18‏/02‏/2011

التكامل العقلي والمعجزات

د. سعد سعيد الديوه جي
الإحساس بالجمال والحب والشوق والتأمل وسكينة النفس وهدوئها والعاطفة والإخلاص والتفاني أمور لا تنبع من المعقول ومن اللامعقول، إنها تنبع وببساطة تامة من عالم متداخل مع عالم الأحاسيس، انه عالم الروح. وهو العالم الذي بين ما هو حي وما هو غير حي، والعقل ببعده اللامتناهي يدرك بعض جوانب هذا العلم ويتعلق يتكامل عقل الإنسان بتكامل نظرته لما حوله، وبتقبله أو رفضه لأمور معقدة ومتداخلة ضمن حياته القصيرة.والعقل المادي عقل محدود بالحواس ولا يؤمن بشي مما خلف الحواس، وينصب نفسه في موقع الحاكم أو القاضي بإصدار: (هذا معقول وهذا غير معقول)، وهذا المنطق نسبي بالمطلق ومتغير حسب الزمان والمكان والدين والتقاليد والعادات، فعندما ظن الناس بأن الأرض مسطحة لم يكونوا ساذجين أو مغفلين، ولكن حواسهم المحدودة كانت تشير إلى هذا الأمر بوضوح تام، وفي هذا المجال يبدو الغباء والتعالي والتبجح ونقص المعرفة من الأمور التي تخضع للمعقول واللامعقول بالمقياس المادي المحدود.فمفاهيم مثل الكون المادي بكل أبعاده اللامتناهية لم يستطع العقل العلمي البحت فك رموزه وألغازه، فما بال العقل لهذا الإنسان الذي يعيش في ذرة صغيرة من هذا الكون المادي أن يدرك مجمل الوجود، ومن يقف خلف الوجود وأسراره. في هذا المجال يطرح الإسلام هذه المسألة ببساطة متناهية من خلال الإيمان بالتوحيد المطلق للخالق الحق، ومن خلال الإيمان بعوالم المادة المحسوسة وما فيها من معجزات؛ وفي داخل تكويننا الجسدي الذي فيه ما فيه {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}، مع فتح الباب للعقل للتفكير بما وراء المحسوس والمادي.ومسألة الحياة بمعناها الشامل تشتمل على أمور لا تلعب فيها الأحاسيس إلا دور الواسطة، فالإحساس بالجمال والحب والشوق والتأمل وسكينة النفس وهدوئها والعاطفة والإخلاص والتفاني أمور لا تنبع من المعقول ومن اللامعقول، إنها تنبع وببساطة تامة من عالم متداخل مع عالم الأحاسيس، انه عالم الروح. وهو العالم الذي بين ما هو حي وما هو غير حي، والعقل ببعده اللامتناهي يدرك بعض جوانب هذا العلم ويتعلق به.بهذه الجوانب عبر الإسلام عن هذا التداخل من خلال الإيمان برسالات الأنبياء جميعا وبدون استثناء بدءاً بإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.فهم جاءوا ليعلموا الناس أن الإيمان بالمنظور والمحدود إهانة للعقل البشري، وان هذه الإهانة تستمر وتنمو حتى تصبح عبادة الطواغيت والأصنام وعبادة الهوى هي المعقول وما عداها لا معقول وأساطير وخرافات لان العين لا تراها والإذن لا تسمعها.وأما أصنام عصرنا هذا؛ فهي القصور والسيارات الفارهة والحسابات المصرفية وإتباع الهوى لتبدو عندها معجزات الأنبياء كلها خرافات لا تصدق وتدعو للسخرية، وإذا كانت الأمور كذلك فهل يستحق الأنبياء غير أوصاف مخجلة (معاذ الله).وعليه فالمعجزة بالنسبة للمؤمن إضافة عقلية لرصيده الإيماني؛ وبالنسبة للملحد هي أيضا إضافة لرصيده الإلحادي، وكما يقول (علي عزت بيجوفيتش) رحمه الله في كتابه الشهير "الإسلام بين الشرق والغرب" بأنه يوجد ملحدون على أخلاق ولكن لا يوجد الحاد أخلاقي، وعموما فالأخلاق ما هي إلا دين آخر يتطابق مع متطلبات الإنسان الروحية وأهمها حسن الخلق {وانك لعلى خلق عظيم} بهذا وصف الباري محمد (صلى الله عليه وسلم). في هذه المتاهة يخرج علينا يوما بعد يوم من يشكك بمعجزات الأنبياء والرسل، وهو مبدأ قديم أشار إليه القرآن مرارا وتكرارا بقوله {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} فلا تستغرب ممن يشكك بالإسراء والمعراج ، تلك الرحلة التي توجت الحياة الروحية لسيد الخلق محمد(صلى الله عليه وسلم)، وبلغ فيها ذلك العالم الذي لا يدركه الملحدون مطلقا ولن يدركوه مطلقا طالما بقوا منغمسين في طواغيتهم، تلك الرحلة التي اخترق فيها حدود الكون المادي إلى عالم الوجود الأوسع، هذه الرحلة ترسم مساراً لفكر المسلم المخلص وسموه الروحي والأخلاقي بأن يتحرك ويبحث دائما بعلو نفس وإخلاص لسيد الكون والوجود وخالقه والتوكل عليه، هذه الرحلة الروحية لا يدركها إلا من يسمو بروحه وعقله إلى عالم الوجدان والصفاء والشوق إلى محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق