09‏/10‏/2013

انتخابات برلمان كردستان قراءة في النتائج وخيارات تشكيل الحكومة المرتقبة


بقلم: اسو احمد
شهد إقليم كوردستان يوم الحادي والعشرين من شهر أيلول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء الدورة الرابعة للبرلمان؛ ومع أن سير الانتخابات لم يخل من انتقادات، إلا أنها كانت الأحسن مقارنة بسابقاتها من حيث كم التجاوزات، ولكن ما جرى خلال الايام الاخيرة من محاولات لتغيير النتائج يضع جدوى كل الاجراءات التي قامت بها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، من قبيل استخدام الختم الألكتروني، واستقدام المراقبين الدوليين، تحت التساؤل. 
ما حصل في النتائج الأولية غير الرسمية هو انكشاف لنسبة الأصوات التي حصلت عليها الأطراف المشاركة في العملية وتغير طفيف في ترتيبها، فـ(الحزب الديمقراطي الكوردستاني) احتفظ بترتيبه الأول، فيما أزاحت (حركة التغيير) (الاتحاد الوطني) عن المركز الثاني، وبقي الحزبان الإسلاميان: (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) و(الجماعة الإسلامية الكوردستانية)، في المركزين الرابع والخامس على التوالي. 
تراجُع (الاتحاد الوطني الكوردستاني) كان الحدث الأبرز للانتخابات، والذي قد يؤدي إلى تغيير الخارطة السياسية في إقليم كوردستان؛ فقد حافظ خلال الدورة السابقة على توازنه مع (الحزب الديمقراطي) في ظل الاتفاقية التي توصف بالاستراتيجية بين الحزبين، وذلك بالرغم من انشقاق جملة من القيادات عنه وتشكيلهم (حركة التغيير)، والتي كانت مفاجأة الانتخابات السابقة في العام 2009، واجتذبت نسبة عالية من أصوات (الاتحاد) في تلك الانتخابات. 
أفرزت الانتخابات السابقة حكومة من الائتلاف الكوردستاني، التحالف الذي كان يضم (الحزب الديمقراطي) و(الاتحاد الوطني)، الحاصل على أغلبية مقاعد البرلمان وبعض الأحزاب الأخرى التي لم تتجاوز مقاعدها الاثنين في البرلمان، إضافة إلى ممثلي المكونات التركمانية والمسيحية. كما أفرزت معارضة قوية تمثلت بحركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية. 
عانى الاتحاد الوطني الكوردستاني في ظل الحكومة السابقة الكثير من المصاعب من حليفه؛ من تهميشٍ في العلاقات الدولية والعقود النفطية واستغلاله في تمرير مشاريع القوانين التي تخدم مصالحه المباشرة، من قبيل قانون تمديد رئاسة الإقليم والتي يشغلها رئيس الحزب. 
أدى ضعف أداء الاتحاد أمام الديمقراطي؛ ضمن مجموعة من الأسباب، إلى عدم تمكنه من استعادة أصواته في انتخابات الحادي والعشرين من أيلول، وحصول صدمة عند قياديي الحزب وأعضائه ومؤيديه، تقبلها بعضهم واعتبرها نقطة للمراجعة وتعبيراً عن رفض الناخب لسياساته، فيما لم يتقبلها آخرون وحاولوا تغيير النتائج لصالحهم، وخصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرتهم الإدارية. 
الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي فاز بأكثر الأصوات، وتكون أكثر مقاعد البرلمان من نصيبه، لن يستطيع تشكيل حكومة بمفرده حتى إذا ما اضيفت إلى مقاعده مقاعد ممثلي المكونات التركمانية والمسيحية (الكوتا)، الذين هم مقربون من الحزب، وإن لم يكونوا أعضاء فيه، فرضهم بسبب هيمنته على الناخب في المناطق الخاضعة لسيطرته، وخصوصاً من خلال المشمولين بالتصويت الخاص. ورغم إمكان استبعاد الحزب الديمقراطي الكردستاني نظرياً من خلال تشكيل تحالف يضم الأحزاب الأخرى الفائزة: الاتحاد الوطني، الاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية، بقيادة حركة التغيير، إلا أن ذلك غير ممكن عملياً من خلال استقراء تاريخ الحزب وسيطرته المطلقة على مناطق واسعة من إقليم كردستان إدارياً واقتصادياً وسياسياً، وعدم وجود منافسين حقيقيين له في منطقة بهدينان، حيث تشير النتائج الأولية إلى حصوله على أكثر من ثلثي الأصوات في محافظة دهوك، فيما لم يحصل المنافس الأقرب له هناك: الاتحاد الإسلامي، إلا على أقل من 15%. وقال مسؤول في الحزب الديمقراطي في تصريح لصحيفة محلية إن ما يتم تداوله بشأن تشكيل تحالف يضم الأحزاب المذكورة ما هو إلا مؤامرة تحاك ضد حزبه، لذا تبقى المبادرة بيد الحزب الديمقراطي الكردستاني، وسيلجأ إلى البحث عن حلفاء يستطيع بهم إكمال الأغلبية المطلقة في البرلمان، وستكون أمامه عدة خيارات نحاول بحثها فيما يلي: 
الخيار الأول: إعادة التحالف مع الاتحاد الوطني الكوردستاني:
أكد مسؤولون في الحزب الديمقراطي الكوردستاني تمسكهم بالتحالف مع الاتحاد الوطني الكوردستاني، في اطار الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين، وأنهم لن يتخلوا عنه رغم خسارته في الانتخابات. أما بالنسبة إلى الاتحاد الوطني فنتائج الاتفاقية الاستراتيجية كانت من أسباب انشقاق قادة حركة التغيير الحاليين عنه، كما أن ما فرضه التزام الاتحاد الوطني بالاتفاقية الاستراتيجية ادى إلى النتائج المتدنية التي حصل عليها في الانتخابات الاخيرة. واستمرار الاتحاد الوطني بالتحالف مع الديمقراطي لن يؤدي إلا إلى الخضوع اكثر له، ما سيؤدي لاحقاً إلى انحسار أكثر في شعبيته، خصوصاً وأن انتخابات مجالس المحافظات على الأبواب، وانتخابات مجلس النواب العراقي ليست ببعيدة. هذا في وقت أعلن فيه قياديون في الاتحاد الوطني أنهم مع خروج حزبهم من الحكم وتفضيلهم للمعارضة، وهذه الحالة ستكون صعبة على قيادات متنفذة في الحزب ستفقدهم الكثير من الامتيازات، فيما سيحاول آخرون إعادة ترتيب بيتهم الداخلي وتنشيط الحزب في الصف المعارض القادر على جذب الناخبين وكسب رضاهم من خلال انتقاده لأداء الحكومة وتوجهه إلى المحرومين، مثلما استفادت معارضة الدورة السابقة.
لكن ترابط المصالح بين الحزبين وتداخلها ومخاوف اضاعتها قد تدفع الحزب الديمقراطي اخيراً إلى تقديم تنازلات كثيرة للاتحاد الوطني بشكل يستطيع الاتحاد اقناع مناصريه أنه هو الفائز، وقد يعيد التحالف من جديد؛ وفي هذه الحالة تبقى المعارضة الحالية على ما هي عليه الآن، لكنها ستكون في المآل معارضة أقوى بكثير مما كانت عليه، وستعد العدة لاستلام الحكم في المرحلة التالية.
الخيار الثاني: التوجه إلى الاتحاد الإسلامي الكوردستاني
أعلن أحد المسؤولين المتنفذين في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن حزبه يفضل تكوين تحالف مع الاتحاد الوطني والأحزاب الإسلامية، وخصوصاً الاتحاد الإسلامي. تم الحديث عن الاتحاد الوطني في الفقرة السابقة، أما عن الاتحاد الإسلامي، فقد سبق له أن شارك في حكومات مع الحزب الديمقراطي وحده أو الحزبين معاً، ولم تكن مشاركات الاتحاد الإسلامي غير إسناد مناصب وزارية، ولم يسمح له بالمشاركة في رسم خريطة عمل الحكومة وخططها، تجربة يجب على الاتحاد الإسلامي أخذ الدروس منها، خصوصاً وأن هناك حركة التغيير التي استطاعت بخطابها الإعلامي جذب الكثير من الاصوات التي كانت تحسب من نصيب الاتحاد الإسلامي، كون الاتحاد الاسلامي المنتقد الأول لحكم الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في الفترة السابقة لانتخابات تموز 2009. 
ويجب أن يأخذ الاتحاد الإسلامي فوز حركة التغيير عليه في (سيد صادق)، ومنافستها الحامية له في (حلبجة) و(هورامان)، مناطق كانت تعتبر معاقل للإسلامين والاتحاد الإسلامي بوجه خاص، بالحسبان، وأن أي خطأ من خلال المشاركة مفرداً في حكومة يديرها الحزب الديمقراطي سيؤدي إلى فقدانه تفوقه في تلك المناطق، وانحسار أكثر لأصواته في كل مناطق الإقليم لصالح حركة التغيير والجماعة الإسلامية. 
كما أن على الاتحاد الإسلامي الكوردستاني ادراك ما حل بالاتحاد الوطني الكوردستاني نتيجة تحالفه غير المتكافئ مع الحزب الديمقراطي ولن يكون ببعيد عنه، خصوصاً وأنه لا يملك ما كان يملكه الوطني من منطقة نفوذ واسعة وقوات أمنية وعسكرية ومقدرات اقتصادية وعلاقات دولية.
الخيار الثالث: التحالف مع حركة التغيير 
تتبنى حركة التغيير منهجاً مغايراً لمنهج الحزب الديمقراطي، ودخول الحركة لوحدها مع الديمقراطي بمقاعد أقل يقوي هيمنة الأخير على الحكومة، ورغبة حركة التغيير في فرض منهجها، خصوصاً وأن الدخول في الحكم ستكون تجربتها الأولى، قد تجعلها لا تستغني عن شريكَي المعارضة، وهذا سيؤدي إلى:
الخيار الرابع: التحالف مع أطراف المعارضة ككل:
تحالف كهذا، في حال تشكله، سيكون الأقوى في تبني الإصلاح المنشود في منهج الحكم وإدارة الموارد وتحويل القوات الأمنية والعسكرية من قوات حزبية إلى قوات وطنية، وتحويل علاقات الإقليم مع المركز ودول الجوار والدول الأخرى والمنظمات الدولية من علاقات شخصية وحزبية إلى علاقات حكومية ومؤسساتية. 
الخارطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات تشير إلى فوز الحزب الديمقراطي على باقي الأحزاب وتقدمه عليها، لكن عدم ايجاد شريك مناسب، كشريكه في الدورة السابقة: الاتحاد الوطني الكوردستاني، يجعله أمام واقع يضطره الى تقديم تنازلات والرضا بما لم يكن ليرضاه لو فاز الاتحاد الوطني، من أجل ضمان بقائه في الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق