01‏/07‏/2018

منهج الوسطية الإسلامية في فقه الأولويات (القسم الثالث)

د. دحام إبراهيم الهسنياني
  إن المحافظة على الأولويات الصحيحة، بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر أهم منه، يضمن المحافظة على منهج الوسطية الإسلامية. وقد أصاب أمتنا اليوم خلل كبير في معايير أولوياتها، حتى أصبحت تُصغِّر الكبير وتُكبِّر الصغير، وتُعظِّم الهين وتُهوِّن الخطير، وتُؤخِّر الأول وتُقدِّم الأخير، وتهمل الفرض وتحرص على النفل، وتثور للصغائر وتستهين بالكبائر، وتعترك من أجل المختلَف فيه، وتصمت عن تضييع المُتفَق عليه.. كل هذا يجعل الأمّة اليوم في أمَسِّ الحاجة - بل في أشد الضـرورة - إلى (فقه الأولويات)، لتُبتدئ به وتُعيد، وتناقش وتحاور، وتستوضح وتتبين، حتى يقتنع عقلها، ويطمئن قلبها، وتستضيء بصيرتها، وتتجه إرادتها بعد ذلك إلى عمل الخير وخير العمل.
 ويمكن توضيح هذه القضية بما يأتي:
  
1.  مفهوم (فقه الأولويات):
لم يستخدم العلماء الأقدمين مصطلح فقه الأولويات بمفهومه المعاصر، وإن كانت مضامين هذا الفقه أو العلم مبثوثة في كتبهم، ولكن هذا المصطلح ظهر على ألسنة بعض الدعاة والعلماء المعاصرين. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: "فقه الأولويات: نعني به وضع كل شيء في مرتبته، فلا يؤخر ما حقّه التقديم، أو يُقدّم ما حقّه التأخير، ولا يُصغّر الأمر الكبير، ولا يُكبّر الأمر الصغير"([1])، ويعرّفه في موطن آخر بأنه: "وضع كل شيء في مرتبته من الأحكام والأعمال، ثم يُقدّم الأولى فالأولى، بناء على معايير شرعية صحيحة، يهدي إليها نور الوحي، ونور العقل"([2]).
ويقول الدكتور محمد الوكيلي: يُقصد بفقه الأولويات: "العلم بالأحكام الشـرعية التي لها حقّ التقديم على غيرها، بناء على العلم بمراتبها، وبالواقع الذي يتطلبها"([3]). أما الدكتور محمد همام عبد الرحيم، فيعرّفه بأنه: "العلم بمراتب الأعمال ودرجات أحقياتها في تقديم بعضها على بعض، المستنبط من الأدلة، ومعقولها، ومقاصدها"([4]).
فتقديم حكم على آخر يكون بناء على: فقه بأحكام الشـرع، وبمراتبها، وبالأهمّ منها من المهم، وبالقطعي منها من الظني، وبالأصل منها من الجزء، وبالكبير من الصغير.. وبعبارة موجزة: بالخريطة الشرعية للأحكام، وفقه بالضوابط التي يتم عليها بناء ترجيح حكم على آخر، في حالة التزاحم، أو في غير حالة التزاحم، وفقه بالواقع والظروف التي يتحرك فيها الداعية.
   2.  التأصيل الشرعي لفقه الأولويات:
أولاً: الأولويات في القرآن الكريم:
ورد لفظ (أولى) في القرآن الكريم إحدى عشـرة مرّة، كلّها ترتدّ إلى معناها اللغوي الأصلي، وهو: (الأحق) و(الأجدر)، ولم يرد بالجمع مطلقًا. ومن هذه الآيات:
أ‌.               )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْـرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ(([5]).
عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً. وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصـرانياً. فأنزل الله تعالى: )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ...(([6]).
ب‌.          )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(([7]).
أي: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشـرعه، كونوا قائمين بالعدل، مؤدّين للشهادة لوجه الله تعالى، ولو كانت على أنفسكم، أو على آبائكم وأمهاتكم، أو على أقاربكم، مهما كان شأن المشهود عليه، غنيًّا أو فقيرًا؛ فإن الله تعالى أولى بهما منكم، وأعلم بما فيه صلاحهما، فلا يحملنَّكم الهوى والتعصب على ترك العدل. وإنْ تحرّفوا الشهادة بألسنتكم، فتأتوا بها على غير حقيقتها، أو تعرضوا عنها، بترك أدائها أو بكتمانها، فإن الله تعالى كان عليمًا بدقائق أعمالكم، وسيجازيكم بها([8]).
كما جاء بالمعنى في آيات عديدة تحثّ المؤمن على السعي للأفضل والأكمل في كل شيء؛ مثل: قوله (سبحانه وتعالى):
w       ]فَبِشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[([9]).
w       ]وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ[([10]).
w       ]ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[([11]).
وبما أن منهج الأولويات في حقيقته منهج دعوي يقوم على التدرّج والمرحلية في إلزام المسلمين بأحكام الإسلام، فقد نزل القرآن منجّماً ولم ينزل جملة واحدة، كما بدأ بأحكام العقيدة قبل أحكام الشريعة، وبدأ في العقيدة بالإيمان بالله قبل أركان الإيمان الأخرى، وبدأ في العبادات بالصلاة قبل غيرها.. مقدماً في كل هذا الأهمّ على المهمّ.
 وإذا كان من المعروف أن الأولويات تتوقف على الموازنات، وأن الموازنة خطوة أولى لمعرفة الأوْلى، فقد وردت في القرآن الكريم أولويات كثيرة قامت على الموازنة، ومنها:
    أ‌-         السلم أولى من الحرب: قوله (سبحانه وتعالى): ]وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ[([12])، وقال: ]وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ[([13]). والتعبير عن الميل إلى السلم بالجنوح، تعبير لطيف، يلقي ظلّ الدّعة الرقيق، فهي حركة جناح يميل إلى جانب السلم، ويرخي ريشه في وداعة! كما أن الأمر بالجنوح إلى السلم مصحوب بالتوكل على الله السميع العليم، الذي يسمع ما يقال، ويعلم ما وراءه من مخبآت السرائر. وفي التوكل عليه الكفاية والأمان. وقد أمر الله رسوله أن يقبل مسالمة وموادعة ذلك الفريق الذي اعتزله فلم يقاتله، سواء كان قد تعاهد، أو لم يتعاهد معه، حتى ذلك الحين. وأنه ظل يقبل السلم من الكفار، وأهل الكتاب، حتى نزلت أحكام (سورة براءة)، فلم يعد يقبل إلا الإسلام أو الجزية: وهذه هي حالة المسالمة، التي تقبل ما استقام أصحابها على عهدهم، أو هو القتال ما استطاع المسلمون هذا؛ ليكون الدين كلّه لله([14]).
 ب‌-             طلب الأعلى أولى من طلب الأدنى: قوله (سبحانه وتعالى): ]وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْـراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ[([15]).
 ت‌-             الإخفاء في التطوعات أولى من الإظهار: قوله (سبحانه وتعالى): ]إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[([16]).
 ث‌-             العناية بالجوهر أولى من العناية بالشكل: قوله (سبحانه وتعالى): ]لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْـرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّـرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ[([17]).
  ج‌-             العمل للآخرة أولى من العمل للدنيا: قوله (سبحانه وتعالى): ]لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِينَ[([18]).

ثانيًا: الأولويات في السنة النبوية الشريفة:
يصعب حصر ما ورد في السنة النبوية من استعمال للأولويات، سواء بالمعنى اللغوي أو من حيث التطبيق؛ لذا سنقتصر هنا على ذكر بعض النماذج منها، والتي تبيّن أصالة هذا الفقه في السنة النبوية الشريفة:
فمن نماذج الأحاديث التي ورد فيها لفظ (أولى) في السنة النبوية:
w       برّ الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله: عن عبد اللهِ بن عَمْرٍو (رضي الله عنه) قال: (قال رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أُجَاهِدُ؟ قال: لك أَبَوَانِ؟ قال: نعم. قال: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)([19]).
w       التيسير أولى من التعسير: عن أبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ من الدُّلْجَةِ)([20]).
w       العناية بأعمال القلوب أولى من العناية بأعمال الجوارح: عن أبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) رَفَعَهُ إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أجسامكم، ولا إلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلى َقُلُوبِكُمْ)([21]). لهذا كانت أعمال القلوب هي الأساس في الدين، أمراً ونهياً، فأفضل العبادات عبادات القلوب، وأخطر المعاصي معاصي القلوب، وهي المهلكات.
w       الاشتغال بالعلم أولى من الاشتغال بالأعمال التطوعية: عن أبي أمامة الْبَاهِلِيِّ (رضي الله عنه) قال: (ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ؛ فقال رسول اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فَضْلُ الْعَالِمِ على الْعَابِدِ كَفَضْلِي على أَدْنَاكُمْ)([22]).
w       وقال (صلى الله عليه وسلم): (أنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ من نَفْسِهِ)([23]). يقول الإمام النووي: (قوْله (صلى الله عليه وسلم): (أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسه)، هُوَ مُوَافِق لِقَوْلِ الله (سبحانه وتعالى): ]النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ[([24]). أَيْ أَحَقُّ، قَالَ أَصْحَابنَا: فَكَأَنَّ النَّبِيّ (صلى الله عليه وسلم) إِذَا اُضْطُرَّ إِلَى طَعَام غَيْره وَهُوَ مُضْطَرّ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لِلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَخْذُهُ مِنْ مَالِكه الْمُضْطَرّ، وَوَجَبَ عَلَى مَالِكه بَذْله لَهُ (صلى الله عليه وسلم) قَالُوا: وَلَكِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَمَا وَقَعَ؟([25]).
w       وقال (صلى الله عليه وسلم): (أنا أَوْلَى الناس بِعِيسَى بن مَرْيَمَ في الدُّنْيَا وَالآخرة، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ واحد)([26]).
w       وقال (صلى الله عليه وسلم): (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)([27]).
w       عن أبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فقال: (إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: حَجٌّ مَبْرُورٌ)([28]).
w       عن عبد اللهِ بن مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) قال: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قال: الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا. قال: قلت: ثُمَّ أَيٌّ؟ قال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قال: قلت: ثُمَّ أَيٌّ؟ قال: الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ. فما تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إلا إِرْعَاءً عليه)([29]).

ثالثاً: نماذج أخرى من الأولويات:
بالإضافة إلى ما سبق من نماذج للأولويات وردت في كل من الكتاب والسنة، فإننا نورد هنا بعض النماذج الأخرى لإلقاء الضوء عليها، لا سيما أن الأمّة بأمسّ الحاجة إلى الالتزام بها في وقتنا هذا:
1)            أولوية العلم على العمل:
من أهم الأولويات المعتبرة شرعًا: أولوية تقديم العلم على العمل. إن أول ما نزل من القرآن: (إقرأ)، والقراءة مفتاح العلم، ثم نزل العمل في مثل: ]يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ[([30]). وفقه الأولويات الذي نتحدث عنه مبناه ومداره على العلم، فبه نعرف ما حقّه أن يقدّم، وما شأنه أن يؤخّر، فالعلم يسبق العمل، وهو دليله ومرشده. وإنما كان العلم مقدّماً على العمل؛ لأنّه هو الذي يميّز الحقّ من الباطل في الاعتقادات، والصواب من الخطأ في المقولات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والصحيح من الفاسد في المعاملات، والحلال من الحرام في التصـرفات، والفضيلة من الرذيلة في الأخلاق، والمقبول والمردود في المعايير، والراجح والمرجوح في الأقوال والأعمال. وما أصدق ما قاله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: من عمل في غير علم، كان ما يفسد أكثر مما يصلح([31]).
2)            أولوية المقاصد على الظواهر: ومما يدخل في “الفقه” المراد: الغوص في مقاصد الشـريعة، ومعرفة أسرارها وعللها، وربط بعضها ببعض، وردّ فروعها إلى أصولها، وجزئياتها إلى كلياتها، وعدم الاكتفاء بالوقوف عند ظواهرها، والجمود على حرفية نصوصها. فإن للشارع أهدافاً في كل ما شرعه، أمراً أو نهياً، أو إباحة، فلم يشـرّع تحكّما ولا اعتباطا، بل شرعه لحكمة تليق بكماله تعالى، وعلمه، ورحمته، وبرّه بخلقه. وكما قال أولو الألباب في خلقه: ]رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ[([32]) نقول نحن في شرعه: ربنا ما شرعت هذا إلا لحكمة!.
وآفة كثير ممن اشتغلوا بعلم الدين: أنهم طفوا على السطح، ولم ينزلوا إلى الأعماق؛ لأنهم لم يؤهلوا للسباحة فيها، والغوص في قرارها، والتقاط لآلئها، فشغلتهم الظواهر عن الأسرار والمقاصد، وألْهتهم الفروع عن الأصول، وعرضوا دين الله وأحكام شريعته على عباده، تفاريق متناثرة لا يجمعها جامع، ولا ترتبط بعلّة، فظهرت الشريعة على ألسنتهم وأقلامهم كأنها قاصرة عن تحقيق مصالح الخلق، والقصور ليس في الشريعة، وإنما هو في أفهامهم التي قطعت الروابط بين الأحكام بعضها وبعض، ولم يبالوا أن يفرّقوا بين المتساوين، ويجمعوا بين المختلفين، وهو ما لم تأت به الشريعة قط، كما بيّن ذلك المحققون الراسخون([33]).

3)            مراعاة سنّة التدرج:
ومن وسطية فقه الأولويات: مراعاة سنّة التدرج، جرياً على سنّة الله (سبحانه وتعالى) في عالم الخلق، وعالم الأمر، واتباعاً لمنهج التشريع الإسلامي في فرض الفرائض، من الصلاة والصيام وغيرهما، وفي تحريم المحرّمات كذلك. ولعل أوضح مثل معروف في ذلك هو تحريم الخمر على مراحل معروفة في تاريخ التشـريع الإسلامي، لا يجهلها دارس.
وهذه السنّة الإلهية في رعاية التدرّج ينبغي أن تتّبع في سياسة الناس عندما يراد تطبيق نظام الإسلام في الحياة اليوم، بعد عصـر الغزو الثقافي والتشـريعي والاجتماعي للحياة الإسلامية. فإذا أردنا أن نقيم (مجتمعًا إسلاميًا حقيقياً) فلا نتوهم أن ذلك يتحقق بجرّة قلم، أو بقرار يصدر من ملك أو رئيس، أو مجلس قيادة أو برلمان، إنما يتحقق ذلك بطريق التدرّج، أي بالإعداد والتهيئة الفكرية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية، وإيجاد البدائل الشرعية للأوضاع المحرمة التي قامت عليها مؤسسات عدّة لأزمنة طويلة.
ولا نعني بالتدرّج هنا مجرد التسويف وتأجيل التنفيذ، واتخاذ كلمة التدرج (تكأة) لتمويت فكرة المطالبة الشعبية الملحة بإقامة حكم الله، وتطبيق شرعه. بل نعني بها تعيين الهدف، ووضع الخطة، وتحديد المراحل، بوعي وصدق، بحيث تسلم كل مرحلة إلى ما بعدها، بالتخطيط والتنظيم والتصميم، حتى تصل المسيرة إلى المرحلة المنشودة، والأخيرة، التي فيها قيام الإسلام، كل الإسلام، وهو نفس المنهاج الذي سلكه النبي (صلى الله عليه وسلم) لتغيير الحياة الجاهلية إلى حياة إسلامية.

4)                                    أولوية العمل في زمن الفتن:
ومن الأولويات المطلوبة: أن يكون العمل لهذا الدين في أزمان الفتن والمحن والشدائد التي تحيق بالأمة؛ فالعمل الصالح هنا دليل القوة في الدين، والصلابة في اليقين، والثبات على الحق. كما أن الحاجة إلى صالح العمل في هذا الزمن، أشد من الحاجة إليه في سائر الأزمان.
عن أبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قال: قال رسول اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (المؤمن القويُّ خيْرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير. احرِصْ على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزْ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل، فإن «لو» تفتحُ عَمَلَ الشيطان)([34]). وقوله (صلى الله عليه وسلم): (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله)([35]). وإنما كان أفضل الجهاد، لأن فيه مخاطرة بالنفس في سبيل الله، أكثر من مخاطرة المقاتل، الذي كثيراً ما يسلم ويعود بالأجر والغنيمة، ولأن الفساد الداخلي ـ وبخاصة طغيان الحكام ـ أشد خطراً من الغزو الخارجي، فلهذا كانت مقاومته أفضل، وأكّد هذا (صلى الله عليه وسلم) بقوله: (أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أو أَمِيرٍ جَائِرٍ)([36]).
من أجل هذا كان عظيم فضل الثابت على دينه، في أزمان الفتن، وأيام المحن، حتى جعل بعض الأحاديث المستمسك بدينه في أيام الصبر، له أجر خمسين من بعض الصحابة([37]).

5)            أولوية الولاء للجماعة والأمة، على القبيلة والفرد:
وممّا يؤكّد هذا المعنى: ما جاء به القرآن، وأكّدته السنّة، من تقديم الولاء للجماعة، والشعور بمعنى الأمّة، على الولاء للقبيلة والعشيرة؛ فلا فردية، ولا عصبية، ولا شرود عن الجماعة. يقول (سبحانه وتعالى): ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ[([38])، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[([39]).

رابعاً: الأولويات في العمل: إن العمل بالأولويات ليس جديداً على الشريعة، وليس غريباً عنها، لأنه مبدأ عقلي ومنطقي، وتؤيده النصوص الشرعية، والسيرة النبوية، وتاريخ الخلفاء، ونصّ عليه كثير من العلماء.
وفي هذا العصر صنّف الدكتور يوسف القرضاوي كتاباً (في فقه الأولويات) يؤكّد ذلك، نقتبس منه بعض الفقرات، حيث يقول: "إن القيم والأحكام والأعمال والتكاليف متفاوتة في نظر الشـرع تفاوتاً بليغاً، وليست كلها في رتبة واحدة، فمنها الكبير ومنها الصغير، ومنها الأصلي ومنها الفرعي، ومنها الأركان ومنها المكمّلات، ومنها ما موضعه في الصلب وما موضعه في الهامش، وفيها الأعلى والأدنى، والفاضل والمفضول"([40]).
ثم يقول أيضاً: "ثم يقدّم الأولى فالأولى، بناء على معايير شرعية صحيحة، يهدي إليها نور الوحي ونور العقل ]نور على نور["([41])، فلا يقدّم غير المهمّ على المهمّ، ولا المهمّ على الأهمّ، ولا المرجوح على الراجح، ولا المفضول على الفاضل أو الأفضل". ثم يذكر الأدلة الشرعية على ما يقول([42]).
ويشير إلى المعايير الشرعية في ذلك، فيقول: "ومن تتبع ما جاء في القرآن الكريم، ثم ما جاء في السنة المطهرة، في هذا المجال، جواباً عن سؤال، أو بياناً لحقيقة، رأى أنها قد وضعت أمامنا جملة معايير لبيان الأفضل والأولى والأحب إلى الله (سبحانه وتعالى) من الأعمال والقيم والتكاليف"([43]).
وبيّن أن المنكرات والأعمال السيئة والممنوعة على درجات، ولها أولويات أيضاً، فقال: "وفي الجانب المقابل وضعت معايير لبيان الأعمال السيئة، كما بيّنت تفاوتها عند الله، من كبائر وصغائر، وشبهات ومكروهات، وحذّرت من أعمال اعتبرتها شراً من غيرها، وأسوأ مما سواها"([44]).
ثم ربط الدكتور القرضاوي بين فقه الأولويات وفقه الموازنات الذي يقوم على ثلاثة أمور، وهي:
1.                  الموازنة بين المصالح أو المنافع أو الخيرات المشـروعة، بعضها مع بعض، وذلك بتقديم الضروريات ثم الحاجيات، ثم التحسينيات. وفي الضروريات يقدّم حفظ الدين على غيره، كما يقدّم حفظ النفس على حفظ العقل والمال، وتقدّم المصلحة المتيقنة والكبيرة، ومصلحة الجماعة، ومصلحة الكثرة، والمصلحة الدائمة، والجوهرية، والمستقبلية.
2.                  الموازنة بين المفاسد أو المضار أو الشـرور الممنوعة، بعضها وبعض. ويجب الاهتمام أولاً بالمفاسد التي تعطّل الضروريات، على المفاسد التي تعطّل حاجيّاً، وكلاهما على المفسدة التي تعطّل تحسينياً، وأنه لا ضرر ولا ضرار، وترتكب أخف المفسدتين، ويتحمّل الضـرر الخاص لدفع الضرر العام.
3.                  الموازنة بين المصالح والمفاسد، أو الخيرات والشرور، إذا تصادمت وتعارض بعضها ببعض، فيقدّم الأغلب والأكثر. وأن درء المفسدة مقدّم على جلب المنفعة([45]).

ماهي أفضلية وأولوية الأعمال الدنيوية:
فالزراعة والصناعة والتجارة يكون التفضيل بينها بحسب حاجة المجتمع إليها، وأحوج ما تحتاج إليه أمّتنا في عصرنا، هو التكنولوجيا المتطورة، أن تدخل الأمّة هذا العصـر وهي مسلحة بعلمه، غير غائبة ولا متخلّفة. فلا تستطيع الأمّة أن تنهض برسالة الإسلام الذي أكرمها الله به، وأتمّ عليها به النعمة، وأن تحمل دعوته إلى العالمين، وهي عالة على غيرها في أدوات العصـر، وأسلحة العصـر. إن تحصيل هذه التكنولوجيا المتقدمة، والتفوّق فيها، وفي العلوم الموصلة إليها، أصبح فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتّمها الواقع. وهي في مقدمة الأولويات للأمّة اليوم.

أفضلية وأولوية العبادات: إن أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضـى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإنْ آل إلى ترك الأوراد، من صلاة الليل، وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض، كما في حالة الأمن.
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً: القيام بحقّه، والاشتغال به عن الورد المستحب. وكذلك في أداء حقّ الزوجة والأهل.
والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن، والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب، وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه، والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده، والاشتغال بإجابة المؤذن.
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجدّ والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه، والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع. وإنْ بعد كان أفضل.
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه، أو البدن، أو المال: الاشتغال بمساعدته، وإغاثة لهفته، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.
والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعيّة القلب والهمّة على تدبّره وتفهّمه، حتى كأنّ الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبّره. والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التضـرع والدعاء والذكر، دون الصوم المضعف عن ذلك.
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، لا سيّما التكبير والتهليل والتحميد. فهو أفضل من الجهاد غير المتعيّن.
والأفضل في العشر الأخير من رمضان: لزوم المسجد فيه، والخلوة والاعتكاف، دون التصدي لمخالطة الناس، والاشتغال بهم. حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم، وإقرائهم القرآن، عند كثير من العلماء.
والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم، أو موته: عيادته، وحضور جنازته، وتشييعه، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك.
والأفضل في وقت نزول النوازل، وأذاة الناس لك: أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم، دون الهرب منهم. فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم، أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه. والأفضل خلطتهم في الخير، فهي خير من اعتزالهم فيه. واعتزالهم في الشـر، فهو أفضل من خلطتهم فيه. فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله، أو قلّله، فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم.
فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت، ووظيفته، ومقتضاه([46]).

أولوية الفرائض على السنن والنوافل
وفقه الأولويات يقتضي أن نقدّم الأوجب على الواجب، والواجب على المستحب، وأن نتساهل في السنن والمستحبات ما لا نتساهل في الفرائض والواجبات، وأن نؤكد أمر الفرائض الأساسية أكثر من غيرها، وبخاصة الصلاة والزكاة، الفريضتان الأساسيتان. والرائد في ذلك الحديث المشهور: (بني الإسلام على خمس..)([47]). فإن المنهج النبوي في التعليم: التركيز على الأركان والأساسيات، لا على الجزئيات والتفصيلات التي لا تتناهى.
فنرى من المنتسبين إلى الدين من يقوم الليل، ثم يذهب إلى عمله، الذي يتقاضى عليه أجراً، متعباً كليل القوة، فلا يقوم بواجبه كما ينبغي. ولو علم أن إحسان العمل فريضة: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)([48])، وأن التفريط فيه خيانة للأمانة، وأكل للمال ـ آخر الشهر ـ بالباطل، لوفّر على نفسه قيام ليله، لأنه ليس أكثر من نفل، لم يلزمه الله به ولا رسوله.
ومثله من يصوم الاثنين والخميس، فيجهده الصيام، وخصوصاً في أيام الصيف، فيمضـي إلى عمله مكدوداً مهدوداً، وكثيراً ما يؤخّر مصالح الناس بتأثير الصوم عليه. والصوم نفل غير واجب ولا لازم. وإنجاز مصالح الخلق واجب ولازم.
ومثل ذلك حج التطوّع، وعمرة التطوع، فمن المتدينين من يحج الحجّة الخامسة أو العاشرة أو العشـرين، وربما الأربعين، ويعتمر كل عام في شهر رمضان، وينفق ألوف الجنيهات أو الدنانير أو الريالات، وهناك مسلمون يموتون من الجوع ـ حقيقة لا مجازاً ـ في بعض الأقطار، وآخرون يتعرّضون للإبادة الجماعية، والتصفية الجسدية، وآخرون يتعرّضون للغزو التنصيري. ولقد قرّر فقهاء الإسلام: أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة.


([1]) أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، ص34.
([2]) في فقه الأولويات، دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة: 9
([3]) فقه الأولويات، دراسة في الضوابط: 16
([4]) تأصيل فقه الأولويات، دراسة مقاصدية تحليلية: 46
([5]) سورة آل عمران، الآيات: 65ـ68.
([6]) الدر المنثور في التأويل بالمأثور: 2/356.
([7]) سورة النساء، الآية: 135.
([8]) ينظر: جامع البيان: 2/258، والجامع لأحكام القرآن: 5/413.
([9]) سورة الزمر، الآيتان: 17-18.
([10]) سورة الإسراء، الآية:53.
([11]) سورة النحل، الآية: 125.
([12]) سورة البقرة، الآية: 191.
([13]) سورة الأنفال، الآية: 61.
([14]) في ظلال القرآن: 3/435.
([15]) سورة البقرة، الآية: 61.
([16]) سورة البقرة، الآية: 271.
([17]) سورة البقرة، الآية: 177.
([18]) سورة النحل، الآية: 30.
([19]) رواه البخاري (3004) في الجهاد: باب الجهاد بإذن الأبوين، ومسلم (2549). في البر والصلة: باب بر الوالدين.
([20]) رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب الدين يسر، حديث رقم (39)، ومسلم في كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، حديث رقم (2816).
([21]) رواه مسلم، رقم (2564)، المنتقى من الترغيب والترهيب: 1/98، رقم: 7.
([22]) رواه الترمذي: 5/50. (2685) كتاب العلم باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال: (حديث حسن صحيح غريب)، والطبراني: 8/233، رقم (7911).
([23]) رواه مسلم: 2/592، رقم (867)، وأحمد في مسنده: 3/310، رقم (14373)، وأبو داود "3343" في البيوع: باب في التشديد في الدين، والنسائي: 3/188، رقم (1578) وابن ماجة: 1/17، رقم (45).
([24]) سورة الأحزاب، الآية: 6.
([25]) شرح النووي على صحيح مسلم: 3/247.
([26]) رواه البخاري: 2/805، رقم (2176)، وأحمد في مسنده: 2/290، رقم (7886)، وأبو داود عن أبي هريرة. مسلم كتاب الفضائل باب فضائل عيسى (عليه السلام): 3/1237، رقم (1619)، والنسائي: 4/66، رقم (1963)، وابن ماجة: 2/807، رقم (2415). والترمذي: 3/382، رقم (1070) وقال: حسن صحيح.
([27]) رواه أبو داود في سننه: 4/351 (5197).
([28]) رواه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 18 باب من قال إن الإيمان هو العمل و"1519" في الحج: باب فضل الحج المبرور، ومسلم: 1/62 (83) (135).
([29]) رواه مسلم (120): 1/233، بَاب بَيَانِ كَوْنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ (سبحانه وتعالى) أَفْضَلُ الأَعْمَالِ.
([30]) سورة المدثر، الآيات: 1-4.
([31]) في فقه الأولويات: 49ـ50
([32]) سورة آل عمران، الآية: 191.
([33]) في فقه الأولويات: 60.
([34]) رواه مسلم (2664) في القدر: باب في الأمر بالقوة وترك العجز، وابن ماجة (79) في المقدمة: باب في القدر، والبيهقي في "السنن: 10/89.
([35]) رواه الحاكم، المستدرك على الصحيحين: 3/215. وقال: صحيح الإسناد، ورواه الخطيب في تاريخه، المنتقى من الترغيب والترهيب: 2/146، رقم (1365).
([36]) رواه أبو داود: 4/124، (4344)، بَاب الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وابن ماجة (4011)، بَاب الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، والترمذي (2174)، بَاب مَا جَاءَ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ. وقال: (هذا حديث حسن غريب).
([37]) فقد روى عن أبى أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا[. قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوىً متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أياماً، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) رواه أبو داود (4341) في الملاحم: باب الأمر والنهي، ومن طريقه البيهقي في السُّنن: 10/92، والترمذي (3058) في التفسير: باب ومن سورة المائدة، وابن ماجة "4014" في الفتن: باب قوله (سبحانه وتعالى): ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ[، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية: 2/30، والبيهقي في السُّنن: 10/91، 92، وإسناده حسن كما قال الحافظان المنذري والعراقي، وصححه الحاكم: 4/435، و525، ووافقه الذهبي.
([38]) سورة النساء، الآية: 135.
([39]) سورة المائدة، الآية: 8.
([40]) في فقه الأولويات: 9.
([41]) سورة النور، الآية: 35.
([42]) في فقه الأولويات: 9 وما بعدها.
([43]) المصدر نفسه: 11.
([44]) في فقه الأولويات: 11-12.
([45]) نفس المصدر: 27، وما بعدها بتصرّف واختصار.
([46]) ينظر: في فقه الأولويات، د. القرضاوي، وفقه الأولويات قي ظلال مقاصد الشـريعة الإسلامية، د. عبد السلام الكربولي.
([47]) رواه البخاري "8" في الإيمان: باب دعاؤكم إيمانكم، ومسلم "16" "22" في الإيمان: باب بيان أركان الإسلام.
([48]) رواه مسلم (1955) في الصيد: باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، والترمذي (1409) في الديات: باب النهي عن المثلة، والنسائي (4405) في الضحايا: باب الأمر بإحداد الشفرة، وابن ماجة (3170) في الذبائح: باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق