20‏/11‏/2013

روح الصلاة في حضور القلب

الحاج إبراهيم أحمد
حضور القلب هو الأصل في أداء العبادات لله عزوجل بالكيفية المطلوبة، وإلا ستكون عبادات شكلية لا تنهى صاحبها عن ارتكاب الفواحش والمنكرات، لأن القلب إذا صلح صلحت جميع الأعضاء التابعة له.
وحضور القلب هو روح الصلاة؛ ويقصد به: 
أن يفرّغ القلب عن كل شيء غير ما هو ملابس له ومتكلم به؛ وكان أبو الدرداء (رضي الله عنه) يقول: (من فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة، ليدخل في الصلاة و قلبه فارغ)). 
فالأصل في الصلاة الخشوع وحضور القلب، وأن مجرد الحركات مع الغفلة قليل الجدوى في المعاد؛ وحضور القلب يعني التفهم للكلام ألفاظا ً ومعنى، فربما يكون القلب حاضرا ً مع اللفظ ولا يكون حاضرا ً مع المعنى .
والتفهم هو إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى، فمن أحب شيئا ً أكثر من ذكره، فذكر المحبوب يهجم على القلب، ومن أحب غير الله لا تصفوا له صلاة عن الخواطر.
وحضور القلب يعني التعظيم الذي يتولد من معرفة الله عزوجل وعظمته؛ ومعرفة حقارة النفس وخستها حتى يتولد من المعرفتين الانكسار والخضوع لله سبحانه وتعالى.
وحضور القلب يعني الهيبة والخوف، وأن يكون العبد راجيا ً بعبادته ثواب الله عزوجل، كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله جل جلاله؛ ثم يعني الحياء، وهو استشعار التقصير في العبادة وارتكاب الذنب، وذلك بمعرفته بعيوب نفسه وعلمه بعظيم جلال الله تعالى، وأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت. فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدثنا و نحدثه فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا و لم نعرفه).
وقد أوصى الله موسى (عليه السلام) قائلا:
(يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعا ً مطمئنا ً، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يديَّ فقم قيام العبد الذليل وناجي بقلب وجل ولسان صادق).
وكان بعض السلف الصالح إذا حضرت الصلاة لم يعرف قط من على يمينه ويساره، وآخرون كانت تصفر وجوههم، وحظ كل واحد منا من صلاته بقدر خوفه وخشوعه، فإن موقع نظر الله سبحانه القلوب دون الحركات الظاهرة، فإنه لا ينجوا في الآخرة إلا من أتى الله بقلب سليم .
روي أن أبا طلحة رضي الله عنه كان يصلي في حائط له وفيه شجر، فأعجبه دبسي طار في الشجر يلتمس مخرجا ً فأتبعه بصره ساعة ثم لم يدر كم صلى، فذكر لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أصابه من الفتنة؛ ثم قال: يا رسول الله هو صدقة حيث شئت.
الصلاة مفتاح القلوب: (أرحنا بها يا بلال) أي أرحنا بالصلاة والنداء إليها، إذ كانت قرة عينه (صلى الله عليه و سلم)، ولما كان القلب موضوع نظر معبودك عزوجل، فعليك الاجتهاد بتطهيره بالتوبة والندم والعزم على ترك المعصية.
فإذا نطق اللسان بالتكبير فلا يكذبه القلب، فإن كان في القلب شيء هو أكبر من الله سبحانه فالله يشهد لصاحبه بالكذب، فالناس ثلاثة : 
-رجل يتحرك لسانه وقلبه غافل .
-ورجل يتحرك لسانه وقلبه يتبعه اللسان فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره .
-ورجل يسبق قلبه إلى المعاني أولا ً ثم يخدم اللسان القلب فيترجمه .
مثال: عندما ينظر الإنسان إلى السماء الصافية فيرى ما لا يحصى من النجوم والكواكب المتلألئة، فيقول بقلبه قبل لسانه: سبحان الخالق؛ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه، كما في قوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما ً وقعودا ً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ً سبحانك فقنا عذاب النار} ففرق أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب.
وهكذا عندما يرى الإنسان الجبال الشاهقة فيتذكر قوله تعالى: {وإلى الجبال كيف نصبت}، و{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ٍ لرأيته خاشعا ً متصدعا ً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}، وهكذا تتوارد المعاني على قلوب المقربين السالكين طريق الله سبحانه وتعالى، الذين لسانهم ترجمان القلب ولا يتبعه القلب؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن الله عزوجل مقبل على المصلي ما لم يلتفت))، تدل على أن دوام القيام يعني إقامة القلب مع الله عزوجل؛ وعندما يتذكر قيامه بين يدي ربه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، إذ هو ليس من الغافلين، فإذا ركع وقف قلبه مع التعظيم فلا يكون في قلبه أعظم من الله تعالى وحده.
وبهذا المفهوم تتحول الصلاة إلى معناها الحقيقي من أنها صلة بين العبد وربه؛ والمصلي يناجي ربه مباشرة دون أية وساطة، فيستفتح صلاته بالدعاء المأثور (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ً مسلما ً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)... و لسان حال المصلي يقول: هكذا أمرني ربي بأن لا أعبد سواه عزوجل ولا أطلب العون من غيره {إياك نعبد و إياك نستعين}.
وكان من وصية النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: (صلِّ صلاة مودِّع)، فبعد القلب يستشعر القلب الوجل والخوف والرجاء من التقصير في الصلاة، ويخاف أن لا تقبل صلاته فتردّ في وجهه، ويرجو مع ذلك أن يقبلها الله بكرمه وفضله. رحم الله يحيى بن وثاب قيل إنه إذا صلى مكث على ما شاء الله تعرف عليه (كآبة الصلاة)، وكان إبراهيم (عليه السلام) يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض، وصدق الله تعالى بعد أن بين أول صفات المؤمنين: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}، فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه من قلوبهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق