01‏/07‏/2020

تسمية الصابئة المندائية


د. أكرم فتاح سليم
أستاذ في جامعة دهوك
  معرفة التسميات من خلال شرحها، لغةً واصطلاحاً، دربٌ لفهم الموضوع بشكل كامل تقريباً. واخترنا اسم ديانة (الصابئة المندائية)، الموجودة في جنوب شرق العراق؛ لأن التسمية غامضة نوعاً ما، ومركبة، وتسميتهم بهذا الاسم حولها الكثير من الكلام. والمفهوم اللغوي مأخوذ من صبأ الرجل إذا مال وزاغ، فبحكم ميل مشركي الصابئة عن سنن الحق، وزيغهم عن نهج الأنبياء، قيل لهم: الصابئة. ويقال أيضاً: صبأ الرجل، إذا عشق وهوى. والصبوة، أي الانحلال عن قيد الرجال[1]. وجاء أيضاً: من صَبَأَ من دين إلى دين، يَصْبَأُ: خرج، فهو صَابِئٌ[2].  وصبأ الرجل - بالهمزة - إذا خرج من شـيء إلى شـيء، وصبأ يصبو، إذا مال، ومنه قول يوسف (عليه السلام): {وَإِلَّا تَصْـرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[3]،  أي: أمل، والمهموز والمعتل يشتركان، فالمهموز: ميل عن الشـيء، والمعتل: ميل إليه،
واسم الفاعل من المهموز: صابىء، بوزن قارىء، ومن المعتل: صاب، بوزن قاضٍ، وجمع الأول: صابئون، كقارئون، وجمع الثاني: صابون، كقاضون، وقد قرىء بهما[4]. وذكر الطبري: الصابئون جمع صابىء، وهو الـمستـحدث سوى دينه ديناً، كالـمرتدّ من أهل الإسلام عن دينه، وكل خارج من دين كان علـيه إلـى آخر غيره، تسمّيه العربُ صابئاً، فيقال: صَبَأ فلان يَصْبَأ صَبْأً، ويقال: صبأت النـجوم: إذا طلعت، وصبأ علـينا فلان موضع كذا وكذا، يعنـي به طلع[5].
  وقال صاحب كتاب (التحرير والتنوير): "والأظهر عندي أن أصل كلمة الصابئ، أو الصابئة، أو ما تفرع منها، هو لفظ قديم من لغة عربية أو سامية قديمة، هي لغة عرب ما بين النهرين من العراق. وفي دائرة المعارف الإسلامية أن اسم الصابئة مأخوذ من أصل عبري هو (ص ب ع)، أي غطس. ودين الصابئة، دين قديم ظهر في بلاد الكلدان في العراق، وانتشر معظم أتباعه فيما بين الخابور ودجلة، وفيما بين الخابور والفرات، فكانوا في البطائح، وكسكر، في سواد واسط، وفي حران من بلاد الجزيرة"[6].
    وأصبحت الصابئة علماً لكل من أسلم، وتبع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان مشركو قريش يسمّون من أسلم بالصابئ، خاصة عندما بعث محمد (صلى الله عليه وسلم) وصفه المشركون بالصابئ، وكذلك دعوه بابن أبي كبشة، الذي هو أحد أجداد آمنة الزهرية أم النبي، كان أظهر عبادة الكواكب في قومه، فزعموا أن النبي ورث ذلك منه، وفي حديث عمران بن حصين، أنهم كانوا في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفد ماؤهم، فابتغوا الماء، فلقوا امرأة بين مزادتين على بعير، فقالوا لها: "انطلقي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: الذي يقال له الصابئ، قالوا: هو الذي تعنين"، وكذا يسمّون المسلمين: الصباة، كما ورد في خبر سعد بن معاذ، أنه كان صديقاً لأمية بن خلف، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية، فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة انطلق سعد ذات يوم معتمراً، فنـزل على أمية بمكة، وقال لأميّة: "انظر لي ساعة خلوة لعلّي أطوف بالبيت، فخرج به، فلقيهما أبو جهل، فقال لأمية: يا أبا صفوان من هذا معك، قال: سعد، فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمناً، وقد أويتم الصباة"[7].
وقال صاحب (مغني المحتاج): "الصابئون: طائفة من النصارى سمّيت بذلك لنسبتها إلى صابىء؛ عم نوح - عليه السلام -". وقيل: لخروجها من دين إلى دين، وكان المشـركون يسمّون الصحابة صابئة، لخروجهم عن دينهم إلى الإسلام[8].
    أما القسم الثاني من التسمية المركبة وهي المندائية، فاشتقت من الجذر (مندا)، وتعني باللغة المندائية - التي هي فرع من اللغة السـريانية القديمة-: (المعرفة أو العلم). وكلمة الصابئة مشتقة من الجذر (صبا)، وتعني بالمندائية: اصطبغَ، أي: تَعَمَّدَ أو غطس في الماء، وهي من أهم  شعائرهم الدينية[9].
 فالدين المندائي، حاله حال بقية العلوم والفنون، التي يتداولها الإنسان، فهي تطورت ونمت وتأثرت إلى أن وصلت ما وصلت إليه الآن، عبر مشوارها الطويل في الحضارات الإنسانية منذ القِدم إلى العصـر الحالي. وهي معرفة بوجود خالق هذا الكون، والإيمان به، والتسليم لأمره، وتؤمن بالأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله إلى المندائية، وكان آخرهم النبي يحيى - عليه السلام -، الذي يعدونه نبياً لهم، ويزعمون أنهم على ملة نوح (عليه السلام)[10]. وسوف نوضح عقائدهم وطبيعة ايمانهم بالله بشـيء من التفصيل في مقال آخر.
 والصابئة المعاصـرون المندائيون هم الفرقة المنتسبة إلى الصابئة الموجودة اليوم في إيران والعراق، وكلمة مندائي هي - من حيث اللغة - كلمة آرامية، وهي اسم صفة يتكون من مقطعين:
المقطع الأوّل: صفة مندا، وتعني العلم أو المعرفة.
المقطع الثاني: الياء (مندائي)، وهي تعني: النسبة.
فيكون المعنى: صاحب الدراية الإلهية والعلم والمعرفة[11].
شرحنا التسمية موجزاً، والصابئة عندهم فرق عديدة، ووراء كل فرقة قصة، وسبب تسميته باسم معين، ولا نستبعد مجيء التسمية من عقائد وطقوس وعبادات، وسوف نتطرق - بإذنه تعالى- في الجزء الثاني من هذا المبحث إلى عقائدهم وفلسفاتهم.



[1]  الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر الشهرستاني، مؤسسة الحلبي، ج2، ص63.
[2] المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي الحموي، (ت 770هـ)، المكتبة العلمية – بيروت، ص332.
[3] سورة يوسف: آية 33.
[4] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) المحقق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض - المملكة العربية السعودية، ج2، ص251.
[5] تفسير الطبري، محمد بن جرير بن يزيد الآملي، أبو جعفر الطبري (ت 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ = 2000م ، ج2، ص145.
[6] التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن عاشور التونسي (ت 1393هـ)، الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 1984 هـ، ص533.
[7] السيرة النبوية: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774هـ)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان، عام النشر: 1395 هـ = 1976م.
[8] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (ت 977هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ = 1994م، ج4، ص315.
[9] مجلة الراصد الإسلامية فرق ومذاهب الصابئة، عدد22، ربيع الآخر، 1426هـ، ص7.
[10] الصابئة المندائيون، العقيدة والتاريخ، محمد نمر المدني، دار ومؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2009م، ص14.
[11] الصابئة المندائيون، دراسة في تاريخ ومعتقدات القوم المنسيين، سليم برنجي، ص 50.



منشور في مجلة الحوار | العدد 171 – 172 | صيف 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق