد أشار البغدادي إلى أن تعاليم البهافريدية – على ضلالتها - أفضل من تعاليم الزرادشتية"، وكذلك البهافريدية لا يجوز قبول الجزية منهم، وإنْ كانوا أحسن قولاً من المجوس الأصلية، لأنّ دينهم ظهر من زعيمهم (به آفريد)، في دولة الإسلام (= الخلافة الأموية)، وكلّ كفر ظهر بعد دولة الإسلام، فلا يجوز أخذ الجزية من أهله")[76](.

الاستنتاجات
من خلال دراسة شخصية (بهافريد)، والعقائد والأفكار التي طرحها في إقليم خراسان، حيث حاول خلالها أن يعارض الإسلام بتعاليم جديدة، عدّل فيها الدين الزرادشتي، بحيث يلائم الواقع الجديد، بعد انتشار واستتباب الإسلام فيه، من خلال اقتباس بعض التعاليم الإسلامية، لخلق مذهب أو دين جديد، يوفّق فيه بين مذاهب مختلفة، ظنّاً منه أن ذلك سيكون أكثر قبولاً لدى الناس. غير أنّ محاولته باءت بالفشل؛ نظراً لقوّة وديناميكيّة الإسلام، وسهولة تعاليمه، التي تتلاءم مع الفطرة الإنسانية، وعدم وجود تعقيدات عقدية وطقسية فيه، مثل الزرادشتية وغيرها. ولو أن (بهافريد) ظهر في حقبة تاريخية أخرى، مثل: (ماني) أو (مزدك)، لكانت لأفكاره مجرى آخر، وسياق مختلف.


([1] ينظر بهذا الصدد: أبو زيد أحمد بن سهل، البلخي: كتاب البدء والتاريخ، وضع حواشيه: خليل عمران المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ/1997م)،ج1، ص328. أبو الفرج محمد بن يعقوب إسحاق المعروف بابن النديم، الفهرست (ت 380هـ)، ضبطه وشرحه وعلّق عليه وقدّم له: يوسف علي طويل، وضع فهارسه: أحمد شمس الدين، ط3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420هـ/2002م، ص 180.
([2] المجوسية في القرآن الكريم تعني مجموعة الأديان والمذاهب الإيرانية، مثل: دين إيران القديم (الميثرائية – الميترائية)، والزرادشتية (المزداسنية)، والمانويّة، والمزدكيّة.
([3] في هذه المنطقة التقت البوذية، والشامانية (ديانة وثنية قديمة منتشرة بين القبائل التركية المنتشـرة في سيبيريا وحدود بلاد الصين، وهي مزيج يجمع بين السحر والشـرك، لا سيّما عبادة الأجداد)، والمجوسية، بكافة فرقها؛ من زرادشتية، وخرّمدينية (المزدكية الجديدة)، وغيرها.
([4]   ينظر بهذا الصدد: عبد القاهر طاهر بن محمد، البغدادي، الفَرق بين الفِرق، ط 3 1426هـ/2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص276.
([5]   كتاب البدء والتاريخ، ج1 ، ص 328.
([6]   ينظر بهذا: عبد القاهر طاهر بن محمد، البغدادي، الفَرق بين الفِرق، الطبعة الثالثة، 1426هـ/2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص276.
([7]   الأسطقسات: لفظة يونانية تعني الأصل، وتسمّى العناصر الأربعة، التي هي: الماء، والأرض، والهواء، والنار، أسطقسات، لأنها أصول المركّبات، التي هي: الحيوانات، والنباتات، والمعادن. ينظر: الجرجاني: التعريفات، تحقيق: أحمد مطلوب، دار الشؤون الثقافية، بغداد: د.ت، ص14. محمد علي التهانوي، كشاف اصطلاح الفنون والعلوم، مكتبة لبنان، بيروت، 2000م، ج1، ص176.
([8]   البلخي، كتاب البدء والتاريخ، ج1 ، ص 328.
([9]   حدود العالم من المشرق إلى المغرب، تحقيق: يوسف الهادي، الدار الثقافية للنشـر، القاهرة، 1999م، ص75.
([10]   مروج الذهب ومعادن الجوهر، شـرحه وقدم له: مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986م، ج1، ص 236.
([11]   التنبيه والإشـراف، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1981م، ص 95.                                      
([12]   الملل والنحل، ج2، ص256 – 282؛ وقارنْ بما أورده علي بن محمد الفخري من فرق المجوس، بقوله: "... وقد تقدّم في الحديث الصحيح أن المجوس افترقوا سبعين فرقة، ولم يبق منهم الآن من الفرق المشهورة إلا ثمان فرق، ومنه تتشعّب باقي فرقهم. فهذه تسمية فرقهم: الكيومرثية، الزروانية، الزرادشتية... الثنوية، المانوية... المزدكية، الديصانية، المرقونية، الكينوية. فهذه تسع فرق، ومنهم تتشعّب باقي فرقهم السبعين". ينظر: تلخيص البيان في ذكر فرق أهل الأديان، تحقيق وتقديم: رشيد الخيّون، مدارك، بيروت، 2011م، ص316- 319. وقد ذكر الفخري، في القرن التاسع الميلادي، الزرادشتية كإحدى أمثل الفرق المجوسية. ويبدو أنّه تطوّر في عدّ الزرادشتية كإحدى فرق المجوسية، على غرار ما ذكره البلخي (المقدسي) في القرن الرابع الهجري.
([13]   لقد عرفت أوروبا، لأوّل مرّة، الكتاب المقدّس للمجوس الاوستا- الآفستا، وذلك أن عالماً فرنسياً اسمه (دوبرون DuPerron)  كان في زيارة عالم مستشرق، عام 1754م، فشاهد على منضدته صحائف مخطوطة، لفت إليها نظره، العجيب من خطّ كتبت به. وقيل له إنها نسخة من مخطوطة مرسلة من الهند، عجز المستشرقون في أوروبا عن قراءة خطّها، الذي لم يكن لهم عهد بمثله. وجرى قضاء الله بأن يكون ما وقعت عليه عين هذا العالم الفرنسي، فاتحة للتحوّل في حياته، فقد عقد العزم على كشف سـرّ هذه المخطوطة، وبذل كلّ طاقته في كشف ما يكتمن من مغاليق أسرارها، فسافر إلى الهند، وبلغها بعد سفر طال به ثمانية أشهر. وفي مدينة (سرات)، القريبة من (بومباي)، وهي المركز الرئيسـي لطائفة المجوس الهنود(البارسيين)، المعروفين بعبدة النّار، عقد صداقة مع اثنين من رجال الدين البارسيين، كانا مختصّين بلغتي الاوستا – الآفستا والبهلوية - الفهلوية، فتدرّب على أيديهما، إلى أن أخذ عنهما العلم بلغتين، ما كان أحد في أوربا عليم بهما من قبل. وعاد إلى أوروبا عام 1760م، يحمل معه مائة وثمانين مخطوطاً. وفي عام 1771م أخرج لأوّل مرّة ترجمة فرنسية لكتاب أوستا، في ثلاثة مجلّدات. ينظر: باول هورن، الأدب الفارسي القديم، نقله عن الألمانية وقدّم له وعلّق عليه: حسين مجيب المصـري، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، 1419هـ/1999م، ص 67 ، هامش(1). ماري بويس، تاريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشـرين، ترجمة: خليل عبد الرحمن، مركز كوردولوجي، السليمانية، 2011م، ص 187 وما بعدها.
([14]   ينظر: محمد حمدي، الترجمة والنقل عن الفارسية في القرون الإسلامية الأولى، منشورات قسم اللغة الفارسية وآدابه في الجامعة اللبنانية، بيروت، 1964م.
([15]  السنباذية: نسبة إلى سنباذ، أحد أعوان أبو مسلم الخراساني، الذي ثار بعد مقتل الأخير على يد أبي جعفر المنصور، عام 137هـ/755م، وسيطر على مناطق واسعة من إقليم الجبال. وكانت عقيدته ثنوية، مزيجة من المجوسية والمزدكية (الخرّمية الجديدة). فمن تعاليمه بأن أبا مسلم لم يمت، وأنه تلى اسم الله الأعظم، قبل أن يقتل، فصار حمامة بيضاء، وطار. وكان يبشّـر المجوس بأن دولة المجوس قادمة، وأنّه بصدد ذهابه إلى الحجاز لهدم الكعبة، ليستبدل بها الشمس قبلةً، أثناء الصلاة والعبادة. وقد تمكّن المنصور من القضاء على هذه الحركة بواسطة قائده جهور بن مرار العجلي، وقتل سنباذ، بعد سبعين يوماً من إعلانها. ينظر: الطبري، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، بيروت، 1284هـ/1965م، ج7، ص495. المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج3، ص345. عبد الحسين مهدي الرحيم، التحدي السياسي والعسكري في كتاب العراق في مواجهة التحديات، إصدار نخبة من أساتذة التاريخ، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1408هـ/1988م، ص60.
([16] الخرّمية: إحدى فرق المجوسية، وهم أهل الإباحة، ويسمّون بالمحمّرة، وهم استمرار للديانة المزدكية في العصر الإسلامي. واختلف الباحثون حول تسميتهم: هل هي نسبة إلى خورمة زوجة مزدك، أو إلى الكلمة الفارسية (خرّم)، أي اللذة، أو ما يستطاب به. وكانت عقيدتهم برنامجاً للعديد من الحركات الإيرانية، التي ظهرت تباعاً طيلة العصـر العباسي الأوّل، وإن كانت مغلّفة بالشعارات التي تنادي بحقّ آل البيت. ينظر: البلخي، كتاب البدء والتاريخ، ص330. ابن النديم، الفهرست، ص528.
([17]   المقنّعية: تنسب هذه الحركة إلى المقنّع الخراساني، الذي ثار ضد الخلافة العباسية، في خلافة المهدي، على خلاف في الروايات في توقيت حركته. اتّبع المقنّع وسائل مختلفة لإضفاء الغموض والقدسية على شخصيّته، ولتضليل أتباعه السذّج، منها: لبس القناع، وادّعائه الألوهيّة، والقول بالتناسخ. ويبدو أن المقنّعية هي استمرار لمذهب الرزامية، تلك الفرقة التي اعتقدت بقدسيّة أبي مسلم، وإمامته، وبحلول روح الإله فيه. وقد استمّرت حركته عدّة سنوات، واستنزفت قوى الخلافة العباسية، إلى أن تمكّنوا من القضاء عليه، مع ألفين من أتباعه، عام 163هـ/780م، حرقاً. ينظر: البيروني، الآثار الباقية، ص 180. الشهرستاني، الملل والنحل، ج1،ص . عبد الحسين الرحيم، مرجع سابق، ص63-70.
([18]    البابكية: حركة تنسب إلى بابك الخرّمي، الذي قاد جموع الخرّمية، والمتذمّرين ضد سلطة الخلافة العباسية في إقليم آذربيجان، لحقبة بدأت عام 201هـ/816م، لغاية 232هـ/837م. وكانت حركته من أخطر الحركات التي ظهرت طيلة العصـر العباسـي، واستنزفت إمكانات هائلة، وأزهقت أرواح ألوف النّاس. وقد تمكّن المعتصم، بجهود قائده الأفشين، من القضاء على حركة بابك، وأسـره، ومن ثم إعدامه وصلبه في إحدى ساحات سامراء. للتفصيل عن هذه الحركة ينظر: البلخي، كتاب البدء والتاريخ، ج2، ص298-300. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج9،ص44-54. حسين قاسم العزيز، البابكية أو انتفاضة الشعب الأذربيجاني ضد الخلافة العباسية، دار أوغاريت، دمشق، 2008م، ص177 وما بعدها. فاروق عمر، التاريخ الإسلامي وفكر القرن العشرين دراسات نقدية في تفسير التاريخ، الطبعة الثانية 1985م، مكتبة النهضة، بغداد، ص227-269. قحطان عبد الرحمن الدوري، البابكية في كتاب العراق في مواجهة التحديات، ص79 – 106.
([19]  المازيارية: نسبة إلى إصبهبذ طبرستان (المازيار)، الذي ثبت تعاونه مع بابك الخرّمي، في حركته ضد الخلافة العباسية، أثناء المحاكمة التي عقدها الخليفة المعتصم لقائده (الأفشين). وبناء على ذلك، فقد تمّ إلقاء القبض على المازيار، ومحاكمته بتهمة التمرّد ضد الدولة، حيث تمّ إعدامه، وصلبه، بجانب بابك الخرمي. ينظر: البغدادي، الفرق بين الفرق، ص202. ابن كثير، البداية والنهاية، حقّقه ودقّق أصوله وعلّق عليه: مكتب تحقيق التراث، دار إحياء التراث العربي/1413هـ/1993م، ج10،ص317-318.
([20]   البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 276. الشهرستاني، الملل والنحل، صحّحه وعلّق عليه: أحمد فهمي محمد، الطبعة الثامنة، 2009م، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2،ص267، وقد سمّاهم بـ (السيسانية، والبهافردية). البلخي، كتاب البدء والتاريخ، ج1،ص328.
([21]   ابن النديم، الفهرست، ص508-509. الشهرستاني، الملل والنحل، ج2، ص273-274.
([22]   التبصير في الدين، ص62.
([23] مسكويه، تجارب الأمم، حقّقه وقدّم له: أبو القاسم إمامي، دار سروش، طهران، 1380ش/2001م، ج3، ص ص240 -241.
([24] الطبري، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل، دار التراث، بيروت، د.ت، ج7، ص330-342.
([25] قرية من كورة أرغيان من نواحي نيسابور، يقال لها سبنج. ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، د.ت، ج1، ص179.
([26] ابن كثير، البداية والنهاية، حقّقه ودقّق أصوله وعلّق حواشيه: مكتب تحقيق التراث، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1413هـ/1993م، ج10، ص38.
([27] فاروق عمر، طبيعة الدعوة العباسية، مكتبة الفكر العربي، بغداد، د.ت، ص202-203.
([28] منها حركة عبد لله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، تزعّم حركة شيعية غالية (الجناحية)، التي نقلت الإمامة من أبي هاشم محمد بن الحنفية، إلى عبد الله بن معاوية نفسه، الذي ادّعى أن روح الله تناسخت حتى وصلت إليه، وادّعى الألوهية والنبوّة معاً، وأنه يعلم الغيب. لذلك اتّهم بالزندقة. وقد ظهر في أواخر الحكم الأموي سنة 127هـ/747م، وسيطر على همذان، وقومس، والري، وإقليم فارس. وانضمّ إليه فئات من موالي الفرس بالعراق، وعبيد أهل الكوفة. وقد سجنه أبو مسلم الخراساني، ثم أمر بقتله، في سنة 131هـ/749م. ينظر: الشهرستاني، الملل والنحل، ج1،ص150. أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، شرح وتحقيق: السيد أحمد صقر، دار الكتاب العربي – دار المعرفة، بغداد- بيروت، 1426هـ/1005م، ص146-193. عبد الله سلوم السامرائي، الغلوّ والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية، ط2، دار واسط للنشر، بغداد، 1982م، ص95.
([29]   هو رستاق الحادي عشـر، في تعداد ابن رسته. ينظر: الأعلاق النفيسة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت، ص 157. وهي مدينة من مدن نيسابور. ينظر: الأصطخري، مسالك الممالك، دار صادر، بيروت، د.ت، ص256. وهي بلدة كبيرة حسنة، تقع بين هراة ونيسابور، وكانت تعرف بالبصـرة الصغرى، لكثرة فضلائها وعلمائها. ويستطرد السمعاني في وصفه لها، حتى قال: إن أمارتها تعدل أمارة مدينة كبيرة في خراسان، وكذلك القضاء بها، وحدودها متّصلة بحدود البوزجان، ومن الناحية الأخرى بقهستان. ينظر: الأنساب، دار الكتب العلمية، بيروت، 2006م، ج6، ص342. ونوّه ياقوت عنها، وقال: هي كورة واسعة. وينقل عن أبي الحسن البيهقي: أن زوزن رستاق، وقصبته زوزن هذه، وتشتمل على مائة وأربع وعشرين قرية. ينظر: معجم البلدان، دار صادر، بيروت، د.ت، ج2، ص456.
([30]   عباس قدياني، فرهنك جامع تاريخ إيران از ورود آريايىها تا بايان عصـر بهلوى، مقدمه از: غلامرضا وطن دوست، جاب دوم، 1381هـ، ش، انتشارات آرون، تهران، جلد أول، ص194.
([31]   غلام حسين صديقي، الحركات الدينية المعارضة للإسلام في إيران في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ترجمة: مازن إسماعيل النعيمي، دار الزمان، دمشق، 2010، ص 71-72.
([32]   يقع هذا المعبد في مدينة جنزك، وفي المصادر العربية جنزه. يقول عنها ياقوت: اسم أعظم مدينة بآران، وهي تقع بين شروان وأذربيجان، وهي التي تسمّيها العامّة كنجه، ومنها الشاعر الفارسي المعروف نظام الكنجوي. ينظر: محمد محمدي، الترجمة والنقل عن الفارسية، ص134، هامش (1)...
([33]   صديقي، الحركات الدينية المعارضة للإسلام، ص72.
([34] أغناتس غولدتسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة: محمد يوسف موسى، منشورات الجمل، بغداد – بيروت، 2009، ص 281-282،288.
([35] أبحاث في السيطرة العربية، مرجع سابق، ص171.
([36]   الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، ص267-286.
([37]   البوذية : ديانة تنسب إلى المصلح الهندي (بوذا)، الذي معناه في اللغة السنسكريتية (الواحد المتنور). يعتقد أنه ولد حوالي 564ق.م، وتوفي عام 483ق.م. وهو ابن حاكم مملكة صغيرة، ترأسها قبيلة أو عشيرة (شاكيهShaky ). يرد اسم بوذا في بعض المصادر بصيغة (سدهارته)، أو (شاكيموني- Shakyamuni ). وهذه الديانة عالمية منتشرة في غالبية دول جنوب آسيا وجنوب شرقها. ينظر: ول ديورانت، قصة الحضارة – الهند وجيرانها – الشرق الأقصى الصين، ترجمة: زكي نجيب محمود، جامعة الدول العربية – تونس، د.ت، ج3،ص52-72. داسا كوإكيدا، حياة بوذا سيرة مفسـّرة، ترجمة: محمود منقذ الهاشمي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق: 2002م، ص18-19. الموسوعة العربية الميسـّرة، بإشراف: محمد شفيق غربال، دار الشعب،د.م ، 1407هـ/1987م، ج1، ص426-427.

([38]   الشامانية: نسبة إلى كلمة شامان، وتعود في النهاية إلى أصل سنسكريتي، بمعنى كاهن أو ساحر، يزعمون أنه كان في مقدوره الاتّصال بالأرواح الصالحة والشـرّيرة. وقد عمّت هذه الديانة الشعوب النازلة في منطقة جبال الأورال (= الواقعة حالياً في روسيا) من مغول وأتراك. كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، نقله إلى العربية: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، الطبعة السادسة، 1974م، دار العلم للملايين، بيروت، ص181.
([39]   فاروق عمر، طبيعة الدعوة العباسية، ص203.
([40]   المرجع نفسه، ص203، نقلاً عنM. Houstma, Bihafrid, WZKM, 3, 1889.
([41]   صديقي، الحركات الدينية المعارضة للإسلام، ص71.
([42]   فلاديمير مينورسكي، إيران...المعارضة... الاستشهاد... الثورة، ضمن كتاب: الوحدة والتنوّع في الحضارة الإسلامية، تحرير: جي.إي.فون كرونباوم، ترجمة: صدقي حمدي، مراجعة: صالح أحمد العلي، مكتبة دار المتنبي، بغداد، 1966، ص271-272.
([43]   فاروق عمر ومرتضى حسن النقيب، تاريخ إيران دراسة في التاريخ السياسي لبلاد فارس خلال العصور الإسلامية الوسيطة، منشورات بيت الحكمة، بغداد، 1989، ص33.
([44]   النرشخي، تاريخ بخارى، القاهرة، 1965م، ص73.
([45]   الفصل في الملل والنحل، دار الندوة الجديدة، د.ت، ج2، ص115.
[46] )  فاروق عمر ومرتضى حسن النقيب، تاريخ إيران، ص19.
([47]   وردت إشارات في بعض الكتب التي تتحدّث عن الكتب النثرية الفارسية، التي ترجع إلى أيام الإمارة السامانية، ومن هذه الإشارات يفهم أنه كان هناك كتاب بالفارسية في أحكام مذهب بهافريد، غير أنه ضاع. وقد وردت الإشارة عند (مجد خوافي)، في كتابه (روضة الخلد)، سنة 723هـ/1323م، الذي يرجع تأليفه إلى صدر الدولة العباسية، ولا يعرف هل كان الكتاب بالخط العربي أو الخط البهلوي. إدوارد براون، تاريخ الأدب في إيران، ترجمه إلى الفارسية: علي باشا صالح، ترجمه إلى العربية: أحمد كمال الدين حلمي، تقديم: محمد علاء الدين منصور، المجلس الأعلى للثقافة في مصـر، القاهرة، 2005، الجزء الأول، البابان الثالث والرابع، ص158، هامش(4).
([48]   البيروني، الآثار الباقية، ص180. صديقي، الحركات الدينية المعارضة للإسلام، ص75.
([49] الزمزمة: كلام المجوس عند الأكل، وهم صموت لا يستعملون اللسان والشفة في كلامهم، لكنّه صوت يديرونه في خياشيمهم وحلوقهم، فيفهم بعضهم عن بعض. وفي حديث عمر بن الخطاب إلى أحد عماله، في أمر المجوس، عن الزمزمة، قال: هو كلام يقولونه عند أكلهم بصوت خفي، وفي حديث قباث بن أشيم: والذي بعثك بالحقّ، ما تحرّك به لساني، ولا تزمزمت به شفتاي. الزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم. الشهرستاني، مصدر سابق، ج2، ص267، هامش(2). أو هي الأدعية التي كان المجوس يتلونها ببطء، أثناء تناولهم الطعام، شكراً لله تعالى، فيهمهمون، ويشيرون، ولا يتكلّمون أبداً. فسمّاه العرب بالزمزمة. ينظر: البيروني، الآثار الباقية، ص 193.
([50] ويذكر الفقيه الحنفي قاضـي قضاة الدولة العباسية: أبو يوسف (المتوفى سنة 182هـ/ 798م)، في كتابه: الخراج، ما نصّه: "وفي خلافة علي بن أبي طالب حدثت مناقشة بين الصحابة حول أمر المجوس، ورفع الأمر إلى الخليفة علي بن أبي طالب، فقال لهم: سأحدثكما بحديث ترضيانه جميعاً عن المجوس: إن المجوس كانوا أمّة لهم كتاب يقرأونه، وإن ملكاً لهم شرب حتى سكر، فأخذ بيد أخته، فأخرجها من القرية، وأتبعه أربعة رهط، فوقع عليها، وهم ينظرون إليه. فلمّا أفاق من سكره، قالت له أخته: إنك صنعت كذا وكذا، وفلان وفلان وفلان وفلان ينظرون إليك. فقال: ما علمت بذلك. فقالت: فإنك مقتول، ولا نجاة لك إلا أن تطيعني. قال: فإني أطيعك. قالت: فاجعل هذا ديناً، وقل: هذا دين آدم، وقل: حواء من آدم، وادع الناس إليه، واعرضهم على السيف، فمن تابعك فدعه، ومن أبى فاقتله. ففعل، فلم يتابعه أحد، فقتلهم يومئذ حتّى الليل. فقالت له: إني أرى الناس قد اجترؤا على السيف، وهم على النار لُكع، فأوقد لهم ناراً، ثم اعرضهم عليها، ففعل، فهاب الناس النار، فتابعوه. فأخذ رسول الله الخراج، لأجل كتابهم، وحرّم مناكحتهم وذبائحهم، لشركهم. قاتلوا الذين خالفوه، فأصبحوا وقد أسـرى على كتابهم، فرفع من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم، فهم أهل كتاب. وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، الجزية منهم". ينظر: ص 260 – 261. بينما يذكر البلخي المقدسي (المتوفى سنة 322هـ/933م) أن المجوس: "يستحلّون نكاح الأخوات والبنات، ويحتجّون على من خالفهم بفعل آدم عليه السلام ذلك". ينظر: كتاب البدء والتاريخ، ص 329. ويشير المستشـرق إدوارد براون إلى أن المستشرق الهولندي (ميخيل دي خويه Michael Jan de Goeje) (المتوفى سنة1909م) يقول: بأن دين زرادشت يوافق على زواج المحارم، ويستصوبه، ينظر: تاريخ الأدب في إيران، الجزء الأول، البابان الثالث والرابع، ص158، هامش (2). 
([51] البيروني، الآثار الباقية، ص 180. الشهرستاني، الملل والنحل، ج2 ، ص 267. أحمد كمال الدين حلمي، 3500 عام من عمر إيران، جامعة الكويت، الكويت، 1399هـ/1979م، ج1، ص320.
([52] الشهرستاني، الملل والنحل، ح2،ص267، وقد انفرد الشهرستاني بهذه المقولة، التي ترد في المصادر الأخرى التي أرّخت لحركة بهافريد.
([53] براون، تاريخ الأدب في إيران، ص159-160. وعلى السياق نفسه يحاول أحد الباحثين العراقيين المعاصرين ربط النحلة البابية والبهائية بالبهافريدية، من خلال تقديسهم للعدد 7و12، وجمعهما يساوي19، الذي هو مقدّس عند البابية، والبهائية، لأن الشهر عندهم 19 يوماً. ينظر: قاسم السامرائي، الأصول التاريخية لنِحلة البابية والبهائية – دراسة في أصولها العقدية، د، م، دار أمية للنشـر والتوزيع، 1407هـ، ص42.
([54] الحلول: حلول الشـيء عبارة عن نزوله فيه. وفي عرف الحكماء: اختصاص شيء بشيء، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر، أو هو أن يكون حاصلاً فيه، بحيث تتحدّد الإشارة إليهما تحقيقاً، كما في حلول الأعراض في الأجسام، أو تقديراً كحلول العلوم في المجرّدات، وهو قسمان: سرياني؛ عبارة عن اتّحاد الجسمين، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، فيسمّى الساري حالّاً، والمسري فيه محلّاً. والحلول الجواري عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر، كحلول الماء في الكوز. والذين يقولون بحلول الله في عبد من عباده، خرجوا من فرق الإسلام، واتّبعوا في قولهم أعداءه. الجرجاني : التعريفات، ص63.
([55] التناسخ: عبارة عن تعلّق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر، من غير تحلّل زمانين بين التعلّقين، للتعشّق الذاتي بين الروح والجسد. والتناسخ أربعة أنواع، وهي: النسخ، والمسخ، والفسخ، والرسخ. فالنسخ، خروج الروح من جسم آدمي إلى جسم آدمي آخر. والمسخ؛ خروج الروح من آدمي إلى جسم حيوان. والفسخ؛ خروج الروح من جسم آدمي إلى جسم حشـرة من الحشـرات، وهوامها. والرسخ؛ خروج الروح من جسم آدمي إلى الشجر والنبات. الشهرستاني، مصدر سابق، ج1، ص176، هامش (2). أبو المعالي الحسيني، بيان الأديان، ص29.
([56] التشبيه: واحد من الأسس التي اعتمدها الغلاة للعمل بها، لمقاومة الإسلام، وبخاصّة مبدأ الألوهية. والغلوّ هو تشبيه بعض الأئمة بالإله تعالى. وأمّا التقصير، فتشبيه الإله بواحد من الخلق. ويؤكّد الشهرستاني أن الغلو هو أن تصف إنساناً بصفات الله، فيقول: "الغلوّ في حقّ شخص من الأشخاص، حتّى وصفوه بأوصاف الإله". الملل والنحل، ج1، ص176. السامرائي، الغلو والفرق الغالية،ص138.
([57] البداء: لغةً: الظهور، وهو المبدأ الآخر الذي كان أساساً من أسس حركة الغلوّ. ومعناه: جواز البداء على الله تعالى. والبداء له معان؛ البداء في العلم، وهو: أن يظهر له خلاف ما علم. والبداء في الإرادة، وهو: أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد، وحكم. والبداء في الأمر، وهو: أن يأمر بشـيء، ثم يأمر بعده بخلاف ذلك. وكل هذه المعاني انتقاص من إرادة الله، وذهاب إلى التدخّل في ذات الله، وإرادته، من أجل التشكيك بالله، وهدم مبدأ الوحدانية. الشهرستاني، مصدر سابق، ج1، ص176. السامرائي، الغلو والفرق الغالية، ص134.                                               
([58] الرجعة: بعث كلّ أئمّة الشيعة، وبعض أصحابهم، من القبور، جسدياً، وكذلك بعض أعدائهم، ليفرح أولئك بانتصارهم، ويعاقبوا أعداءهم القدامى بإراقة دمائهم. ولكن الغلاة تصرّفوا بها تصـرّفات أخرى، وذهبوا في نسبة فكرة الرجعة إلى أئمة آخرين. ففرقة السبئية قالت برجعة الإمام علي، فزعمت "أنّ عليّاً لم يمت، وأنه يرجع إلى الدنيا قبل القيامة، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ". جواد علي، المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشـرية، الطبعة الثانية، 2007م، منشورات دار الجمل، كولونيا، ص 92. أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين، عني بتصحيحه: هلموت ريتر، ط3، النشـريات الإسلامية، د،م، ص14 .
([59] الشهرستاني، الملل والنحل، ح2،ص267. وقد انفرد الشهرستاني بهذه المقولة التي ترد في المصادر الأخرى التي أرّخت لحركة بهافريد.
([60] تمّ التعريف به آنفاً.
([61] خداش: هو عمار بن يزيد، الذي تمّ تعيينه والياً على شيعة بني العباس في خراسان، من قبل بكير بن ماهان، وقد غيّر عمّار اسمه إلى (خداش)، وكذب على الناس، وأظهر دين الخرّمية، ودعا إليه، ورخّص لبعضهم في نساء بعض، وأخبرهم بأن ذلك من توجيهات (محمد بن علي العباسي). فقام الوالي الأموي أسد بن عبد الله بالبحث عنه، إلى أن ألقي القبض عليه، وتمّ قطع يده، وقلع لسانه، وسملت عينه. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج7، ص109.
([62] فاروق عمر، طبيعة الدعوة العباسية، ص204.
([63]   صديقي، الحركات الدينية المعارضة للإسلام، ص72 - 73.
([64]  المراد بهم رجال الدين من الدرجة الثانية والدرجة الثالثة، في الدين الزرادشتي، وكانوا يسمّون رئيس الجماعة الدينية (= الكهنوت عند النصارى) الدستور. ينظر: إدوارد براون، تاريخ الأدب في إيران، الجزء الأول ، البابان الثالث والرابع، ص158، هامش(3).
([65]  باذغيس: أصلها بالفارسية باذخير، معناه: قيام الريح أو هبوب الريح، لكثرة الرياح بها. ناحية تشتمل على قرى من أعمال هراة ومرو الروذ، قصبتها بَون وبامَثين. وقيل إنها كانت عاصمة مملكة الهياطلة (=الهون). ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، د.ت، ج1، ص318.
([66] يضاهي ذلك انتظار المقنّع الخراساني، الذي ثار في إقليم خراسان، انتقاماً لمقتل أبو مسلم الخراساني من قبل أبو جعفر المنصور، وادّعى النبوّة والألوهية، وأعلن أتباعه - بعد قتله - أنه سوف يرجع للانتقام من أعدائه، وإحلال العدل.
([67]  ابن النديم، الفهرست، ص531، نقلاً عن إبراهيم الصولي العباسي، في كتابه: كتاب الدولة العباسية.
([68]  الخوارزمي، مفاتيح العلوم ومبيد الهموم، مراجعة وتحقيق وتقديم: عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، المكتبة العصـرية للطباعة والنشـر، صيدا – بيروت،1980م، ص38 وما يليها.
([69] فاروق عمر فوزي، تاريخ العراق في عصـور الخلافة العربية – الإسلامية، مكتبة النهضة، بغداد، 1986م، ص87، نقلاً عن المستشـرق الهولندي (هوتسما)، في مقالته عن البهافريدية، الصادرة عام 1889م، في المجلة الآسيوية الملكية.
([70] المرجع نفسه، ص87.
([71] البيروني، الآثار الباقية، ص180.
([72] صديقي، مرجع سابق، ص72.
([73] كتاب البدء والتاريخ، ج1، ص328، حيث ذكر - ضمن مذاهب المجوس-: " اللغيرية، والبهافريدية، والخُرّمية، ولا قوم أكثر هوساً منهم، فمنهم من يقول بالاثنين: كالمنانية، وبالثلاثة: كالمرقونية (المرقيونية). المصدر نفسه.
([74] الشهرستاني، الملل والنحل، ج2، ص267-268.
([75] الفرق بين الفرق، ص 276، وقارن بما أورده كلّ من الشهرستاني عن فرق المجوس، في كتابه الملل والنحل، والفخري، في كتابه تلخيص البيان في ذكر فرق أهل الأديان. والشهرستاني يطلق على البهافريدية، أيضاً: السيسانية.
([76] المصدر نفسه، ص276.


منشور في مجلة الحوار | العدد 171 – 172 | صيف 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق