30‏/06‏/2018

آخر الكلام/ أعوذ بالله من الشيطان والسياسة!

محمد واني
حشرت السياسة، بجانبها الميكافيلي البراغماتي، أنفها في كل شيء، من أدق تفاصيل حياة الإنسان، إلى الدخول في غرفة نومه، وفي سريره، من خلال الفضائيات والموبايلات والنت ووسائل الإعلام المتعددة الأخرى، وشاركته في الأموال والأولاد، وزيّنت له الدنيا، ووعدته بحياة واعدة، ومزدهرة، قائمة على الغش والكذب والخديعة، {وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}.. وقد استشعر (بديع الزمان النورسي) خطر هذه السياسة على الإسلام، والمسلمين، ومستقبلهم، واعتبرها صنو الشيطان، بل الشيطان نفسه، عندما قال: (أعوذ بالله من الشيطان والسياسة)، وحذّر الدعاة من خلط الدعوة بالسياسة، و"خسارة الوقت الذي يفنيه العالم في ساحات السياسة". وقد صدق الرجل في حدسه، واستشرافه للمستقبل بعين ثاقبة، ورأينا كيف أن أحزاباً كثيرة محسوبة على الإسلام، خسـرت الجلد والسقط، عندما قبلت التحدي، ورضيت بقواعد الليبراليين، أصحاب السلطة والخبرة الطويلة في المعرفة بدهاليز
السياسة، ودخلت معهم في (اللعبة) السياسية، التي يجيدونها تماماً، والنتيجة: إحباط، وقنوط، وتقهقر، وسقوط.. فلا هي استطاعت أن تبرز في مجال الدعوة الإسلامية، وتوصل رسالتها، من خلال العمل السياسي، ولا هي استطاعت أن تبدع في المجال السياسي، وتتفوق على الليبراليين، يعني ضيّعت المشيتين!.
ورغم الإخفاقات السياسية المتتالية التي منيت بها تلك الأحزاب، فإن بعضها القليل نجح في تحقيق إنجازات كبيرة في المجال القومي والوطني لبلدانها، مثل: حركة النهضة التونسية، والعدالة والتنمية التركية، وغيرهما، ولكنها لم تضف شيئاً مذكوراً للمسيرة الإسلامية، ودعوتها، ولا أقامت مشاريع مهمة تساعد المسلمين والدعاة في العالم على نشر الإسلام؛ غير عقد المؤتمرات، وترديد الشعارات (السياسية) المجردة، وهي اكتسبت دعم الشعب وتأييده لها على خلفية تقديم الخدمات للمواطنين، ورفع مستواهم المعيشي، وإقامة المشاريع الاقتصادية الكبيرة..
ورغم أننا نفتقد إلى معرفة الخطط التي يتحرك الحزبيون (الإسلاميون) من خلالها، لإقامة مشـروع إسلامي مستقبلي متكامل، يعتمد على النفس الطويل، وفق استراتيجية تشبه استراتيجية (الخطوة خطوة)، لوزير الخارجية الأمريكية الأسبق (هنري كيسنجر)، الذي اعتمد على هذه الاستراتيجية لجرّ العرب إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل.. وإذا كانت الأحزاب الاسلامية تتمتع بهذا النضج السياسي، والعقل المتطور، وتمتلك القدرة على المناورة، ووضع الخطط للعمل المستقبلي، فإنها جديرة حقاً بخوض غمار السياسة، وإلا فالأجدى لها أن تبتعد عنها، ولا تتحمل تبعاتها التي تكون عادة وخيمة، وغير سليمة العواقب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق