24‏/12‏/2013

العراق، كوميديا ساخرة لوضع مضطرب!!

بقلم: آية الديوه جي
قد لايستطيع البعض وخصوصا ممن يعيشون في البلاد الآمنة تماما أن يتخيلوا وضعية البلاد المحتلة والتي تمر بأحداث ساخنة قد يتخيلونها بمساحة أشبه بالصحراء يقتتل فيها الناس ويبيح احدهم دم الآخر وليست سوى تخلفا واستعبادا وتهديدا للآخرين ! وحقيقة الامر أن الذين يعيشون في هذه البلاد نفسها لايستطيعون تخيل الوضعية التي يعيشونها غير انهم يدركون أنها تسير بالقدرة الإلهية!.
كثيرٌ ممن يتابعون الأخبار عن العراق يتخيلونه عبارة عن معركة مفتوحة لا أمن فيها، والاقتتال مستمر فيه دائما؛ نوعا ما هي هكذا فيه! إلا أن الصورة التي تنقل غالبا ماتكون صورة جزئية لا تتناول جميع الأحداث سوى الساخنة منها والعاجلة؛ العيش في العراق أصبح عيشا ازدواجيا تسير فيه الحياة ولاتسير! فقد تأقلم الناس مع حياة لاتتناسب مع أدنى متطلبات الحقوق الآدمية، غير أنهم كيفوا أنفسهم لمقتضياتها رغم صعوباتها ولا معقوليتها إلا أن مللا وسأما قد أصاب الجميع والكل ينتظر تلك القشة التي ستقصم ظهر البعير!.
هذه الحقوق المفقودة والحياة الصعبة المتكررة أصبحت من المألوفات الآن في حياة الفرد العراقي الذي يعيش فيما اصطلح على تسميته بالمناطق الساخنة! والتي لايمكن لشخص يعيش في مدينة آمنة متمتعا بحقوقه الادمية تخيلها!. 
هذه المآسي تحولت الى طرائف يتندر بها الشعب كالكوميديا السوداء؛ فيقولون على سبيل المثال (مابين سيطرة وسيطرة سيطرة) للسخرية من الواقع المؤلم؛ الذي تكثر فيه الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش لرجال الجيش والشرطة، فأعدادها هائلة ولاداعي لها سوا أنك تشاهد كل بضع مئات من الامتار حاجزا أمنيا للجيش ينبغي عليك أن تبطئ سير سيارتك بالقرب منه، وأن تفتح النافذة وتلقي السلام ثم تكمل طريقك الى ماشاء الله من الحواجز الأمنية الأخرى! من الممكن أن تكون معتادا على طريق قريب وسهل يوصلك الى المكان الذي تريده ثم تراه مغلقا في اليوم الثاني؛ كل شيء متوقع، هذا بالإضافة إلى الاختناقات المرورية التي تولدت بعد أن جعل الجيش لكل منطقة سكنية مهما كانت كبيرة منفذا واحد للخروج والدخول، كان الناس في البداية يرفضون، يستنكرون، ثم مالبثوا الا قليلا ليتأقلمو مع الخرائط الجغرافية الجديدة التي رسمت لهم.
وأما الإستهدافات الفردية والجماعية فمازالت مستمرة، تارة تستمر مشتعلة لأيام متتالية، وتارة تختفي لأسابيع عديدة حتى تتوهم حلول الامن والسلام، الحياة مستمرة في مدننا بازدواجية غريبة! فأنت ترى في نفس الوقت الذي يقتل فيه العشرات، ثمة منطقة أخرى الحياة فيها مستمرة، والناس تمارس أعمالها بصورة طبيعية تماما، وكان القتل بات من مفردات الحياة اليومية، وكأن شيئا في أحاسيس الناس تبلد، نعم هي تحزن وتستنكر ولكنها تعودت فأصبح الأمر أقرب للطبيعي في الاحساس والتعايش!.
يحدث أن تستيقظ في الصباح الباكر وتستعد للذهاب الى عملك فتتفاجأ وقت خروجك بوجود حظر للتجوال لسبب غير معلوم ولفترة غير معلومة أيضا!.
أو تجري بعض الاستهدافات الموجهة لبعض الأيام مثل استهداف المطاعم لبضعة أيام، ثم يتم الانتقال لهدف آخر .
غضب عام واستياء شعبي من حكومة لاتعرف المعنى الحقيقي للمسؤولية؛ ولا المسؤول يدرك اهمية مسؤوليته؛ لأن المسؤولين في الدولة انشغلوا بالرواتب والمخصصات الضخمة التي يستلمونها بعيدا عن آلام الشعب ونكباته.
يجري الاستخفاف بعقول الناس الى الدرجة التي تم فيها تبرير الفيضانات التي تسببها الامطار بنظرية المؤامرة، حيث نسب الى جهات مدسوسة انها وضعت أحجار ضخمة من أجل أن تغرق بعض المناطق السكنية! وبدلا من وضع الحلول للمشكلة تبادر الحكومة بمنح عطلة لجميع الدوائر الخدمية والمدراس والجامعات لشعب بات يفرح بهذا الوابل من العطل، لأن التعليم بالأساس منهار تماما، والقرارات الفجائية لكل سنة تعليمية قرارات مجحفة بحق الطلبة المجدين وينتفع منها الطالب المتقاعس الكسول وهو يعلم في النهاية أنه سينجح وسيكون من أوائل الحاصلين على فرص العمل.
وإذا كانت العلاقات بين أبناء الطوائف المختلفة جيدة وأخوية؛ فلا بد من فتن طائفية بين الحين والآخر لزعزة الامن الاجتماعي، كقتل مسيحيين في مدن غالبية سكانها من المسلمين! وهكذا تشتعل الأوضاع مرة أخرى .
وتبقى بعض الأماني حية للشعب العراقي رغم فقدان الأمل بالكثير من المتطلبات والحقوق الأساسية؛ ولو أن له الحرية في الكلام والتظاهر والخروج لخرج معبرا، إلا أنها هذه الحقوق أصبحت أحلاما صعبة التحقيق، وكل من قال رأيا او رفع صوتا زُج به في السجون لمصير غير معلوم تماما.
المتنفس الوحيد الباقي في الفضاء الالكتروني؛ حيث يحاول من خلاله أن يوصل بعضا من همومه من خلال الحس الفكاهي الذي يحاكي مهرجا يبكي من الداخل ووجهه ضاحك مستبشر، ثم يكمل حياته ويستيقظ ليوم آخر وهو حقا لايدري أي فيلم (آكشن) سيحدث معه، هل سيكون من ضمن خسائر عمليات انتحارية لايعلم لها دافع ولا من يمولها ولا من يقف خلفها؟! وفي النهاية هل سيعود إلى بيته آمنا؟!.
وهكذا تتشح يوميات الانسان في العراق بهذه الكوميديا السوداء، تتسابه الايام تشابه الاحداث المثقلة بالهموم والوجع منذ عام 2003 دون ان تلوح في الافق بوادر فرج، ولايتضح في نهاية النفق أي ضوء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق