08‏/01‏/2023

البنك المركزي العراقي ورفع سعر صرف الدينار

شوان زنكنة

مستشار حكومي سابق

يعتزم البنك المركزي العراقي دراسة هيكلية العملة العراقية، من خلال مشـروع أعدّه وأعلن عنه قبل مدة، بعد أن كثر الحديث في مجلس النواب العراقي عن سعر صرف الدينار العراقي، على أثر ارتفاع أسعار النفط في العالم، وتعالت الأصوات لإعادة سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي إلى سعره السابق البالغ 1190 ديناراً.

والسؤال: ماذا لو رفع البنك المركزي العراقي سعر الدينار العراقي؟

بالطبع، يستطيع البنك المركزي العراقي رفع سعر الدينار العراقي، كما استطاع سابقاً تخفيضه بجرة قلم، إذا سمح صندوق النقد الدولي بذلك، إذ تُعتبَرُ هذه الخطوة غير منسجمة مع التوجهات والسياسات العامة للورقة التي سموها بيضاء.

لنتتبع سيناريو الإجابة على السؤال أعلاه، كالآتي:

في اليوم الذي يعلن فيه البنك المركزي في مزاد العملة عن قراره بيع الدولار بسعره الجديد البالغ 1190 ديناراً، بدل سعره القديم البالغ 1460 ديناراً، تتكالب على المزاد كافة المؤسسات المالية المأذونة بالشـراء، ساحبة خلفها كل ما أمكنها جمعه من الدنانير العراقية من الأسواق المحلية، للحصول على أكبر قدر من الدولارات بسعرها المنخفض الجديد، وهذا بالطبع يؤدي إلى رفع سعر الدينار في السوق المحلية، وبالتالي تعم حالة من الفوضى والخلل في الأسواق تستمر فترة من الزمن، يتعرض فيها تجار العملة إلى أضرار فادحة، بقدر حجم الدولارات التي يمتلكونها، ناهيك عن خلل سيطرأ في السوق نتيجة الديون بالدولار بين التجار، والنزاعات التي ستحصل خلال تصفية هذه الديون، إذ سيفقد الدولار حوالي 20% من سعره، ناهيك عن أن هذا القرار ستصاحبه عملية فساد كبيرة، تشترك فيها جهات حكومية وأخرى حزبية، من خلال مؤسسات مالية مملوكة لهذه الجهات، بعد أن تقوم هذه الجهات الحكومية بإعلام تلك المؤسسات المالية بموعد قرار الرفع، والتي ستقوم على أثره ببيع دولاراتها بسعر 1480 دينار في الأسواق المحلية، وجمع ما يمكن جمعه من الدنانير بالسعر القديم للدولار، ثم تقوم بشـراء الدولار من مزاد البنك المركزي بالسعر المنخفض الجديد، بعد الإعلان عن السعر الجديد، وبذلك ستجني هذه الجهات أرباحاً طائلة جراء هذه العملية!

إلى جانب الخلل الذي سيحصل في سوق العملات، هناك خلل آخر سيحصل في سوق السلع الحقيقية، إذ سيُخفّضُ سعر الدينار الجديد أسعار السلع، باعتبار أن معظمها مواد مستوردة، يتم توفيرها بالدولار الأمريكي. وعلى الرغم من أن هذه منفعة وطنية، تصب في مصلحة المواطن، في ظلّ التضخم الكبير الحاصل في كل أنحاء العالم، إلا أنه من المشكوك فيه أن يقوم المستوردون بخفض أسعار السلع، بل سيحتفظون بهذا الفرق؛ كهامش ربح لهم.

وعلى الصعيد الحكومي، فإن رفع سعر الدينار العراقي سيقلل من موارد الدولة من العملة المحلية، باعتبار أن حوالي 95% من موارد العراق تأتي من مبيعات النفط، وعلى شكل دولارات أمريكية، لذلك ستفقد الدولة حوالي 20% من هذه الواردات بالعملة المحلية (الدينار العراقي). ولتغطية هذا العجز، ستلجأ الحكومة إلى اتخاذ بعض الإجراءات القاسية، والتي يمكن إدراجها كالآتي:

* اللجوء إلى الاحتياطي المركزي، الذي وصل أخيرا إلى حوالي 64 مليار دولار، وسحب حوالي 20% منها، بغية تلافي النقص من العملة المحلية، الذي سيطرأ بسبب ارتفاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأمريكي.

* رفع سعر المنتجات النفطية في الأسواق المحلية.

* رفع الرسوم، والضرائب، وأجور الخدمات الحكومية.

* إصدار سندات وأذونات حكومية بالدينار العراقي.

ستلجأ الحكومة إلى اتخاذ بعض أو كل هذه الإجراءات، إن عاجلاً أو آجلاً، وحسب الحاجة، وذلك لتغطية النقص في الكتلة النقدية العراقية، الذي سيطرأ نتيجة رفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار!

والخلاصة.. إن رفع سعر الدينار العراقي إلى 1190 دينار مقابل الدولار الأمريكي بجرة قلم، من قبل وزارة المالية - إن سمح صندوق النقد الدولي طبعاً - سيترك خلفه آثاراً متعددة ومتفاوتة على الأسواق المحلية؛ بشقيها النقدي والسلعي، من جهة، وعلى الموازنة العامة، والميزان التجاري للحكومة العراقية، من جهة أخرى.

أعتقد أن قرار رفع سعر صرف الدينار العراقي بجرة قلم ممكن، إذا ما وافق صندوق النقد الدولي، ولكنه سيكون قراراً مصحوباً بخلل كبير في البنية الاقتصادية العراقية، على الصعيدين المحلي والحكومي، إلا إذا تدرجت وزارة المالية في هذا الرفع على شكل خطوات متعاقبة، مطروحة على فترات زمنية، تنسجم مع تجاوب الأسواق المحلية، ومرونة الموازنة العامة والميزان التجاري.

أتمنى للحكومة التوفيق، والسداد في اختيار القرار الصائب، والحذر من الفساد، وتحري النزاهة، قبل وأثناء وبعد اتخاذ القرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق