عمار
وجيه
لا أظن
أن أحداً منا طيلة الأشهر الأربعة التي مرت على انتشار وباء كورونا الجديد، إلا
وقد شاهد مئات المقاطع الفديوية، وقرأ عشـرات وربما أكثر من ١٠٠ تقرير، بعضها طبي
وصحي، وبعضها سياسي واقتصادي.
وكلنا بلا استثناء
لمس التناقض: بين المدرسة الواقعية والمدرسة
القائمة على نظرية المؤامرة.. بين التهويل والتهوين.. بين الرجاء واليأس.. بين من
ينحاز إلى الأمريكان وهو لا يدري، أو إلى أعداء أمريكا وهو لا يشعر.
في كل الأحوال، ومن
دون أدنى شك، فقد تم تسييس ملف كورونا تسييساً لم يحصل ربما في الأوبئة القديمة
كالطاعون والانفلونزا الإسبانية.
وهناك عدة أسباب
لذلك، أهمها تفوق الإعلام على العلم، من حيث التقنيات والقدرة على التأثير.
والإعلام أكثر من نصفه كاذب، بينما العلم لا يكون علماً حتى يبرهن.
السبب الثالث أن شكل
الصـراع اليوم اقتصادي بامتياز، لأن العالم اليوم تحركه الرغبة بالرفاهية، والتي
تتزايد يوماً بعد يوم. فالمواطن قبل ربع قرن يختلف كلياً عن مواطن اليوم، من حيث
نزوعه للسفر والسياحة والرفاهية. وأما الشعوب المغلوبة، وذوو الدخل المحدود، فثمة
من يخدرهم أو يقمعهم. وهناك أسباب أخرى كثيرة.
قدر تعلق الأمر
بِنَا محلياً فقد أظهرت الكورونا سلوكيات بحاجة إلى تأمل ثم معالجة. رغم أن الكثير
منها متوقع. ومن ذلك:
١.
حجم
التمرد البشري على التعليمات التي تصب في صالح المواطن، وأهمها التباعد الاحترازي،
الذي فشل أغلب المواطنين في تحقيقه على الوجه الصحيح.
٢.
عدم
تفريق المواطن، بل حتى النخب، بين الشأن الحكومي وشأن الدولة. فمعارضة الحكومة أمر
طبيعي، بل ومطلوب، لكن التعليمات العامة هي تعليمات دولة، ويجب الالتزام بها، وهي
لا تتعلق بعادل عبدالمهدي ولا مصطفى الكاظمي، بل هي شأن عام.
٣.
ودعونا
نذهب إلى أبعد من ذلك، فملف كورونا شأن إنساني يعم البشرية كلها. وكنا في رمضان
ندعو للإنسانية كلها بالشفاء، وليس لأمّة محمد عليه الصلاة والسلام فقط. لأن
الغذاء والصحة والطاقة والشبكة العنكبوتية وحركة الملاحة البحرية والطيران
والمصارف والأنظمة العالمية كلها كالأواني المستطرقة، وإذا اختلت عالمياً ستضـر
الجميع. فلا معنى للشعور العدواني فيما يعود على البشرية
بالأمن بأنواعه.
٤.
وجود
تفاوت واضح في تحمل المسوولية والنظر إلى المصالح والمآلات، فهناك في بلدنا من
يخطط وينفذ ويضحي حتى أصيب الكثير من الكوادر الطبية والصحية بالكورونا. وهناك
آخرون على النقيض، بل إن البرلمان ما يزال بعيداً عن تحمل المسوولية، رغم أنها
فرصته الحقيقية لإثبات الوجود بأخذ زمام المبادرة.
آفاق للحل:
من المهم جداً
الدعوة لعقد مؤتمر لمدة لا تقل عن ٣ أيام، يحضـره الأطباء والمسؤولون في الصحة،
وممثلون على أعلى مستوى في الحكومة، واللجان الصحية في البرلمان، والقوات الأمنية،
وحتى الحشد، وممثلو المصارف، والاقتصاديون، والمراجع الشرعية، والإعلام.
وذلك للوصول إلى رؤية نحقق فيها (الأمثلية/Optimization). بمعنى أن نصل إلى الحل الأمثل، فقد ثبت أن
الحظر فشل وفرغ من محتواه، وأن هناك بدائل أخرى، مثل:
- رفع الحظر، وتحمل المسوولية في
استمرار التوعية.
- تخصيص الحظر، والاقتصار على
الضـروريات، مثل التكسب والصحة والدراسة، وإلغاء الجوانب الكمالية، وتقليص الجوانب
الترفيهية إلى الحد الأدنى.
- استخدام سياسة الفتح والغلق المتناوب،
إلى أن يتعلم الشعب كيف يرتب أوضاعه حين يرى الآثار السلبية للتقارب الاجتماعي...
إلخ.
خلاصة القول:
بالإمكان تحويل التهديد إلى فرصة، إذا التزمنا بقوله تعالى: {وقل اعملوا}..
ومن يدري فقد يكون
الحراك القادم مقدمة لحل الكثير من مشاكلنا النفسية والاجتماعية والاقتصادية
والأخلاقية، بل وحتى العقَدية.
منشور في مجلة الحوار | العدد 171 – 172 | صيف 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق