10‏/01‏/2024

مرافئ/ حين يقتل (الزمن) أمنيات (المواطن) البسيطة

د. يحيى عمر ريشاوي
حين تتعهّد حكومة أو جهة سياسية ما، بحلِّ مشاكل المواطنين، وتحقيق مطالبهم البسيطة من توفير للخدمات الأساسية، وتحقيق العدالة، واستتباب الأمن وغيرها من الوعود والأمنيات (البسيطة)!، فإنّ هذه الأمنيات البسيطة، محكومة (بالزمن)، ومحكومة بالوقت المستغرق لتحقيقها، أي إن المواطن الذي عمره (ثلاثون) سنة، ينتظر أن يرى بأمّ عينيه تحقيق هذه المطالب على أرض الواقع خلال عشـرة أو عشرين سنة على أعلى تقدير، هذا المواطن يتوقّع أن حكومته؛ المسؤولة عن توفير عيشٍ لائق وكريم له ولعائلته؛ لها خطة استراتيجية، سوف تأتي بثمارها خلال عقدٍ أو عقدين، ورُبّما - في أسوأ الأحوال - خلال ثلاثة عقود!
أمّا إذا تجاوز الأمر ذلك (الزمن الافتراضي)، والمواطن ينتظر وينتظر، والحكومة تعد وتعد، فما الجدوى إذاً؛ من هذه الوعود وهذه الأمنيات، وإلى متى تطالب هذه الحكومة هذا المواطن المسكين بالصّبر والتريُّث ريثما تؤتي مشاريعها وخططها الاستراتيجية أُكلها؟! ليس من المنطقي أن تطلب هذه الحكومة من هذا المواطن المسكين، وقد بلغ الستين، بالتأنِّي والصّبر وغيرها من الكلمات الإنشائية المنمّقة! لا سيّما في عصر السرعة، وزمن التحوّلات الجنونية في كل شيء!
والآن تخيّل معي حال مواطن في إقليم كوردستان؛ كان في ريعان شبابه يسكن مع والديه، حين قيل له إن مشكلة الكهرباء والوقود؛ سوف تحل خلال سنوات، وإنه لن يشاهد بعد الآن جدولاً بالرواتب من على شاشة الفضائيات، وإن التحزّب والمحسوبيّة و(الواسطة) في دوائر الدولة ستكون في خبر كان! وإنّه... وإنّه...! هذا (الشاب) كوّن عائلة الآن، وقد وارى الثرى والداه المسكينان، وما زالت الأسطوانة المكرّرة نفسها تدور، في هذه البقعة الجغرافية الزاخرة بالخيرات أرضاً وسماءً! والغريب في الأمر أنّ هذا المسكين، وقد تجاوز الستين، ما زال يشاهد ويستمع مع أبنائه هذه الوعود خلال الحملات الانتخابية، والمؤتمرات الصحفية، واللقاءات التلفزيونية، وما زال يُذاع أنّ الحكومة مصمّمةٌ على حلِّ مشكلة الكهرباء، عازمةٌ على إنهاء أزمة الرواتب، جادّةٌ في إنهاء التحزّب و(الواسطات)، و... و... و...!
وتحضـرني هنا قصة (مضحكة – مبكية) للشخص الذي ذهب إلى نجّار كي يصنع له مهداً لابنه الذي سيرى النور بعد شهور، وكيف أن النجّار لم يفِ بوعده، ولم يصنع ما طُلب منه، إلى أن كبر المولود وصار شاباً وتزوّج هو أيضاً، وذهب إلى النجّار نفسه؛ طالباً منه مهداً للمولود الجديد، فما كان من النجار إلا أن صاح بوجهه؛ قائلاً: حسناً، سوف أصنعُ لك مهداً، بشـرط ألّا تكون مثل والدك مستعجلاً، فصناعة مهدٍ ليست بالأمر الهيّن، وتحتاج إلى تفكير وروية وتخطيط، يا ولدي العزيز!!

---
مجلة الحوار ǀ العدد 186 ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ شتاء 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق