03‏/10‏/2022

ضـرار بن عمرو الغطفاني المتكلِّم المجهول

 آزاد قزاز - هولندا 
تمهيد
 ضـرار بن عمرو الغطفاني شخصية تعود بنا إلی القرن الثاني للهجرة (الثامن للميلاد)؛ زمن كان حافلاً بالأفكار المختلفة والآراء الخصبة، فترة في تاريخ الفكر الإسلامي جديرة بالدراسة والقراءة والتأمل فيها. إن قراءة مثل هذه الشخصيات المؤثرة في عصـرها، والمجهولة في عصـرنا، من جديد، بناء على معطيات عصـرنا، أصبحت اليوم أمراً ملحاً، لنعرف ماذا جرى في العصـر الأول من التاريخ الإسلامي.
ضـرار الشخصية المنتجة لبعض الأفکار والآراء الخصبة في زمنه، والمؤسس لمذهب كلامي في صدر العصـر العباسي، حري بنا أن نعود إليه ونداوله بيننا من جديد لمعرفة الحلقة المفقودة من سلسلة الفكر الإسلامي، والتي أثرت على أفكار المتكلمين فيما بعد.
لم يصدر – حسب علمي - أي كتاب، أو حتى بحث مفصل، باللغة العربية، حول ضـرار حتى الآن. جلّ الذين كتبوا عن ضـرار باحثون غربيون؛ مثل (فان أس) و(كورنليا شكاك). كتب (فان أس) عدة مقالات عن ضـرار، وخصص له جزءاً يسيراً من كتابه الضخم المعروف (علم الكلام في المجتمع الإسلامي)، المتكون من ستة مجلدات، باللغة الألمانية. أما (كورنليا شكاك)، فقد كتب مقالة عن ضـرار في (موسوعة علم الكلام الإسلامي)، تحت عنوان (جهم بن صفوان وضـرار بن عمر). أما الكُتاب العرب، أو المسلمون، عموماً، فلم يكتبوا عن ضـرار إلا فقرات أو فصولاً يسيرة في كتبهم. مثلاً الكاتب العراقي (رشيد الخيون) كتب فصلاً موجزاً في كتابه (معتزلة البصرة وبغداد) عن حياة ضـرار وآرائه الكلامية، والذي قمتُ بترجمته إلی اللغة الإنكليزية.
العثور قبل عدة سنوات، في أحد مساجد (اليمن)، على نسخة من كتاب يعود إلى ضـرار بن عمر، دفع ببعض الكتاب العرب والغربيين إلى كتابة شـروح وتحليلات عن هذا الكتاب المسمى (كتاب التحريش والإغراء)([1]). عدا ذلك لم أعلم إن كان هناك من كتب عن ضـرار وأفكاره وآرائه.
شحة المصادر وقلة المعلومات عن ضـرار، وضياع كل كتبه السبعة والخمسين، إلا كتاباً واحداً (التحريش)، يجعل من الصعوبة بمكان الكتابة عنه.
 هذه الدراسة التي بين يديك مستلة بشكل ملخص من بحث للدكتوراه قدم إلى (جامعة لوفن)، في (بلجيكا)، تحت إشـراف الأستاذ الدكتور (جون نواس). دراسة تقدم لمحة سـريعة عن حياة ضـرار، وبيئته التي نشأ فيها، والأفكار التي تبلورت في زمنه، إن كانت فلسفية أو دينية. ولكن بسبب ضياع كتبه، وشحة المصادر  - كما قلت آنفاً - من المؤسف أن أقول هنا، إننا لا يمكننا أن نصوغ فكر ضـرار وفلسفته بشكل يفي بالغرض. ولهذا، خصصت هذه الدراسة لجانب من فكر ضـرار ومذهبه، والتي تسببت من ثم في إبعاده عن دائرة المعتزلة، كما قيل.
قبل الخوض في فكر ومذهب ضـرار، نقدم موجزًا حول البيئة الثقافية والسياسية التي وُلد وعاش فيها ضـرار، كي نصل إلی الخلفية التي انبعثت منها أفكاره وآراؤه الدينية والسياسية والفلسفية، والتي أدت بخصومه إلى أن يعتبروه من المجبرة.
بيئة ضـرار الثقافية والسياسية:       
  ذكرت سنة ولادة ضـرار، ووفاته، من قبل بعض المؤرخين والكتّاب المسلمين([2]) ولكن بشكل متفاوت وغير دقيق، لذا علينا الاستنتاج من خلال قراءة المصادر التي ذكرت ضـراراً، كي نصل إلی معلومات قريبة نسبياً إلی تاريخ ولادة ضـرار أو وفاته. وقد توصلنا بعد قراءة تلك المصادر والتمحيص والتحقيق، إلی استنتاج غير حتمي بأن ضـراراً قد عاش بين ثمانين وتسعين عاماً. يقول ابن عبد ربه إنه عاش سبعين عاماً، فيما يقول وابن حزم والجاحظ إنه عاش تسعين عاماً، أما حسب ما رواه الصفدي فإن ضـراراً قد عاش 118 أو 120 عاماً، وهو ما يصعب تصديقه. في كل الأحوال، النتيجة التي توصلت إليها بشكل تقريبي، أن ضـراراً ولد في سنة (110 أو 112 هجري) (728 أو 731 ميلادي) في (الكوفة)، ومات ما بين (190 أو 200) هجري (805 أو 815 ميلادي) في (بغداد).
اسمه الكامل أبو عمرو ضـرار بن عمرو الغطفاني الكوفي. سلفه يعود إلی أحد أصحاب الرسول، كان يسمى عبد العزى. بعد أن التقى هذا الصحابي بالرسول، غيّر اسمه من عبد العزى إلی عبد الله. جدّه الأكبر اسمه عقبة بن وهب، الذي شارك الرسول في معاهدة العقبة الثانية. ابن حزم يقول إن عقبة هذا كان أحد أبناء عبد الله بن غطفان، الذي كان يعيش في (المدينة). وضـرار عربي الأصل، ينتمي إلی قبيلة غطفان، الذين استقروا في (الكوفة).
 قيل إن ضـرار كان قاضياً، ولكن لم يذكر أيّ من هؤلاء الذين كتبوا عنه أين ومتى كان ضـرار يعمل قاضياً. ويبدو أن أفكاره لم تقبل لا بين القضاة، ولا بين المتكلمين الذين جاءوا من بعده، لذا لم يهتموا به، ولم يذكروه بشكل واف، وأصبح في طيّ النسيان([3]).
كان ضـرار لم يزل بعد شاباً عندما زار مدينة (البصرة)، حوالي عام 131/ 749، ليلتقي هناك بـ واصل بن عطاء. وكما قيل، فقد تعلم من واصل الاعتزال، لا سيما مبدأ (المنزلة بين المنزلتين). ولم تدم صلة ضـرار بأستاذه واصل، بسبب وفاة واصل بعد أقل من عام من وصول ضـرار إلی البصـرة.
 أصبح ضـرار مشهوراً في (البصـرة)، وصار يُدرّس علم الكلام، واستمر في التدريس إلی أن أصبح أحد أركان علم الكلام هناك.
 في عام 170/ 788 غادر ضـرار البصرة ليسافر إلی بغداد، وترك قيادة علم الكلام لغيره، لينضم إلی هؤلاء العلماء في بغداد الذين تجمعوا في بيت البرامكة، مثل العالم الشيعي (هشام بن الحكم ت 179/ 796)، والزيدي (سليمان بن جرير ت.؟)، و(عبد الله بن يزيد الأباضي ت.؟)، و(إبراهيم النظام ت.221/ 836) المعتزلي، وغيرهم من العلماء والمتكلمين الذين كانوا يلتقون في بيت البرامكة للنقاش والحوار في عديد من القضايا الفكرية والدينية والسياسية([4]).
وكما يبدو، فإن ضـرار قضى حياته بين الكوفة والبصرة وبغداد. ولأجل أن نتعرف على بيئته التي عاش فيها، ونفهم السياق الذي نشأ فيه، وبناءً على خلفيته المعرفية، نفهم لماذا كان يُكفّر ويُزندق، ولماذا لُقّب بالشعوبيّ والناصبيّ، من قبل خصومه.. لأجل هذا الغرض، علينا أن نعود إلی تلك الحقبة من التاريخ، وإبراز بعض الأحداث السياسية والثقافية في تلك الحقبة بإيجاز، ومن ثم نلتقي بضـرار هناك.
أول مدينة نحط فيها رحالنا هي الكوفة التي وُلد فيها ضـرار، ومن ثم نذهب إلی البصرة وبغداد، المدينتان اللتان قضى ضـرار عقوداً من عمره فيهما. مدينتان كانتا مراكز للعلم والثقافة، ومكاناً لتلاقح الأفكار والآراء، ونقطة لانطلاق الحوارات والمناظرات الكلامية والفلسفية والسياسية([5]).
   قيل إن ضـرار أصبح متأثراً ببعض أفكار واصل المعتزلي، مثل (المنزلة بين المنزلتين)، حينما كان في (البصرة)، قبل أن تظهر المعتزلة كمدرسة راسخة البنيان. وقيل أيضاً: كما أن الفكر الاعتزالي، في ذلك الوقت، كان منتشـراً تحت اسم واصل (المعروف بالواصلية)، فإن الفكر الضـراري، كان كذلك منتشراً، تحت اسم ضـرار (المعروف بالضـرارية)([6]).
   يؤكد الحاكم الجشمي هذه الرواية حين يقول: إن الذين انشقوا عن المعتزلة، مثل ضـرار وحفص الفرد، هما نشآ على فكر الاعتزال، ولكن لأنهم كانوا يتشوقون إلی موقع الريادة والقيادة، صارا من (المجبرة)، التي أدت بهم إلی الانفصال عن المعتزلة. يؤكد الجشمي ذلك قائلاً إن ضـرار وحفص بعد أن طُرِدا من المعتزلة، بنيا مدرستهم الخاصة بهما، لأنهما أرادا أصلاً الريادة والقيادة والحصول على المكانة العالية([7]).
   إضافة إلی ذلك، يقول القاضي عبد الجبّار: إن ضـرار لم يكن يوماً أحد أعضاء المعتزلة، بل إن ضـرار في بداية أمره كان جهمياً، وليس معتزلياً:
"ولما كثر (الخوارج)، وطائفة من المرجئة، وقوم غلوا في التشيع، في أيام واصل بن عطاء، أخذ واصل في الرد عليهم، وفي الرد على الجهم بن صفوان، وكان جملة من يختلف إليه ويأخذ عنه ضـرار بن عمرو. ثم خذل من بعد واعتقد الجبر. ومنه نشأ هذا المذهب، وفشا في الناس، فصنف وصنف أصحابه"([8]). 
              استناداً إلی عناوين كتب ضـرار الست والخمسون الضائعة([9])، واعتماداً على الكتاب الوحيد المتبقي (التحريش)، ندرك أن ضـرار كان محاطاً بالكثير من الحركات السياسية والثقافية، وحاضـراً بين كثير من القضايا الاجتماعية والدينية، بالإضافة إلی انخراطه في المسائل الكلامية والفلسفية.
 يتبين لنا مما سبق أن الظروف التي وجد ضـرار نفسه فيها، دفعته أن يشارك في ذلك الحوار والنقاش حول المسائل والقضايا مع الأفراد الذين كانوا يمثلون تلك الحركات. والطوائف الرئيسية المعروفة في ذلك الوقت كانت: الخوارج، الشيعة، المرجئة، (أصحاب سنة وجماعة)(نكرة)، أصحاب الحديث، والمعتزلة. ولم يواجه ضـرار تلك الجماعات والطوائف الإسلامية فقط، بل هو واجه أيضاً الفلسفة اليونانية، والدين المسيحي، واليهودي، والأديان الأخرى الموجودة في تلك الفترة([10]).
     ومن الجدير بالملاحظة، أن المعتزلة لم يكونوا في ذلك الزمن في الطليعة، كما يبدو من أول وهلة. فظهور المعتزلة كحركة مؤثرة في ذلك الوقت لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل استغرق وقتاً لا بأس به. ففي بداية الأمر لم يعتبر الخلفاء العباسيون هؤلاء المعتزلة شيئاً يذكر، بل كانوا ينظرون إليهم ككلاب حراسة ضد الزنادقة. حتى أن هؤلاء المعتزلة لم يكونوا مدعوين إلی حلقات البرامكة للحوار والنقاش بين العلماء والمفكرين آنذاك، في حين كان ضـرار من أبرز الموجودين في تلك الحلقات. وكان البرامكة يرغبون في إحضار المتكلمين والعلماء ذائعيّ الصيت من أهل الكوفة في تلك الحلقات([11]). وقد برزت أهمية حركة المعتزلة وجدارة أفكارهم، في زمن خلافة هارون الرشيد، وأصبحوا موضه اهتمامه، إلی أن قربهم إلی قصـر خلافته. ولكن ضـرار، في ذلك الوقت، كان إما متوفى، أو شيخاً مريضاً راقداً على فراش الموت.
    الثراء الفكري والعلمي في تلك الفترة، والجدل الكلامي الذي كان يدور بين العلماء والمتكلمين، كان فرصة مهمة كي يمارسوا أسلوب الحوار وطرق الجدل، ويتعلموا منها، ويضعوا منهجاً ويلتزموا به([12]). وكما قيل، فإن ضـراراً حاور هشام بن الحكم وآخرين في تلك الفترة، وهو كذلك حرر كتابين في هذا الموضوع (كتاب آداب المتكلمين) و(اختلاف الناس وإثبات الحجة)([13]).
إن لقاء المتكلمين، من مختلف الفصائل، في قاعة المجالس البرمكية، والفضاء الثقافي الجديد الذي تشكل في بغداد، أدى إلی تغيرات الجذرية في مكانة وأهمية المدن الثلاث (الكوفة، البصرة، وبغداد). فبدأ فضاء البصرة والكوفة الثقافي يعاني من الفقر الفكري والعلمي. أما بغداد، فقد بدأت تنتعش لتكون مركزاً بارزاً للحوار الثقافي([14]). ويبدو أن هذا التحول في مكانة بغداد الثقافية، كان أحد الأسباب المهمة التي دفعت ضـرار ليذهب إلی بغداد.
    في بغداد ظهر اتجاهان بارزان، متضادان تماماً، وهما المحدّثون أو أصحاب الحديث، والمتكلمون أو أصحاب الكلام. التنافس بين الاتجاهين كان يشتدّ يوماً بعد يوم، بحيث بدأ كل من المحدّثين والمتكلّمين يتزاحمون على التقرب والتزلف إلی الخلفاء. بعد عقود من الشد و الجذب، أصبح منهج الكلام مقبولاً ومرغوباً عند بعض الخلفاء العباسيين، وأدى في النهاية إلی نجاح المعتزلة، ونُصِرت عقيدتهم من قبل الخليفة المأمون. وأصبح لسان حال الوضع السياسي والاجتماعي يقول: من لم يؤمن بالله كما آمن به المعتزلة أصابته المحنة، كما حدث لأحمد بن حنبل وغيره من العلماء([15]).
    إذاً، بغداد أصبحت مركزاً مهماً للنقاش والجدال والحوار في كل موضوع كان يمكن أن يأتي على البال. يقول الباحث (باول هيك)، واصفاً الحالة الاجتماعية والسياسية والكلامية في بغداد: إن التحدث حول معنى للحياة كانت مسألة طاغية على الناس في ذلك الحين. الناس في مساجدهم للعبادة، في بيوتهم مع أصدقائهم، في السوق عند شـراء حاجاتهم، أو أثناء عملهم، كانوا منشغلين بطرح آرائهم ووجهات نظرهم المتنوعة والمختلفة حول عدد لا يحصى من المواضيع السياسية والدينية، وحتى العرقية([16]).
بالإضافة إلی ما قيل حول بغداد، يقال كذلك إن العلوم الإغريقية، وفلسفتها، انتشـرت في المجتمع الإسلامي، حتى قبل إنشاء الخلافة العباسية، عن طريق ترجمة مصادرهم إلی العربية. كذلك كان تعليم الفلسفة الهيلينية يجري من قبل الساسانيين في العراق، واستمر تعليم تلك الفلسفة حتى تحت إمرة المسلمين في العراق. وإلى جانب الهيلينية، فقد جذبت تعاليم الفلسفة الأفلاطونية الجديدة المسلمين، لأن تعاليمها قريبة إلی الفكرة الوحدانية التي يدعو إليها القرآن.
ومن أوائل المتكلمين الذين برزوا في فترة خلافة هارون الرشيد (194/ 809) - كما يقول (مونتغمري وات) - هما ضـرار بن عمرو، وهشام بن الحكم([17]). يقول (وات): كان هناك متكلمون آخرون ينخرطون في المواضيع الكلامية، ولم يكونوا مع هذا لا من الضـرارية، ولا من المعتزلة([18] واصفاً إياهم بالمهتمين جداً بالفلسفة الهيلينية([19]).
مما سلف، نفهم أن النصف الثاني من القرن الثامن، والنصف الأول من القرن التاسع، كان فترة متميزة، حيث برز فيها علماء ومتكلمون كانوا يتداولون في كلامهم طبيعة وجود الله، مستخدمين تصورهم لله دون الرجوع إلی النصوص؛ إن كان نصاً من القرآن أو الحديث. وكما قيل، فإن هذا التحول من الممكن أن يكون قد حدث تحت تأثير الفلسفة الهيلينية، إذ بدأوا يفكرون في المسائل اللاهوتية بصورة أكثر عمقاً من ذي قبل. ويبدو أنهم كانوا يبحثون عن إجابات لأسئلة مثل: هل الإنسان قادر على فعل شيء دون إرادة الله؟ ماذا تعني العبارة التي تقول إن الله وحده هو القادر الفعلي؟ والسؤال الأكثر جدلية كان يدور حول طبيعة وماهية كلام الله. أسئلتهم كانت تتطرق أيضاً إلی: القرآن حين يقرأ ويرتل، ويصبح مقروءاً ومسموعاً، هل ذلك الصوت المسموع يظل كلاماً لله؟ هل القول بأن (القرآن إلهيٌّ) يعني أنه لم يخلق، وأنه أزلي خالد، أم أنه خُلق مثل خلقِ كل المخلوقات بفعل أمر الله (كن) ثم كان([20]
 طرح مثل هذه الأسئلة يدل على أن المتكلمين كانوا ميالين إلی استخدام عقولهم بعيداً عن النص. ضـرار كان من بين هؤلاء المتكلمين الأوائل في (البصرة)، والذي كان حاملاً لراية علم الكلام هناك قبل أن تستلم هذه الراية من قبل أبو الهذيل، عندما غادر ضـرار البصرة وسافر إلی بغداد، كما يقول عبد الرحمن الملطي، وأشـرتُ إليه سابقاً([21]).
يستنتج (وات)، في قراءته لهذه الحقبة من التاريخ، أن مصطلح المعتزلة كان يستخدم بشكل فضفاض في بداية الأمر، وكان يطبق على أشخاص مثل ضـرار، وغيره، الذين استخدموا أفكاراً إغريقية في مناقشاتهم الكلامية. لقد المتكلمون الأوائل مهتمين جدًا بالفلسفة الهيلينية، وكانوا مطلعين على هذه المعرفة. ومع كل هذا فإن من المؤسف أن نقول إن ضـرار الذي شارك في بناء علم كلام يمكن أن يحسب على أهل السنة، لم يحظ باهتمام كبير، ولم تثمن جهوده في هذا المجال من قبل المؤرخين، وكتاب الفرق الإسلامية، لا سيما أهل السنة، بحيث بات في طي النسيان([22]).
عندما استقر ضـرار في بغداد، كانت حركة المعتزلة - كما يبدو - منقسمة إلی فرعين، فرع في البصرة، والآخر في بغداد. ولعل ضـرار كان هو حلقة الوصل بين المدرستين في بداية الأمر، كما يشير إلی ذلك (ريجارد)([23]). وفي كل الأحوال، فإن الفكر الاعتزالي كان قد انتشـر في ذلك الزمن، ولكن المعتزلة لم تكن قد تشكلت كمدرسة ذات معالم واضحة، كما قد أسست على المبادئ الخمسة بعد وفاة ضـرار، أو في أواخر أيام حياته، في زمن هارون الرشيد([24]).
وقد أصبح واضحاً أن معظم الأفكار الثقافية التي نشأت في الكوفة والبصرة، تحولت مع حامليها إلی بغداد، بعد أن أصبحت بغداد عاصمة للخلافة العباسية ومنبعاً لانتشار الفكر والعلم والفلسفة([25]).
كذلك استناداً إلی عناوين كتب ضـرار الست والخمسين الضائعة، نعلم أن ضـرار كتب عن مواضيع عدة، مثل: التوحيد الذي يتمحور حول طبيعة وجود الله، وصفاته، إرادته، وعده ووعيده، عدالته، وكيفية خلقه للمخلوقات في الزمن. العلاقة بين الإنسان وبين الله، مثل: عبادة الله، النبوة، المؤمن والكافر، المعصية، الإلحاد، الزنادقة، والمشبهة. كتاباته تتطرق أيضاً إلی الأجسام، وكيفية تركيب الكون والمادة مثل: الجسم، الجزء الذي لا يتجزأ، الجواهر والأعراض. عناوين تلك الكتب توضح لنا أن ضـرار كان ينتقد كثيراً من أفكار معاصـريه؛ سواء من الطوائف الإسلامية الموجودة، أو الأديان والأفكار الفلسفية المنتشـرة في عصـره. الطوائف الإسلامية التي تعرضت لانتقادات ضـرار كانت؛ المرجئة، الحشوية، الرافضة، الواقفية، الجهمية، الغيلانية، الأزارقة، الحداد، الخوارج، لا سيما (الفضيلية، والمحكمة)، الصوفية، المغيرية، والمنصورية. واعتقاد ضـرار بالمساواة بين المسلمين بصـرف النظر عن أصلهم ونسبهم وانتماءاتهم العرقية، جعله يكتب كتاباً سماه (المساواة).
 كان ضـرار معروفاً بين المتكلمين الأوائل بأنه كان منتمياً إلی العقيدة الجبرية، وسمي (مجبرة) لإيمانه بأن كل شيء يحدث بأمر الله، حتى فعل الإنسان؛ إن كان خيراً أو شـراً. هناك بعض من المؤرخين والمتكلمين ينسبونه إلی الجبرية المعتدلة، وكذلك هناك من يعتبر أنه لا ينتمي إلی الجبرية أصلاً، لأن ضـرار كان يؤمن بقدرة الإنسان، والذي يجعله مسؤولاً أمام ما يرتكب من الأخطاء والمعاصي. وكي نفهم جبرية ضـرار من عدمها، علينا أن نعود إلی التاريخ قبل ضـرار قليلاً، وعلاقته بأفكار ضـرار ومذهب الجبرية.
لبيان تلك المسألة أقدم هنا قراءتين لهذا التاريخ: إحداهما قُدمت من قبل الشـريف المرتضى، والثانية من قبل الباحِثيْن: (فان أس)، و (كورنيليا شكاك). 
 
 الطريق إلی الجبرية:
علمنا أن ضـرار قد عاش في السنوات الأخيرة للحكم الأموي (661-750)، وبداية الحكم العباسي (750-1258). هذه الفترة كانت مشحونة بالحركات السياسية، الاجتماعية، والثقافية، التي تعود جذورهم إلی الأحداث التي ظهرت بعد وفاة الرسول. في تلك الفترة، كما يبدو، كان المجتمع الإسلامي يتجاذب بين عقيدتين متناقضتين: عقيدتا الجبر والاختيار اللتان أصبحتا حركتين بارزتين ومؤثرتين في إنتاج مختلف التأويلات حول العلاقة بين إرادة الله وإرادة البشـر. عديد من الأفكار اللاهوتية أنشأت في السنوات اللاحقة على أساس تلك الحركتين، بحيث إن كل متكلم كان يقدم تفسيره الخاص في فهمه للاختيار أو الجبر([26]).
البحث عن أسئلة: لماذا نشأت تلك المفاهيم بعد وفاة الرسول؟ كيف تبلورت تلك العقيدتان بين الطوائف الإسلامية؟ لعلها ترشدنا إلی جذور عقيدة ضـرار فيما يتعلق بموضوع البحث.
للإجابة عن هذه الأسئلة، علينا أن نعود بالتاريخ إلی الوراء قبل ولادة ضـرار بما يقارب أكثر من نصف قرن. فبعد وفاة الرسول في عام 11/632، بقيت الأمة الإسلامية متماسكة نوعاً ما سياسياً واجتماعياً خلال حكم الخليفتين أبو بكر وعمر. لكن منذ حكم الخليفة الثالث (عثمان - ت 35/655)، لا سيما بعد قتله بيد بعض المسلمين المتمردين على حكمه، صدم المسلمون من هذه الكارثة، ودفعت الناس إلى طرح أسئلة حول العقيدة والإيمان، وعلاقتها بالإمامة الحقيقية([27]). الحروب الأهلية التي حدثت بين المسلمين أنفسهم، واقتتال الحكام فيما بينهم، ومشاركة الصحابة في هذه الحروب، جعل المسلمين يتساءلون: هل إطاعة الإمام أو الخليفة واجب شـرعي، أم عمل سياسي؟
أصبحت الأمة المسلمة منقسمة على نفسها، بعد أن كانت متحدة ومتماسكة قبل قتل عثمان. وراء تلك الأسئلة كانت تبرز دائماً خلافة عثمان، وكيفية تطبيق حكم الإسلام إلی الواجهة بين خصومه والموالين له: هل انزلق عثمان عن جادة الصواب؟ هل كان حكمه صحيحاً شـرعياً؟ هناك من قسم حكمه، (السنوات الاثنا عشـر)، إلی نصفين: النصف الأول من حكمه، وهي ست سنوات، كانت مطابقة للشـرع، والنصف الثاني كانت خروجاً عن الشـرع.
 تلك الانقسامات أثرت في تحديد مسار بعض الطوائف التي ظهرت في الفترة المبكرة في تاريخ الإسلام، مثل طائفتي الشيعة والخوارج([28]). وإن كان هناك مؤيدون كثيرون من بين عامة المسلمين، ولا سيما من الأمويين بشكل واسع، والذين عرفوا فيما بعد بالعثمانيين - من الممكن أن طائفة المرجئة قد خرجت بعد ذلك من رحمهم - ولكن أول طائفة واضحة المعالم قد تشكلت بعد مقتل عثمان، كانت الخوارج، بعد عام 40/ 659، التي انفصلت عن علي ومعسكره في معركة (صفين) ضد معاوية. هذه الطائفة أول من كفّر عثمان وعلي ومعاوية، وكذلك كل خلفاء الأمويين والعباسيين، إلا أبا بكر وعمر. وقيل الخوارج هم من الأوائل الذين أثاروا أسئلة حول طبيعة العقيدة والإيمان والإسلام([29]). وكما لاحظ (فان أس)، فإن وراء أسئلتهم تكمن بعض عناصـر لاهوتية، بحيث تطورت بشكل أدت إلی التساؤل حول ذات الله، وصفاته، وطبيعة كلامه. هذه المسائل حينها أثيرت ونوقشت طوال القرنين الثاني والثالث الهجري بقوة، واستمرت خلال عدة قرون تالية. لذا، فإن (فان أس) يعتبر أن الخوارج كانت بيضة فقست في حينها، وخرجت منها العديد من الطوائف الكلامية([30]).
أما الشـريف المرتضى (ت. 436/1044)، فيذكر أن أصل المشكلة بدأت حين بدأ المسلمون يتساءلون حول علاقة المعصية بالإيمان، مثلاً: هل المسلم الذي يقترف المعصية يصبح كافراً؟ إذا كان الله خالق كل شيء، فهل هو خالق المعصية أيضاً؟ أين هو مصدر المعصية: هل هو الله أم الإنسان؟ كان هناك من ادعى أن الله هو خالق المعصية، ومنه تأتي. خلافاً لهذا الرأي، كانت هناك جماعة أخرى أنكرت أن يكون الله هو مصدر المعاصي التي يرتكبها الإنسان.
 هذا الجدل بين العلماء والمتكلمين، الذي بدأ بصيغته البسيطة، استمر حتى أصبح نظرية معقدة خلال القرون التي تَلَتْ. يشـرح لنا المرتضى - وفقاً لتصوره - ظهور العقيدة الجبرية؛ كيف بدأت، وتطورت، وعلاقة ضـرار بهذه المسألة.
يقول المرتضـى إن ظهور مسألة عقيدة الجبر كان قد بدأ بسبب مجموعة كانوا يعتقدون أن الله يخلق المعاصي التي يرتكبها الإنسان. وهو يقول موضحاً:
"واعلم أن أول حالة ظهر فيها الكلام وشاع بين الناس في هذه الشـريعة، هو أن جماعة ظهر منهم القول بإضافة معاصي العباد إلی الله سبحانه، وكان الحسن ابن أبي الحسن البصـري ممن نفى ذلك، ووافقه في زمانه [جماعة و] خلق كثير من العلماء كلهم ينكرون أن تكون معاصي العباد من الله، منهم معبد الجهني، وأبو الأسود الدؤلي،  ومطرف بن عبد الله، ووهب بن منبه، وقتادة، وعمرو بن دينار، ومكحول الشامي، وغيلان، وجماعة كثيرة لا تحصـى. ولم يك ما وقع من الخلاف حينئذ يتجاوز باب إضافة معاصي العباد إلی الله سبحانه، ونفيها عنه، وغيره من هذا الباب، بباب القدرة والمقدور وما أشبهه. فأما الكلام في خلق أفاعيل العباد في الاستطاعة، وفيما اتصل بذلك وشاكله، فإنما حدث بعد دهر طويل".
"ويقال: إن أول من حفظ عنه القول بخلق أفاعيل العباد هو جهم بن صفوان، فإنه زعم أن ما يكون في العبد من كفر وإيمان ومعصية فالله فاعله، كما فعل لونه وسمعه وبصـره وحياته، وأنه لا فعل للعبد في شيء من ذلك ولا صنع، والله تعالی صانعه، وأن لله تعالی أن يعذبه من ذلك على ما يشاء، ويثيبه على ما يشاء. وحكى عنه علماء التوحيد أنه كان يقول مع ذلك: إن الله خلق في العبد قوة بها كان فعله، كما خلق له غذاء يكون به قوام بدنه، ولا يجعل العبد كيف تصـرف حاله، فاعلاً لشيء على حقيقته. فاستبشع من قوله أهل العدل، وأنكروه، مع أشياء أخر حكيت عنه.
ولما أحدث جهم القول بخلق أفعال العباد، قبل ذلك ضـرار بن عمرو، بعد أن كان [ضـرار] يقول بالعدل، وانتفت عنه المعتزلة واطرحته، فخلط عند ذلك تخليطاً كثيراً، وقال بمذاهب خالف فيها جميع أهل العلم، وخرج عما كان عليه واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، بعد ما كان يعتقد فيهما من العلم وصحة الرأي، لأنه كان في الأول على رأيهما، بل صحبهما وأخذ عنهما.
ثم تكلم الناس بعد ذلك في الاستطاعة، فيقال: إن أول من أظهر القول بأن الاستطاعة مع الفعل هو يوسف السمتي، وأنه استزله إلی ذلك بعض الزنادقة، فقبله عنه. ثم قال بذلك حسين النجار، وانتصـر لهذا القول، ووضع فيه الكتب، فصارت مذاهب المجبرة بعد ذلك على ثلاثة أقاويل:
(أحدها) إن الله تعالی خلق فعل العبد، وليس للعبد في ذلك فعل ولا صنع، وإنما يضاف إليه أنه فعله كما يضاف إليه لونه وحياته، وهو قول جهم.
(والثاني) إن الله تعالی خلق فعل العبد، وأن العبد فعله باستطاعة في العبد متقدمة، وهو قول ضـرار ومن وافقه.
(والثالث) إن الله تعالی خلق فعل العبد، وأن العبد فعله باستطاعة حدثت له في حال الفعل، لا يجوز أن تتقدم الفعل، وهو قول النجار، وبشر المريسي، ومحمد ابن غوث، ويحيى بن كامل، وغيرهم من متكلمي المجبرة [وعند هذا أكثر متكلمي المجبرة] نحو الأشاعرة وغيرهم. ثم تكلم الناس بعد ذلك فيما اتصل بهذا من أبواب الكلام في العدل، واختلفوا فيه اختلافاً كثيراً"([31]).
النصوص المختارة للمرتضى هنا، تشير إلی الخطوط العامة لبداية ظهور عقيدة الجبر، وكيف استمرت إلی أن وصلت إلی ضـرار. النصوص تبين لنا أن المسألة بدأت مع إضافة المعصية إلی الله من قبل مجموعة، وإنكار هذا الانتساب من قبل مجموعة أخرى. إن مفهوم (العدل الإلهي) انبثق نتيجة ذلك الجدال حول فكرة أن المعصية عمل من خلق الله، ولأجل إبعاد صفة الظلم عن الله، الذي لا ينسجم مع حقيقة عدالة الله. من مفهوم العدل الإلهي تبلور مفهوم (المنزلة بين المنزلتين)، الذي أصبح مبدأ أساسياً من المبادئ الخمسة التي اختارها المعتزلة لترسيخ بناء مذهبهم.
يذكر المرتضى نقطة جديرة بالملاحظة، حيث يقول إن جماعة غفيرة من التابعين ردوا على أولئك الذين كانوا يدعون إضافة المعصية إلی الله، وذلك في وقت مبكر جداً في التاريخ الإسلامي، ويمكن أن تعود بداية ذلك الجدل إلی النصف الثاني من القرن الهجري الأول. هنا نتساءل ما الذي حدث بعد الرسول حتى يدفع المسلمين بهذا الاتجاه، بحيث جعلهم يبحثون عن بنية المعصية ومعرفة علاقتها بالإيمان، ومن ثم نسبة المعصية إلی الله؟ ما هو معلوم أن الصـراع السياسي، والحرب الأهلية، أنتجت ثلاث طوائف: الخوارج، الشيعة، والمرجئة. الفئة الأولى كفرت عثمان وعلي، وكفرت كل الذين لم يكونوا معهما. والفئة الثانية كفرت كل الذين لم يوافقوا الخليفة الرابع، ولم يساندوه. أما الفئة الثالثة، فقد حاولت إنقاذ الأمة الإسلامية، ظنّاً منهم، عن طريق حماية الصحابة من التكفير والتفسيق ورأب الصدع الذي حدث بعد قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفّان([32]).
لأجل معالجة تلك المشكلة، حاولت المرجئة الفصل بين العمل والإيمان. هم ادعوا أن ارتكاب المعصية لا يخرج المسلم عن دائرة الإيمان، ولا يجعله كافراً. بل ذهبوا أبعد من ذلك بالقول إن فعل المعصية من خلق الله، ولا يأت الناس بشيء خارجاً عن إراده الله. بهذه الطريقة كانوا  يردون على الخوارج والشيعة، عندما كانوا يهاجمون الصحابة، واتهموهم بالعصيان والكفر. الصحابة في نظر الأمة الإسلامية كانوا المثل الأعلى، فإذا سقطت هذه المثل في أعينهم، لا يبقى للمسلمين سند يعتمدون عليه ويفتخرون به بعد وفاة الرسول، وهي التي وصفها القرآن بأنها خير أمة([33]).
إذاً، طوال عقود كان الجدل يدور بين الفريقين: فريق "إضافة المعصية إلی الله"، أو "نفي المعصية عن الله". الفريق الأول عُرف بأهل الإثبات، والثاني بأهل النفي. نستشف من كلام المرتضى، أن النقاش بينهم لم يتجاوز أكثر من ذلك، بل هو يؤكد أن عقيدة أهل الإثبات هي التي أدت إلی ظهور العقيدة الجبرية. أما عقيدة أهل النفي، فأدت إلی ظهور عقيدة الإرادة الحرة للإنسان، أي فكرة العدلية، والتي عرفت فيما بعد بالقدرية. وهو يؤكد أيضاً أن عقيدتي الجبر والاختيار لم تظهر إلا بعد فترة طويلة كفكرة منظمة مبنية على التفكير العقلاني. وأن باكورة عقيدة الجبرية ظهرت على أيدي الجهم، وضـرار، وغيرهم.
وكما نفهم من المرتضى، من خلال عرضه لهذا التاريخ، أن مفهوم العدلية سبق مفهوم القدرية، لأنه يقول أن معبد الُجهني، وغيلان الدمشقي، لم يدعوا إلی القدرية، بل إلی العدلية([34]):
- في بداية مرحلة ظهور علم الكلام، كان النقاش والجدال حول إثبات إضافة المعصية إلی الله، أو نفي المعصية عنه.
- في المرحلة الثانية؛ كان النقاش يدور حول مفهوم العدل الإلهي، والذي بدوره تحول إلی عقيدة القدرية.
- من خلال هذا السـرد التاريخي يتبين أن مفهوم العدلية يتقدم زمنياً على ظهور المعتزلة، وأنه كان سائداً ومعروفاً في المجتمع الإسلامي. وفي هذه المرحلة يظهر ضـرار بين المتكلمين، ويكشف رأيه حول تصوره للجبر والاختيار، واتبع جهماً في ذلك، وبدوره أصبح ضـرار خارج دائرة المعتزلة، كما يقال. وكان ضـرار قبل ذلك يأخذ برأي واصل بن عطاء، في مفهوم العدل الإلهي.
- على الرغم مما يقال في هذا الصدد أن ضـرار كان ينتمي إلی أهل الجبر، الذي أتى به جهم، أو إلی أهل العدل، الذي أتى به واصل، وغيره، يتبين أن ضـرار كان له رأيه الخاص حول مفهوم الجبر والعدل. كما يبدو أنه لم يقبل الجبرية الخالصة التي أتى بها جهم، ولا العدلية الخالصة التي قال بها واصل وغيره، بل - كما يبدو - هو توافق بين الجبر والاختيار([35]).
بدأ ضـرار يستعمل مصطلحاً جديداً حتى ينأى بنفسه عن كلا العقيدتين الجبرية الخالصة، والعدلية الخالصة، وهو مصطلح (الاستطاعة). هذا المصطلح أصبح مفهوماً جديداً يتداوله المتكلمون ويتناولونه في إبراز دور فاعلية الإنسان في خلق عمله، وبموجبه يتحمل مسؤولية سلوكه؛ إن كان سيئاً يعاقب، وإن كان حسناً يُثاب عليه([36]).
 فأصبح مفهوم عقيدة الجبر يحمل ثلاثة أبعاد: جبرية جهم؛ خال من فكرة الاستطاعة. جبرية ضـرار؛ تؤكد على وجود الاستطاعة في الإنسان قبل البدء بالعمل. وجبرية يوسف السمتي[37] (ت. 189/ 805)، التي تؤكد على وجود الاستطاعة أثناء العمل.
هل ظهور فكرة الجبر في بداية الأمر - والتي أصبحت بعد فترة طويلة عقيدة ذات طبيعة كلامية، بل وحتى فلسفية- وفقاً لتصوير المرتضى: كانت نتيجة للتفكير والتأمل الفلسفي لدى جهم وضـرار، تحت تأثير الفلسفة الإغريقية، واحتكاكهم بالأديان الموجودة في عصرهم، أم أنها كانت نتيجة تطور لمفهوم (إضافة المعاصي) إلی الله؟ هل هناك علاقة جدلية بين إضافة المعاصي إلی الله، والعقيدة الجبرية، التي قال بها جهم وضـرار؟
استناداً إلی ما كتبه (كورنليا شكاك) حول مذهب جهم وضـرار، لعلني أستطيع الإجابة عن الأسئلة المطروحة بإيجاز.
هو يقول إن جهم وضـرار كانا من بين أوائل العلماء الذين يتعاطون مع القضايا التي كانت تتعلق بفلسفة الطبيعة. (كورنليا) يعتبر جهم أول متكلم مسلم في تاريخ الفكر الإسلامي دون نزاع، وجزء من نظريته اللاهوتية تعتمد على نظرية المعرفة لأرسطو، وفي بعض القضايا الأخرى يستند على الأفلاطونية الحديثة. مع جهم بدأ الصـراع بين علم اللاهوت الطبيعي مع أولئك الذين كانوا يأخذون بصفات الله في القرآن حرفياً. الجهميين كانوا في جبهة، والحشويين والمشبهين في الجبهة المضادة لهم. لذا يعتبر جهم من الأوائل الذين جاءوا باستعمال العقل، واستنتاج الرأي بين المسلمين، وبسببه اتهم من قبل الحنبليين بالكفر، لأنه استعمل علم الكفار في منهجه الفكري، وكانوا يقصدون أن جهم لجأ إلی الفلسفة الأغريقية والأديان المسيحية واليهودية في تفكيره.
 أما ضـرار، فكان في سن شبابه منتمياً إلی الجيل الثاني من الذين عرفوا بالمعتزلة في البصـرة وبغداد. مع أن ضـرار لم يلتق بجهم أبداً، وعلى رغم أن ضـرار انتقد جهماً، فإن كثيراً من خصومه اتهموه بالجهمية. بل قيل أيضاً إن ضـرار قد تأثر بفلسفة اللاهوتي المسيحي (جريجوري فان نساي) و(أفلاطون) و(أرسطو)، في مسألة خلق الأشياء وتركيب الأجزاء وتكوين الأجسام([38]).
كما يشير (كورنليا) إلى أن المصادر التي نعتمد عليها لمعرفة مذهب جهم وضـرار، لا تعطينا الكثير، بل تختصـر عقيدتهم في بضع جمل، فيها نكتشف بعض الآراء حول الفيزياء والأبستمولوجيا والثيولوجيا. تلك المصادر التي تذكر آراءهم، ظاهر أنها تدور حول كيفية نٍشأة وانحلال الأجسام، التغيرات التي تأتي على الأشياء المرئية، التساؤل حول السببية، معرفة كيفية الإدراك، ومعرفة الله([39]).
هنا أنقل نصين من جهم وضـرار حول عقيدتهما في الجبر، ومنها ندرك مدى عمق تفكيرهم في هذه المسألة. يقول جهم:
أنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده، وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة، ودار الفلك، وزالت الشمس، وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه، إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل، وخلق له إرادة للفعل واختياراً له منفرداً بذلك، كما خلق له طولاً كان به طويلاً، ولوناً كان به متلوناً([40]). "إن القرآن جسم، وهو فعل الله"([41]).
يقول ضـرار:
إن أعمال العباد مخلوقة، وإن فعلاً واحداً لفاعلين؛ أحدهما خَلَقَهُ وهو الله، والآخر اكتسبه وهو العبد. وإن الله - عز وجل - خالق لأفعال العباد في الحقيقة، وهم فاعلون لها في الحقيقة([42]).
من المقطعين السابقين لجهم وضـرار نفهم أن هناك، وراء أقوالهم، نظاماً فكرياً واستنتاجات تعتمد على الحجج العقلية، أكثر من القضايا السياسية والصـراعات المذهبية، كما يعرضها المرتضى.
الدراسة الحالية مخصصة لتسليط الضوء على ضـرار، لذلك أحاول في القسم التالي البحث عن ضـرار في مسألة الجبر والاختيار.
ضـرار وعقيدته الجبرية:
في الفقرات السابقة مهدنا الطريق تاريخياً عسى أن نصل إلی فهم عقيدة ضـرار المتعلقة بالجبرية التي اختارها في مسيرة حياته الفكرية. ولكن بسبب شحة المعلومات لا يمكننا أن نصل إلی الكنه الحقيقي لما اعتقده ضـرار، كي نعرف المبدأ الذي بنى عليه مذهبه. ولكننا استناداً إلی المقاطع التي بين أيدينا من أقوال ضـرار، نحاول أن نفهم تصوره حول الجبر والاختيار.
المصدر الرئيسي الوحيد الذي يذكر مذهب ضـرار وفكره، وبشكل مفصل نوعاً ما، مقارنة بالمصادر الأخرى، هو أبو الحسن الأشعري. لا بل وأغلب المصادر التي تذكر ضـرار وآراءه، هي إعادة بشكل من الأشكال لما قاله الأشعري حول ضـرار. فعلى أساس ما قدمه لنا الأشعري، نتعرف على فهم ضـرار لصفات الله، وإرادة الله، والعلاقة بين الله والإنسان، فيما يتعلق بالفاعل الحقيقي أثناء تنفيذ العمل، هو "الله يخلق الفعل، والإنسان يكتسب ذلك الفعل".
يعرض الأشعري تصور ضـرار بقوله: إرادة الله ذات شقين: إرادة هي مراده، أي هو الذي يريد ما أراد في كينونة ذاته. وإرادة هو يأمر بها، لإيجاد فعل ما. عندما يريد الله أن يخلق شيئاً، ذلك الخلق، هو إرادته لفعل الخلق. أما إرادة الله لخلق فعل الإنسان، ذلك الخلق، هي إرادة لخلق ذلك الفعل الذي يقوم به الإنسان، وهذا الخلق هو فعل الإنسان من قبل الله. ضـرار يقول إن خلق شيء ما، هو الشيء نفسه الذي وجد بفعل الأمر (كُنْ) من الله الذي يجعل اللاشيء شيئاً([43]). يقول الأشعري موضحاً ما قاله ضـرار:
إرادة الله سبحانه على ضـربين: إرادة هي المراد، و إرادة هي الأمر بالفعل، وزعم أن إرادته لفعل الخلق هي فعل الخلق، وإرادته لفعل العباد هي خلق فعل العباد، وخلق فعل العباد هو فعل العباد، وذلك أنه كان يزعم أن خلق الشيء هو الشيء([44]).
  وفقاً للأشعري، ضـرار كان يميز بين الفعل الذي يصدر عن الإنسان، والفعل الذي يصدر عن الله. حينما يريد الإنسان أن يفعل شيئاً، وفي نفس الوقت له القدرة على عدم فعله، يعتبر هذا الفعل، من فعل الإنسان. كل الأفعال عدا ذلك، هي من فعل الله. ضـرار يدعي أن الإنسان يستطيع أن يقوم بفعل في فضاء غير فضائه في الحقيقة، مثل الحركة والسكون. ونتيجة عمل الإنسان الذي يؤديه في هذا الفضاء، هو اكتساب إنساني، ولكن الفعل الذي ينفذه الإنسان هو فعل إلهي في الحقيقة([45]).
يضـرب ضـرار (عملية الإدراك) كمثال لتوضيح ما يريد أن يقول لتفهيم نظريته في الواقع. هو ينظر إلی تلك العملية (الإدراك) من طرفين: الإدراك "كسب" إنساني، و"فعل" إلهي، في الوقت نفسه. هنا هو يخالف هؤلاء الذين اعتبروا أن الإدراك هو فعل إنساني بحت، بحيث لا يتعلق بإرادة الله مطلقاً([46]). ضـرار يعطي مثالاً آخر، وهو "عملية قراءة القرآن"، ليميز بين فعل الإنسان وفعل الله أثناء قراءة القرآن. يقول: إن القرآن خُلق من قبل الله، وعندما أقرأ القرآن أكون أنا منفذاً لفعل القراءة، إذاً أنا فاعل حقيقي للقراءة، أما الله فهو خالق القرآن، وفي الوقت نفسه، هو الخالق للقدرة التي أستطيع بسببها أن أقوم بفعل قراءة القرآن، وباختياري لتلك القراءة، وهي "الاستطاعة"([47]). القرآن من الله خلقاً، ومنّي قراءة وفعلاً، لأني أقرأ القرآن، والمسموع هو القرآن، والله يأجرني عليه، فأنا فاعل، والله خالق([48]).
    يشرح (فان أس) فكر ضـرار في هذا الصدد قائلاً، إن القدرة على الفعل وفقاً لتصور ضـرار موجودة لا فقط قبل أداء القراءة، بل أثناء الأداء، وحتى بعد الأداء. هنا يظهر خلاف بين هذا القول، وما قاله المرتضى، حيث إن ضـرار وافق على وجود الاستطاعة قبل الفعل، وهي نقطة الفصل بينه وبين جهم، من جهة، والسمتي، من جهة أخرى([49]). وفقاً لـ(فان أس)، ضـرار هنا يحدد مستويين للاستطاعة عند الإنسان، هما: القوة والقدرة. القوة هي الاستطاعة الأولية لفعل ما، التي يمكن أن يقابلها معنى الصحة، هي أداء الجسم الإنساني، الذي يعرف بـ(الاستطاعة). في الوقت نفسه، هناك الاستطاعة الثانوية اللحظية أثناء الأداء، والتي سماها ضـرار بـ(القدرة). ضـرار اعتقد أن الفعل الإنساني هو الفعل الحقيقي، ولكنه في الوقت نفسه مخلوق من قبل الله([50]). على أساس هذا المفهوم أن الإنسان يكمل خلق الفعل عند الله بالاكتساب([51]).    
    فكرة ضـرار هذه أصبحت مشكلة عويصة لدى المعتزلة من بعده، فحاول بشـر بن المعتمر أن يفسـر مفهوم كلمة الاستطاعة لتنفيذ الفعل، بكلمة (الصحة). أما ضـرار، فلم يذهب إلی ذلك المنحى في مزاعمه حول الاستطاعة([52]).
     يشير (فان أس) كذلك إلی أن ضـرار من المحتمل جداً أنه لم يعتمد على العقل فقط في مذهبه هذا، بل اعتمد على القرآن أيضاً. ضـرار استعمل مفهوم الاكتساب استناداً إلی القرآن، حينما يقول إن الإنسان لا يستطيع أن يكمل الفعل لوحده، بل هو شيء يخلقه الله([53]).
    (فان أس) يقول إن ضـرار اعتقد أن الكون المخلوق يتكون من الأعراض فقط. الذي نراه هو أعراض مؤتلفة، تظهر أمامنا على شكل جسم. بهذا الرأي يعارض ضـرار أولئك الذين يصفون الأشياء بأنها طبيعة مستقلة، أو روح، أو جوهر، أو أي ذات قائمة بنفسها. هو كان يعتقد أن الجسم الذي ندركه، ليس جسماً في الحقيقة، بل صفات أو أعراض تكون منها الجسم، بحيث ليس هناك أي شيء آخر بجانب تلك الأعراض. لذا فالجسم في النهاية ليس إلا أعراض مؤتلفة، واعتبر ضـرار أن الحركة والسكون ضمن الأعراض غير الأساسية في تشكيل الجسم([54]).
    ضـرار له نظريته الخاصة في شـرح الحركة والسكون اللذان يحدثان في الجسم. وجهة نظر ضـرار تبدو في أول وهلة أنها تفسير مادي بحت، لأنه يرى الحركة والسكون ليسا إلا حدثين طبيعيين، ليسا إلا نتيجة لأسباب وتفاعلات مادية خارجاً عن إرادة الله. عندما يستبدل عرض من الأعراض الأساسية مكانه لعرض آخر في الجسم، مثلاً استبدال الحرارة بالبرودة، أو العكس، يؤدي إلی دفع الأعراض جميعاً معاً في الوقت نفسه بالاتجاه المدفوع إليه، مؤدياً حدوث الحركة المطلوبة في الجسم([55]). السؤال المطروح هنا، هو: ما علاقة هذه النظرية في تصور ضـرار بالإنسان وخلق فعله؟
    كما علمنا، كان ضـرار يقول إن الإنسان جسم، وكل جسم يتكون من أعراض. مثلاً يمكننا أن نشعر بحرارة جسم الإنسان، نرى لون جلده، نشم جسده ونلمسه، لكن هذا الجسد يملك أفعالاً، فهو بلا روح أو جوهر مستقل بوجوده. أما الظروف المهيئة لتلك الأفعال التي يمكن للإنسان أن يقوم بها، فهي وجود عرض اسمه الحياة في جسم الإنسان([56]).
    قوة الإنسان أو استطاعته لإنجاز فعل ما - وفقاً لضـرار - عرض متصل وغير قابل للانفصال عن الإنسان، ومستمر وجوده ما دام حياً. موقف ضـرار هو حل وسط بين موقف المعتزلة، الذي يعتمد على التمييز الأرسطي بين الفاعلية الجوهرية والفاعلية السلبية للأشياء، وموقف جهم الذي ينفي النشاط فيما يتعلق بالجسم المادي. ففي الوقت الذي يقترب ضـرار إلی النظرية الماتريدية حول إنجاز الفعل، فإن جهم كان قريباً إلی الأشعري في مسألة إنجاز الفعل([57]).
   يشـرح (كورنليا شكاك) عقيدة ضـرار من نفس الزاوية التي قرأها (فان أس) حول خلق فعل الإنسان من قبل الله. ضـرار كان يتصور أن فعلاً واحداً له عاملان في الوقت نفسه، واحد منهم يخلق ذلك الفعل، وهو الله، والثاني يكتسب ذلك الفعل، وهو الإنسان. الله في الحقيقة فاعل بالنسبة إلی خلق أعمال الإنسان، والإنسان في الحقيقة فاعل مباشـر لما يعمله([58]).
هنا سؤال يطرح نفسه: أين ينبع فكر ضـرار حول الجبرية والقدرية؟
مما سبق ظهر أن خلق الله لفعل الإنسان ليس مطلقاً، كما تصوره جهم بأن الله هو الفاعل الحقيقي، وليس للإنسان أي قدرة إلا تمثيل ما أراده الله منه. على رغم أن جهم يقول إن الله يسـر للإنسان قوة كي يختار به عمله، ولكنه يؤكد في نهاية الأمر أن ليس له أي دور في الأداء إلا مجازاً([59]). في مقابل ذلك ضـرار يعتقد أن الإنسان يتكون من الأعراض؛ مثل: اللون، الطعم، الرائحة، والقوة، وأعراض أخرى. والأعراض بطبيعتها المادية لا قوة لها ولا حول، حتى يمكنها أن تفعل أو تنتج شيئاً من ذاتها دون الاستناد إلی شيء غيرها. لذا، الذي يمكن أن يجعل الإنسان أن يفعل شيئا هو الله، الذي بدوره يتدخل في كل حركة أو عمل في الكون بالطريق المباشـر، والإنسان ليس خارجاً عن هذا القانون. لكن - كما يقول ضـرار - إن تلك الأعراض التي مجتمعة تصبح إنساناً، تعطيه القابلية أن يختار فقط لا أن يخلق. ففي نظر ضـرار إن الإنسان لا يملك لا روحاً ولا أي جوهر حتى يجعله ذاتيّ الحركة، لا يعتمد على غيره، وكما يقولون إن الجوهر قائم بذاته، ووجوده لا يعتمد على غيره. يقول ضـرار:
الجسم أعراض أُلّفت وجُمعت، فقامت و ثبتت، فصارت جسماً([60]).
    يتكون الإنسان من أشياء كثيرة: لون، وطعم، ورائحة، وقوة، وما أشبه ذلك، وأنها الإنسان إذا اجتمعت، وليس هاهنا جوهر غيرها([61]).
كما يبدو لنا أن ضـرار حامل نظرية للوجود، تميّزه عن غيره في زمنه. وإن كنا لم نستطع أن نصل إلی كنه كامل نظريته، ولكن تصوره لوجود الله، صفاته، وإرادته، وتصوره للوجود وكيفية إيجاده، نظرته إلی الأجسام وكيفية بنائها، وأخيراً اعتقاده في كيفية تركيب الإنسان من الأعراض، وأنه هو خالٍ من الروح أو الجوهر، أدى به إلی أن يكوّن نظرته الخاصة به. حاول أن يجد مخرجاً عن طريق إيجاد مصطلح (الاستطاعة)، هرباً من الجبرية، ويعترف بأن الإنسان يتحمل المسؤولية، لأنه مستطيع.
 
المراجع العربية
-               ابن عبد ربه، العقد الفريد، ت: عبدالمجيد الترحيني، مجلد 8. (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983).
-               ابن حزم. جمهرة أنساب العرب. ت. عبدالسلام هارون (القاهرة: دار المعارف،؟).
-               ابن عبدالرحمن الملطي. التنبيه و الرد على الأهواء و البدع. ت. محمد زينهم محمد عزب. (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993).
-               الجاحظ. الحيوان. ت. عبدالسلام هارون. مجلد 4. (مصر: مصطفى البابي الحلبي، 1966).
-               الصفدي. الوافي بالوفيات. ت. أحمد الأرناؤوط و تركي مصطفى. مجلد 16. (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 2000).
-               الذهبي. تاريخ الإسلام. ت. عمر عبدالسلام. مجلد 12. (بيروت: دار الكتاب العربي.
-               رشيد خيون. معتزلة البصرة و بغداد. (لندن: دار الحكمة،1997).
-               رشيد خيون. مذهب المعتزلة من الكلام إلی الفلسفة. (بيروت: دار النبوغ، 1994).
-               وكيع. أخبار القضاة. الأجزاء 1،2،3. ت. سعيد اللحام (بيروت: عالم الكتب،؟).
-               الذهبي. سير أعلام النبلاء. مجلد 8. (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1982).
-               سامي علي النشار. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام. مجلد 3. (القاهرة: دار المعارف، 1995).
-               الشريف المرتضى. رسائل المرتضى. ت. أحمد الحسيني. مجلد 2.(قم: دار القرآن، 1405).
-               عبدالقادر البغدادي. الفرق بين الفرق. ت. محمد عثمان الخشاب. (القاهرة: مكتبة ابن سينا، 1988).
-               محمد علي كمال. "تطور علم الكلام في رسالة إنقاذ البشر من الجبر،" مجلة الرسالة. 220 (20 شهر ايلول، 1937): 33-38.
المراجع الأجنبية:
-                                  A. J. Wensinck, The Muslim Creed: its Genesis and Historical Development (New Delhi: Oriental Books Reprint Corp, 1979).
-                                  Bernard Lewis, “On the Quietist and Activist Traditions in Islamic Political Writing,” Bulletin of the School of Oriental and African Studies, 49, no. 1, (February 1986): 141-147.
 
-                                  C. Schöck, “Jahm b. afwān (d. 128/745–6) and the ‘Jahmiyya’ and irār b. ʿAmr (d. 200/815).” The Oxford Handbook of Islamic Theology. Edited by, S. Sabine (Oxford: Oxford University Press, 2016), 55-80.
-                                  G. Levi Della Vida, and R.G. Khoury, “ʿUthmān b. ʿAffān,” EI2.
-                                   Josef Van Ess, Theology and Society, trans. John O’Kane. Volume, 1 (Leiden: Brill, 2017).
-                                  Josef van Ess, Theology and Society. Volume, 3.
-                                  Josef Van Ess, Theology and Society. Volume, 4.
-                                  Josef Van Ess, “irār b. ʿAmr,” EI2. 
-                                  Montgomery W. Watt, Islamic Philosophy and Theology (Edinburgh: University Press, 1985).
-                                  Paul L. Heck, Skepticism in Classical Islam: Moments of Confusion (London: Routledge, Taylor & Francis Group, 2014).
-     Richard C. Martin, Mark R. Woodward, and Dwi S. Atmaja, Defenders of Reason in Islam: Muʿtazilism from Medieval School to Modern Symbol (Oxford, England: Oneworld Publications, 1997).
 
المرفق رقم1
أسماء الكتب المنسوبة إلی ضـرار، كما جاء في: محمد بن إسحاق النديم، كتاب الفهرست للنديم، ت. يوسف علي طويل (بيروت: دار الكتب العلمية، 1971)، 299.
1.                كتاب التوحيد.
2.                كتاب الإرادة .
3.                كتاب في أن الأسماء لا تُقاس.
4.                كتاب الدلالة على حدث الأشياء.
5.                كتاب المخلوق.
6.                كتاب القدر .
7.                كتاب الوعيد.
8.                كتاب المنزلة بين المنزلتين.
9.                كتاب إثبات الرسول.
10.              كتاب اختلاف الأجزاء.
11.              كتاب الرد على أرسطاليس في الجواهر والأعراض.
12.              الرد على أصحاب الطبائع .
13.              الرد على الملحدين.
14.              كتاب يحتوي ستة كتب في الرد على الملحدين.
15.              الرد على الزنادقة.
16.              كتاب يحتوي على عشرة كتب في الرد على أهل الملل. 
17.              الرد على النصارى .
18.              الأربع مسائل على أهل الأهواء.
19.              الرد على معمر في قوله إن محمداً رب.
20.              كتاب يحتوي على ثلاثة عشرة كتاب في الرد على المشبههَ.
21.              كتاب التشبيه.
22.              كتاب على المرجئة في الأسماء.
23.              كتاب على المرجئة في الشفاعة.
24.              الرد على الحشوية في قولها أن النبي إذا استغفر لإنسان غفر له.
25.              الرد على الواقفية والجهمية والغيلانية .
26.              كتاب على الأزارقة والنجدات والمرجئة .
27.              الرد على الخوارج.
28.              كتاب الرد على الفضيلية والمحكمة في قولهم إن الناس على دين وإن ظهر منهم غير الحق.
29.              رسالة الصوفيين.
30.              الرد على الرافضة.
31.              الرد على الحشوية.
32.              الرد على المغيرية والمنصورية في قولهم إن الأرض لا تخلو من نبيّ.
33.              كتاب الرد على من زعم أن النبي ترك من الدين شيئاً وأنه كان يعلم الغيب.
34.              الرد على من زعم أن الأنبياء اختلفت في صفات الله عز وجل.
35.              كتاب الفكر في الله على الواقفة، وهي خمسة كتب.
36.              كتاب آداب المتكلمون.
37.              اختلاف الناس وإثبات الحجة.
38.              كتاب الأسباب والعلم على النبوة.
39.              تفسير القرآن.
40.              تأويل القرآن.
41.              كتاب الأخبار.
42.              تناقض الحديث.
43.              كتاب الجمعة.
44.              كتاب الوصية.
45.              كتاب الإمامة.
46.              كتاب الحكمين.
47.              كتاب المساواة.
48.              كتاب الدولتين.
49.              العدو المصلح.
50.              الخرائط.
51.              المدعات.
52.              المنقولين.
53.              الأطفال والملك وفي آجال الأطفال.
54.              المعونة في الخذلان.
55.              المعروف و الشكر .
56.              التحريش والإغراء.
57.             إلى من بلغ من المسلمين.
 

[1]- يعتبر هذا الكتاب أقدم کتاب في مجال معرفة الطوائف الإسلامیة وعقائدهم، والذي يصور لنا فيه صـراع تلك الطوائف فيما بينها، في زمن مبکر جداً في تاریخ الفکر الإسلامي. ومن الأهمية بمكان أن نتطلع فيه، وندرك حجم الكارثة التي كانت الأمة الإسلامية تعاني منها، والتي دفعت بضـرار أن يكتب (التحريش والإغراء) من أجل إنذار المسلمين وإيجاد الحلول اللازمة.
[2]- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ت. عبدالمجيد الترحيني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983)، 8:140؛ ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ت. عبدالسلام هارون (القاهرة: دار المعارف،؟)،249؛ الجاحظ، الحيوان، ت. عبدالسلام هارون (مصر: مصطفى البابي الحلبي، 1966)، 4:137؛ الصفدي، الوافي بالوفيات, ت. أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 2000)، 16:210؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، ت. عمر عبدالسلام (بيروت: دار الكتاب العربي، 1990)،12:192؛ رشيد خيون، معتزلة البصرة وبغداد (لندن: دار الحكمة،1997)، 310؛
Josef van Ess, Theology and Society, 3: 35; C. Schöck, “Jahm b. Ṣafwān (d. 128/745–6) and the ‘Jahmiyya’ and Ḍirār b. ʿAmr (d. 200/815),” The Oxford Handbook of Islamic Theology, ed. S. Sabine (Oxford: Oxford University Press, 2016), 55-80.
[3] Van Ess, Theology and Society, 3:36؛
وكيع، أخبار القضاة، الأجزاء 1،2،3، ت. سعيد اللحام (بيروت: عالم الكتب،؟).
[4] Van Ess, Theology and Society, 3:35؛
الذهبي، سير أعلام النبلاء، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1982)، 8: 209-210. 
[5] Van Ess, “Ḍirār b. ʿAmr,” EI2;  Van Ess, Theology and Society, 3:35.
[6] Van Ess, “irār b. ʿAmr,” EI2;
 خيون، معتزلة البصرة و بغداد، 309.
[7]- عبدالجبار، البلخي، الحاكم الجشمي، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة, ت. فؤاد السيد (تونس: دار التونسية، ؟)، 391.
[8]- نفس المصدر، 163.
[9]- أسماء الكتب ثبتت في المرفق 1.
[10] Van Ess, Theology and Society, 4:814-816.
[11] Van Ess, Theology and Society, 3:34.
[12] Ibid., 33.
[13] Van Ess, Theology and Society, trans. John O’Kane (Leiden: Brill, 2017), 1:411.
[14] Van Ess, Theology and Society, 3:32.
[15] Ibid.
[16] Paul L. Heck, Skepticism in Classical Islam: Moments of Confusion (London: Routledge, Taylor & Francis Group, 2014), 24.
[17] Montgomery W. Watt, Islamic Philosophy and Theology (Edinburgh: University Press, 1985), 43.
[18] Ibid., 37 ff.
[19] Ibid., 43.
[20] Heck, P. L., Skepticism in Classical Islam, 25;  Watt, Islamic Philosophy and Theology, 42.
[21]- ابن عبدالرحمن الملطي، التنبيه والرد على الأهواء والبدع، ت: محمد زينهم محمد عزب (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993)، 32.
[22] Watt, Islamic Philosophy and Theology, 42-44.
[23] Richard C. Martin, Mark R. Woodward, and Dwi S. Atmaja, Defenders of Reason in Islam: Muʿtazilism from Medieval School to Modern Symbol (Oxford, England: Oneworld Publications, 1997), 27.
[24] Ibid.
[25]- سامي علي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (القاهرة: دار المعارف، 1995)، 3:217.
[26]- رشيد خيون، مذهب المعتزلة من الكلام الى الفلسفة (بيروت: دار النبوغ، 1994)، 20.
[27]  G. Levi Della Vida, and R.G. Khoury, “ʿUthmān b. ʿAffān,” EI2.
 
[28]  Bernard Lewis, “On the Quietist and Activist Traditions in Islamic Political Writing,” Bulletin of the School of Oriental and African Studies, 49, no. 1, (February 1986), 141-147.
[29] A. J. Wensinck, The Muslim Creed: its Genesis and Historical Development (New Delhi: Oriental Books Reprint Corp, 1979), 37.
[30]  Van Ess, Theology and Society, 1:473.
[31]- الشريف المرتضى، رسائل المرتضى، ت. أحمد الحسيني (قم: دار القرآن، 1405)، 2: 179-80.
[32] Muammad ʿAlī Kamāl, “Taawwur ʿIlm al-Kalām fi Risālat Inqādh al-Bashar min al-Jabr,” Majalat al-Risāla 220 (September 20, 1937), 33-38.
[33] Kamāl, “Taawwur ʿIlm al-Kalām.”
[34] Ibid.
[35] Ibid.
[36] Ibid.
[37]- أبو خالد يوسف بن خالد بن عمير السمتي الليثي. ولد في البصرة في 120/738. اتهم بالزندقة بسبب آرائه الكلامية. انظر:
Van Ess, Theology and Society, 2:173-17.
[38] Schöck, “ Jahm b. afwān.
[39]- نفس المصدر.
[40]- الأشعري، مقالات، 1:338.
[41]- نفس المصدر، 2:261.
[42]- نفس المصدر، 339.
[43]- الأشعري، مقالات، 2:199.
[44]- نفس المصدر 2:199.
[45]- الأشعري، مقالات، 2-2:91.
[46]- نفس المصدر 2:70.
[47]- نفس المصدر 2:265.
[48]- نفس المصدر 2:265.
[49] Van Ess, Theology and Society, 3:48؛
عبدالقادر البغدادي، الفرق بين الفرق، ت. محمد عثمان الخشاب (القاهرة: مكتبة ابن سينا، 1988)، 188. 
[50] Ibid., 3:48.
[51] Ibid., 3:48.
[52] Ibid., 3:48.
[53] Ibid., 3:49.
 [54] Van Ess, Theology and Society, 3:41.
 [55] Ibid., 3:48.
[56] Ibid., 3:48.
[57] Schöck, “ Jahm b. Ṣafwān.”
 [58] Cornelia Schöck, “ Jahm b. Ṣafwān (d. 128/745–6) and the ‘Jahmiyya’ and Ḍirār b. ʿAmr (d. 200/815),” in The Oxford Handbook of Islamic Theology, ed. Sabine Schmidtke, (Oxford: Oxford University Press, 2016), 75.
[59]- الشريف المرتضى، رسائل المرتضى، ت. أحمد الحسيني (قم: دار القرآن، 1405)، 2:181.
[60]- الأشعري، مقالات، 2:7.
[61]- الأشعري، مقالات، 2:26.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق