18‏/01‏/2011

اختيار الأصدقاء ومن هو الـصديق؟

إعداد: رمزية عبد الله محمد (أم إسراء)
الإنسان يتأثر بالوسط الذي يعيش فيه، فيأخذ عن أصدقائه طباعهم وعوائدهم وأخلاقهم، وتتسرب إليه صفاتهم ومبادئهم، وكذلك يأخذ من أهله وطائفته وزملائه وأهل حرفته، تتسرب الأخلاق من الصديق لصديقه بسهولة وسرعة بدون أن يشعر الصديق، تنطبع نفس الصاحب بصاحبه، برغمه، أراد أم لم يرد، وهذا هو السر في تشابه أفراد أي طائفة، واتفاق أخلاق أهل كل مهنة وصناعة، فللعمال صفات خاصة، وللطلبة أخلاق تميزهم، وللموظفين مظاهر تجمعهم، فكذلك للصالحين مبادئهم، وللأشرار مساؤهم {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}.
والمرء منا لا يستطيع اعتزال الناس جميعا فهو مضطر إلى العمل، وله فيه زملاء؛ مضطر للسكن فيكون له جيران، محتاج للسفر أو السعي، محتاج للتعامل ليقضي حاجته، فلا مفر له من التعارف والاختلاط، والصداقة والصحبة، ولا يصح أن يصاحب الإنسان كل من صادفه، ويصادق كل من لقيه، فليس كل مخلوق يصلح لصحبتك، بل الواجب تخيّر الصديق، وانتقاء الصاحب ووزن الناس قبل الاختلاط بهم، والبحث عن تدينهم وخلقهم، وأعمالهم وذممهم، قبل الارتباط بهم، بما أننا سنتأثر بطباعهم وسنقلّد عوائدهم، فعلينا أن ندقق في مصاحبة الخلوق كما نهتم وندقق في اختيار ملابسنا، واستئجار مساكننا، واختيار أكلنا وشربنا، ننتقي الملابس الجيدة المتينة لتكسبنا مظهرا ووقاية، فلم لاننتقي صديقا جيد النفس متين الخلق، ليكسبنا رفعة وهداية، لا نستأجر إلا سكنا نظيفا مريحا تزوره الشمس والهواء حفظا لصحتنا وأبداننا وراحة لنفوسنا، فلم لا نبحث عن نظافة الصديق أو طهارة باطنه، حفظا لأخلاقنا وإبقاء على أرواحنا، وراحة لضمائرنا، نخشى من الأكل الفاسد، والأطعمة الحامضة، والشراب الملوث أو المغشوش، فكيف لا نخشى صاحبا فسد خلقه، وحمضت أخلاقه، وتعفنت صفاته وله نفس ملوثة بالإثم والفجور، وهو في خلقة الإنسان، ولكنه إنسان مزيف ومغشوش، لا خير فيه، يتلف نفسك، ويفسد طبعك، ويشكك في دينك ويقينك، ويزين لك المحرم، ويحبب إليك المنكر، لا يعرف ربه ولا يذكر خالقه، يعبد دنياه ويتبع هواه، مثل هذا أمرك الله بمقاطعته فقال تعالى {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى}. وقال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)الناس غلب عليهم الجهل وترك الدين، وتسلطت عليهم الشهوات حتى جاهروا بها فكيف نندفع في صحبة لا نفع فيها، وكيف ننساق مع صداقة لا تزيدنا علما أو تدينا أو تهذيبا أو رفعة وكمالا؟. لا تصاحب الأحمق الفاسق المحب لذاته والمستهتر، فان طبعك يسرق من طبعه فتصبح مثله من حيث لا تدري، تجنب المجالس التي تدبر فيها السهرات الليلية، والحفلات الشيطانية ويتبارى فيها الأصدقاء في تصيد النساء، هؤلاء حزب الشيطان الخاسرون، تجنب المحافل والمجامع والمعاهد والمدارس التي ظهر فيها الإلحاد، وأعلن فيها الفساد باسم الثقافة أو العلم، أو حب البحث، فخاضوا في كلام الله تضليلا وتأويلا، وحوروا الأمور للسائل تشكيلا وتبديلا، {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}.
قاطع كل من ظلم نفسه فأرداها، وعميت بصيرته فدسّاها بالشر والفسق والفجور لئلا يسحبك معه إلى نار جهنم {ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار}.ابتعد عن من انغمس في اللهو واللعب، حتى ماتت نفسه، وضاع شرفه، وفقد الرجولة فأندفع عابثا ماجنا، لا يراقب ربا، ولا يخشى جزاءا في آخرته، فكم من شاب مهذب متعلم كان مثال الاستقامة قد انقلب خليعا فاسقا متسكعا متهتكا، فنبحث عن سر انقلابه، فنجده قد صاحب الأشرار وخالط الفجّار، واندمج في الشباب المخنّث.كم من رجل كان أخ المساجد، رفيق العباد، صديق الشرف والنزاهة، أصبح أخ الحانات، ورفيق الزانيات، صديق الخمر والميسر لأنه هجر الرحمن، ووصل الشيطان، فحق عليه قوله تعالى:{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبأس القرين}.كم من فتاة عذراء طاهرة قد رجعت شيطانة فاجرة، وخلعت عذار الحياء فسارت عارية سافرة، بعد أن كانت تخجل من محادثة والديها، أصبحت تحادث الرفقاء من الشبان، وتغريهم بالإثم، وتدعوهم للفاحشة، والسبب سوء الوسط، وانحطاط الصداقة.كم من زوج مخلص لزوجته، وكم من امرأة أسعدت بعلها، ينقلب الزوج عاشقا لغريبة، والزوجة خليلة لغريب، والسر هو أعوان ودعاة السوء، والله سبحانه يقول:{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه، وكان أمره فرطا}.عاهد نفسك من الآن وأنت في طاعة الله، أن لا تجلس على مقهى أو في دكان لتغازل النساء، أو تغتاب الخلق، أو تتغامز على من يمر بك، أو تحرّض على منكر، أو تعين على محرم.عاهد ربك أن تفر من الأشرار كما تفر من الأجرب والمحموم، فإن عدوى الحمى لها علاج، وأما عدوى الآثام فعلاجها عسير، تخيّر صديقك من أهل الدين والتقى والعلم، والخلق والعمل والحزم، تسعد به وتنتفع منهفالله تعالى يقول:{وأتبع سبيل من أناب إلي}. نسأل الله أن يكفينا شر الأشرار وكيد الكفار وشر المنافقين ...اللهم آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق