11‏/10‏/2014

لقاء - باسمة يونس : المرأة قادرة على البوح بأكثر من حكاية وشعور

الكاتبة الإماراتية باسمة يونس 
أجرى اللقاء: بسام الطعان
كاتبة إماراتية، تكتب الرواية والقصة والمسرحية، تحمل شهادة البكالوريوس في التربية والآداب/ لغة انكليزية/ جامعة الإمارات ـ العين، كما تحمل شهادة الليسانس في الحقوق/ جامعة بيروت العربية، وهي عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب، وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. صدر لها: 1- عذاب. 2- اغتيال أنثى. 3- طريق إلى الحياة. 4- هجير. 5- رجولة غير معلنة، وهي مجموعات قصصية. ورواية (ملائكة وشياطين)، ومسرحية (البديل).
الحوار: تمارسين كتابة القصة والرواية والمسرحية والأعمال الدرامية، حصلت على اثنتي عشرة جائزة.. ماذا يعني لك كل هذا، وهل أنت راضية عما حققته؟
باسمة يونس: كتابة القصة والرواية والمسرحية والدراما، جميعها تعني حياتي ومفرداتها. ويمكنك أن تتأكد بأنني أعيش لأكتب، وهي الحقيقة التي لم تتبدل طوال حياتي، ولن تتبدل أبداً. والجوائز التي حصلت عليها هي شهادات التقدير لما أعمله، وتحقق لي شيئاً من الرضا عن نفسي، لكنها لا تصنع الرضا الذي يجعلني أتوقف عن التفكير في الكتابة، والاستمرار بخوض عالمها.
الحوار: القصة القصيرة في الإمارات، وفي العالم العربي، كيف ترينها اليوم، هل هي كاملة الأوصاف، أم ينقصها أشياء وأشياء؟
باسمة يونس: القصة القصيرة لم تكتمل أوصافها ذات يوم، ولن تكتمل، فهي إن وصلت إلى حد المثالية أو الكمال، سوف تنتهي. هذا ما يحدث مع أي شيء يكتمل في العالم، حتى البناء الفاخر والأجمل لا بد وأن يتحول إلى مجرد بناء بعد إنجازه، وسيبدأ صاحبه بالنظر إليه على أنه لم يكن ما يطمح إليه ويرغب فيه. والقصة القصيرة، أجمل ما فيها أنها تتغير، وتتنقل برشاقة بين عدة مدارس وفنون وأساليب في كتابتها، وتظل أحكام فنياتها مثل المركز الذي يقيدها إليه، لكنه لا يحرمها من التمتع بالانطلاق والحرية الكاملة.

الحوار: كيف تنظرين إلى النتاج الأدبي النسائي في الإمارات، وإلى أين وصلت المرأة الإماراتية المبدعة؟
باسمة يونس: النتاج الأدبي النسائي في الإمارات جيد ومتنوع، لكنه بشكل عام مقصر ولا يزال أقل مما يجب، حتى القضايا التي يعالجها هي قضايا تعيشها أغلب النساء، ولا تتخطى القضايا المجتمعية العادية. المرأة قادرة على البوح بأكثر من حكاية وشعور، لكن هناك أشياء كثيرة تجعلها محجمة عن الكتابة، أو لا تمنحها تلك الانطلاقة التي ترغب بها. المرأة في الإمارات لا تحتاج للقصة لكي تطلق من خلالها صوتها، لأنها لديها أكثر من ميزة تعيشها، فقد وصلت إلى أعلى المناصب، وحققت أهم الإنجازات، بدعم من القيادة والحكومة، ولا يخفى عليك أن أكثر الكتابات الأدبية تكون عبارة عن شرفات حرية تطلق عليها المرأة، وحتى الرجل، أجنحة البحث عن مفتاح يكسر القيد.

الحوار: هل من تطورات طرأت على القصة الإماراتية، خلال السنوات العشر الماضية، من حيث ابتكار طريقة جديدة للكتابة، ومن حيث التناول وأسلوب المعالجة؟
باسمة يونس: لم تطرأ على القصة الإماراتية تطورات ملموسة كما تعتقد، ولكنني ألاحظ أن القصة بشكل عام، لم تتطور كما نتخيل في العالم كله، ربما لأن القصة يجب أن لا تتطور إلى حد يخفي معالمها، أو يغير شكلها الذي نعرفها فيه. صحيح أن هناك محاولات لكتابة القصة القصيرة جداً، والتي لا تتجاوز بضعة سطور، ولكن تبقى هذه المحاولات غير معممة، أو لا تستقطب الكثيرين، أو لنقل لا يكتبها إلا القادرون بالفعل على مزج كلمات السطرين بحكاية طويلة، لأن القصة لها متعة خاصة بها، وهي قراءة تصاعدية، تجعل القارئ يعيش مع الحدث، ويصعد وإياه، ثم لا يلبث وأن يكتشف ما يراه من خلف القمة التي وصل إليها. 

الحوار: كيف تفهمين القصة القصيرة، وهل شرطها الوحيد موهبة القاص؟
باسمة يونس: أهم شرط في كتابة القصة القصيرة، وغيرها من الآداب، وحتى في الفنون، هو الموهبة. لو لم تكن هناك موهبة، فليس هناك عمل إبداعي. وتلي هذا الشرط الأساسي، بقية الشروط الأخرى، التي تزيد أو تقل. لكن الموهبة أساس، وتمكن القاص من معالجة الحكاية بين ضلعي قصة قصيرة يضمن موهبته.

الحوار: المكان، هل هو حاجة ضرورية للروائي ـ المكان ليس بعزلة جغرافية، وإنما بعزلة روحية ـ حتى يتأمل ويستعيد الشخوص والأحداث، وتحليلها وتركيبها، ومن ثم ضخها على الورق؟
باسمة يونس: يحتاج الروائي إلى مكان يصنع منه أحداثه، ويعيش فيه مع شخصياته، ولكن ليس من الضروري أن يكون منعزلاً عن الحياة، فالروائي أحياناً يكتب قصته وهو جالس في مقهى، ليس بالضرورة أن يحمل قلماً وورقة ويسجل كل ما يمر به، أو يرسم كل شخصية يلتقيها أو يراها، بل يكتب رأسه ومخيلته ما يراه. وفي أحايين كثيرة، يأتي المكان بالفكرة بدون تدخل من الكاتب، فتراها تضع نفسها بين يديه وتجعله حينما يبدأ بالكتابة، جاهزاً لتفاصيل الأحداث وكل ما رآه، وبدأ ينقله على الورق.

الحوار: فنية وجمالية الرواية هي حلقة الوصل بين الروائي والمتلقي، وعليها يتوقف نجاح أو فشل تلك العلاقة.. ماذا على الروائي أن يفعل، حتى ينجح في تحقيق التوازن داخل تلك العلاقة، ويجعل القارئ يعيش اللحظات الحلوة والمرة، يغمض عينيه، ويمضي مع خياله إلى آفاق بعيدة؟
باسمة يونس: اللغة أولاً، لغة الروائي هي التي تشد القارئ وتعلقه بالرواية. في رواية (قصة حب مجوسية) مثلاً، لم ينفتح (عبد الرحمن منيف) على كثير من الشخصيات، وكان الحدث واحداً، والتفاصيل الصغيرة التي صنعت الحكاية كانت تدور من وجهة نظر البطل، لكن قدرة (عبد الرحمن منيف) على الرواية بسهولة وانسيابية جميلة، تجعل القارئ مشدوداً لمعرفة النهاية. الكلمات وصياغة العبارات، ووضوح الفكرة، وكيفية التلاعب بالحوارات والألفاظ والأوصاف، هي التوليفة التي تجعل القارئ يعيش مع الرواية عالماً من الخيال، ولربما تكون مخيلة القارئ في التقاط الفكرة تصنع قصة أجمل مما كتبها الروائي.

الحوار: هل الرواية، في الوقت الراهن، قادرة على الاحتفاظ بالقارئ المثابر على القراءة التي قد تمتد لأيام؟
باسمة يونس: بالطبع، وليس صحيحاً بأن الناس لا يقرأون، يكفي أن تضع بين أيديهم رواية فيها قصة مشوقة بأسلوب ذكي ولغة جميلة ومعبرة، ستجدهم يقرأونها، بل ويتابعون قراءتها حتى النهاية، ولو استغرقتهم أياماً وأسابيع. وفي أحيان كثيرة تسرق الرواية بحكايتها تفكير وعقل القارئ إلى درجة تجعله يحكي عنها أينما حل، بل ويحملها معه كي يصل إلى النهاية، وحينما ينتهي منها يبدو كمن يتمنى لو أنها كانت أطول، أو لو كان يمكنه الاستمرار في قراءتها لسنوات!

الحوار: حدثينا عن تاريخ المسرح في الإمارات، وماذا قدمت الحركة المسرحية الإماراتية حتى الآن؟
باسمة يونس: المسرح قديم في الإمارات، وكان له رواده وعشاقه، ولا زال المسرح ذو مكانة عالية بين الإماراتيين، لأنه جزء من التاريخ. وفي الإمارات كثير من المسرحيات التي قدمت، خصوصاً من خلال أيام الشارقة المسرحية، الذي يدعم المسرح بشكل هائل، ويتابع تواجده، ويؤكد على ضرورة الاهتمام به. وقد تبرز إحدى المسرحيات عن سواها خلال فترات، لكننا لا نزال بحاجة إلى الكثير من الاشتغال على المسرح والمسرحيين، لكي نطمئن إلى وصوله إلى المستوى الذي نطمح إليه.

الحوار: أين موقع المسرح الإماراتي على خارطة المسرح الخليجي؟
باسمة يونس: المسرح الإماراتي له وضع جيد بين المسارح الخليجية. كانت (الكويت) هي المتفردة في مجال المسرح، لكنها تفردت في المسرح التجاري، ولم تقدم أعمالاً يمكن القول عنها إنها تضاهي أعمال المسارح العالمية حتى اليوم، على الرغم من كفاءة الممثلين فيها، والاهتمام الواسع بالمسرح. أما في الإمارات، فالمسرحيات التي تقدم هنا، أغلبها تميل نحو التراث والمسرح الشعبـي، وتغوص في مفرداته. الإماراتي يعتز كثيراً بوطنه، ويفخر بنتاجه وتراثه، وهو ما يجعل المسرح يهتم بهذه القضية التي يعيشها كل إماراتي، وهي حب الوطن، والفخر بهويته الوطنية .

الحوار: ما مدى تأثير بيئة الإمارات عليك ككاتبة وأديبة؟
باسمة يونس: كتبت العديد من المسرحيات التي تتداول القضايا الشعبية التي تحكي عن المرأة في فترة سابقة، مثل: مسرحية (بنات النوخذة)، و(مساء للموت)، وكذلك القصص القصيرة، والتي تعالج أكثر من قضية مجتمعية إماراتية. والبيئة الإماراتية تحمل الأصالة العربية بشكل واضح ومميز، فالإماراتي كريم وشهم ومحب ومساعد للآخرين. وفي قصصي أجدني محبة ومسالمة وكريمة مع الشخصيات، ومع المواقف.

الحوار: ما سبب تراجع القراء العرب عن الأجناس الأدبية: هل يعود ذلك لغلاء الكتاب، أم إلى تدني مستوى التعليم بين أبناء الشعب العربي، أم لأن القارئ لا يجد في القصة والرواية تعبيراً عن همومه ومشاكله وقضاياه؟
باسمة يونس: جميعها أسباب جيدة وصحيحة لتبرير حالة عامة، ليست متواجدة فقط في المجتمع العربي، ولكننا لا نسمع عنها كثيراً في الغرب لعدة أسباب أخرى. الفاجعة التي سمعنا بها مؤخراً، عن نسبة الأمية في العالم العربي، تعيدنا إلى الوراء آلاف السنين، وتجعلنا نخجل حتى من القول بأننا نتطور تكنولوجياً، بينما هناك أمية منتشرة بيننا. والروايات التي تكتب اليوم، أصبح أغلبها يتعمد الإثارة، من خلال طرح قصص وقضايا لا تشكل ظاهرة في المجتمع، بل ربما تكون قصة منفردة تنتمي لكاتبها فقط. وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه أغلب الكتاب حينما يلتقطون ظواهر نادرة ويعززونها في الكتابة. الناس في المجتمعات يرغبون في قراءة مشكلاتهم، وكل منهم يعتبر نفسه صاحب أكبر قضية، والرواية تسهم في معالجة هذه المشاعر والأحاسيس كما يفعل الأطباء النفسيون مع مرضاهم. لذا فإن الكتابة بلغة واضحة وقضية مطروحة ومعالجتها ببراعة تعيد القراء للكتب وتضعهم أمام صفحاته بدون تردد.

الحوار: من التي تكتب، باسمة الكاتبة، أم أحاسيسها وتأملاتها، أم عواطفها هي التي تملي عليها؟
باسمة يونس: كل هؤلاء يشاركونني الكتابة، إضافة إلى المرأة التي تدفعني للنظر إلى بقية النساء وإشراك قضاياهن في كتاباتي.

الحوار: ما هو الجنس الأدبي الذي تعتبرينه الأهم بالنسبة لك، هل هو القصة أم الرواية أم المسرحية؟
باسمة يونس: جميعها مهمة، ولا أفضل واحدة على الأخرى، فكل جنس أدبي له حاجته، القصة أحتاجها حينما أود نقل فكرة لا تحتاج إلى تطويل، والرواية لتفاصيل حكاية طويلة، أما المسرحية فهي المضمون، مع لغة تتناسب بين النص وبين الجمهور، الذي سوف يسمعها، ويتلقاها مباشرة.

الحوار: هل لك أسلوب محدد في كتابة القصة والرواية تشتغلين عليه؟
باسمة يونس: كلا، لا أمارس هذا التقييد، لأنني أعتبر الكتابة حرية، ونوعا من الحرية، والاشتغال على شكل أو على نمط أو أسلوب محدد، قد يزيد من شهرة العمل، ومعرفة الناس به، لكنه لا يزيد من قوته ومضمونه، وهو ما أتلهف للوصول إليه.

الحوار: ما هي اللغة التي تفضلينها عند الكتابة القصصية والروائية، وهل تجعلين من اللغة بطلاً في أعمالك؟
باسمة يونس: العربية الفصيحة، ولغة الحوار التي تتلاءم مع كل شخصية، بحسب موقعها في الرواية أو المسرحية. وكتبت مسرحية (مساء للموت) بالعربية الفصيحة، واللهجة الشعبية، بحيث جعلت الأبطال يتحاورون بالشعبـي، بينما يردد الكورس المرافق لهما كلماته بالعربية الفصيحة. لكنني أفضل اللغة العربية الفصيحة، لأنني أؤمن بأن اللغة هي البطلة دائماً بالنسبة لي، وأحب دائماً أن تكون الإشادة بأعمالي تلتفت نحو لغتي أكثر من أي شيء آخر فيها.

الحوار: كمنتجة للنص القصصي والروائي والمسرحي، هل لك غنى عن فعالية النقد؟
باسمة يونس: ليت النقد يتواصل مع الأعمال الأدبية، فنحن جميعاً لا نستغني عنه، ولا بد من القول بأن العمل الأدبي الذي لا يحظى بنقد، يقف موقفين: فهو أما أن يكون عملاً مثالياً لا يمكن نقده، لأنه استكمل كافة الشروط والفنيات والمواصفات اللازمة لبنائه، وهذا غير صحيح، ولم يحدث، ولن يحدث أبداً. أو يكون عملاً رديئاً سيئاً، إلى درجة أن النقاد أنفسهم لا يستشعرون وجوده، ولا يفكرون بإضاعة أوقاتهم في انتقاده، أو التعبير عنه! وهو ما يجعلنا نكرر: أن النقد حاجة ماسة، ومطلوبة، وبدونه هناك معاناة حقيقية في قياس درجة تأثير وتأثر المشهد الثقافي بأية تطورات حاصلة!

الحوار: برأيك هل النقد يسير خلف النص الأدبي، أم أن النص الأدبي يسير خلف النقد؟
باسمة يونس: تختلف الحالات باختلاف النصوص، فالنقد الذي يكتب عقب إنجاز النص يسير خلفه، والنقد الذي يأتي لكاتب لم ينشر نصه بعد، يمكنه أن يجعله يسير بنصه خلف النقد الذي وصله. وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون النقد هو التحليل الواضح للعمل الأدبي، ومحاولة دعمه، وتبين الهنات التي وقع فيها، لا مجرد محاولة لتحطيم الكاتب، أو تقريعه، لأنه كتب نصاً لا يوافق عليه رأي أحد النقاد.

الحوار: عند الشروع بالكتابة، هل تفكرين بالقارئ أو الناقد، هل يظل في مخيلتك ويرسم معك وجهة القلم وخارطة العمل الأدبي؟
باسمة يونس: لا أفكر بشيء، أو بأحد، بل إنني لا أفكر حتى بالكيفية التي بدأت فيها الفكرة، والكيفية التي سوف تنتهي عليها، لأني أسترسل في الكتابة، لكن بعد الانتهاء منها، أعيد القراءة التي في كثير من الأحيان تعيدني لكتابة جديدة، وفي أحيان أخرى تجعلني أمر عليها بمقص التشذيب فقط.

الحوار: أخيراً هل أنت اخترت الأدب، أم أن الأدب هو الذي اختارك، ولماذا؟
باسمة يونس: لم أختر شيئاً في هذا المجال، ولا أعتقد أنه يمكن لأي إنسان اختياره، لأنه صعب، ولا يمكن لأي أحد الدخول فيه، والاستمرار، إن لم يكن قد ولج أبوابه من مداخله الصحيحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق