08‏/01‏/2023

ماركس ومقولة الدين أفيون الشعوب

 هفال عارف برواري

 الفترة الزمنية التي عاشها كارل ماركس في القرن السابع عشـر ميلادي (1818 - 1883م)، كانت تعتبر فترة النهضة الأوروبية، وكانت هذه النهضة تواجه مخلفات الديانة المسيحية، التي كانت تعرقل عجلة النهضة، وكانت الكنيسة قبل ذلك تمثل عائقاً رئيسياً في تخلف أوروبا، وخاضت صراعاً عنيفاً بين العلم والدين، وقالت للإنسان: (أَطِعْ وأنت أعمى!!)، لذلك قامت الكنيسة حينها بمواجهة العلماء أمثال (غاليليو)، و(كوبرنيكوس)، وقامت بحرق بعضهم أمثال (جيوردانو برونو)!!

نعم، فعلى سبيل المثال كانت الكنيسة تعتنق (نظرية بطليموس)، التي جعلت الأرض مركز الكون، وكانت تقول إن الأجرام السماوية كافة تدور حولها، وقد بيّنت (نظرية كوبرنيك)، فيما بعد، عكس ذلك، وقد أيّدها (جردانو برونو)، الذي أحرقته الكنيسة سنة 1600م !

ثم تمّ استجواب (غاليلو)، الذي تراجع عن موقفه خوفاً من الإعدام !

ولم يكد القرن السابع عشـر يستهل حتى تبلور النزاع واتخذ شكلاً جديداً، فقد أصبح النزاع بين النص الذي تعتمد عليه الكنيسة، وحججها الواهية، وبين العقل والنظر الذي استند إليه أصحاب النظريات الجديدة.

وثار العلماء ودعاة التجديد مطالبين بتقديس العقل، واستقلاله بالمعرفة، بعيداً عن الوحي. بالمقابل جعلت الكنيسة القول بكروية الأرض ودورانها جريمة!

فهذه الأحوال المعطلة للعقل، والصادة عن العلم، والواقفة عقبة كأداء في سبيل تقدمه، يحقُّ فيها ما قيل عنها، فهذه المقولة المشهورة لماركس عن الدين :قيلت بحق الدين المسيحي الموجود في أوروبا، عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من الإكليروس (الإكليروس هو النظام الكهنوتي الخاص بالكنائس المسيحية)، وكانت هذه الطبقة متحالفة مع أصحاب النفوذ السياسي، حيث كانت أوروبا قبل ثورتها تحكمها سلطتان متحالفتان مع بعضهما البعض، لنهب ثروات الدولة وتركيع شعوبها، وهما :

*  السلطة الروحية، المتمثلة بالكنيسة.

*  السلطة الزمنية، المتمثلة بأصحاب النفوذ السياسي؛ من الإقطاعيين المنتظمين على هيئة مؤسسات عسكرية ومدنية تسوس البلاد !

نعم، كان كل ما ذكرته يدور في مخيلة (ماركس)، بل إنه قد عايش هذه المآسي، وشاهد مخلفاتها، واستشعر الكارثة التي حصلت لأوروبا جراء هذا الدين، الذي خدّر عقول أجيال وأجيال من الناس، وجعلهم أسرى معتقدات تجعلهم في مزبلة التخلف الحضاري. وشاهَدَ أمثال هؤلاء الذين كانوا يتلاعبون بعقول الناس، ويأكلون قوت أولادهم، مقابل عيشهم في أحلام الجنة، التي كانت لها صكوك تباع من قبل البابا، وبختمه المبارك !!لكي يبيع فقراءهم ما جنوه لأولادهم خلال سنوات، وليعيشوا هم في حياةٍ هي أقرب إلى الموت منها إلى الحياة.. وتلمس مرارة تحالف هذا النوع من الدين مع الإقطاع المنظم، والمتلبس بلباس الدولة المدنية !وكيف كانوا يتفقون مع بعضهم البعض بقيام الكنيسة بفتوى وإقرار تحليل ما يرغبه ساسة الدولة بقيامها بنهب ثروات الدولة، وإعطائهم صفة الولاء والانصياع والطاعة لهم بتحريف الدين القائم على (أن ما لقيصر لقيصر، وما لله لله)!

فقيصـر يمثل السلطة الزمنية، أي سلطة الدولة، وملك قيصـر يمثل كل ثروات الدولة وممتلكاتها !وما لله لله.. أي إن ما يمتلكه الله في الأرض هي الكنائس فقط ودور العبادة، التي هي عبارة عن ترنيمات وتسبيحات وتعويذات.. وبذلك تكون سلطة الله محصورة بين جدران الكنائس فقط.. فهو إلـــه ضعيف هزيل في الأرض، لا يتجاوز ملكه تلك الجدران المزيّنة في الكنائس، وله سلطة وملكوت في الخيال فقط!!

وكل هذه الفلسفة التي جعلتها الكنيسة في معتقد الفرد الأوروبي، كانت مقابل تفويض السلطة الزمنية (أي الدولة) الكنيسةَ، كل صلاحيات السلطة الروحية، بل جعلتها وكيلة الرب في الأرض، وجعلتها في مقام سلطة الرب والقداسة في الأرض، فهي التي تشـرّع وتقنن القوانين.

وهي بالمقابل تعطي للملك السمع والطاعة العمياء، وتجعله في مقام لا يسمح شـرعاً أن يثور عليه أحد، أو يعصـي أحد كلامه، لأنه قد تم تزكيته من قبل وكلاء الرب في الأرض.!

وهي (أي الكنيسة) تقوم بإخراج من يخالف أوامرها من الدين بفتوى (الهرطقة)، وتحليل دمه، لأنه خالف أوامر الرب والكتاب المقدس. وكانت الهرطقة تهمة تلاحق كل من يفكر بزعزعة الصـرح الكنسـي، والذي يخالف كلام الكتاب المقدس، ويقلل من شأن هيبة الكنيسة! وكذلك كل من يفكر بزعزعة الوضع الأمني للدولة (أي كل من يخالف قوانين السطة المفوضة من الكنيسة).

نعم، كان هذا ما يعنيه (كارل ماركس) من قوله: (الدين أفيون الشعوب)، ألا ترون أنه كان محقاً في قوله هذا؟ خاصة إذا علمنا أنه لم يتعرف إلى الإسلام كدين جاء لإحقاق الحق للمظلومين، وإقامة العدل ونشر السلام في الأرض!!

ولكن كان على أمثال هذا الفيلسوف أن لا يستخدم صفة التعميم، وهي نوع من المغالطات التي تسمى مغالطة التعميم(Fallacy of generalization)، فكان عليه التشخيص، لكن يبدو من واقعه المرير أنه سلط جام غضبه على مفهوم الدين..

المهم، إذا رجعنا إلى عالمنا الإسلامي، نرى كيف سيطرت عليه حكومات عضوض، وحكام جبريون! حكام فرضوا على الشعوب الإسلامية قسراً، منذ زمن بعيد..

وكيف كان يقوم هؤلاء الحكام والطغاة في كل زمن بمحاولة السيطرة على العلماء ومراكز التوعية الدينية، التي تسمى الآن (الأوقاف)، ووزاراتها، وكيف يحاولون بشتى الطرق كسب ولائهم.. إما بإعطائهم الأموال والأراضي والممتكات، أو إرغامهم على بذل ولائهم بالتخويف والإرهاب، أو تجميدهم وإبعادهم عن منابر الوعي والإرشاد.. وكيف يحاولون في كل زمان أن يحاربوا العلماء الأجلاء، الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، وأن يزيحوهم عن منابر العلم، وعن العالم، لكي لا يتأثروا بهم، أو أن تتم تصفيتهم بشتى الطرق؛ إما بالمنع، أو السجن، أو التشويه والتنكيل بشخصيتهم، أو حتى بقتلهم! ويقومون بالسيطرة على وزارات الأوقاف، لكي تتم السيطرة على المنابر، وعلى جعل الملالي في صفوفهم، يستفادون منهم في إعادة صياغتهم حسب ما يريدون، ومحاولة استخدام أسلوب أوروبا، كما كانت تفعل أنظمة أوروبا مع الكنيسة إبان العصور الوسطى.. أي قيام هؤلاء العلماء بإصدار فتاوى السمع والطاعة للسلطة، بآيات تلوى أعناقها، لكي تنحرف عن سياقها ومرادها، وأحاديث يشوبها التحريف والتناقض مع روح الإسلام وشخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالولاء والطاعة لولي الامر، ولو أكل مالك، وجلد ظهرك! ومنع قيام أي رد فعل تجاه السلطات الظالمة بحجة الفتنة، وجلب أحاديث الفتنة لكي يرضوا بالأمر الواقع! والقول بأحاديث لا أصل لها كمقولة: (ملك غشوم ظلوم، خير من فتنة تدوم)!

بل وإصدار فتاوى تحرم المظاهرات التي أصبحت المتنفس الوحيد لشعوب العالم، لكي يعبروا عن آرائهم، وعن سخطهم تجاه قوانين معينة، والدفاع عن حقوقهم المسلوبة، مع العلم أن الإسلام جاء أصلاً لرد الحقوق إلى أهلها، ورفع الظلم، وإقامة العدل، والمساواة، وتحرير الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ضاربين بعرض الحائط كل مفاهيم الحقوق والحريات والعدل والكرامة الإنسانية المبينة في آيات قرآنها العظيم، والتي بيّنت حتى سنن الكون في الوجود، وأن دوام الحال من المحال..

بل تجد هناك من العلماء من يحرم الانتخابات لكي لا يتعرض كرسي السلطان إلى ما لا تحمد عقباه، أو حتى لا يشارك في حكم سلطانه أحد، لكي يتفرد هو بالسلطة المخولة له فقط، والخالية من الشـرع والمشرعين، وحتى الشرعية القانونية والقرآنية! وتنفرد السلطة بنهب ثروات البلد، وتقوية الأمن الدولي لحماية كرسيها فقط !

وفي بعض البلدان يشارك هؤلاء الملالي، ومدعو العلم والدين، في الحكومة، ويدخلون البرلمانات، لا لإحقاق الحق، بل لتبرير وتحليل ما ستقوم به السلطة من ممارسات، ستحتاج إلى مشرع يشرع لها، ويحفظ مكتسباتها الفئوية الضيقة !!

وكل هذه الشرعية من قبل فتاوى علماء السلطة، يكون مقابل:

 * توفير الرفاهية التامة لهؤلاء العلماء، لذلك تجدهم يسكنون في قصور فخمة، ويتنعمون بملذات الحياة الفارهة.

*  وكذلك مقابل حفاظ الحكومة على إزاحة كل من ينافسهم في العلم، وجعلهم في مقام لا يستطيع أحد التدخل فيه.

*  ومقابل دعمهم اللامحدود لهم، لكي يستطيعوا بسط سيطرتهم على عقول الشعب !

وهم من جانبهم يقومون بإصدار كل ما في جعبتهم من آيات وأحاديث مستقطعة لتبرير شرعيتهم !!

كذلك إلهاء الناس بالرضى بواقعهم المرير، وأن هذا الرضى غاية لا تدرك !!وأن الفقراء سيدخلون قبل الأغنياء بـ500 عام !وأن الفقر خير من غنى، قد يفتن فيه ,,!!وأن الأموال هي فتنة، لا يتحمل تبعاتها كل أحد !وأن القناعة كنز لا يفنى !!وإلهاء الناس بتوافه الأمور، وتكبيرها في أعين الناس، كالمظاهر الدينية؛ من لبس، وألفاظ، وما إلى ذلك، مما يقلل من قيمة وعظمة هذا الدين، وما جاء من أجله.

كل ما قلته هو متواجد في عصـرنا الحالي، وما قبله، أفلا يكون هذا النمط من الدين أفيوناً مخدراً للشعوب!؟ بحيث يلغي دور العقل والعلم، ويلغي كرامة الإنسان، الذي من أجله جاءت هذه الرسالة العظيمة؟!

لكن يبقى السؤال هو: إذا كان هناك مبرر للكنيسة بأن تفعل ما تشاء، كون الكتاب المقدس لا يحتوي على منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية، تكشف زيف هؤلاء بتحريفهم للدين، فهل يستطيع علماء السلطة في الدين الإسلامي - مهما بلغوا من العلم والعلمية - أن يستمروا في تبرير ما يفتون به، سيما أن الإسلام يتميز بمنظومته المتكاملة، وأن هذا الكتاب المنزل من عند الله (القرآن) ميسـر لكل ذي عقل، ولا توجد فيه طلاسم ورموز يصعب فكها؟! وكما أخبرنا الله في كتابه: {وَلَقَدْ يَسَّـرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.. وأن القرآن يفسـر نفسه بنفسه.. ونظرة سـريعة إلى آلايات والأحاديث النبوية، ستكشف لنا هذا الأمر.. كموقف الإسلام من العقل والعلم وحركة الحياة (ونفي جعل الإسلام أيضاً أفيوناً للشعوب)..

*   فالدين الذي جعل من تعاليمه تقديسَ العقل، وتكريم العلم والعلماء، في أي اختصاص كان.. كما في قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِيْ الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ وَالذِيْنَ لاَ يَعْلَمُوْنَ}..

والدين الذي من تعاليمه:

{قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، لا ينطبق عليه القول المذكور.

*  والدين الذي جعل من مبادئه:

{يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، لا ينطبق عليه القول المذكور.

فقيمة البرهان، وقيمة العلم والعلمية (أي علم)، هو الذي ميز الإسلام عن باقي الأديان،

وأن لا كهنوت ورجال دين في الإسلام، بل علماء، وفي كافة الاختصاصات..

ولنتابع روح الشريعة الإسلامية:

1 ـ يقول الله عز وجل في مُحكَم التنزيل:

{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}..

دين يجعل المجالس التي ليس فيها إصلاح للمجتمع لا خير فيها، دين ليس أفيوناً، إنه دين المجتمع الفاضل المتكافل المتحابب..

2 ـ دين يجعل من مبادئه: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}

دين ينبذ الكسل والتواكل، ويحب السعي والعمل.. واستعاذ نبيه (صلى الله عليه وسلم) من الجبن والبخل والعجز والكسل.. دين يجعل السعي مبدأ، والعمل أساساً.. دين ليس أفيوناً.

3 - دين يجعل من تعاليمه: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، دين يقدس العمل، ويأمر به، دين الحركة الدائبة في طلب الرزق الحلال.. ليس أفيوناً.

4 - دين ورد في قرآنه: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ،فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}.. هو دين يعلم أتباعه ألاّ يكون هناك تواكل، ويقول لهم: حتى وأنتم في أضعف حالة من القوة والنشاط، لن يصلكم رزقكم إلا بالعمل، قدموا طاقتكم، وابذلوا ما في وسعكم!.. هو دين حياة، وليس أفيوناً..

فالخطاب في الآية الكريمة لمريم، وهي في ساعة الولادة.. ومع ذلك لم يرسل الله لها رزقها دون حركة وعمل.. بل قال لها: {وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً...}.. وهذا تعليم للمؤمنين.. فلا  رزقَ بدون سعي، ولا رطب بدون هز جذع النخلة..

دين هذه تعاليمه، هل هو أفيون؟ لا أحسب عاقلاً يقول هذا.

5 - قال نبي الإنسانية(صلى الله عليه وسلم) : «لأن يأخذ أحدكم أحبُلَه (جمع حبل) ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكُفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".

وقال عليه الصلاة والسلام: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ".

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن بات كالاً من عمل يده، بات مغفوراً له".

ولما رأى - عليه الصلاة والسلام - صحابياً يده خشنة، قال له: "ما هذا الذي أرى بيدك؟"، فقال الصحابي: من أثر المر والمسحاة، أضربُ وأعمل وأنفق على عيالي.. فسُـرَّ النبيُ الكريم، وقدّر اليد العاملة، وقال: "هذه يدٌ لا تمسها النار".

فهل دين فيه هذا التقدير من نبيه للعمل والعمال، دين تخدير وأفيون؟ أيقول عاقل هذا ؟!

علماً أن من صريح تعاليمه: «إن الله يكره العبد البطال»، و"إن الله يحب المؤمن المحترف".

6 ـ ورد في الحديث الشريف:

"المؤمنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِر"، ومعنى المؤمن الكيس: المؤمن العاقل المدرك.. أما المؤمن الفطن: فالمؤمن الذكي النبيه ليس بالخب، والخب لا يخدعه.. كما قال عمر بن الخطاب: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)..

هو منتهى اليقظة والتنبه.. فأين التخدير والأفيون؟

الإسلام عقل مدرك، وكله فطنة وذكاء..

7 - كان عمر رضي الله عنه يرى الرجل، فيسأله عن مهنته، فإذا قيل: لا مهنة له، سقط من عينه. وكان يقول: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة".

ونظر مرة إلى رجل مظهر للنسك، متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تُمِت علينا ديننا، أماتك الله.

وقال عمر على المنبر: "مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له"..

وكان يشجع الناس على استقطاع الأرض الفلاة، بغية إعمارها.. فأين التخدير والأفيون.. والإسلام عمل وعزة وإعمار..

8 - قال (صلى الله عليه وسلم) :"اللهم بارك لأمتي في بكورها".. فالإسلام نَبذٌ للكسل، وهِمَّةٌ عاليةٌ في استقبالِ نهار جديد، خاصة أن عشـرات الآيات الكريمة تحض على استعمال العقل والتفكير واليقظة.. {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}..{لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}..

9 - مَن يقول: (الدين أفيون الشعوب)، بحجَّة عقيدة القدر، نقول له: الإيمان بالقدَر إتيان بالأسباب على أكمل الوجوه، ثم توكُّل على مسبِّب الأسباب.. وإن حدثَ ما يُسـيء المرء وينغص معيشته، فالقدر يُـبـيد الحادثة المزعجة، ويحفِّز همَّته من جديد لاستقبال أيامه المقبلة بيقين الواثق بالفوز، وبأمل جديد يدفعه للمحاولة من جديد.. فليست عقيدة القدر معطِّلة للهمة، باعثة للكسل والتواكل.. بل لقد كانت عقيدة القدر قوة دافعة إلى الأمام، للجهاد، للتوسع والفتوحات، للاستشهاد..

10 - وأخيراً.. نختم بقولنا: لقد كانت هذه الأمة في أفيون، في مخدر.. عندما كان بأسُها بينَها شديداً، وعدوُّها يتربَّع فوق أراضيها .. فجاءها الموقظ، جاءها المنشِّط، جاءها الحافز، جاءها المنـبِّه.. لقد لامست كلمة (الله أكبر) أسماع العرب فأيقظتهم.. لو كان الإسلام أفيوناً لما وصل به المسلمون إلى الصين والهند وأندونيسية، ولا إلى قلب روسية وسيبيرية، ولا إلى ثلثي القارة الإفريقية..

رحم الله العقَّاد، عندما اطلع على فكر وفلسفة هؤلاء، ثم كتب كتابه (المذاهب الهدامة أفيون الشعوب)!

والإسلام دين يحرِّض على مقاومة الظلم حتى الموت، ويعد الميت في سبيل ذلك شهيداً في سبيل الله، بل في طليعة الشهداء المرموقين، بجوار حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، سيد الشهداء، كما قال عليه الصلاة والسلام: "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله".

وفي الختام، نذكر قول الدكتور يوسف القرضاوي حول تعميم مقولة ماركس:

" لعلَّ (ماركس) كان معذوراً حين قال ما قال، لأنه لم يعرف الإسلام، ولم يعرف موقفه من الظلم والبغي والفساد، مع أن المنهج العلمي كان يلزمه ألا يصدر حكمه عاماً شاملاً إلا بعد استقراء كامل، ودراسة تامة لكل الأديان - أو للأديان الكبرى على الأقل - وأثرها في الأمم على مدار التاريخ، فإن لم يستطع كان عليه أن يحكم على الدين الذي عرفه، لا على غيره. هذا هو مقتضى الأمانةالعلمية، والمنهج العلمي"...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق