02‏/11‏/2015

(الحكايـة الشعبيـة).. أهمّيتها، عناصرها ووظائفها

عبد المجيد إبراهيم قاسم
يُعرف الأدب الشعبـي بأنه كلّ الفنون القولية التي أبدعتها جماعة شعبية، وتناقل أبناؤها أشكاله - بوصفه ذخيرة مشاعة بينهم - عن طريق الرواية الشفوية جيلاً بعد جيل، وبأنه جزءٌ هام من تراث الأمم وذاكرتها، وسِجلّ خبراتها وإنجازاتها، وحصيلة حكمتها وإبداعاتها. ويتضمن هذا النوع، كأهم مكوّنات التراث الشعبـي، وأحد جوانبه الأساسية: اللغة المحلية، الحكايات والأساطير والسير، الأشعار والتهليلات والأهازيج، الأمثال والألغاز والأحاجي الشعبـية، وغيرها. ويعدُّ الأدب الشعبـي، بفنونه، فرعاً من فروع المعرفة الإنسانية، التي تعنى بشتى مظاهر الحياة لأمة من الأمم، وأداة التعبير عن فكرها ومعتقداتها وعاداتها، وعن تفاعل إنسانها مع البيئة الطبيعية والاجتماعية
من جهة، ومع الإنسان من جهة أخرى. وهو بهذا المفهوم عبارة عن تتويج لخبرات الإنسان، ومعارفه، وأحاسيسه، ومشاعره، كما يذهب (د. ذهني)(1).
والأدب الشعبـي لا يعود إنتاجه لفرد، ولا يُعرف مؤلفه، أو مؤلفوه، بل إن الوجدان الشعبـي، أو الإبداع الجمعي، شارك في صناعته، وتعديله، وتهذيبه، ليناسب الذوق الشعبـي العام. وإذا كانت للفنون القولية تلك المكانة الهامة من التراث الشعبـي، فإن الحكاية الشعبـية تشغل مكانة مماثلة بالنسبة للفنون القولية، نظراً لما تتميّز بها مادتها من البساطة -شكلاً وأسلوباً-، والثراء والعمق، في الوقت نفسه. ولما تملكه من أدوات كافية للتأثير في متلقيها، بل وسبر أغوار نفسه العميقة.
يشتمل (القصص المنثور)، بوصفه أساس الفنون القولية، على ثلاثة أنواع أساسية، هي: الأساطير الشعبـية، الحكايات الشعبـية، السّير الشعبـية. والحكاية الشعبـية، كما يعرّفها الباحث (أحمد رشدي صالح)، هي(2): "فنُّ القول التلقائي العريق، المتداول بالفعل، المتوارث جيلاً بعد جيل، المرتبط بالعادات والتقاليد. والحكاية هي العمود الفقري في التراث الشعبـي، وهي التي نطلق عليها مجازاً الأدب الشعبـي". كما يُعرِّفها (د. هادي نعمان الهيتي)، بقوله(3): "نوعٌ قصصي ليس له مؤلف؛ لأنه حاصل ضرب عدد كبير من ألوان السرد القصصي الشفهي، الذي يضفي عليه
الرُّواة، أو يحوِّرون منه. وهو يعبِّر عن جوانب من شخصية الجماعة.. وهي ترتبط بأفكار وأزمنة وموضوعات وتجارب إنسانية ذات علاقة بحياة الإنسان... وظهرت الحكايات الشعبـية المرويَّة، قبل عصر التاريخ بآماد بعيدة، وظلَّت الشعوب تتناقلها جيلاً عن جيل. وبذا احتلت موقع الصدارة بين الفنون التي تذوقها الإنسان، وعبَّر فيها عن عواطفه وأفكاره وخيالاته ونظراته. لذا فهي تفصح -إلى حدّ ما- عن مضمون العاطفة والفكر والخيال والرؤيا، وليس بالوسع تصوّر شعب لا حكايات شعبية له".
وتنقسم الحكايات الشعبـية، أو القصص الشعبـي، إلى سبعة أقسام، وفق تصنيف الباحثة (نبيلة إبراهيم)، وهي:
1- الحكاية الخرافية: لا سيما تلك التي تتضمّن الحكايات السحرية، وحكايات الجان.
نبيلة إبراهيم
2- حكاية المعتقدات: وهي معتقدات ترتبط بالقوى الخارقة، كالخالق عزَّ وجلّ.
3- حكايات التجارب اليومية: وهي الحكايات المستمدة من حياة الناس.
4- الحكايات التاريخية: وهي التي تحكي أحداثاً تاريخية، وقعت في زمن أجدادنا.
5- قصص الحيوان: وهو قصص رمزي، يقصد به الكشف عن عيوب الإنسان، من خلال حديث الحيوان أو الطير.
6- الحكايات الهزلية: وتهدف إلى إشاعة روح النكتة والفكاهة، وتأخذ أحياناً طابع النقد.
7- القصص الديني: وهي القصص الثابتة في القرآن الكريم، وقصص الصحابة والتابعين والأولياء.
أهمية الحكاية الشعبـية، ووظائفها:
إن هذا اللون من الإبداع الشعبـي، ما هو إلا نتاج معتقدات وعادات وعواطف الناس، منذ أزمنة قديمة. تعود جذوره إلى خبرات طويلة للشعوب، ويرتبط بأفكار وموضوعات وتجارب متعلقة بحياة الإنسان، أينما وجد. ومن الصعوبة تحديد تاريخ معين لظهور الحكاية الشعبـية، إذ ترجع جذورها إلى الحضارات القديمة، كحضارة اليونان، وبلاد الرافدين، وشرق آسيا، وغيرها، وظلَّت الشعوب تتناقلُها خلال المراحل التاريخية المتعاقبة.
تتمثَّل أهمية الحكايات الشعبـية، بأنها جزءٌ من معتقدات الشعوب وثقافاتهم وعاداتهم، ابتدعها الخيال الشعبـي، للتعبير عن حكمته وتجربته في تصوير أحداث الحياة، وأساليب المعيشة. وهي تهدف إلى تحقيق أهداف تربوية تعليمية ونفسية واجتماعية عدّة، إذ تؤدي دوراً هاماً في تأمين خبرات حياتية مختلفة، مصاغة في بناء قصصي محكم، زاخر بالعبر والقيم، أضفى عليها الإنسان الكثير من الخيال والسحر والجاذبية. كما تعدُّ وسيلة فعالة -إذا أُحسن اختيارها- في إثراء اللغة المحلية، وتنمية الإحساس بالجمال، وأداة جيدة لغرس القيم الثقافية المناسبة وترسيخها، وتأصيل العلاقات الاجتماعية الإيجابية، والمحافظة على الموروث الجماعي، ونقله إلى الأجيال، إضافة إلى دورها في الإمتاع والتسلية والترفيه.
أهمّ عناصر الحكاية الشعبـية:
تتمثل عناصر الحكاية الشعبـية في: الموضوع أو الفكرة الرئيسة، والحدث، والبناء والحبكة، والشخصية، والأسلوب، والبيئة الزمانية والمكانية، نتناول منها:   
1) الشخصية: عنصر أساس في بناء الحكاية، وشرطٌ رئيسي من شروط نجاحها. وتقدّم الحكاية الشعبـية أنواعاً عديدة من الشخصيات، التي تحمل الكثير من الغنى والتنوّع. والشخصية هي(4): "مجموعة الصفات الاجتماعية، والخلقية، والمزاجية، والعقلية، والجسمية، التي يتميز بها الشخص، والتي تبدو بصورة واضحة، متميزة في علاقته مع الناس". ولعل فاعليتها عبر الأحداث، تعكس طبيعة تفاعل الإنسان مع البيئة.
2) الحدث: عنصر أساس - أيضاً - في الحكاية الشعبـية، وبه تتحدّد أهميتها، ويتقرّر نجاحها. والحادثة الفنية هي: مجموع الوقائع المتسلسلة والمترابطة، التي تدور حول أفكار الحكاية، في إطار فنيّ محكم. وتمثل الحبكة جزءاً هاماً من الحدث. والأحداث في الحكاية الشعبـية -عموماً- هي تصوير للصراع الدائم بين قوى الخير والعدل، وقوى الشر والظلم، كصراع أزلي، والذي يفضي إلى انتصار الخير والعدل والمثالية.
3) الزمان والمكان: حيث تجري الأحداث، وتتحرَّك الشخوص. ونعني بالبيئة الزمانية: المرحلة أو المراحل التاريخية التي تصوِّرها الأحداث. والبيئة المكانية نقصد بها: المحيط الجغرافي الذي تجري فيها أحداث الحكاية. تبدأ الحكاية الشعبـية بمقدمة ثابتة عموماً، مثل: كان ياما كان في قديم الزمان، أو في سالف العصر والأوان، لدى جميع الشعوب، مع بعض الاختلافات البسيطة. أي: لا يحدَّد فيها الزمان، وكذلك بالنسبة للمكان في الحكاية، الذي لا يحدَّد غالباً.
توظيف الحكاية الشعبـية للأطفال
بقيت الحكاية الشعبـية مصدراً ممتازاً للكثير من الأعمال الأدبية، التي قُدمت للأطفال، كنماذج تعليمة وأخلاقية. وربما كانت -بحسب الباحثين- أقدم الأنواع الأدبية المقدّمة لهم. وقد دأب الكثير من الرواد الأوائل لأدب الأطفال، على جمع الحكايات الشعبـية، وتدوينها، واستلهام المناسب منها، مع تهذيبها، وتشذيبها، وإعادة صياغتها.
ومسألة الاستفادة من الحكايات الشعبـية للأطفال ليست حديثة العهد، فقد جرت محاولات استلهامها من قِبل أغلب الكتّاب منذ زمن طويل، عبر الأجناس الأدبية والفنية، وما زالوا حتى اليوم، نظراً لتميّزها بعناصر الجذب والتشويق، وتأثيرها الساحر في النفوس، والذي لا يكاد يضاهيه في ذلك شكل تراثيّ آخر.. إذ يعيش معها الأطفال، ويتفاعلون أيما تفاعل، ويُستثار فيهم الخيال والرؤى والتصورات.
وتحتاج عملية التوظيف إلى غربلة الحكايات الشعبـية، واختيار الملائم منها، وإلى دراستها دراسة واعية ومعمّقة: لغةً، ومضموناً، وقيماً، وشكلاً، ثم تبسيطها بالشكل المناسب، وتقديمها إلى الأطفال، بشكل يلائم الحياة العصرية، ويتكيّف مع متطلبات الحداثة، وبما يضمن المعايير التربوية والفنية والجمالية الخاصة بالمادة المقدّمة للأطفال. يقول د. الهيتي(5): "إن من بين الحكايات الشعبـية ما يمكن أن يصلح للأطفال، ومنه ما ينبغي إبعاده عنهم، لما يحمله من أضرار. ومنه ما يمكن إعادة كتابته، في مضمون وشكل قشيب".
جدير بالذكر أنّ التراث الشعبـي -عموماً- حفل بكلِّ أشكال هذا النوع من التراث، لدى جميع المجتمعات الإنسانية، ويكاد لا يُستثنى منه أي شعب من الشعوب الحيّة. وهنالك تشابه كبير - لديهم - في أشكالها، ومضامينها، وموضوعاتها.
  لكن المحزن أن الحكاية الشعبـية أخذت تفقد مكانتها اليوم، وبدأ تأثيرها يتضاءل شيئاً فشيئاً، بسبب قصور المؤسسات الثقافية -عموماً- عن جمعها، وتصنيفها، ودراستها، وفقاً للأساليب والمناهج العلمية، ثم حفظها ونشرها، كمشروع ثقافي وطني، لا يُفترض تأجيله. كذلك بسبب التطوّرات الاجتماعية والثقافية والتقنية، وظهور وسائل الإعلام، وأساليب التعبير والتواصل الحديثة، التي تعتمد الصورة الملوّنة والمتحرّكة. فقد حلّ التلفاز محلّ (الجدّة)، التي كانت تروي حكاياتها الرائعة، وتسحر الألباب بأساليب سردها.
 لكن رغم ذلك يظلُّ للحكاية الشعبـية، بأنواعها، دور بارز في إثراء المعرفة الإنسانية، وستبقى مجالاً هاماً للتعبير عن الأهمية الحضارية لرسالة أية أمة من الأمم، وبالتالي عن الخصائص التي تشكّل هوية الإنسان، وتغذي ثقافته الوطنية.
الهوامش:
1) الأدب الشعبـي العربي: مفهومه، ومضمونه، د. محمود ذهني، مكتبة الأنجلو مصرية، بلا.
2) الفنون الشعبـية، القاهرة. وزارة الثقافة والإرشاد القومي/ طبعة 1961، أحمد رشدي صالح.
3) سلسة عالم المعرفة، العدد 123، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مارس/آذار 1988، ثقافة الأطفال، د. هادي نعمان الهيتي، ص 175.
4) فنّ الكتابة للأطفال، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، مصر، 1968، أحمد نجيب، ص 54.

5) سلسة عالم المعرفة، العدد 123، مصدر سابق، ص 186.

هناك 20 تعليقًا:

  1. هذه ليست صورة الدكتورة نبيلة ابراهيم

    ردحذف



  2. الله يعونك

    ردحذف