10‏/01‏/2024

زوال إسرائيل بين نبوءات التراث اليهودي ومعطيات الواقع المعاصر

 أ. د. فرست مرعي

   ليست فكرة (زوال إسرائيل) متعلّقة فقط بالعرب والمسلمين، إنما هي فكرة يعتقد بها الكثير من اليهود أيضاً، مثل: الحاخام شمعون بن يوحاي (= القرن الثاني الميلادي)، والحريديم، وغيرهم. والحريديم: طائفة يهودية أصولية متطرفة، تلبس نساؤها الفرومكا: وهو زي نسائي خاص، ويربي رجالها لحاهم دون تهذيب، ويرتدون المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء، ويحرم على المرأة الحديث في الهاتف المحمول في الشوارع أو محطات الأتوبيس والأماكن العامة، حيث يعتبرون صوت المرأة عورة، وكل جسدها عورة أيضاً. فضلاً عن الجماعات المناهضة للصهيونية، والتي من أبرزها (ناطوري كارتا)، وهي حركة يهودية حريدية، ترفض

الصهيونية بكل أشكالها، وتعارض وجود دولة إسرائيل، تعدادهم يقارب 5000 شخص، ويتواجدون في القدس ولندن ونيويورك، تم تأسيسها في سنة 1935م. تعارض هذه المجموعة الصهيونية وتنادي بخلع أو إنهاء سلمي للكيان الإسرائيلي، وإعادة الأرض إلى الفلسطينيين. هذا، فضلاً عن وجود العديد من الشخصيات الصحفية والمؤرخين، بل وحتى من مؤسسي هذا الكيان، أمثال: (ديفيد بن غوريون)؛ أول رئيس وزراء لإسرائيل عام 1948م، و(ناحوم غولدمان)؛ رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، و(أبراهام يورغ)؛ رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق، و(إيهود باراك)؛ رئيس الوزراء  الإسرائيلي الأسبق، و(نفتالي بينيت)؛ رئيس الوزراء السابق، و(بنيامين نتناهيو)؛ رئيس الوزراء الحالي، وغيرهم، من المؤمنين – بشكل أو بآخر - بذلك.

ومن خلال عرض عدد من النبوءات التوراتية، يمكن الإشارة إلى ما ورد في (سفر ملاخي)، آخر أسفار (العهد القديم)، الإصحاح الرابع: "فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور، وكل المستكبرين وكل فاعلي الشـر يكونون قشاً، ويحرقهم اليوم الآتي، قال رب الجنود، فلا يبقي لهم أصلاً ولا فرع. ولكم أيها المتقون اسمي تشـرق شمس البر والشفاء في أجنحتها، فتخرجون وتنشأون كعجول الصير، وتدوسون الأشرار، لأنهم يكونون رماداً تحت بطون أقدامكم يوم أفعل هذا، قال رب الجنود، اذكروا شريعة موسى عبدي، التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل. الفرائض والأحكام، هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم. لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن".

ففي السفر إنذار ووعيد لليهود، الذين ينطبق عليهم بشكل خاص وصفهم بالصهاينة الأقحاح، ومن يؤازرهم، فهذا السفر يبشـر اليهود الصهاينة بالكارثة التي ستحل بهم. فتحتَ عنوان (يوم الرب)، وكما هو مفهوم اليوم، الذي يحمل بشارة خلاص الإنسانية من الشـرور بقدوم المخلص ومعه القديسين. قال (ملاخي) لليهود: "لقد اسأمتم الرب بكلامكم، وتقولون بم اسأمناه؟ بقولكم: كل من يصنع الشـر فهو صالح في عيني الرب، وبهم هو يرتضي أو بقولكم: اين إله العدل".

أما بخصوص نبوءة دانيال، فقد استيقظ النبي دانيال ذات يوم فزعاً، فقد توالت عليه أحلام غريبة لم يجد لها تفسيراً، كان مما رأى "أن أربعة حيوانات عظيمة مختلفة صعدت من البحر المحيط، الأول: كالأسد، ولـه جناحا نسر، والثاني: كالدب، وفي فمه ثلاثة أضلع، والثالث: مثل النمر، وله أربعة أجنحة وأربعة رؤوس، والرابع: حيوان هائل قوي لـه أسنان من حديد، أكل وداس بقية الحيوانات برجليه، وله عشـرة قرون، طلع بينها قرن صغير، طلعت من قدامه ثلاثة قرون، وظهر لهذا القرن الصغير عيون، وفم إنسان، فتكلم بإلحاد وكفر. ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام، ذي العرش، الذي تخدمه الألوف المؤلفة". (سفر الرؤيا).

وجاء في (سفر ميخا 3: 9- 12): "اسمعوا هذا يا رؤساء بيت يعقوب، وقضاة بيت إسرائيل، الذين يكرهون الحق، ويعوجون كل مستقيم، الذين يبنون صهيون بالدماء، وأورشليم بالظلم، رؤساؤها يقضون بالرشوة، وكهنتها يعملون بالأجرة، وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِالْفِضَّةِ، وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلِينَ: أَلَيْسَ الرَّبُّ فِي وَسَطِنَا؟ لاَ يَأْتِي عَلَيْنَا شَرٌّ! " "لِذلِكَ بِسَبَبِكُمْ تُفْلَحُ صِهْيَوْنُ كَحَقْل، وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا، وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ" .

وجاء في (سفر إرميا 2: 22 -23): "فإنك وإن اغتسلت بنطرون، وأكثرت لنفسك الأشنان، فقد نقش إثمك أمامي، يقول السيد الرب: كيف تقولين لم أتنجس؟".

وجاء في (سفر حزقيال24:13): " إن في نجاستك فجوراً، لأني أردت أن أطهرك فلم تطهري، ولن تطهري بعد اليوم من نجاستك إلى أن أريح فيك غضبي".

وفي السياق نفسه، هناك نبوءة يهودية أوردها الحاخام (شمعون بن يوحاي)، في كتابه (الزوهار)، ويعدّ (بن يوحاي) من أعظم الحاخامات التاريخيين لليهود، والذي عاش في القرن الثاني الميلادي، وله قبر يزوره اليهود كل عام في جبل (ميرون)، القريب من مدينة صفد(= شمال فلسطين)، (حيث وقع حادث مقتل 38 من اليهود المتدينين في انهيار جسـر خلال إحيائهم لحفل في نيسان سنة2021م). وتتحدث هذه النبوءة عن مصير (إسرائيل) بالقول: "يأتون من أرضٍ بعيدة إلى جبل إسرائيل العالي، ينقضون على الهيكل، ويطفئون الأنوار، يعبرون فلسطين ناشرين الدمار الكامل، ولا تخلص إسرائيل، وكل من صودف طعن، وكل من وقع أخذ بالسيف، وكل من يتلو اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا يقتل، وسيهرب بنو إسرائيل حتى سهل أريحا، ثم يأتي أبناء أشور فيدمرون إسرائيل".

 أما قصيدة (كسـرات الغنيزا)، التي تشكل نبوءة يهودية قديمة، تصف زمن مشاكل ومعارك في فلسطين قبل مجيء (المسيح المنتظر اليهودي- الماشيح)، فتقول: "سوف يتحارب الآدوميون (الروم)، والإسماعيليون (المسلمون)، في (عكا)، حتى تغوص الخيل في الدم، سوف ترجم غزة وبناتها، وتضـرب عسقلون واشدود بالرعب"!.

أما حركة (ناطوري كارتا)، فهي حركة يهودية تطلق على نفسها اسم حراس المدينة، تعد من أهم وأقدم الحركات الحريدية اليهودية المتدينة، تأسست عام 1935م، وهي التي تحارب الفكر الصهيوني في العالم، ولا تؤمن بدولة (إسرائيل)، ويبلغ عدد أتباعها ما يفوق نصف مليون، في مختلف أنحاء العالم، عشـرات الآلاف منهم يتواجدون داخل إسرائيل، في حي (مئة شعاريم) بالقدس، ومدينة (بني براك)، ويتصـرفون بعكس كل توجهات مؤسسات إسرائيل، بل يحاربونها في كل شيء، من العطل إلى رفض التجنيد. يقول الناطق الرسمي باسم الحركة (ديفد وايز):

"التوراة تقول إن من يقف ضد إرادة الله لن ينجح، وهذه (الدولة) سوف تنتهي، لأنها عبارة عن عمل تمرد ضد ما حرمه الله وحظره". ثم يحمّل الصهاينة مسؤولية ما يقومون به من اعتداءات، في غزة والضفة الغربية، وفي لبنان، مؤكداً أن هذه الاعتداءات ستنتهي قريباً، لكن لا يعلم الوقت المحدد لذلك.

أما من رأى من المثقفين والساسة، في الكيان، قرب زواله، فهم كثر، بحيث لا يستطيع الباحث تعدادهم، لكن سنورد أبرز الآراء:

أولاً: (ديفيد بن غوريون)، (1886 – 1973م)، أول رئيس وزراء لإسرائيل عام 1948م، عاش ومات، وهو مقتنع بحتمية زوال الكيان بعزيمة الأجيال الفلسطينية الجديدة. فقد روى زميله المقرب (ناحوم غولدمان)، رئيس المؤتمر الصهيوني لعدة دورات، في كتابه (المفارقة اليهودية)، تفاصيل لقاء ليلي مطوّل له مع (بن غوريون)، في منزل الأخير، سنة 1956م، خصه فيها بالكشف عن آرائه الصادمة:

1- اعترف له بحق الفلسطينيين بأرضهم، مؤكداً أن كيانهم هو كيان احتلال.

2- توقع ألا يدفن ابنه (عاموس) في الكيان، لأن العرب لن يسكتوا، ولن يرضخوا لاحتلال أرضهم ومقدساتهم.

3- لا يوجد لإسرائيل مستقبل على المدى الطويل، دون تسوية سلمية مع العرب.

ثانياً: (ناحوم غولدمان) (1895 – 1982م)، الذي كان من أعلام الكيان، حيث أسس وترأس (المؤتمر اليهودي العالمي) لسنوات. ذكر في عدة كتب له: أن دولة (إسرائيل) سوف تختفي من الوجود إن هي ظلت تمارس الإرهاب اليومي، ولا تعترف بوجود دولة فلسطينية، داعياً الجيل (الإسرائيلي) القادم بأن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في الوجود، وأن ينصهر معه في علاقات اقتصادية، متوقعاً أن لا تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بمد الكيان بمساعداتها الاقتصادية والعسكرية.

ثالثاً: البروفيسور (إسرائيل شاحاك) (1933 – 2001م)، أستاذ الكيمياء في الجامعة العبرية في القدس، يقول بأنه متأكد من أن الصهيونية ستندثر في المستقبل، فهي تعمل بعكس الآراء المشتركة لمعظم شعوب العالم. مؤكداً أنها ستجلب كارثة على المنطقة، وقبل كل شيء على اليهود أنفسهم.

رابعاً: المؤرخ (بيني موريس)(1984م -؟)، يعد (بيني موريس) أحد أشهر وجوه حركة (المؤرخين الجدد)، وهو مصطلح يطلق في إسرائيل بشكل فضفاض على مجموعة من المؤرخين الذين نقضوا الرواية الإسرائيلية المعتمدة لتاريخ الصـراع مع العرب، واعترفوا بما ارتكبته إسرائيل من قتل وتهجير.

ولا يعني هذا أن كل (المؤرخين الجدد) يستشعرون مسؤولية إسرائيل عن هذه الجريمة التاريخية، فهم ينطلقون من منطلقات مختلفة في دراستهم لذلك التاريخ، ومنهم (موريس) الذي لا يرى بأساً في التطهير العرقي، ويعتقد أن اليهود عليهم القيام بكل ما يلزم لحماية أنفسهم.

لكن (موريس) يقدم جل أفكاره بنَفَس واقعي بعيد عن الرغبات والتمنيات غالباً، ويقول في الحوار الذي أجرته معه صحيفة (هآرتس الإسرائيلية)، في يناير/ كانون الثاني 2019م: "لا أرى لنا مخرجاً"، وذلك في معرض حديثه عن فرص إسرائيل في البقاء كـ(دولة يهودية).

ويمضـي شارحاً: "اليوم يوجد من العرب أكثر من اليهود، بين البحر (المتوسط) والأردن. هذه الأرض بأكملها ستصير حتما دولة واحدة ذات أغلبية عربية". ويضيف: إن "إسرائيل لا تزال تدعو نفسها دولة يهودية، لكن حكمنا لشعب محتل بلا حقوق ليس وضعا ًيمكن أن يدوم في القرن الحادي والعشـرين في العالم الحديث. وما أن تصبح لهم حقوق، فلن تبقى الدولة يهودية".

خامساً: (يوفال ديسكن) (1956م - ؟)، رئيس الشاباك  السابق (= جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، توصل إلى نتيجة عرضها في مقال في جريدة (يديعوت أحرونوت)، يستخلص فيها أن: "إسرائيل لن تبقى للجيل القادم"، موضحًا أسباب ذلك، بازدياد نسبة الفلسطينيين في إسرائيل، من جهة، وازدياد نسبة الحريديم، من جهة أخرى. و(الحريديم) - برأيه - هم عالة على المستوطنين الآخرين، لأنهم لا يؤدون التزاماتهم للدولة"، ولا يخدمون في الجيش، ما سيدفع الآخرين للهجرة، وعندها يصبح الفلسطينيون هم الأكثرية. وبتطور (العنف)، سيندفع كل من يستطيع من اليهود للهرب إلى أميركا والغرب.

سادساً: الصحفي (آري شبيط)، الذي كتب مقالاً في صحيفة (هآرتس)، بعنوان (إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة)، أبرز ما جاء فيه:

1- اجتياز الكيان لنقطة اللاعودة، وأنه يجب فعل ما اقترحه الباحث الصهيوني (روغل ألفر) بمغادرة البلاد.

2- يجب النظر بهدوء، ومشاهدة دولة الكيان الإسرائيلي وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

سادساً: الصحافي (يوسي بيلين)، كتب في صحيفة (يديعوت أحرونوت)؛ قائلاً:" بأنه يشك في استمرار الوجود الإسرائيلي طويلاً.

سابعاً: (أبراهام يورغ) (1955م - ؟)، رئيس الكنيست السابق، الذي أثار جدلاً كبيراً داخل الأوساط الإسرائيلية، على مدى السنوات السابقة، التي جهر فيها بآرائه وكتبه، التي حذرت من توافر أسباب زوال (إسرائيل)، واصفاً الكيان بأنه غيتو صهيوني يحمل أسباب زواله في ذاته. وكان (بورغ) نجماً من نجوم اليسار الإسرائيلي في وقت من الأوقات، وتقلد العديد من المناصب المهمة، من بينها رئاسة الكنيست لأربع سنوات، ورئاسة (الوكالة اليهودية من أجل إسرائيل)، و(المنظمة الصهيونية العالمية).

ويرى (بورغ) أن إسرائيل؛ بنبذها للديمقراطية، وتمسكها بعقلية (الغيتو)، وإهدارها للقيم الإنسانية، إنما تأخذ بأسباب الانهيار، وتعجل بالنهاية. وكتب (بورغ)، في عام 2003م، في خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مقالاً لصحيفة (غارديان) البريطانية، بعنوان (نهاية الصهيونية)، تحدث فيه عن العواقب الخطيرة للسلوك الإسرائيلي. وقال (بورغ): "إن إسرائيل التي لم تعد تعبأ بأبناء الفلسطينيين، لا ينبغي أن تتفاجأ حين يأتي الفلسطينيون إليها مشحونين بالحقد، ويفجرون أنفسهم في مراكز اللهو الإسرائيلية". وأضاف: "إنهم يريقون دماءهم في مطاعمنا، ليفسدوا شهيتنا، لأن لديهم أبناء وآباء في البيت يشعرون بالجوع والذل". ويفخر (بورغ) بأنه يحمل جواز سفر فرنسـي اكتسبه بالزواج من امرأة فرنسية المولد، وينصح كل مستوطن يستطيع استحصال جواز سفر لدولة غير إسرائيل، أن يفعل ذلك.

ومن جهته، يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن عمر دولتهم لن يدوم أكثر من 80 عامًا، ويعني هذا أن إسرائيل التي تأسّست في 14 مايو عام 1948م، بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين واحتلال الأرض العربية، في طريقها إلى الزوال قبل عام 2028م.

 يجيء هذا الاعتقاد بسبب ما أثبته التاريخ من أن الدولتين اليهوديتين السابقتين (مملكة داود وسليمان، ومملكة الحشمونائيم)، لم تصمد أي منهما أكثر من 80 عاماً. لذا يسود اعتقاد بين اليهود أن دولتهم الثالثة، القائمة حاليًا على الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد اقترب زوالها.

وقد تناول الأكاديمي والمفكر وأستاذ تاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة (كولومبيا) الأمريكية: (جوزيف مسعد)، إمكانية زوال إسرائيل في المستقبل القريب، في مقال له نشـره موقع (عربي 21)، موضحًا أن (زوال إسرائيل) أمر يثير رعب القوى الاستعمارية الغربية، التي تسعى بكل طاقتها لضمان بقاء إسرائيل، كما أصبح يثير رعب الإسرائيليين أنفسهم. ويرى (مسعد) أن هذا الرعب، ومخاوف (لعنة العقد الثامن)، إنما يرجع إلى الخوف من تكرار التاريخ نفسه؛ لأن اسم دولتهم جاء على اسم مملكة إسرائيل القديمة، وهو ما يعد أحد أسباب المقارنة بين مصير المملكة العبرانية القديمة والمستعمرة الاستيطانية الحالية.

ويوضح (مسعد)، في مقاله، أن تسمية الدولة الاستيطانية الحالية كان نتيجة نقاش بين المستعمرين اليهود، والاختيار من عدة أسماء، منها: يهودا، وصهيون. ويُرجح (مسعد) أن بث ونشـر هذه النبوءات الإسرائيلية التي تقول بقرب زوال إسرائيل، تعد جزءًا من إستراتيجية خبيثة لإثارة الرعب بين المستعمرين اليهود في إسرائيل، لمنع المعارضة المحلية، ودفع المستوطنين للالتفاف حول دولتهم. كما أشار إلى أن إثارة مثل هذه النبوءات في الغرب يضمن بقاء واستمرار الدعم المالي، والعسكري، والدبلوماسي لإسرائيل.

أمّا مسألة قرب زوال إسرائيل، فهي ليست أمرًا يهوديًا بحتًا، فخلال حديثه في برنامج (شاهد على العصـر)، على قناة الجزيرة عام 1999م، قال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس (حركة المقاومة الإسلامية) (حماس): "إن إسرائيل في طريقها إلى الزوال، وستكون نهايتها في الربع الأول من القرن الواحد والعشـرين»، مشيرًا إلى أن إسرائيل لن تكون موجودة في عام 2027م.

واستند الشيخ أحمد ياسين في كلامه على استشفاف قرآني، بأن الأجيال تتغير كل 40 سنة، وأوضح أن الأربعين عامًا الأولى لإسرائيل (1948م وقت إعلان قيام دولة إسرائيل، وحتى عام 1987م)، كانت سنوات نكبة ودمار؛ وأما الأربعون الثانية (تبدأ من الانتفاضة الأولى في أواخر 1987م، وحتى 2027م) فهي سنواتُ مواجهةٍ وتحدٍّ، وتنبأ بأن تكون نهاية إسرائيل في بداية الأربعين الثالثة على يد ما أسماه (جيل التحرير).

وفي السياق نفسه، يخالف الشيخ بسام جرار، المفكر والباحث الفلسطيني، ومؤلف كتاب (زوال إسرائيل 2022م نبوءة أم صدف رقمية)، والذي يوثق فيه أبحاثه عن الإعجاز العددي في القرآن؛ ما قاله (الشيخ أحمد ياسين) مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، مشيرًا إلى أن نبوءة ياسين لم تقم على بحوث، ولا تستند إلى دلالات قرآنية أكثر من سنوات تيه بني إسرائيل الأربعين. مؤكدًا أن أبحاثه تشير بنسبة تصل إلى 95% إلى أن زوال إسرائيل، وسقوط عاصمتها، سيكون في عام 2022م. وقد اعتمد جرار في (نبوءته الرقمية) بشأن زوال إسرائيل، على (سورة الإسراء)، من الآية الرابعة إلى السابعة، وقال إن (سورة الإسراء) تسمى سورة بني إسرائيل، موضحًا أن عدد كلمات النبوءة في السورة 1443، وأنه بجمع عمر بني إسرائيل كما في التوراة (76 عامًا)، مضافًا إليه عام قيام دولة إسرائيل (1367هجريًا)، فإن زوال إسرائيل سيكون في عام 1443هـ. كما يؤكد بحساباته المعتمدة على عدد الحروف وأرقام الآيات، أن زوال إسرائيل سيكون عام 2022م، والذي يقابله عام 1443هـ، وهذا ما لم يحدث! ويبدو أن الاستشفاف القرآني للشيخ أحمد ياسين أقرب إلى الحقيقة والواقع، بدليل النبوءات اليهودية من أسفار التوراة، وكتابات التلمود، وآراء حاخاماتهم، وساستهم، مؤسسو الكيان الإسرائيلي تحديداً. ويبدو أن العملية البارعة والفريدة  التي نفذها مقاتلو القسام ضد القوات الإسرائيلية، في المستعمرات المحيطة بقطاع غزة (= غلاف غزة)، في 7 اكتوبر من هذا العام، كانت بداية النهاية لزوال هذا الكيان الوظيفي الاستعماري، الذي ينوب عن القوى الغربية في رصد تحركات العالم الإسلامي، وفي قيامه برصد كل ظواهر وتيارات الحركات الإسلامية والوطنية والعلمانية، في العالمين العربي والإسلامي، ومن ثَّم القيام بتحرير دراسات وأبحاث لرصد هذه الظواهر بما يخدم صانع القرار الغربي.

وفي الجانب العربي والإسلامي، لا تندر الكتابات والنظريات عن زوال إسرائيل، والتصورات عن تلك النهاية، ومواعيدها المتوقعة، لكن قل أن يوجد مثيل للجهد الذي بذله المفكر المصـري عبد الوهاب المسيري في البحث في تاريخ الصهيونية واليهودية ودراسته، وصولاً إلى استنتاج زوال إسرائيل. وكان المسيري قد قضـى نحو ربع قرن في كتابة موسوعته (اليهود واليهودية والصهيونية)، وفي شهور عمره الأخيرة – قبل وفاته عام 2008م - تحدث المسيري بوضوح عن توقعاته لـ(نهاية قريبة) لإسرائيل، ربما خلال خمسين عاماً، كما قال في حوار له مع (وكالة رويترز). ويجرد المسيري توقعاته من التفاؤل والتشاؤم، ويقول إنه يقرأ معطيات وحقائق في سياقها الموضوعي، لاستخلاص النتائج المنطقية. ويرى المفكر المصـري أن إسرائيل (دولة وظيفية)، بمعنى أن "القوى الاستعمارية اصطنعتها وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة، وأنها مشـروع استعماري لا علاقة له باليهودية". ويقول المسيري: إن هذه الدولة ستواصل التقهقر، وإن المقاومة الفلسطينية ستنهك إسرائيل إلى أقصـى حد، حتى وإن لم تتمكن من هزيمتها، مما سيجعلها مرشحة للانهيار خلال بضعة عقود، لأن "الدورات التاريخية أصبحت الآن أكثر سرعة مما مضى".

ويوضح قائلاً: "في حروب التحرير لا يمكن هزيمة العدو، وإنما إرهاقه، حتى يُسلم بالأمر الواقع". مضيفاً أن المقاومة في (فيتنام) لم تهزم الجيش الأميركي، وإنما أرهقته لدرجة اليأس من تحقيق المخططات الأميركية، وهو ما فعله المجاهدون الجزائريون على مدى ثماني سنوات (1954 – 1962م)، في حرب تحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسـي. وروى المسيري أنه التقى في الولايات المتحدة، في منتصف الستينيات، يهودياً عراقياً هاجر إلى (إسرائيل)، ومنها إلى أميركا، صارحه بأن (الأشكيناز) (اليهود الغربيين) محتفظون بعناوين ذويهم في الخارج، وبعد توالي الهزائم زاد عدد من يطلبون الحصول على جوازات سفر غربية، بالتزامن مع الهجرة العكسية من إسرائيل للخارج".

وفي حديث آخر لبرنامج (بلا حدود)، على قناة الجزيرة، في مايو/أيار 2008م، تحدث عبدالوهاب المسيري عن أبعاد المشاكل التي تهدد بقاء إسرائيل، ومن بينها المشكلة الاجتماعية السكانية، حيث يقول: إن إسرائيل "دولة عنصـرية، تعاني من مشكلة ديموغرافية؛ العرب يتكاثرون، واليهود يتناقص عددهم، من خلال النزوح، وانقطاع الهجرة، والإحجام عن الإنجاب". لكن هناك مشاكل أخرى أكثر عمقاً، يوجزها المسيري في فشل عملية صهر اليهود داخل تلك الدولة المصطنعة، لإنتاج (المواطن العبراني). وقبل ذلك هناك إخفاق أكبر يتمثل في (سقوط الإجماع الصهيوني) على نظرية أو وعد بلفور: (أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض)، فقد وجد اليهود شعباً حياً مقاوماً في فلسطين، ولم يستطيعوا توحيد صفوفهم كشعب واحد، خاصة أن غالبية اليهود في العالم ما زالت تعيش خارج إسرائيل. ويرى المسيري أن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي خلص إلى استحالة حل مشكلة (المقاومة)، وأنه يحاول فقط التقليل من تأثيرها.

 وربما كان المسيري باحثاً متجرداً وموضوعياً في دراسته العميقة لليهودية والصهيونية، لكنه كان أيضاً منظراً للمقاومة، متقد العاطفة، يرى أن التفاف العرب والمسلمين حول هذه المقاومة سيعجل بنهاية إسرائيل.

وقد تعددت النبؤات المؤذنة بزوال إسرائيل من خلال الإشارات الضمنية والصـريحة، أو التأويلات لنصوص في الكتب المنزَلة، ومن أشهر الروايات المؤيدة لذلك هي اليهودية منها، فهذه الأخيرة لا تعترف أصلًا بقيام دولة إسرائيل، إذ تؤكّد النصوص التوراتية أن قَدَرَ الشعب اليهودي أن يظل مشتَّتًا إلى أجل مسمًّى، يصنع الله أثناءه معجزةً توحد البشـرية جمعاء تحت لواء حكمه تعالى. وهذا حسب زعم عرّاب هذه الرواية (الحاخام دوفيد فيس)، الذي ردّ على سؤال أحد المذيعين عما إذا كانت هذه الرواية استنتاجه أو استنباطه الخاص من التوراة؟، فأجاب نافياً: ”لا، في الحقيقة قيام الدولة الصهيونية يخالف الخضوع والاستسلام لحكم الله، الذي حرّم أن تشيّد دولة قومية لليهود على حساب أرض شعب آخر، أو حتى أن تقام على أرض خالية وغير مأهولة. فهذا مُحرم، ويعد ثورة ضد الحكم الإلهي".

في حين تُنبئ روايات أخرى من (التوراة) أن آخر زعماء الدولة الإسرائيلية سيكون (عطاء الله)، فحدد علماء وحاخامات عمرَ الدولة في 76 عاماً، ونسبوا ذلك إلى (نتنياهو)، باعتبار أن كلمة (نتن) مرادفة لـ(عطاء)، و(ياهو) مرادفة لكلمة (الله).

وهذا ما جاء واضحاً على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) نفسه، ففي أكتوبر/ تشـرين الأول عام 2017م، حذّر من المخاطر التي تواجه إسرائيل، وشدد على ضرورة مواجهة الدولة للتهديدات، حتى تتمكن من الاحتفال بعيد استقلالها المائة. وخلال حديثه أشار نتنياهو إلى (مملكة الحشمونائيم)، التي نجت قرابة 80 عامًا، وأنه يسعى ويجتهد لكي تبلغ إسرائيل عامها المائة. وقد تأسّست مملكة الحشمونائيم في المنطقة عام 140 ق.م، بعد تمرد الحشمونائيم، وانتهت باحتلال الإمبراطورية الرومانية للمنطقة عام 63 ق.م.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (إيهود باراك) قد كتب مقالاً في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، يوم 4 مايو/ أيار عام 2022م، تحت عنوان (بوحدتنا فقط سننتصـر)، والذي أعرب فيه عن قلقه من قرب زوال إسرائيل قبل إكمال عقدها الثامن؛ وعلل ذلك بأن التاريخ اليهودي لم يشهد على بقاء دولة يهودية أكثر من 80 عامًا، إلا في فترتين فقط؛ فترة دولة الملك داود، وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككهما في العقد الثامن. وأشار (باراك) في مقاله إلى أن لعنة العقد الثامن لا تخص الدولة اليهودية فحسب، وإنما أصابت أمريكا في عقدها الثامن بنشوب الحرب الأهلية، كما تحولت إيطاليا إلى دولة فاشية في عقدها الثامن، وكذلك فقد تحولت ألمانيا إلى دولة نازية أيضًا في العقد الثامن؛ مما تسبب في هزيمتها في الحرب العالمية، وتقسيمها. ويرى (باراك) أن الحل اللازم لمنع هذه اللعنة، يكمن في وحدة الإسرائيليين، ونبذهم للكراهية والتعصب فيما بينهم. موضحًا أن انقسامهم الداخلي، وتنامي الكراهية فيما بينهم، هو ما قد يؤدي إلى حلول اللعنة، وليس صواريخ الفلسطينيين، ولا (حزب الله)، ولا محاولات إيران الانتشار في مرتفعات الجولان.

وأضاف باراك، الذي شغل سابقاً منصب وزير الأمن، مع رئاسة الوزارة الإسرائيلية، أن "العقد الثامن بشـّر في الحالتين ببداية تفكك السيادة. ففي العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى (يهودا) و(إسرائيل)، وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجّوا إلى (بومبيوس) في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم، وأصبح جناحهم تابعاً لروما حتى خراب الهيكل الثاني". وتابع (باراك): "المشـروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة في التاريخ. ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، نعجل النهاية، وننغمس في كراهية مجانية".

ومن جهته، حذَّر وزير الدفاع السابق (بيني غانتس) من أن "قلقًا يكتنف مستقبل إسرائيل، بسبب فقدانها السيادة في النقب والجليل، وإمكانية خسارتهما في النهاية، بسبب تعاظم الثقل الديمغرافي للفلسطينيين، ومظاهر تشبثهم بالهوية الوطنية، وقد تتقلص جغرافيًّا لتصبح ممتدة فقط بين مدينتي الخضيرة جنوب حيفا، وغديرا جنوب تل أبيب". وَرَدَ تحذير (غانتس) في جلسة مغلقة، أوائل مايو/أيار 2022م، للكتلة البرلمانية لحزبه (أزرق-أبيض)، معزِّزًا المخاوف السائدة لدى صنَّاع القرار الإسرائيلي مما يعتبرونه التهديد الديمغرافي، بسبب تزايد أعداد فلسطينيي 1948م التدريجي، وفقًا لدائرة الإحصاء الإسرائيلية، التي كشفت أن عددهم بلغ مليونين حتى مايو/ أيار 2022، بما يزيد عن خمس سكان إسرائيل، البالغين 9 ملايين نسمة.

أمّا (تامير باردو)، الرئيس السابق لجهاز الموساد، فأكد في محاضرة بكلية (نتانيا)، أنه "بينما كثر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإن التهديد الأكبر يتمثل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آلية تدمير الذات، التي جرى إتقانها في السنوات الأخيرة، تمامًا مثل أيام تدمير الهيكل الثاني؛ مما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة، لأن إسرائيل تنهار ذاتيًّا. صحيح أنها غنية وميسورة، لكنها ممزقة ونازفة، والمخاطر لا تنقضـي، وبعد قليل ستعمل آلية الإبادة الذاتية المتمثلة في الكراهية المتبادلة".

كما أكد رئيس الوزراء السابق (نفتالي بينيت) للإسرائيليين "أن الدولة تقف أمام اختبار حقيقي ومفترق طرق تاريخي: إما استمرار العمل، أو العودة للفوضى، لأنها تشهد اليوم حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار. ومرة أخرى نواجه جميعًا لحظة مصيرية، فقد تفككت إسرائيل مرتين في السابق بسبب الصـراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمرها 77 عامًا، والثانية 80 عامًا، ونعيش الآن حقبتنا الثالثة، ومع اقترابها من العقد الثامن، تصل إسرائيل لواحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها على الإطلاق".

جاء حديث (بينيت)، في 3 يونيو/ حزيران 2022م، عبر مناشدة من 27 صفحة، وجَّهها للمجتمع الإسرائيلي بمناسبة مرور عام على تشكيل حكومته، محذرًا أن الدولة تواجه خطر السقوط والانهيار بسبب عدم الانسجام بين مكوناتها، من جهة، ومن جهة أخرى، بسبب جهود المعارضة اليمينية لإسقاط الحكومة.

ويبدو أن عملية (طوفان الأقصـى)، البطولية والجريئة - التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية (= حماس)، والتي جاءت معاكسة لتوقعات كافة نظريات العلوم العسكرية الغربية والشـرقية، على حدٍ سواء، بخصوص الاستراتيجيات والتكتيك وعدم التناسب في العدد والعدة -، جاءت في الوقت المناسب بعد مرور (50) عاماً على عبور القوات المصـرية لخط (بارليف) الحصين المشـرف على قناة السويس من الجهة الشـرقية في 6 اكتوبر/ تشـرين الأول عام1973م، وكأنها قدر إلهي للبداية الحقيقية لزوال إسرائيل.

---

¨ مجلة الحوار ǀ العدد 186 ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ شتاء 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق