01‏/07‏/2020

بصراحة/ تظاهرات العراق اليتيمة!


    صلاح سعيد أمين
منذ الإطاحة بالنظام السّابق، والتغيّرات التي حصلت بالعراق عام 2003م، لجأ الشعب العراقي - بأطيافه ومذاهبه كافة - مرّات عديدة إلى الشوارع ، وهتفوا ضد الفساد، ورؤوسه، وطالبوا بتحقيق العدالة، وتأمين الخدمات الأساسية؛ كالكهرباء، والمياه الصالحة للشـرب، والوقود، وإيجاد فرص العمل، وإنهاء البطالة، واستئصال الروتين في دوائر الدولة.. وهلمّ جرّاً.
مطالبات بسيطة مشـروعة، لا تحتاج إلى هتافاتٍ في الشوارع، ولا إلى صـُراخٍ في المدن والقصبات والقرى، وهي من أولى الأولويات التي تقع على عاتق أيّ حكومة في العالم. ولكنّها أصبحت حلماً بالنسبة للعراقيين، ومطلباً عسيراً لا يُؤخذ إلا بالدّم، والتظاهر في السّاحات العامّة، وتعطيل المدارس والجامعات، والمنشآت الحكومية!
تأملوا في هذه المعادلة: بلد غنيّ على كلِّ الأصعدة؛ النّفط، والزراعة، والطاقة البشـرية، أصبح يتلظّى - في ظلِّ
الفسادِ الإداريّ - في أتون جحيمٍ لا يُطاق، وصار ابناؤه يتوسّلون إلى منحةٍ أو عطاءٍ من حكوماته المهترئة، ولم يبق أمامهم إلا النزول إلى الشوارع؛ احتجاجاً على الظلم والقهر والمعاناة!
عندما هبّت رياح الرّبيع العربي في المنطقة، انتفض أهالي محافظاتٍ ستّة، خصوصاً في الوسط،  وطالبوا بتحقيق العدالة، وتأمين الخدمات الأساسية، ولكنّهم - بدلاً من ذلِك - فوجئوا أن ثمن مطالبهم المشـرُوعة - في مظاهراتهم – أصبح وابلاً من الرّصاص الحي، إذ هجم الجيش العراقي – آنذاك - المتظاهرين المسالمين المطالبين بحياةٍ كريمة لائقة، فسُفكت دماءٌ بريئة، وأهدرت أرواح الأبرياء ظلماً وجوراً.
  ولم يقل أحد حينئذٍ، في الشّارع الشيعي، كلمةً، دعماً للمحافظات الستّة المنتفضة، التي كانت غالبيتها من أبناء السنّة المنكوبين، وحصل ما حصل.. وكان ذلك من الأسباب التي مهّدت الطريق لغزو ثلث مساحة البلد من قبل تنظيم داعش، بتلك السهولة والبساطة.
واليوم، وبعد مرور عقدٍ من الزمن - تقريباً - على ما جرى في المحافظات السنّيّة المنتفضة، نرى أبناء الشعب، قد نزلوا مرّة أخرى إلى الشوارع - وغالبيتهم من الشيعة، وفي محافظات الجنوب على وجه الخصوص -، وبدأوا يطالبون بما طالب به إخوانهم المتظاهرون السنّة من قبل. فعلى أبناء السنّة، ووجهائهم، أن يدعموا ما هتف أبناء الشيعة من أجله، وأن لا يتركوهم وحيدين في الميادين، كي لا تأكلهم الذئاب أكلاً، ولا تذهب صرخاتهم هدراً.
أخيراً، فالطريقُ أمامنا - نحن؛ شعب العراق - طويل، لم يفرش بالورود والرياحين، وإنْ لم نتّحد، ولم نساند بعضنا بعضاً، فلن نصل إلى نتيجةٍ منشودة أبداً، وسنبقى في جحيم هؤلاء المستحوذين الفاسدين!، وستبقى تظاهراتنا يتيمة، دون جدوى.



منشور في مجلة الحوار | العدد 171 – 172 | صيف 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق