18‏/02‏/2011

مصر.. تغير في خطاب الإسلاميين بعد توسع الاحتجاجات

علي عبدالعال
يلحظ المراقب للأوضاع في مصر تغيرًا ساد خطاب الحركة الإسلامية فيها تجاه احتجاجات الشارع المتصاعدة هذه الأيام؛ إذ تراوح هذا الخطاب بين إعلان مشاركة متحرجة من قبل الإخوان قبل انطلاق التظاهرات إلى تأكيد على دور الجماعة فيها بعد ما حققته من نتائج لم تكن في تقديرات أكثر المتفائلين. الأمر نفسه يمكن قراءة ملامحه سلفيا، بين فتوى ترى عدم المشاركة قبل انطلاق التظاهر بأيام وتأكيدا على ضرورة تحقيق مطالب المتظاهرين بعدها. على صعيد الإخوان وقبل انطلاق الاحتجاجات بيوم (24 يناير) قالت الجماعة، على لسان د.عصام العريان إنهم لن يمنعوا أحدًا من شباب الجماعة المشاركة في أي فعالية للتعبير عن الغضب ضد السياسات القائمة، أي أنها تركت قرار المشاركة "فرديا لكن هذه التصريحات التي كررها أكثر من متحدث عن الجماعة وصفت بأنها محاولة لإمساك العصا من منتصفها، بعدما تردد من ضغوط مارسها شباب الجماعة على قادتها من أجل المشاركة، وفي ظل انتقادات متكررة لمواقف الإخوان من احتجاجات الشارع دائما ما تصدر عن مراقبين وقوى سياسية. وبينما كانت تجري التظاهرات في الشارع المصري انتقد عدد من منسقيها وبعض المتظاهرين موقف الحركة الأكبر بين قوى المعارضة، التي شاركت بأفراد وجاءت مشاركتهم ضعيفة إلى الحد الذي جعلها غير محسوسة بالنسبة للمتظاهرين، متهمين الجماعة بـ"التخاذل والتراجع عن مساندة الحشود". وهو أمر أقر به قياديون في الجماعة على رأسهم النائب السابق، د.محمد البلتاجي، قائلا: "إن الجماعة اتخذت قرارا بأن تكون مشاركتها في حدود رمزية، وحرصت على ألا تتصدر المشهد". مضيفا ضمن تصريحات له: أن "الإخوان التحموا بالجماهير دون أن يتقدموا بخطوة عن أي فصيل سياسي". وهو ما كرره د.محمد مرسي في مداخلة لقناة "بي بي سي" قائلا: "الإخوان لا يريدون أن ينفردوا بأية فعاليات".فقد بدت الجماعة متخوفة من تحمل تبعات النزول إلى الشارع وحدها، ومتحسبة أيضا من اتهامات النظام بالتحريض والإثارة، وهو ما وقع بالفعل، حيث اتهم بيان وزارة الداخلية الجماعة بإثارة الشغب والتحريض على التظاهر، من خلال دفعها "بأعداد كبيرة من عناصرها في معظم التجمعات خاصة بميدان التحرير بالقاهرة". وهو ما كرره بيان نادر من الحزب الحاكم اتهم"المحظورة" ـ وهو وصف صار رسميا للإخوان لدى أجهزة الدولة ـ بالتحريض والإثارة "بهدف استغلال الشباب وتحقيق الفوضى".تعليقات الجماعة على هذه الاتهامات رأتها في إطار "الفزاعة" أي التخويف من الإسلاميين، سواء أكان تخويفا للداخل أو تخويفا للخارج يهدف إلى دفعه لتقديم مزيد من الدعم.فقد رأى البلتاجي أن "هناك رغبة لدى النظام المصري بالإيحاء للرأي العام الغربي بأن الجماعة تقف خلف موجة المظاهرات التي اجتاحت مصر"، مؤكدا "نحن لن نمكنهم من هذا". وأشار إلى أن الجماعة كانت حريصة على أن يظهر ما حدث في يوم الغضب باعتباره معركة الشعب المصري لا معركة الإخوان المسلمين، "وفي ضوء هذا التصرف الواعي تعاملنا مع الحدث".لكن بدت الجماعة ـ بعد النجاح النوعي الذي حققته الاحتجاجات ـ أكثر شجاعة وأكثر حرصا على تأكيد دورها فيها.ففي بيانهم الرسمي قال الإخوان المسلمون، إنهم "يعيشون مع كل أبناء مصر هذه الأجواء ويشاركون في هذه الأحداث ويؤكدون مطالب الأمة، ويتوجَّهون بالتحية والتقدير للشعب المصري على هذه الحركة الإيجابية السلمية المباركة". وأكدت الحركة "أن أبناءها جميعًا من نسيج المجتمع المصري يشاركونه دائمًا أفراحه وأتراحه ويعيشون همومه".وصدرت تصريحات متحدثيها على أن الحركة مستمرة في الاحتجاج مع الشعب "مهما تكن التضحيات".

السلفيون دعموا مطالب المتظاهرين
"الدعوة السلفية" في الإسكندرية، التي تعد الممثل الرئيسي للتيار السلفي في مصر، من جانبها، كانت قد قالت قبل الاحتجاجات بأيام إنها ترى "عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير"، وانطلقت هذه الرؤية ـ حسب توضيحها ـ من الشعور بالمسئولية تجاه البلاد "وحرصًا على مصلحتها، وتقديمًا وتغليبًا لأمن العباد والبلاد في هذه الفترة العصيبة".لكن حرص السلفيون ـ وهم دائما ما يتهمون بالخذلان والقعود عن المشاركة العامة والتفاعل مع صيحات الشارع المصري ـ على تأكيد عدم رضاهم "عن أي مظلمة صغيرة أو كبيرة أصابت الناس"، وهي إشارة إلى معاناة رجل الشارع من الأوضاع في البلاد.وردا على تأييد التظاهر الذي أعلنته الحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص) في بيان لها، خاطبت الدعوة السلفية متزعمي الحركة الذين يعيشون خارج مصر، بالقول: "لو كنتم بمصر لكان عليكم ألا تتخذوا موقفًا انفراديًّا دون الرجوع لمشايخ الدعوة، فكيف وأنتم غائبون؟".إذ كانت الحركة التي يتزعمها (رضا صمدي) وهو سلفي من أصول تايلندية لكنه تعلم في مصر بجامعة الأزهر وعاش في البلاد إلى أن أخرجته أجهزة الأمن منها قسرا، قد قالت في بيانها "ينبغي تأييدها (الاحتجاجات) والمشاركة فيها من منطلق الدور الرسالي الذي أناطه الله بهذه الأمة".لكن بعد خروج التظاهرات كان للدعوة السلفية كلام آخر، ربما يمكن وصفه بأنه أكثر تفاعلا معها، فقد كتب الشيخ ياسر برهامي في تعليق نشره موقع "صوت السلف" قائلا: ما حدث بمصر "فاق كل التوقعات، وتجاوز طاقة الأحزاب السياسية والحركات المطالبة بالتغيير". وأضاف: "لعل الرسالة التي أرسل بها الشباب الغاضب ورجل الشارع العادي قد وصلت".وطالب "عقلاء الأمة" بإدراك البلاد "بتغيير صادق"، يقدم مصلحة البلاد والعباد على المصالح الشخصية، والرغبات الدنيوية. ولم ينس الداعية السلفي المعروف بأن يؤكد على رؤية الجماعة السلفية لهذا التغيير وهي المتمثلة في "تحكيم الشرع، ورفع الظلم، وإقامة العدل"، فضلا عن محاربة الفساد الأخلاقي والإعلامي والمالي.ووصف الشيخ برهامي الاكتفاء بالحلول الأمنية بأنه "تكليف بما لا يُطاق، وبما لا يجدي"؛ خصوصًا إذا تطور الأمر إلى "سفك الدماء التي هي من أعظم الأمور عند الله تعالى"، بالإضافة إلى أن الحل الأمني يمثل ـ برأيه ـ وقود يُصب على نار الغضب، فيزيدها اشتعالاً حتى تأكل الأخضر واليابس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق