07‏/04‏/2011

تراجع دور الكتاب في المجتمع هل يؤشر إلى تراجع الثقافة..؟


عماد ابراهيم - دهوك
في ظل العولمة والتطور الرقمي الذي عم أغلب دول العالم، واجه الكتاب ويواجه مخاضا ً عسيرا في إثبات وجوده، خاصة في زمن صار التصفح الرقمي أسهل من (شربة ماء) كما يقال.
وفي العراق عامة ومدينة دهوك خاصة، أصبحت الحالة من الأهمية بمكان يوجب تسليط الضوء عليها كي تتحمل الجهات المسؤولة كامل مسؤولياتها تجاه حاضر ومستقبل البلاد والأجيال المتعاقبة.
فمن خلال تجوالي في مدينة دهوك والبحث في أسواقها الرئيسية لغرض إجراء هذا التحقيق، تبين لي الواقع المرير لحالة الكتاب من خلال العدد القليل والضئيل للمكتبات المتخصصة ببيع الكتب، كذلك قلة الإقبال على اقتناء الكتاب والإصدارات الأدبية والمنشورات عامة.
بداية، توجهت إلى أكبر المكتبات العامة في مدينة دهوك وهي مكتبة (جزيري) التي كانت ولا تزال من أهم المكتبات او الأهم من بين مكتبات الإقليم عامة، ,وهناك التقيت السيد (ريزا نزار) وسألته.

الحوارـ كيف تقيم الإقبال على الكتاب الآن؟.
-منذ أكثر من عقد من الزمن، وبخاصة منذ أحداث التغيير في العراق عام 2003، والكتاب يعاني من تدني في الإقبال لعدة أسباب؛ منها التقدم الرقمي وسهولة الحصول على حاسوب شخصي؛ وأيضا لتنوع المعومات الموجودة على الشبكة الدولية(الانترنت)، وكذلك توفر الكتب المضغوطة على الأقراص المدمجة؛ فقرص واحد سهل الحمل وسهل التصفح، وكذلك هناك سبب مهم للغاية وهو تراجع واقع الثقافة العامة وثقافة القراءة، إضافة إلى الحالة المادية الصعبة التي يعيشها المواطن في هذا الزمن الصعب، ولكن مع ذلك هناك الكثير من عشاق الكتاب الذين مازالوا يحبون تصفح الكتاب وقراءته والتمتع به.

الحوارـ برأيك، من يتحمل المسؤولية عن تراجع القراءة والاهتمام بالكتاب؟.
- الحكومة هي المسؤول الأول عن هذا الأمر، فوزارة الثقافة بكل أقسامها يجب عليها الاهتمام بالناحية الثقافية للمواطن في العراق والإقليم؛ فالقراءة والكتاب يعتبران الأهم من بين المهام الواجبة على الوزارة، وكذلك الرقابة على المنشورات من خلال الاهتمام بالجيد من البحوث والدراسات، والحرص على طباعتها بشكل مناسب لكي يسهل على المواطن الحصول عليها والاستفادة منها، والتركيز على حركة الترجمة من اللغات العالمية إلى اللغة الكردية. وهنا يجب على الحكومة التركيز على اللغة الكردية، واللهجه البهدينانية تحديدا، كما تركز على اللهجة السورانية، وذلك بسبب الصعوبة التي يواجهها القراء البهدينان في فهم بعض مفردات اللهجة الكردية السورانية.

الحوارـ ولكن ما السبب في التركيز على السورانية في الترجمة كما تقول؟.
-السبب هو أن أربيل هي العاصمة لإقليم كردستان العراق فمن الأولى الاهتمام بها من كل النواحي، والناحية الثقافية هي إحدى النواحي، أما السليمانية فهي منذ عقود من الزمن تشهد اهتماما بالثقافة العامة وثقافة القراءة بشكل خاص، أكثر من باقي المدن الكردية؛ كما أن عدد السكان في محافظتي اربيل والسليمانية اكبر من مدينة دهوك. ولهذه الأسباب وغيرها، فإن اللغة السورانية تبقى هي الأم في كردستان العراق، وأغلب المطبوعات والمنشورات تصدر مستعينة بها، لا بالبهدينانية.
وهناك مشكلة أخرى في حركة الترجمة، وهي أن أغلب الكتب التي تعنى بتاريخ كردستان تكون مكتوبة باللغة العربية أو باللغة الكردية السورانية، أما البهدينانية فهي تكاد تكون شحيحة.

الحوارـ هل يشهد إصدار الكتاب دعما من قبل الحكومة أو منظمات المجتمع المدني؟.
-الدعم الحكومي للكتاب بشكل عام غير موجود وهذا أحد الأسباب التي تقف وراء ارتفاع سعر الكتاب وبالتالي قلة الإقبال على اقتنائه.
أما المطبوعات الفردية أو الشخصية فهي غالية الثمن وللناشر أسبابه التي تجعل من الكتاب المطبوع غالي الثمن وبالتالي يكون صعب الاقتناء أو قليل التداول؛ وهناك مطبوعات أخرى تقوم بطباعتها جامعة دهوك وهي الأخرى تكون باهظة الثمن ولا يتداولها إلا القلة من المثقفين.
أما الكتب التي تطبعها وزارة الثقافة سواء في الإقليم أو وزارة الثقافة في حكومة المركز فهي على قلتها تكون مناسبة من حيث الحجم والثمن، ونحن من هنا وعبر مجلتكم الغراء نتوجه إلى وزارة الثقافة في الإقليم ووزارة الثقافة في الحكومة المركزية ونطالبهما بتقديم الدعم لنشر ثقافة القراءة بين أفراد الشعب من خلال طبع الكتب المفيدة بشكل وسعر مناسبين وإلا، فالحال سوف يتدنى أكثر فيما يخص الكتاب من جهة والقارئ من جهة أخرى.

الحوارـ كيف هي حال المكتبات في مدينة دهوك بشكل عام؟. 
-المكتبات ليست بأحسن حالا من الكتاب نفسه، فكيف بك إن علمت أن عدد المكتبات في محافظة دهوك بأقضيتها ونواحيها لا يتجاوز عد أصابع اليد الوحدة، إضافة إلى عدد أقل من الأكشاك ومفترشي الأرصفة.
وسبق أن تقدمنا بطلب للمحافظة منذ أكثر من أربعة أعوام، نطلب فيه المساعدة على إنشاء مكتبة كبيرة بالقرب من مجمع الكليات عند مدخل مدينة دهوك، ومازلنا ننتظر هذه المساعدة كي نتمكن سويا نحن والحكومة المحلية في المدينة من خدمة الأجيال تلو الأجيال من طلبة جامعة دهوك.

الحوارـ وماذا بشأن الكتب والمنشورات الموجهة للأطفال؟.
-الكتب والمجلات الموجهة للأطفال جيدة إلى حد ما، ولكن المشكلة تتجلى في الكتب التي تماشي المراحل العمرية الخاصة، فهي تعاني من الشّحة، وأسعار المتوفر منها مرتفع نسبيا؛ باستثناء المطبوعات المدعومة من قبل حكومة الإقليم، مثل مطبوعات مؤسسة (آراس) ومطبوعات مؤسسة (موكرياني)، فيا حبذا لو توسع العمل في هذه المطبوعات أكثر. 

الحوارـ ما نوع الكتب الأكثر رواجا بين القراء؟.
أولا -كتب العلوم الشرعية،فطلبة العلوم الشرعية يطلبون هذا النوع من الكتب ومنها الكتب المفردة ذات المجلد الواحد على سبيل المثال، وكذلك الدوريات ذات المجلدات المتعددة، ومنهم من يبحث عن عنوان بعينه؛ ومنهم من يبحث عن مؤلف خاص، فلكلٍ اهتماماته، ونحن هنا نلبي كل الاهتمامات.
ثانيا- الكتب الأدبية ككتب القصص والشعر وغيرها.
ثالثا-الكتب العلمية التي يطلبها بكثرة طلاب الكليات العلمية، وحسب اختصاصاتهم، فمنهم من يطلبون الكتب العلمية البحتة، ومنهم من يطلب الكتب الإنسانية، ومنهم من يطلب الكتب المنهجية. ومهم من يطلب الكتب المختصة بالترجمة وكتب اللغات الأجنبية، ولدينا فرع خاص بكتب اللغات.

الحوارـ هل تبيعون كتب المقررات الخاصة بالمدارس؟.
-بيع الكتب المنهجية ممنوع بشكل عام، ولكن الناس هم الذين يبحثون عنها بسبب قلة البعض من هذه الكتب في مدارس الإقليم، ولكن هناك مَن يقومون باستنساخها وبيعها.

ولدى زيارتي للفرع الثاني لمكتبة الجزيري المختص بكتب اللغات، استقبلني هنا هناك السيد عماد ريكاني فسألته:

الحوارـ كيف تنظر إلى واقع الكتاب في مدينة دهوك، وخاصة أنت تبيع كتب اللغات الأجنبية؟.
-القراءة في مدينة دهوك في تدن بشكل عام، ومنها قراءة المؤلفات الأجنبية، ولكن نحن لا نيأس من عودة ثقافة القراءة للتعافي من جديد إن توفرت لها البيئة الملائمة والجهود الحثيثة، والمسؤولون الذين يهمهم عودة المواطن للقراءة من جديد.

الحوارـ بما أن اختصاصكم هو اللغات، كيف ترون الإقبال على هذا النوع من الكتب؟.
-كتب اللغات بشكل عام لا يقتنيها إلا أناس قليلون، ولكن ما يباع بشكل جيد هو القواميس التي تترجم من اللغات إلى اللغة الكردية، وقواميس اللغة العربية المترجمة إلى الكردية، وكذلك الكتب التي تكون بلغات دول الجوار مثل التركية والفارسية وغيرها. وهذه الكتب تكون مطلوبة من قبل الطلاب بشكل كبير.

الحوارـ هل هناك حلقة وصل بينكم وبين الكليات التي تهتم باللغات في جامعة دهوك؟.
-على الصعيد الرسمي، لا، أما على الصعيد العام، فالطلاب هم يقدمون طلباتهم إلينا لنوفرها لهم من المراجع اللغوية التي لا يجدونها في مكتبات الكليات التي يدرسون فيها، وهذا بحد ذاته دعم ومساهمة من القطاع الخاص لتحريك عجلة ثقافة القراءة في مدينة دهوك بشكل عام.
ولكن ما يسيء لنا هو عملية استنساخ الكتب غير الشرعي من قبل بعض مكاتب الاستنساخ الذين لا يتوقفون عند استنساخ الملازم المساعدة في الدراسة والمناهج الدراسية ليتعدوا ذلك لإستنساخ بعض الكتب، وأنا لا أتهم الجميع بل أقول البعض منهم. 

الحوارـ هل هناك من مشاكل تواجهونها في عملكم؟.
-أهم المشاكل تكمن في الضغط الذي يمارسه البعض من الكوادر التدريسية على الطلاب. والمتمثل بالضغط على الطالب لجلب كتاب لمكتبة المدرسة، وهذا الكتاب مصيره معروف وهو الإهمال والإلقاء على رفوف المكتبة ولكن كل ذلك في سبيل منح الطالب بعض الدرجات لتحسين معدله مثلا أو لكي ينجح في درس من الدروس. 
فرجائي من الكوادر التدريسية التركيز على الطالب من خلال تعليمهم مبادئ البحث وكتابة التقارير والبحوث العلمية(كل بحسب مرحلته العلمية)، ومن هنا تكون نقطة الانطلاق لبناء جيل مثقف مبني على البحث والدراسة. 

ختاما اقول؛ ان ما تحدث عنه اصحاب المكتبات من تراجع الاهتمام بالكتاب يعطينا مؤشرا على تراجع الثقافة في المجتمع، ولا يخفى ان القراءة هي من أهم عناصر نهضة الامم والشعوب، وقديما قال المتنبي:
أعز مكان في الدنى سرج سابح ... وخير جليس في الأنام كتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق