18‏/02‏/2011

الشرق الأوسط الجديد.. الفوضى الخلاقة وضحايا التغيير (3-3)

د.علي عبد داود الزكي
الأخطاء العربية في دعم الإرهاب يبدو أنها ستكون أساس تغيير أنظمة الحكم في كل الدول العربية وفقا لمفهوم الفوضى الخلاقة؛ وإعادة هيكلة الشرق الأوسط وفقا للمنظور الأمريكي لعالم القطب الواحد. أمريكا كانت قادرة عام 1991 على القضاء على نظام صدام وعلى كل إمكاناته العسكرية والصناعية، لكنها قررت فرض حصار على العراق وفرض لجان تفتيش ليس لغرض التفتيش عن السلاح..؟ بل بهدف إطالة مدة عدم الاستقرار تحت شروط قاسية فرضت على نظام الحكم الصدامي لأهداف كان الجميع يجهلها في تلك الحقبة الزمنية المظلمة التي مر بها العراق!! وقد تم دعم بقاء صدام في السلطة من قبل أمريكا لغرض استغلال ذلك وجعل العراق ضعيفا فقيرا جائعا، ما يتيح خلق تيارات فكرية جديدة فيه؛ بوجود الحصار والجوع والتجهيل الإجباري للمجتمع! أمام انهيار قيم وأخلاق مؤسسات الدولة بشكل مروّع، تلك الظروف تم التهيئة لها وصنعها واستغلالها من قبل أمريكا لنشر التناقض والتطرف،كلنا نعرف بأن صدام لم يكن يسمح لأي حزب بأن يعمل في العراق؛ لذا كانت الطريقة الوحيدة للعراقيين في الداخل للدخول إلى عالم السياسة اللجوء إلى الإسلام السياسي (استخدام التنشئة في المساجد والجوامع)، هنا دخلت وشجعت بعض الدول العربية ومخابراتها للعمل على تنشئة أرضيات دينية متطرفة في العراق ضد التوسع الإيراني المحتمل، وفعلا نشأت حركات دينية مدعومة من قبل الجوار العربي لخلق معارضة جديدة: (ذات نهج متطرف معادٍ فكريا للمعارضة العراقية خارج العراق) وهذه المعارضة مدعومة من قبل مصر والسعودية وأمريكا لغرض تحجيم دور المعارضة العراقية المدعومة من قبل إيران وسوريا. لم ينتبه نظام بغداد لهذا المخطط في بادئ الأمر؛ وشجع على نشر أفكار التناقض والصراع في الشارع العراقي، ففي ظل الحصار في عقد التسعينيات من القرن الماضي كانت هناك مئات الجوامع الفخمة تبنى وبدعم عربي كبير وتصرف عليها ملايين الدولارات العربية لغرض نشر أفكار متطرفة جديدة؛ كل ذلك حصل في الفترة التي كان المثقف العراقي يبيع كتبه ليعيش ويوفر لقمة لأطفاله وعائلته!! كانت هناك مؤسسات مجهولة تعمل على شراء الكتب الدينية المعتدلة التي تمثل ثقافة التعايش السلمي في العراق لسنين طويلة؛ كانت تشتري هذه الكتب بأثمان كبيرة وتختفي من الأسواق لا نعرف إلى أين تذهب؟ لربما تحرق! وكانت تظهر بدلا عنها هنا وهناك كتيبات مستنسخة رخيصة الثمن تثير الفتن وتشجع على العنصرية والتطرف، ما ساعد على زرع بذور العنصرية والطائفية والشقاق في المجتمع الذي كان يعاني الأمرين من الحصار والتجهيل المتعمد، لذا نشأت حركات متطرفة بعيدا عن المثقفين في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العراق وتفاجأ الكثير من المثقفين بعد سقوط الصنم بظهور الكثير من حركات التطرف بسرعة على الساحة العراقية.السبب؛ هو أن صدام حسين فطن متأخرا إلى أن نمو هكذا حركات يحجم التيارات الشيعية الموالية للمعارضة العراقية في الخارج، لكن هذه الحركات بنفس الوقت تهدد كيان دولته وديمومتها واستقرارها، لذا عمل على متابعة هذه الحركات والتنكيل بأعضائها وزج الكثير منهم في السجون، لكنه لم يعمل على إبادتهم بل تركهم ضعفاء غير قادرين على فعل شيء ضده، رغم ذلك فان الدعم العربي استمر لهذه الحركات خلال 13 عاما وأصبح للمخابرات العربية اذرع سيطرة كبيرة على هذه الحركات التي تعمل في العراق، وتم دعمها وتوفير المأوى لها خارج العراق أيضا، مما سهل عملية تحريك هذه العصابات واستغلالها بعد سقوط صدام وتمويلها وتنظيم عملها. الفوضى التي خلقت بعد السقوط ما كانت لتحدث لو تم إسقاط صدام عام 1991، لذا فان أمريكا بحجة التفتيش فرضت الحصار وزرعت أفكار التشرذم والسوء في العراق لعقد من الزمن بمساعدة مخابرات الدول العربية، ولعبت دورا سيئا في تغيير ثقافة المجتمع العراقي، ما مهد الأرضية المناسبة للسيطرة على العراق ونشر الفوضى بعد سقوط صدام، هذه الحركات الدينية المتشددة والدموية بعملها في العراق تخدم المصالح الأمريكية من حيث تعلم أو لا تعلم! اغلب الحركات الجاهلة الفوضوية يسهل السيطرة عليها بالأموال ويسهل تصفية وتغيير قياداتها وفق البرنامج الأمريكي الاستراتيجي. إن نشوء أفكار التطرف وأفكار التشرذم والصراع وعدم احترام القدسيات الوطنية والدينية سهل عملية إسقاط النظام ليكون العراق بلد غير مستقر بلد فوضى؛ الرابح الوحيد فيه من يعرف أصول اللعبة وهو من أسس لها! أمريكا لا تلعب بيديها بشكل مباشر فلديها عملاؤها فكلما عمت الفوضى ظهرت السيطرة عن طريق الفساد باستخدام المافيا، وهذه المافيا هي من يكسر القانون والنظام ولا يحترمه، وهي من تجعل الرابح الأخير في اللعبة أمريكا واستراتيجيتها اللعينة. صر والسعودية قامتا باستثمار الحركات التي تم دعمها خلال عقد التسعينات؛ وترويج أفكار التكفير والإرهاب والفتن، حيث تم دعم الإرهاب عربيا ضد العراق الديمقراطي الجديد لأسباب اقتصادية وسياسية وطائفية، لان أي ديمقراطية حقيقية في المنطقة ستكشف الأنظمة العربية الدكتاتورية وتحرك شعوبها وتدفعها باتجاه استجداء التغيير من أمريكا! كما أن اغلب الدول العربية في المنطقة تخشى من نهوض المارد الشيعي الذي يمثل المكون الشعبي المستضعف والمنتشر في اغلب دول المنطقة وبنسب سكانية كبيرة قد تكون مشكلة كبيرة لتلك الدول فيما لو تم استنهاضه، طبعا هذه المخاوف كانت الدافع الأكبر وراء دعم الإرهاب في العراق وإنشاء معسكرات تدريب الإرهابيين في الكثير من الدول العربية، وتمويل عملياتهم في العراق بصرف مليارات الدولارات. انزلقت الأنظمة العربية في ذلك وكان خطؤها جسيما ليس لأنها تدمر العراق فقط؟ بل لأنها تدمر نفسها أيضا من حيث لا تعلم! لأنها تعمل على خلق عدم الاستقرار في المنطقة لفترة عقد من الزمن، وهذا سيؤدي إلى تخريج دورات إرهاب هائلة لا يمكن أن تستوعبها المنطقة ككل إلا بدمار كبير وفوضى كبيرة، ان الحركات التي سمح صدام بإنشائها في العراق بعد ان أصبحت فكرا وعقيدة خلال عقد من الزمن أصبحت هي سبب إسقاط صدام ونظامه، لأنها أصبحت الأرضية المناسبة وفق الرؤية الأمريكية لتكون بديلا عن نظام صدام الدكتاتوري في نشر الفوضى في العراق ومنع استقراره، فالفوضى في العراق وعدم الاستقرار هو الهدف الآني الاستراتيجي الذي تطمح له أمريكا لتمرير مخططها في المنطقة، هذه الحركات هي من ستقف بوجه كل القوى الوطنية التي ستعمل من اجل النهوض بالبلد بعد إسقاط صدام بسبب فوضوية وجهل هذه الحركات ودمويتها وتبعيتها للخارج.سقط النظام العراقي؛ اغلب المحللين والقوى المعارضة التي كانت خارج العراق توقعوا بأن الحكم في العراق سيستقر خلال اشهر وليس سنوات، وهذا خطأ جسيم لم يكن بحسبانهم! لكن المحتل كان يعرف ماذا زرع في العراق، ويعرف بأن الأمر لا يستقر بسهولة، وان الفوضى ستجعل من المحتل المسيطر الأول على كل مجريات الأمور بـ(الريموت كونترول) لإنشاء مافيات السلطة ومافيات تدمير القيم والأخلاق العراقية الشرقية. سقط العراق في مستنقع الإرهاب أول الأمر وبدعم عربي كبير جدا ما افشل النظام الديمقراطي العراقي وجعله نظاما كسيحا معوقا، ثم تربعت مافيات السلطة على ثروات البلد وبدأت بتبديدها لمصالحها وملذاتها ونشر الفساد ونسيان الإنسان العراقي المحروم المظلوم منذ سنين طويلة، فكل سلطوي يتصرف وكأنه متفضل على الإنسان العراقي البسيط وكأنه هو من اسقط صدام.
نقول هنا ان أخطاء صدام التي كان يظنها حسنات لصالح الإبقاء عليه في السلطة هي التي كانت الأساس لإزالة نظام حكمه؛ صدام كان يخشى إيران والمعارضة العراقية فيها، لكنه لم يكن يتوقع أن أمريكا ستحفر له بئرا لإسقاطه، وفي نفس الوقت ستعمل على منع المعارضة العراقية التي لها تاريخ في معاداة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط من تسلم السلطة في العراق.انتهت الحرب الطائفية في العراق وانحسرت لكن أواصر التلاحم والتماسك الوطني أصبحت هشة، الاقتصاد العراقي هش؛ ويعتمد على النفط فقط، الحرف والصناعات الوطنية توقفت! الزراعة اندثرت، وهذا يجعل العراق ضعيفا هزيلا تابعا لكل دول الجوار وسياساتهم الرعناء! وهذا هو الخطأ الجسيم الذي يعيشه العراق اليوم ولا يمكن لأي حكومة عراقية في ظل الفساد الهائل المستشري في مؤسسات البلد من إصلاح الشأن العراقي والنهوض به كأمة عظيمة والنهوض باقتصاده إلا بمعجزة!!. دعم الدول العربية للإرهاب ولد ثقافة ارهاب عربية ثقافة قتل وتدمير وعسكرة غير موجهة بشكل صحيح وغير محسوبة العواقب، امريكا دعمت وشجعت بشكل أو آخر إرسال المقاتلين العرب للعراق ليكونوا نواة للمشروع الأمريكي (الفوضى الخلاقة) لتغيير المنطقة ككل، وفعلا دمر الإرهاب البنى التحتية العراقية؛ وفي نفس الوقت تسلل الإرهاب عبر الفساد إلى السلطة، وشكل مافيات راعية للمصالح الأمريكية، وبقي المتسلطون في العراق في اضعف حالاتهم كخدم للسياسة الأمريكية.
انتخابات أولى وثانية وثالثة مرت والعراق لازال ضعيفا في حالة فوضى وانهيار متزايد في مختلف النواحي الاقتصادية والسياسية والامنية!! وبعد ان تحقق شيء من الأمن النسبي في العراق وانتهاء الحرب الطائفية، انقلب السحر على الساحر الأصغر (الدول العربية المعادية للديمقراطية والتغيير في العراق)، أما الساحر الأكبر (امريكا) فهي من يتحكم بكل خيوط اللعبة وهي من تستخدم الأقزام لتحقيق وتدعيم مصالحها في المنطقة.. انحسر الإرهاب في العراق ولكن مقاتليه لم ينتهوا بل أصبحوا يشكلون أعظم قوة للفوضى من خلال (خلايا منظمة) تعمل اليوم على تدمير كل دول الشرق الأوسط ونشر الفوضى فيه، اليمن دعمت الإرهاب في العراق خلال السنوات الماضية ومئات إن لم نقل آلاف من المقاتلين اليمينيين قضوا في العراق، اليوم نرى اليمن يعاني من سوء عمله من جراء دعمه للإرهاب الذي انقلب عليه، نرى اليوم مؤسسات تصدير الإرهاب أصبحت عاجزة عن دفع المقاتلين خارج بلدانهم والكثير من المقاتلين الإشداء رجعوا إلى بلدانهم ليشكلوا خلايا مقاومة للحكم نراهم اليوم يعملون على تدمير بلدانهم وهذا نراه واضحا في كل الدول العربية والإسلامية من موريتانيا إلى الهند والباكستان؛ نسمع عن حركات في المغرب والجزائر وموريتانيا والصومال واليمن والسعودية والباكستان والهند!؟ وهو ما جعل الدول العربية تنتبه لخطئها الجسيم في دعم الإرهاب لتدمير العراق حيث إن ما قاموا بإنشائه انقلب عليهم وعلى دولهم. لم يستقر العراق حتى الآن رغم تخطيه مراحل صعبة جدا، واليوم الفوضى أخذت تنتشر تدريجيا إلى كل دول المنطقة، ولربما سيكون ذلك بشكل أكثر دموية مما مر به العراق! هذا ما سيمهد لفوضى أمريكية خلاقة ستتمكن فيها خلال عقد من الزمن او أكثر من إعادة تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات جديدة تخدم المشروع الأمريكي في السيطرة والهيمنة على العالم. هذا رأي واستنتاج يستند إلى استقراء الأحداث التي مر بها الشرق الأوسط خلال العشرين سنة الماضية، لكني لا أجزم بصوابه؛ فقد يكون فيه شيء من الصحة؛ وقد يكون عبارة عن استقراءات خاطئة لأحداث صعب تفسيرها..؟ وان كان كذلك فلربما سيكون محفزا إلى قراءات أكثر لفهم ما يجري وكيفية تقليل الخسائر.. فقد يكون هدف تقليل الخسائر هو أفضل نصر نسعى إليه اليوم!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق