18‏/01‏/2011

الشرق الأوسط الجديد.. الفوضى الخلاقة وضحايا التغيير (2 -3)

د.علي عبد داود الزكي
قدسية الحدود الوطنية ماذا تعني؟ إنها وثنيات صماء وضعت من قبل فرنسا وبريطانيا في معاهدة (سايكس بيكو) معاهدات ما بين القوى العظمى التي كانت مسيطرة على الشرق الأوسط! فلماذا حتى اليوم تقدس أوثان المحتل؟! أوثان من لا يريد من ذلك سوى مصالحه، للأسف الأنظمة العربية ودول الشرق الأوسط بشكل عام أصبحت تابعا ذليلا لكل فكرة تطلق ولكل رأي ولكل غباء امبريالي يرسخ الهيمنة على الشرق الأوسط من قبل الغرب، وهذا ما رسخ مفاهيم جديدة لقيام ونشوء الدول الهزيلة المتصارعة والفاقدة للقدسية الوطنية الجامعة والعميلة للقوى العظمى في العالم. وضعت الحدود لصالح إدامة وحفظ مصالح إسرائيل وأوربا وأمريكا، ثم ترسخت هذه المفاهيم في العصر الذي كان العالم فيه مكونا من معسكرين (شيوعي) و(رأسمالي) ثم انطلقت مع سقوط الكتلة الشرقية سياسة نشر أفكار الفوضى الخلاقة والعولمة او (الأمركة) وإعادة هيكلة العالم بنشر أفكار جديدة لإعادة تقسيم العالم من جديد لصالح المعسكر المنتصر؛ عالم القطب الواحد، عالم الشركات العظمى متعددة الجنسيات التي ستحكم العالم بدلا من مفهوم الدولة القديم الذي كان ولازال سائدا ومنذ عقود. الفوضى الخلاقة التي تعمل على إنهاء قدسيات الحدود بخلق الفوضى والصراع الفكري والثقافي والعرقي داخل حدود الدول، بدأت الفوضى في العراق وأفغانستان، والبعض يظن بأن الفوضى الخلاقة هي نظرية تخص العراق وحده لغرض إعادة تشكيل الخارطة السياسية العراقية والتخلص من الذين لا ينسجمون مع الرؤى الأمريكية ومصالحها وخلق حكومة عراقية تابعة وراعية للمصالح الأمريكية في ظل هذه الفوضى، لكن يبدو أن هذا الرأي قد يصح جزئيا! فأمريكا لا تسعى إلى هذا الهدف فقط، إنها تسعى لخلق الفوضى في العراق وتهشيم كل أواصر التلاحم وإيقاد نار الفتن هنا وهناك وجعل المجتمع في حالة صراع وضياع وتناقض مما يفقد المجتمع هويته الوطنية ليتقبل أفكارا جديد ويتقبل مفاهيم جديدة. تدعم امريكا ذلك وتعمل على بقاء الفوضى في العراق ومن ثم تصديرها تدريجيا لكل دول الشرق الأوسط من العراق وأفغانستان لتعم الفوضى الخلاقة المنطقة، كما نشاهد الآن بوادر ذلك في باكستان والهند واليمن والسعودية والمغرب العربي والسودان وغيرها من الدول، الفوضى ستدخل إلى كل دول المنطقة ولم يكن العراق سوى البداية. وهنا لابد أن أشير إلى أنه لا يمكن تقسيم العراق لخلق شرق أوسط جديد إلا بعد تهيئة الأرضية لتقسيم الدول الأخرى في المنطقة ككل، وذلك لن يتم إلا بالفوضى. 

إيران ومشروع الفوضى الخلاقة
إيران يبدو أن أقدامها سحبت أيضا الى حلبة الفوضى بتيارات التناقض الداخلية المدعومة من قبل أمريكا والغرب، يبدو انها كلما حاولت التخلص والخروج من الفخ وقعت فيه أكثر. أما السعودية فهي الطرف الأكثر سرعة باتجاه الدخول إلى مستنقع الفوضى؛ طبعا هذا كله يأتي بتشجيع أمريكي عبر خلق ورسم أشباح وأعداء وهميين لغرض تنمية روح العداء وشراء وتكديس السلاح الأمريكي في سباق تسلح سيدمر المنطقة، فوفرة السلاح ستمهد إلى استخدامه لخلق شيء من الفوضى البسيطة والتي سينفلت زمامها بضربات اقتصادية كبيرة للخليج! ما يمهد لفوضى عارمة لا يمكن ان تستوعبها حكومات المنطقة وتبقى اللعبة بيد أمريكا التي تتحكم بها بـ(الريموت كونترول) تتحكم بكل أقزام الشركات الاقليمية واقزام الاستثمار الاغبياء!! إنها تعرف الجرع التي تحتاجها كل دولة هنا وهناك وتعرف كيف تعطي السلاح؛ ولمن تعطيه لخلق الفوضى، وبذلك ستنتشر الفوضى وتعم المنطقة ككل. قيم في مهب الريحالقيم الوطنية التي أسس لها الاستعمار القديم تحت اطر الحدود التي رسمت من قبل بريطانيا وفرنسا ستكون في مهب الريح وتنشأ صراعات ضياع الهوية لتنمو الهشاشة في المنطقة وتتصارع المكونات العرقية في المنطقة بظل الفوضى والجهل والعولمة والتغريب ونشر الفساد والخلاعة. مما سيسبب نزوحات شعبية وصراعات دموية قد تستمر الى عقد او اكثر من الزمن وهو ما يسهل على أمريكا رسم خطوط مقدسة جديدة، وحدود جديدة للدول حيث ستنمو سيطرة الشركات العالمية العظمى وتنشيء مافياتها هنا وهناك. وستتجاوز الشركات مفهوم الحدود وتدخل العالم كله في صراع الفوضى بين النمو الاقتصادي المزعوم الذي سيعمل على الاجهاز على البساطة والسلام وتدمير البيئة لصالح المجتمعات في دول العالم الثرية والتي ستصدر السموم الى بلدان العالم الفقيرة والضعيفة. فهل القدسية الجديدة التي تسعى لخلقها أمريكا وفق حدود وطنية جديدة لشعوب المنطقة أفضل من القدسية السابقة أم لا؟ من المتوقع أن تظل الفوضى التي خلقتها أمريكا في الشرق الأوسط لفترة طويلة، وستكون هناك صراعات ونمو أفكار جديدة وتغيرات فكرية هائلة ستجعل الصراع على أوجه لعقد او اكثر من الزمن! ما سيمهد لتقبل فكرة إعادة التقسيم التي يرفضها الجيل الذي كان يعيش استقرارا، او انه كان يعيش الرفاهية الظالمة لحقوق المجتمع وفقا للقدسية القديمة لحدود الدولة والوطن. ان مفاهيم القومية والوطنية والعرقية والاثنية مفاهيم حديثة لم تكن متداولة في العهود الإسلامية القديمة، فقد جاءت وافدة نتيجة ترجمة أفكار نشوء الدول الأوربية بمفهومها الحديث بعد الثورة الصناعية، وحصلت بسببها كوارث عالمية منها الحربان العالميتان..! وحلت الكوارث بكل من تبنى هذه المفاهيم في الشرق بعد ذلك! ان مفهوم الدولة الجديد الذي تسعى إلى خلقه أمريكا في عالم القطب الواحد يعد مفهوما يصعب إدراكه اليوم، وتوقعات إحداثه وأشكاله تكاد تكون خيالا. لكن أمريكا لها إستراتيجيتها وستنفذها على مدى عقود من الزمن، وسيكون الخاسر الأكبر من كل هذه التغييرات هم من لا يؤمنون بهكذا تغييرات؛ حيث ستستغل امريكا الجهل المسلح والفوضى لتجبر هؤلاء إما إلى الرضوخ او تعمل على تصفيتهم، وسيحاول ذوي التفكير الآني الارتجالي من المفكرين إلى خلق أجواء افلاطونية لتوعية المجتمع لكن كل ذلك سيضيع في ظل موجة الفوضى الخلاقة التي سيكون أول ضحاياها هم المفكرون الوطنيون الذين لديهم رؤى وطنية في بناء دولهم بشكل سليم ومثالي؛ فكلما سيتقدمون خطوة سيجدون أنفسهم ابعد عشرين خطوة إلى الوراء عن هدفهم! بسبب الارتجال والتغريب والجهل الذي سينمو بقوة في ظل الرعاية الأمريكية، فلا فوضى الا مع الجهل، والجهل اليوم اخذ مفهوما جديدا فقد لا يعني من لا يعلم ولا يعرف؟! بل انه يعني المتعصب الذي يقرأ لونا واحدا من الأفكار السوداء التي ستجعله يحارب جميع الأفكار الأخرى التي لا يؤمن بها، وليس لدى الجيل الجديد الوقت لقراءة الرؤى الصالحة في ظل العولمة الهائلة ونشر الخلاعة ونشر الأمراض النفسية في المجتمع مما سيزيد التناقض ويزيد التغرب ويزيد جهل المجتمع وتناقضاته، فلو فتحت في مدينة ما مراكز ثقافية تدعو لفكر معين باستغلال تاريخ وثقافة هذه المدينة وتم دعمها بشكل غير منطقي لتنمية روح الصراع والعنصرية!؟ وفي مدينة أخرى مجاورة لهذه المدينة عمل نفس الشيء واستغلت ذات الظروف وتم دعم أفكار التطرف والتناقض مع المدينة الجارة، فخلال فترة 10 سنوات سيكون هناك جيل التغرب والصراع الكبير بين هاتين المدينتين، وبذلك يمكن تهشيم أواصر التلاقي بينهم مما سيولد تشرذما يخدم مفهوم الفكر والأخلاق الغربية التي تؤسس لخلق الفوضى والضياع لتسهل عملية نشر العولمة (الامركة)!! وهذا سيخدم العولمة؛ والإجهاز على القيم والتقاليد المحلية، وأواصر التلاحم الوطنية والانتماء، وهذا ما يحصل في العراق اليوم ويبدو ان هذا بدأ يتسرب الى كل دول المنطقة وبأساليب مختلفة. لذا يجب ان نحدد مفهوم الوطن والأرض والثروة والعدالة لماذا الإنسان الشرقي مستعد للتنازل عن هويته مقابل الحصول على جنسية دولة أوربية؟ أين مفهوم قدسية الوطن؟؟ لماذا وزراء ونواب عراقيون اليوم لا يتخلون عن جنسياتهم الأخرى ويفضلونها على جنسيتهم العراقية؟!!!!! وهل هناك معنى للوطن في ظل وجود الفساد والظلم؟!!! وهل الوطن يمكن ان يعيش على ارضه اعراق واطياف مختلفة؟ ما هي قدسية الحدود الوطنية؟ هل حدود الصحراء مقدسة؟! ام انها رمال تجلب الهم والفقر والبؤس!! هل الوطن هو الثروات ام انه شعور بالانتماء وشعور بالحب والالفة مع من نعيش معهم على ارض واحدة؟!! ومتى يكون هذا الشعور صادقا؟ ما هي منطقيات الكلام عن الوطن وقدسيته؟ ان قدسية الحدود يجب ان تعاد صياغتها بتفاهمات اقليمية ناضجة لتجنب كوارث ما سيحصل. ان قدسيات الحدود ستزول بمفهوم الولايات المتحدة الشرق أوسطية، فهل ستكون هذه الدولة هي دولة عظمى تحترم حقوق مجتمعاتها وتنمي الثقافات الجامعة لكل الشرق بعيدا عن التغرب ونكران الذات الاقليمية؟؟؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق