07‏/04‏/2011

الاقبال على الدراسات العليا في العراق هل الطموح وحده يقف وراءه أم أن هناك أسبابا أخرى..؟


تقرير و تصوير يشار نوري - كركوك
تشهد الجامعات العراقية عاما بعد عام تصاعدا كبيرا في أعداد المتقدمين للدراسات العليا، حتى ان بعض الجامعات العراقية لم تعد قادرة على استيعاب هذه الاعداد من الطلاب، ما جعل شروط القبول في الدراسات العليا أكثر صرامة وللوقوف على اسباب هذا الاقبال اجريت نقاشا مع مجموعة من الأكاديميين والطلاب، فكانت لهم آراء متنوعة؛ قد تتفق أحينا وتتنوع أحيانا أخرى.
البداية كانت مع الدكتور (نجدت كاظم دميرجى) مساعد الشؤون العلمية لرئيس جامعة كركوك، حيث قال:
-الإقبال على الدراسات العليا شيء جيد إذا كان الهدف منه متابعة العلم، وتقييم الإقبال عليه يختلف من حالة إلى أخرى بناءً على الهدف المنشود؛ وقد ازداد عدد الجامعات في العراق بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فهناك توجه عام في البلد للتوسع في التعليم العالي وهذا شيء طبيعي نتيجة ازدياد عدد المتعلمين أو الدارسين في المدارس، فكلما أزداد عدد الطلبة الذين يتخرجون من الإعدادية كلما زادت الحاجة إلى مؤسسات التعليم العالي لتلبية حاجة هؤلاء الطلبة إلى الدراسة الجامعية، وبسبب ازدياد عدد الجامعات والكليات الحكومية والأهلية فقد ازداد عدد المتخرجين من الكليات، وهذا بدوره أدى إلى استحداث دراسات عليا في معظم الجامعات بسبب الحاجة إلى إعداد المزيد من حملة الشهادات العليا للتدريس في الجامعات، ونظرا ً لما تقدمه الجامعات من فرص ثمينة للعمل لحاملي الشهادات العليا فقد أصبح الكثير من خريجي الكليات يتنافسون للحصول على هذه الفرصة؛ أي فرصة الانتماء إلى سلك التعليم الجامعي الذي يعتبر اليوم مصدرا ً جيدا ً لتوفير الدخل قياسا بالأعمال الأخرى فضلا ً عما يمتاز به هذا السلك من بريق اجتماعي.
وقد أيد هذا الرأي الدكتور صلاح عريبي-الأستاذ في جامعة كركوك حيث قال:
- زيادة الإقبال على الدراسات العليا في الآونة الأخيرة يعود لمجموعة من الأسباب يأتي في مقدمتها برأيي السبب المادي، فبعد التحسن الذي طرأ على رواتب الموظفين بشكل عام ورواتب الأستاذة الجامعيين بشكل خاص، ومساواة حملة الشهادات الذين يعملون في المؤسسات الحكومية بهذه الميزة بموجب قرار الحكومة بشمولهم بقانون الخدمة الجامعية؛ سعى الكثير من الموظفين لإكمال دراستهم الجامعية من أجل الحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه بهدف زيادة مرتباتهم لكون سلم الرواتب يعتمد على ركيزتين أساسيتين هما الشهادة والخدمة، وكلما كانت الشهادة أعلى كان الراتب أكبر، مما ولد حافزا ً كبيرا ً للكثيرين ودفعهم للتقدم للدراسات العليا على امل الحصول على الامتيازات التي يتضمنها هذا القانون.
أما السبب الثاني فيتعلق بالمكانة الاجتماعية، ففي السنوات الأخيرة أعيد الاعتبار للشهادة الجامعية ولا سيما العليا. 
والسبب الثالث يتعلق بالذين يرغبون في الحصول على المناصب السياسية والإدارية فالشهادة العليا تعزز مواقفهم في سبيل الوصول لهذه الغاية.
أما السبب الأخير فهو سبب علمي إذ لا شك إن هناك من يرغب بإكمال دراسته حبا بالعلم والتعلم.

من جهتها رأت (نورجان عادل) -ماجستير في علم النفس التربوي- وطالبة دكتوراه: 
-أن السبب يعود إلى التطور العلمي والثقافي الذي وصل إليه المجتمع العراقي في الوقت الحالي، فقد تطورت نظرة المجتمع إلى الشهادة وحملتها، فهي حاليا المعيار الأساسي للحكم على ثقافة الفرد ومستواه العلمي، وبالتالي المحدد الأول للمستوى الاقتصادي للإفراد، واعتماد الشهادات العليا للتقييم النهائي لشخصية الأفراد و علاقتهم كأفراد فاعلين ومقبولين في المجتمع.

عمر عادل - ماجستير في الهندسة الميكانيكية وطالب دكتوراه : 
-أيد كل الآراء السابقة وأضاف بأن الإقبال على الدراسات العليا ازداد نتيجة رفع رواتب الموظفين عموما ً وتحديد مخصصات الشهادة العليا، وهو ما شكل دافعا كبيرا في التشجيع على الدراسة، وكذلك رفع الحواجز أمام المواطن وإتاحة الفرصة للحصول على جوازات السفر وهو ما يسهل ويشجع على طلب الدراسات العليا خارج القطر للراغبين بذلك، ولا سيما إن عملية الانفتاح كان لها دور كبير في التشجيع على طلب الدراسات العليا. ولكن هذا الأمر قد يستخدم بشكل سيء أحيانا والدليل على ذلك ما كشفته لجنة النزاهة من عمليات تزوير في الشهادات الدراسية لمرشحي انتخابات مجالس المحافظات، فمثل هذه الأمور تعكس صورة سلبية عن الواقع العلمي في العراق!.

الدعم الحكومي للدراسات العليا
لاشك ان الدراسات العليا واحدة من اهم محددات التقدم العلمي والاجتماعي للأمم، لذلك تعمد حكومات مختلف الدول إلى تقديم الدعم للدراسات العليا؛ فما هو الوضع في العراق..؟. 
-الدكتور (نجدت كاظم) رأى بأنه لابد أن يكون هناك دعم حكومي أكثر للدراسات العليا في العراق لتخريج كوادر ذات إمكانيات علمية عالية، وقال: هناك محاولات في هذا الاتجاه أمل أن تكون مثمرة، فهناك مشروع مهم لوزارة التعليم العالي وهو مشروع دعم بحوث طلبة الدراسات العليا، وهو مشروع رائد وبناء أتمنى أن يستفيد منه الطلبة.
-في حين اعتبر الدكتور صلاح عريبي الدعم الحكومي للدراسات العليا بأنه لا يزال أقل من الطموح بكثير؛ وقال لازالت مكتباتنا تشكو نقصا كبيرا في المصادر والمراجع ولا سيما الحديثة منها، وكذلك الوسائل المستخدمة في المكتبات وسائل قديمة عفى عليها الزمن، و لا زال الطلبة يواجهون صعوبات جمة تعرقل مسيرتهم العلمية، منها صعوبة السفر خارج العراق من أجل الحصول على المصادر، وهذه الصعوبة تتمثل في جانبين؛ الأول الظروف المادية الصعبة لمعظم الطلبة وعدم توفر الدعم المادي لهم، والثاني صعوبة الحصول على تأشيرة دخول لمعظم الدول، الأمر الذي يدفع الكثيرين منهم إلى الاعتماد على المؤسسات الموجودة داخل البلد، وبالتالي تكون رسائلهم غير مكتملة وفيها بعض النقص! كما أن هناك تقصيرا كبيرا في البعثات الخارجية فالكثير من الطلبة حصلوا على البعثات للدارسة خارج القطر لكنهم كبلوا بشروط وتعقيدات كثيرة جعلتهم أما أن يصرفوا النظر عن الموضوع أو أن يبذلوا جهودا ً كبيرة في سبيل الحصول على موافقة إحدى الجامعات لإكمال الدراسة.

وتؤيده في الرأي نورجان عادل؛ وتقول مضيفة: 
-الدعم الحكومي في هذا المجال ضعيف جدا ً بحيث لا يوفر فرص دراسات عليا في كل إنحاء العراق رغم توفر جامعات في أغلب المحافظات، وتوفر الكوادر العلمية المناسبة لسد النقص، وعدم الموضوعية في القبول، وإعطاء دور للتزوير والواسطة، وعدم تحقيق التقييم الموضوعي للطلبات المقدمة، إلى جانب عدم مراعاة المساواة في توفير الشروط والتعليمات للتقديم وكذلك في عدد المقاعد الدراسية.

الدراسات العليا هل تأثرت بهجرة العقول العراقية؟
المناهج العلمية؛ وطرائق التدريس تشهد تغييرات مستمرة في العالم بسبب توسع قدرات البشر العملية، وتطور التكنلوجيا والاتصالات، وسهولة الحصول على المعلومات، كما ان خبرة الاستاذ الجامعي التراكمية تعد عنصرا محوريا في ركن اكتساب الخبرة، وقد شهد العراق هجرة واسعة للخبرات العراقية بسبب الظروف الامنية، الى جانب اغتيال المئات من الاساتذة والعلماء، فهل اثر ذلك على طالبي الدراسات العليا؟ هذا هو المحور الثالث في نقاشي مع ضيوفي:
د. نجدت كاظم قال: التدريس فضلا ً عما يتطلبه من رغبة هو عمل يتطور بمرور الزمن و خاصة عند من يريد أن يتطور؛ لذلك فإن التدريس يصبح أنجح كلما كان القائم به ذو خبرة أكبر وفهم لما يتميز به الأستاذ التدريسي من خبرة أقصد خبرة وفن التدريس وكيفية التعامل مع الطلبة، وهو ما يتوفر في الاساتذة الكبار والقدماء في العراق،فهم ثروة لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن يحدث حاليا فراغ نتيجة سفر بعض الأساتذة أو هجرتهم أو إحالتهم على التقاعد إضافة إلى حالات القتل وما شابه، وفي هذه الحالة لابد من الاستعانة بالأساتذة من الجيل الجديد وهذا شيء طبيعي، وهنا يطرح سؤال مهم وهو: هل هناك فرق بين الأساتذة القدماء والجدد؟ الجواب نعم بالتأكيد هناك فرق في المستوى العلمي والخبرة بين أستاذ أمضى عشرات السنين في التدريس وأستاذ باشر بالتدريس حديثا ً مع اعتقادي القطعي بوجود الاستثناءات،و يمكن تطوير كفاءات الأساتذة من المتخرجين الجدد بإدخالهم في دورات وفسح المجال أمامهم للمشاركة في دورات تأهيلية وتطويرية ومؤتمرات وندوات داخل وخارج العراق.
من جهته قال د.صلاح عريبي: 
مقتل قسم من الأساتذة من الكفاءات العلمية وهجرة القسم الآخر ترك فراغا ً كبيرا ً في كثير من المجالات؛ هذا الفراغ لا يمكن ملؤه بسهولة لأن هذه الكفاءات هي عصارة سنين طويلة والكثير منهم حصل على شهادته من أرقى الجامعات العالمية، وبالتالي فإننا بحاجة لعدة سنوات لخلق بدائل بمستوى هؤلاء وخصوصا ً في التخصصات العلمية .
هذا بالنسبة للأقسام العلمية، أما الأقسام الإنسانية فإن الأمر يكون فيها بدرجة اقل لا سيما وأن الكثير من الخبرات في التخصصات الإنسانية لا زالت موجودة في العراق ويزداد عطاؤها يوما بعد يوم.
من جانب أخر،فإن الكثيرين ممن يقبلون على الدراسات العليا في الوقت الحالي ليس دافعهم العلم، كما اشرت سابقا، وبالتالي هم يسعون للحصول على الشهادة بشتى الوسائل والأساليب، ومثل هؤلاء غير قادرين على سد أي فراغ، و لكن بالمقابل هناك قسم أخر - وإن كانوا قلة- لكنهم جادين في تطوير إمكانياتهم العلمية ومواكبين للتطور ونأمل بهم خيرا ً.

الدعم الحكومي والفساد
(عمر عادل) حاصل على شهادة الماجستير، ويستحق ان يحصل على دعم حكومي لدراسة الدكتوراه كونه احد المتفوقين شارك معي في هذا النقاش من خلال رواية قصته الشخصية حيث يقول: 
بالنسبة للدعم الحكومي نسمع أن هناك بعثات و زمالات دراسية ولكن الفساد الإداري يحول دون حصول الأشخاص الأكفاء على ما يستحقون من المقاعد الدراسية، أنا عن نفسي أنهيت دراسة البكالوريوس في جامعة بغداد كلية الهندسة قسم الهندسة الميكانيكية عام 2000 وكان تسلسلي 22 من أصل 147 طالبا، وعندما قدمت إلى دراسة الماجستير في جامعة بغداد والجامعة التكنولوجية فوجئت برفض طلبي لكوني مستقلاً أي لا انتمي لحزب البعث.
أما في عهد ما بعد الاحتلال عام2003 وقبل أن تسود الاجواء الطائفية والحزبية، كما في العهد السابق، استطعت أن أخوض المنافسة والحصول على زمالة دراسية في الهند معهد التفوق الهندي روركي (I.I.T Roorkee) وخلال سنتين وفي مدة قياسية وبتفوق جيد جدا حصلت على شهادة الماجستير في (الحفظ البارد للأطعمة الطازجة) في الشهر السادس من عام 2006 وكان هناك قرار في وزارة التعليم العالي دائرة البعثات والعلاقات الثقافية أن من يحصل على تقدير جيد جدا ً وفي مدة قياسية له حق إكمال الدكتوراه بعد الماجستير مباشرة، وقد قدمت أوراقي لإكمال الدكتوراه غير أنني واجهت مماطلة في دائرة البعثات فقدمت طلبا ً خطيا ً للسيد وزير التعليم العالي و أرسل طلبي الى دائرة البعثات وهناك أخبروني بأن الزمالة الهندية قد انتهى وقتها وعلي التقديم في سنوات لاحقة.
وبعد محاولات أخرى حصلت على قبول في جامعة مليا الإسلامية في دلهي بالهند لأدرس على نفقتي الخاصة، ثم مرة ثانية تم تأخير وعرقلة أوراقي في الجامعة التكنولوجية لأسباب أجهلها.
وفي بداية عام 2007 تم ترشيحي ودخلت المنافسة على زمالة البنك الإسلامي في جدة؛ ورشحت من قبل الجامعة التكنولوجية وتسلسلي في قائمة الوزارة دائرة البعثات قسم المنظمات كان الثاني، بينما المطلوب خمسة عشر شخصا للدراسة؛ ولكن حادثة خطف موظفي البعثات حال دون ذلك، فلم استسلم وقدمت في عام 2008 إلى ماليزيا وحصلت على مقعد في جامعة UPM الماليزية وقدمت أوراقي لطلب إجازة دراسية ولكن في الجامعة التكنولوجية رفضوا طلب منحي إجازة دراسية، فقررت أخيرا الانتقال إلى جامعة كركوك كلية الهندسة لعلي أجد الحق هناك قبل فوات الأوان لأنها جامعة فتية وقد تخصص لها مجالات أكثر للدراسات العليا مستقبلا ً.

أخيرا 
ستظل الدراسات العليا حاجة ملحة مع ازدياد عدد السكان في العراق، ومع زيادة عدد الجامعات تزداد الحاجة الى كوادر تدريسية كفوءة تدير العملية التعليمية لتتوافق وتواكب الحركة العلمية في العالم، ولعل هذا الموضع يضعنا امام قضية مهمة لمستقبل العراق وتفتح الباب على النقاش فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق