22‏/12‏/2013

الملا مصطفى البارزاني والمنفذ الإيراني

هفال برواري
تابعت آراء بعض الصحفيين والكتاب والسياسيين في كردستان بعد الزيارة الأخيرة لرئيس الإقليم الى تركيا واستغربت من طروحاتهم الطامحة والحالمة بتحالف كردي مع ايران؛ ووجه بعضهم النصح الى القيادات الكردية أن تخطو نحو المعسكر الإيراني لتشارك في هذا المحور المقيت! لعل هذه الآراء جاءت على خلفية ما يعتقدونه او يؤمنون به من تحليل لمعطيات الواقع، او جزء من الضغط الإيراني عليهم لطرح مثل هذه الآراء في الوسط الكردي الثقافي والاعلامي! فإيران أصبحت تتدخل في كل شؤون العراق بصورة مباشرة.
وتبني هذه الطروحات رؤيتها على اساس أن إيران في تحالف ضمني مع امريكا، وهي اكثر سيطرة من التحالفات الأخرى على المنطقة، وهو ما يستدعي من وجهة نظرهم أن يستغل الاكراد الظرف الآني فينافسوا بقوة حلفاء جنوب العراق لنيل التحالف الاقوى!.
ونسوا أو تناسوا أن الجنوب يدينون بالمذهب الرسمي الإيراني؛ وانها لن تغامر بهم، وأن في الجنوب من الثروات ما يجعل من الصعوبة بمكان ان تتنازل عنهم مقابل عيوننا وهم يدركون ان الطموح الكردي بالاستقلال بات قريبا، ويقابله إقليم او دولة شيعستان في الجنوب!! يتم الآن طهيه في المطابخ الخارجية!.

خبرة الكرد مع التحالف الايراني
الكرد لهم خبرة تاريخية طويلة مع المحور الايراني يجب ان لاتغفل دروسه في صناعة مستقبل دولة كردستان، فعقلية إيران في التعامل والتحالف مع الغير تستند الى الاستفادة من المقابل مع عدم إعطائهم أي شيء! بل اكثر من ذلك لهم محاولات حثيثة لجعل المخالف في صفهم ومعسكرهم من خلال تغيير معتقده، لذلك لا نستغرب وجود قيادات إيرانية تستميت الآن في الدفاع عن هذه الدولة ومعتقدها مع العلم انهم كانوا قبل 100 عام ممن ينتسبون للمخالفين لمعتقدهم ودولتهم وحتى في اصولهم الفارسية كونهم كانوا من اصول قومية ودينية أخرى!.
ومن تجربة الكرد التاريخية معهم نجد ان أغلب ما جنته الحركة الكردية من ويلات كانت من طرفهم؛ فمثلا: 
ماجرى في المعسكر الكردي في ايران بقيادة (قاضي محمد) الذي اعلن مع (مصطفى البارزاني) عن تأسيس جمهورية مهاباد شمال غرب ايران في 22 يناير 1946 مستغلا الظرف الدولي آنذاك، فقامت الحكومة الإيرانية بإسقاط جمهورية مهاباد بعد 11 شهرا من إعلانها.
تم الانقضاض على هذه الدولة الكردية الفتية رغم محاولات القاضي محمد إقامة علاقات طيبة معهم؛ او الرضى بقبول دولته كحكم ذاتي داخل الدولة الإيرانية لكن الجانب الايراني لم يعترف بها، بل كان ردهم على الدبلوماسية الكردية ان واجهوهم بالتقدم العسكري والانقضاض عليهم ومن ثم الضغط المكثف على أمريكا وبريطانيا لكي يضغطوا هم بدورهم على روسيا برفع الحصانة عن هذه الدولة الفتية بل وقطع العلاقة معها وقطع الدعم العسكري عنها! ورغم الدفاع المستميت من اجل عدم سقوط هذه الدولة لكنها سقطت بأيدي الايرانيين وتم إعدام قاضي محمد في 31 مارس 1947 في ساحة عامة في مدينة مهاباد ونزح مصطفى البارزاني مع مجموعة من مقاتليه الى العراق، لكي ينجو من بطش هذا الغول الفارسي الرهيب عام .
رئيس جمهورية كوردستان بين أعضاء حكومته
ورغم ذلك التاريخ المرير لم يقطع الكرد علاقاتهم مع إيران كمنفذ وحيد في ظل الظروف التي كانت تسود المنطقة؛ فالعرب لم تكن لهم أي رؤية سياسية بل كانوا في أحلامهم وكبريائهم غارقون، وكان الترك في اوج كبريائهم وعنجهيتهم المتوارثة من النهج الاتاتوركي البغيض والذي أسس دولته على عدم الاعتراف بأي جنس غير الجنس التركي، فكان لا بد من التعامل مع العدو القديم كشر لا بد منه!!.
وهنا يظهر جليا الدور الإيراني الذي لم يغير من نهجه منذ الحكم الصفوي في تعامله مع أهل المنطقة برمتها، الذي يرتكز على شق الصفوف والتحالف مع العدو في سبيل الحصول على بعض المكاسب ومنها؛ السيطرة على مفاصل الدول المجاورة، ومحاولة التدخل السافر في شؤونها الداخلية حتى يتم بعدها محاولة بسط معتقدها لتغير بعد ذلك من الخارطة الأيديولوجية للمنطقة او خلق تمزق شعبي كما يحصل الآن في اليمن .
صحيح ان الإيرانيين فتحوا أبوابهم للثورة الكردية المتجددة بقيادة الملا مصطفى؛ وأجبر الأخير على اللعب مع النار الإيرانية، واستطاع ان يحرز نجاحا باهرا في ساحة المعركة مع أعتى نظام شهدته المنطقة وهو النظام العراقي من حيث البطش والجبروت، ولكنه استطاع بدعم يسير التقدم وهو ما لم يكن بحسبان كل المراقبين للمنطقة في السيطرة على المنطقة الكردية، ما أضطر النظام العراقي الى عرض صفقات مغرية على الإيرانيين ليس مقابل وقف الدعم عن الكرد في العراق؛ بل قطع الطريق عن منفذهم الوحيد، وكل هذا حصل بمباركة أمريكا ووزير خارجيتها آنذاك (كيسنجر) وهنا سقطت الورقة الوحيدة للكرد وخسروا منفذهم الوحيد للضغط على الحكومة العراقية كي يكون لهم كيان يستقلون بحقوقهم المسلوبة فيه بين الدول المجاورة، تم أفشال الحركة الكردية واضطر الكرد لتسليم انفسهم وتسليم أسلحتهم؛ واضطر البارزاني مع قياداته والكثير من أنصاره للنزوح الى داخل الحدود الإيرانية! هنا يتبين بشكل جلي خبث الحكومة الإيرانية في التعامل مع الاكراد، وكيف كانوا يخلقون الصراعات الداخلية بينهم لكي ينشغلوا بأنفسهم ويتناسوا مشروعهم وحلمهم في إيجاد كيان مستقل لهم.

خذلان الدبلوماسية الكردية
حاولت الدبلوماسية الكردية آنذاك استدراك الموقف، فقد حاول الملا مصطفى البارزاني ان يتصل بشاه إيران (محمد رضا بهلوي) ولا أريد أن أسرد هذه القصة لأنها تستفزني وتبين لي كم كان موقف الشاه مقرفا وحقيرا في عدم استقباله مطلقا؛ او استقباله بصورة مقرفة، وهذا هو حال السياسيين الذين لا دين لهم ولا ضمير إلا المصالح.
وأرسل رسالة الى وزير الخارجية الامريكي ليبين له دهشته وحزنه وألمه لهذه الاتفاقية الظالمة والجائرة والتي أدت الى تدمير ما تبقى من بصيص أمل للحلم الكردي في المنطقة، واظهر دهشته لخيانتهم له! وكيف أنه أعطى كل ثقته وأمله اللامحدود بهم فقط! وكان رد كيسنجر حسب ما ذكره في مذكراته والذي يتبين فيها حقارة الامريكان بقوله وهو يخلع نظارته بعد قراءته للرسالة المفعمة بالعواطف: (أتعجب لهذا الرجل الذي ما زال يخلط السياسة بالأخلاق)!! والسياسة لا أخلاق لها.
كان يدرك البارزاني ان ما حصل سيترتب عليه رد هزيل وحقير كما بينت ويتبين ذلك عندما صرح للصحافيين في إيران قائلا:
(نحن معزولون بلا أصدقاء ولم ننل أية مساعدة أو حماية من الأمريكان، وأظن أن أمامنا أياما حالكة).
لا أريد الدخول في تفاصيل ما جرى أثناء وجود البارزاني في إيران فهناك روايات عدة؛ لكنني اشعر به كم عانى من مرارة الخيانة، وكم عانى بسبب إغلاق جميع الابواب بوجهه بعد ان كان الكل متلهفا لرؤيته واستقباله؛ واعتقد ان هذا الامر كان من الاسباب التي ادت الى انهيار صحته حيث تم نقله الى واشنطن، وهناك أُسدل الستار على حياته الحافلة، وعلى الحقبة الزمنية لزعامة أكثر شخصية كوردية صرامة وشجاعة وصلابة، حيث قال الميجر (ادغار أوبالانس) المحلل العسكري الإنكليزي، صاحب المؤلفات عن حرب اليمن، وحرب الهند الصينية، والحرب الأهلية اليونانية، وحروب كوريا، والجزائر، والجيش الأحمر السوفييتي، وكان زار العراق والمنطقة الكردية ثلاث مرات، قال في كتابه (الثورة الكردية 1961-1970) الصادر سنة 1973 :
"إن قصة الثورة الكردية إنما هي قصة الملا مصطفى البارزاني الزعيم العشائري المحارب" وذكر إنه واجهه مرارا فوجده يكاد يكون أُميا لكن يده ظلت قابضة على ناصية التمرد، فلم يستطع أحد أن يزيحه عن زعامته، وقد نشر نفوذه على القبائل المجاورة لعشيرته البارزانية وأصبح الزعيم المعترف به للقومية الكردية، وشارك شعبه في مخاطره ومشقاته، وهو بارع في التصميم وتدبير المكائد، وتحريض خصومه بعضهم على بعض، وإثارة عزيمة جنوده ورفع معنوياتهم، وكسب ثقتهم وولائهم، وأخيرا؛ أعتبره المؤلف أحد القادة الكبار في القرن العشرين لقوة عزيمته وكفاحه في سبيل الاستقلال الذاتي الكردي في العراق.

الدرس الذي تعلمناه:
لذلك أقول لأصحاب هذه المدرسة القديمة الذين يريدون أن يرتمي الكرد في أحضان إيران مرة ثانية: انهم لم يفهوا ولم يحللوا التاريخ جيدا؛ وكما قيل المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، كذلك أصبح للأكراد خبرة وحنكة سياسية ولن يقامروا بقضيتهم؛ ولن يراهن الاكراد على طرف واحد، بل أنهم أدركوا وتمرنوا على اللعبة الجديدة جيدا، فهم أصبحوا بارعين بلعبة الأوراق السياسية المختلفة المتفاوتة، ولعبة المتناقضات، وليس كل الاحلاف مع القوة العظمى امريكا يكون مصيرها النجاح، فنحن نرى التحالفات الاخرى تحرز نجاحا باهرا في العالم الذي يتجه نحو التعددية القطبية؛ بعد تراجع القطب الاوحد نتيجة خسارة بعض معاركه في العالم! وليس معنى ذلك أن نكون ضد التوجه الامريكي فالتحالفات الامريكية أيضا متداخلة فالسياسة ليس فيها احلاف ولا صداقات دائمة، بل فيها مصالح دائمة، وليس من الحكمة ان يرمي الأكراد بأنفسهم في أحضان احد، فالحلف الإيراني المتصاعد لا يمكن ان يغري أحدا وفقا لما يجنيه من تقدم آني على الساحة الدولية؛ فالمستقبل مليء بالمفاجئات، وعلى الارض مشاريع تنفذ ضدهم، والتاريخ يثبت عدم تمكنهم مطلقا في المنطقة، ولن تخدعنا اذرع الفرس الاخطبوطية فلنا معهم صولات وجولات متوافقة ومتباينة ولن ننجر الى الحلف المطلق معهم، كما تفعل بعض الاطراف الكردية مع الاسف .
واؤكد ان كلامي لا يعني تجاهل العامل والدور الايراني في المنطقة، لكنها لعبة التوازنات التي يجب ان نتقنها في ظل بدء الخطوات الاولى في طريق تحقيق الحلم الكردي بإقامة الدولة المستحقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق