09‏/10‏/2012

بين السرقة والإهمال والتخريب والفساد ثروة العراق النفطية إلى أين تتجه؟

بقلم محمد صادق امين
مدير التحرير
أعلنت وزارة النفط العراقية في 4 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي أن المخزون النفطي العراقي تحت الأرض يبلغ 505 مليارات برميل، كما أن الاحتياطي الثابت القابل للاستخراج هو 134 مليار برميل.
إلا أن تقارير دولية سبقت هذا الإعلان ,أشارت إلى أن احتياطي العراق يقدر بحوالي 240 ـ 300 مليار برميل؛ وهو ما يجعل العراق يقفز إلى المرتبة الأولى بمخزونه النفطي، وقد يجعله ذلك يتقدم على السعودية التي تحتل المرتبة الأولى 264.5 مليار برميل، وفنزويلا الثانية 211,1 مليار برميل، وإيران الثالثة 137 مليار برميل، وفقا لأرقام منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك).

هل النفط سبب غزو العراق
هذه الأرقام تطرح على الطاولة تسائلا مهما للغاية؛ هل كان النفط العراقي السر الذي دفع الجيوش الأمريكية لاحتلال العراق تحت ذرائع وعناوين مختلفة؟ وللحصول على إجابة كان لابد لي من البحث عن بعض المعطيات والأرقام التي أوصلتني إلى إجابة لا يفندها إلا من يملك معطيات أقوى منها تكون قادرة على إثبات العكس.

التدمير المتعمد لصناعة النفط
من يتابع المعطيات المتعلقة بصناعة النفط في العراق بعد عام 2003؛ يجد بكل وضوح تدميرا متعمدا للبنية التحتية لهذه الصناعة، سببه عاملان:
الأول – الاحتلال
فوضع القطاع النفطي العراقي في الجانب ألاستخراجي اليوم أسوء من اليوم الذي احتل فيه العراق، فإنتاج النفط الخام في آخر شهرين قبل الاحتلال كان 2.85 مليون برميل يوميا، في المقابل الإنتاج حاليا يبلغ 2.3 مليون برميل يوميا؛ بفارق نصف مليون برميل اقل من فترة ما قبل الاحتلال.
من ناحية المشتقات النفطية؛ منذ الاحتلال لم يتمكن العراق من سد احتياجاته من المشتقات النفطية بكافة أنواعها، فإنتاج المشتقات النفطية لم يتجاوز 60% مما كان عليه قبل الاحتلال،فالعراق ينفق مابين 5-6 مليار دولار سنويا على استيراد المشتقات النفطية.
السبب في هذا التدهور هو الانفلات الأمني الذي عم أرجاء العراق بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق، وهو انفلات أثار ويثير الكثير من علامات الاستفهام عن سبب وقوف القوات الأمريكية موقف المتفرج من تدمير ألبنى التحتية من قبل مجاميع تخريبية يقال أن بعضها كان منظما، وهاجم منشئات ومؤسسات محددة بناء على معلومات وخرائط دقيقة، ففي الأسابيع الأولى من الاحتلال تم هدم ونهب وسلب وتخريب وحرق مئات المنشئات النفطية ومنظومات السيطرة تحت سمع ونظر الجيش الأمريكي، وهو السبب الرئيس في تدمير البنية التحتية للمؤسسات النفطية.
وبلا أدنى شك سيطرح هنا تسائل مفاده؛ ما مصلحة الولايات المتحدة في تدمير البنية التحتية لإنتاج النفط العراقي؟ والجواب أن ما تم تدميره اليوم لا يمكن إعادة بنائه وإعماره إلا عبر شركات نفطية كبيرة من حيث الإمكانات والآليات، ولا يملك مثل هذه الشركات غير الولايات المتحدة، ومن حالفها في الحرب على العراق، لذلك لا يمكن أن يقال إن الشركات النفطية لم تحصل على حصة الأسد في مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية للنفط العراقي، فهي كافأت في المرحلة الأولى من تحالف معها من دول ولو سكوتا أو تغاضيا عن حربها من خلال إتاحة الفرصة لشركاتها للاستثمار في القطاع النفطي العراقي، وهي ستستأثر بحصة الأسد في المرحلة الثانية التي تأتي بعد انسحاب الجيش الأمريكي المرتقب نهاية العام الجاري، حيث أعلن على لسان أكثر من مسؤول أمريكي أن الاحتلال سيتحول إلى تعاون مدني، وعلى راس هذا التعاون سيكون استثمار الشركات النفطية الأمريكية العملاقة في البنى التحتية النفطية العراقية التي تم تدميرها!!.
الثاني-الفساد والإهمال الحكومي
يحتل العراق مركزا متقدما جدا في تصنيفات تقارير الشفافية الدولية للدول الأكثر فسادا، حيث لا يزال محافظا عل المرتبة الثانية منذ عام 2003، بفساد ضرب أطنابه في كل أرجاء الدولة، والحكومة، والمجتمع، على الرغم من وصول أرقام الميزانيات التي خصصت للأعوام الماضية إلى أرقام قياسية بسبب ارتفاع أسعار النفط، فميزانية العام الماضي بلغت 320 مليار دينار عراقي مايعادل280 مليار دولار، وتعد هذه اكبر ميزانية في تاريخ الموازنات العراقية خلال 70 عاما مضت، فأين ذهبت؟ إذ لا تزال الخدمات في مستوياتها الدنيا، على سبيل المثال في مجال الكهرباء، يتجاوز عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي في ذروة حرارة الصيف الملتهب الثمانية عشرة ساعة في اليوم، فيما لا تصل خدمات المياه الصالحة للشرب لأكثر من 25% من السكان، مع انقطاع مستمر في الماء، وتراجع نوعية المياه ودرجة نقاوتها.
وفي القطاع الصحي لم تتسلم المشافي في عموم العراق ماعدا إقليم كردستان العراق اللقاح الثلاثي منذ أكثر من ستة اشهر والذي يعد أهم لقاح بالنسبة للمواليد الجدد، مضافا إلى ذلك الإهمال والتسيب الذي يعم مؤسسات الحكومة، حيث لم تتمكن الحكومة من أن تنفق من ميزانية عام 2008 أكثر من 50% وبعض الوزارات لم تنفق أكثر من 20% من الميزانية المخصصة لدعم واعمار وتشغيل البنى التحتية.
وقد شمل الفساد القطاع النفطي الذي تم تدميره كما أسلفنا، وكان على الحكومات العراقية واجب إعادة بناء ما دمر لان النفط هو الشريان الوحيد الذي يعتمد عليه العراق في تغذية اقتصاده، وقد خصصت ميزانيات بأرقام كبيرة لهذا القطاع إلا أن الفساد ابتلع التخصيصات، وضل القطاع النفطي يراوح مكانه، كمعدل؛ ما خصص للنفط على مدى 6 سنوات مضت حوالي 3 مليار دولار سنويا أي 18 مليار للسنوات الست، يذكر أن وزارة النفط العراقية في السبعينات والثمانينات والتسعينات لم تنفق على مدى ثلاث عقود مبلغ 18 مليار دولار؛ مع ذلك رفعت الطاقة الإنتاجية إلى 4 مليون برميل يوميا بخبرات عراقية صرفة، وطاقة التصفية إلى 700 ألف برميل يوميا، إلا أن ست سنوات انفق فيها 18 مليار لم تنجح في رفع الإنتاج إلى 3 مليون برميل في اليوم، ما دفع الحكومة العراقية إلى فتح باب الاستثمار أمام الشركات الأجنبية، ففي عام 2006 وقع العراق ثلاث عقود لتطوير ثلاث حقول نفطية إلا أنها لم تنجز؟! وتم إهدار المبالغ بالفساد أو بشراء معدات لا احد يعرف ماذا حصل لها، وكان من المفترض أن يتم بناء أربعة مصاف عملاقة لتجاوز إهدار المال في استيراد المشتقات النفطية من دول الجوار وقد بقيت هذه المشاريع على الخرائط فقط ولا احد يعرف لماذا لم تنفذ؟!. الحكومة تقول إن الأموال أنفقت في تطوير المصافي، وإنشاء مصافي صغيرة مثل مصفى النجف، وفي تشييد أبنية لوزارة النفط!!!.

الخسائر بسبب سوء الإدارة493 مليار دولار
خسائر العراق النفطية لا يتحمل وزرها الاحتلال فقط؛ بل إن أبناء البلد الذين شغلهم الانتقام، والثأر، وتصفية الحسابات، عن بناء دولتهم العتيدة، التي شكوا لعقود نهبها من قبل البعثيين وأذنابهم يوم كانوا يملئون مقاعد المعارضة في طهران ولندن وواشنطن،تركوها وراء ظهورهم لصالح تصفية حسابات عرقية وطائفية، ملئت شوارع العراق بالدماء، وحواضره بمخيمات التهجير، وتظهر الأرقام كم المليارات التي خسرها العراق بسبب الإهمال وسوء الإدارة، كما جاء في دراسة الخبير في شؤون الطاقة نزار حيدر الذي يعمل في قسم البحوث بشركة (دي تي آي) الأمريكية لشؤون الطاقة أن خسائر الاقتصاد العراقي في قطاع النفط بلغت نحو 493 مليار دولار مابين عامي2003-2011 وهي خسائر ناجمة عن سوء الإدارة والتخطيط وتعطل المشاريع وتأجيلها، كما أن هذه الأسباب أدّت في الوقت ذاته إلى ضياع 8.5 مليون فرصة عمل محتملة كان من الممكن أن ترفع دخل المواطن السنوي من 3500 دولار إلى 18 ألف دولار سنوياً”.
وذكرت الدراسة أن “خمس سنوات قد أهدرت قبل أن تتوصل حكومة المالكي إلى الخطوة الضرورية لتحريك عجلة الإنتاج النفطي للوصول إلى معدلات إنتاج مقدارها 3.1 مليون برميل في نهاية عام 2011، و3.7 مليون برميل في عام 2012 “.
وقدّر الباحث خسائر العراق المالية الناجمة عن تأخر المشاريع الإنتاجية للنفط بما مجموعه “227 مليار دولار بين أعوام 2006-2011 و 538 مليار دولار بين أعوام 2012-2016 في حالة محافظة أسعار النفط على معدل سعر يعادل 80 دولارا للبرميل الواحد”.
وأشار حيدر إلى أن “خسائر العراق الاقتصادية من تأخر مشاريع الغاز الطبيعي تقدّر بما مجموعه 52.9 مليار دولار بين عامي 2006 و 2011 و 147 مليار دولار بين عامي 2012 و2016″، وستصل الخسائر الإجمالية إلى 5.3 ترليون دولار مقتربة بذلك من خسائر العراق الاقتصادية نتيجة الحروب التي خاضتها البلاد إبان عهد صدام حسين والبالغة نحو 7.8 ترليون دولار”.

تهريب النفط
تتحدث التقارير من مختلف المصادر المحلية والدولية، عن تعرض النفط العراقي إلى عمليات تهريب واسعة النطاق، من قبل عدة أطراف منها؛ عصابات منظمة استغلت الفراغ الأمني، وضعف الدولة، وانتشار الفساد في أرجاء مؤسسات الحكومة.
الطرف الثاني وهو الأهم؛ الأحزاب النافذة في الحكومة العراقية، إذا أشارت تقارير أمريكية إلى قيام أحزاب كبرى مؤسسة للحكومة بتهريب النفط العراقي إلى إيران بنصف السعر المتداول دوليا، وتقوم الأخيرة بتصديره في عملية اقتسام للأرباح تتم بإشراف حكومتي البلدين، وفي هذا الباب يدخل كذلك ما تقوم به حكومة إقليم كردستان العراق، التي تعاقدت مع شركات عالمية لاستخراج النفط، دون الرجوع إلى الحكومة المركزية بحسب الدستور الذي يجعل من الثروات ملكا سياديا لا يحق للمحافظات والأقاليم التصرف فيه في إطار صلاحيات اللامركزية التي أقرها في إدارة العراق الجديد ما بعد الاحتلال.
ينص الدستور العراقي على أن إبرام التعاقدات النفطية تتم حصريا عن طريق شركة تسويق النفط العراقية (سومو) فقط، وان أية تعاقدات خارج هذا الإطار تعد مخالفة للقوانين،لذلك الإنتاج الذي يتم حاليا في حقلي (طق طق) و (طواق) من قبل الشركات النرويجية والكندية بالتعاقد مع حكومة كردستان العراق غير شرعي ولا مجال لتصريفه إلا عن طريق الشاحانات الحوضية عبر الحدود مع إيران، لذلك تعتبر هذه العمليات عمليات تهريب غير شرعية، فهناك حدود مفتوحة للإقليم مع إيران؛ لذلك حكومة الإقليم لا تتبع القوانين المركزية في العراق، وهناك مشتري من ايران يشتريه بسعر اقل من السعر العالمي.
كما أن هناك مصاف صغيرة في كردستان بدائية تأخذ النفط الخام وتحوله إلى منتجات مثل زيت المحركات، والبنزين، ومنتجات أخرى، النصف الآخر من هذا المنتج هو زيت الوقود المعروف بـ (المازوت) الذي لا يمكن استخدامه في كردستان، والعراق عنده مسبقا فائض منه ويخلطه مع النفط الخام، لذلك حكومة الإقليم تعطي إجازة تصدير رسمية لأشخاص مقربين منها يصدرونه إلى إيران.

هناك تهمتان موجهتان إلى الأكراد
تعطيل قانون النفط والغاز
تهريب النفط عبر الحدود.
حكومة الإقليم تنفي هذه الاتهامات، إلا أن صفقة الحكومة الأخيرة مع شركة (RWA) وبموجبها سيتم ضخ 20 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي عبر مشروع خط أنابيب (نابكو) ستفاقم الخلاف مع حكومة بغداد، وهذا الخط هدفه تقليل اعتماد أوربا على غاز روسيا من خلال تحويل إمدادات خط قزوين إلى تركيا ومنها إلى أوربا .
لذلك عطل الأكراد إصدار قانون النفط والغاز والسبب أن لا مصلحة لهم في صدور القانون لأنه يؤسس مجلسا اتحاديا للنفط والغاز الذي يقر السياسات والاستثمارات في العراق، وهم يبحثون عن الاستقلال في القرار النفطي فعطلوا القانون، وذهبوا إلى عقد عشرات عقود النفط مع شركات نفط عالمية، وهو ما يجعلهم مستقلين عن العراق عمليا.
في إطار هذا الواقع المر الذي يسجل أرقاما تؤكد ضياع ثروات العراق النفطية، ومن قبله الثروات البشرية من خلال استهداف العقول والطاقات والخبرات بالقتل والتهجير والمطاردة والاعتقال، يظل السؤال قائما إلى أين يتجه العراق؟ مع تردد اللانباء عن محادثات تؤسس لشرعنة بقاء الاحتلال لترات وآماد بعيدة؟ هل ثمة نهاية لمصالح المحتل؟ هل ثمة وعي وصحوة لدى المقتتلين من ابناء البلد؟ تساؤلات تظل قائمة الى ان تجيب عنها الايام بالمزيد من الارقام والحقائق!!.

هناك تعليقان (2):