09‏/01‏/2020

واقعنا و(واقعية) المجالس الصحفية


د. يحيى عمر ريشاوي
    رافقت القوانين والأخلاقيات المهنية المؤطّرة للمشهد الإعلامي، ظهور وسائل الإعلام، وزيادة تأثيرها وهيمنتها على المجتمعات، تلك القوانين التي تحدّ من التأثيرات السلبيّة المصاحبة لهذه العملية الحسّاسة والمهمّة، ونتجت عنها المجالس والنقابات المهنية المهتمّة والمشرفة على المؤسّسات الصحفية والصحفيين في معظم بلدان العالم.
 ولا شكّ أن هذه القوانين والأطر والأخلاقيات يجب أن تكون انعكاساً للواقع التاريخي والاجتماعي والديني والسياسي لهذه المجتمعات، ولا يمكن الحديث عن إطار وأخلاقيات من دون قراءة المجتمعات الصادرة (منها وإليها) هذه القوانين والأخلاقيات. وتفعيل هذه القوانين والأخلاقيات بحاجة إلى أرضيّة مساندة وبيئة مساعدة لها، لأنه من الصعوبة في ظل هذه الأجواء - وفي مجتمع تسوده الفوضـى، وتختلط فيه المؤسسات التشـريعية مع التنفيذية مع القضائية، ولا وجود لسيادة القانون، والقضاء فيه مسيّس، والاستقرار الاقتصادي فيه شبه منعدم - الحديث عن تطبيق القوانين، وتفعيل المؤسسات النقابية والمجالس الصحافية، وكل المحاولات الهادفة لتحقيق هذا الهدف المنشود، حتى ولو كانت بنيّة صادقة، فإنها تواجه فشلاً، وصعوبات جمّة في التنفيذ.

هذا الكلام لا يعني أن القوانين والأخلاقيات ليست ضـرورية، ولا يعني بتاتاً قبول الأمر الواقع، والرضوخ للفوضـى الإعلامية، ولكن على المهتمين بالواقع الصحفي والإعلامي، في هذه البلدان، ربط عمل هذه المؤسسات والنقابات بالواقع المعاش. وقبل الحديث عن تطبيق القوانين والأخلاقيات الصحفية، علينا أن نقرأ - وبتمعّن - استقلالية القضاء، ومدى تدخّل الأحزاب، والقوى المتنفّذة، في أجندة هذه النقابات وأعمالها، ومصادر تمويل هذه المجالس والنقابات، وغيرها من الأمور المهمّة والحسّاسة.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال نقطة مهمّة مؤثّرة على عمل هذه المجالس والنقابات المهنية، ألا وهي التأثير المتنامي للإعلام الجديد، وشبكات التواصل الاجتماعي، وظاهرة (المواطن الصحفي)، الطارئة على المشهد الإعلامي، حيث إن تطبيق هذه الأنظمة والقوانين يصطدم مع الواقع الافتراضي، والقنوات الإعلامية الخاصة على اليوتيوب، والصفحات الشخصية المؤثّرة على السوشيال ميديا، وكذلك السهولة الحاصلة في مجال البث المباشر.. كلّ هذا أربك المشهد الإعلامي وأثّر في النظريات الإعلامية التقليدية، وغيّر من قناعاتنا لبعض المفاهيم الإعلامية الراسخة. ولا أحد يدري ما الذي يخبئه القرن الحالي في جعبته من تطوّرات وطفرات، ربّما تغيّر المشهد الإعلامي الحالي، وقوانينه، وأنظمته، وأخلاقيته، رأساً على عقب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق