30‏/06‏/2018

رؤية/ حيرة التكنولوجيا أمام الإنسان

شيروان الشميراني
 عن الاستعمال الإنساني للتكنولوجيا أتحدث، وسأختصره من زاويتين:-
التكنولوجيا والضمير الإنساني:
 فالتكنولوجيا أوجدها العقل الإنساني كوسيلة متطورة لتسهيل الحياة، وتذليل الصعاب التي تعترض الناس في طريقها، ومن أجل الترفيه وتمضية الوقت الممل - أحياناً - نتيجة رتابة الحياة وروتينية أحداثها، لكن الذي يتحكم في استعمالها هو الإنسان، بما لديه من عقل ملتزم أو منحرف، وبما يتكون لديه من ضمير. فالمعاني التي تشكّل مغزى ومضمون غاية الإنسان هي التي توجّه أدوات التكنولوجيا، باتجاه التعمير أو باتجاه التدمير.. والمثال الآني هو ما جرى في انتخابات الثاني عشر من آيار الماضي في العراق.
فعندما صوّت البرلمان على أن يكون التصويت إلكترونياً، كانت الغاية هي كسب الوقت في العدّ والفرز، وإعادة الثقة للمواطن إزاء عمليات التزوير التي شابت كل الانتخابات السابقة. بمعنى أن الأجهزة الإلكترونية لا تمنع التزوير، بل هو الإنسان الذي يستعمل تلك الأجهزة، فإذا كان الضمير الإنساني فاسداً، فإن الأجهزة لن تصلحه، بل هي واقعة تحت تصرفه، يستعملها لغرض الإفساد والإصلاح. وبما أن ضمائر الحكّام والمسؤولين معدومة في العراق، فإن الأجهزة التكنولوجية لن تمنعهم من التزوير، ولن تصحح مساراتهم المنحرفة. بمعنى أن المشلكة في الإنسان العراقي وليست في التكنولوجيا. فالمسؤولون العراقيون - وللأسف - مردوا على الفساد، بجميع مرجعياتهم، بمن فيهم أصحاب المرجعيات الدينية. والكيانات التي تحكم في بغداد هي المتهمة الأولى، في سوء توجيه التكنولوجيا في الانتخابات التشـريعية لدورة 2018 .
وهو – بالمناسبة - الفساد نفسه الذي شاب أدوات كشف المتفجرات؛ ففي الوقت الذي كان العراقيون يذهبون ضحايا التفجيرات في الشوارع، كان بعض المسؤولين العراقيين يتاجرون بدماء أبناء شعبهم، عبر شراء أجهزة فاسدة، وعاجزة عن كشف المواد المتفجرة في السيارات الملغمة، التي كانت تمرّ عبر مئات نقاط التفتيش في عموم البلاد، ومن ثم تنفجر، وتقتل، والسبب هو فساد الضمير الإنساني{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ  مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ  نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ  سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة: 101 ، مردوا على النفاق: أي تمادوا واستمروا عليه.. فهؤلاء مردوا على الفساد، تمادوا واستمروا عليه، ولا رجاء في صلاحهم ولا إصلاحهم..
 الإسراف في الاستعمال
 هو استعمال الأدوات التقنية في تقطيع الأواصر الاجتماعية، والإسراف في استعمالها. وهذه الأدوات تسهّل الحياة، وتسهّل التواصل بين الأصدقاء والأقارب، لكن تجاوز حد الاعتدال في استعمالها يأتي بنتائج عكسية، فهي تعطي الرتابة في العلاقات والجفاء في المشاعر، ليس في داخل الأسرة الواحدة فحسب، بل حتى في العلاقات بين الأسرة الكبيرة، حيث نجد أن تفقد الناس لبعضهم البعض صار يتمّ عبر رسائل من الهاتف الجوال، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي عدم اللقاء المباشر، وسقي المحبة والمودة والترابط القلبي بين الأهل والأقارب والأصدقاء..
  وما يحدث الآن من لجوء الأطفال والمراهقين إلى الألعاب الإلكترونية على التابليت، تسبّب في عزلة كبيرة لهم داخل عوائلهم، وقضائهم لأغلب أوقاتهم في زاوية المنزل، في غرفة بعيدة، وفقدان الرغبة في الخروج أو زيارة الأهل والأحباب، وبالتالي فقدان الحس الاجتماعي.
وقد تنبّه علم النفس والاجتماع الحديث، إلى هذه المخاطر المجتمعية لدى المراهقين، فنصح خبراء اجتماعيون الآباء باستصحاب أولادهم معهم في الزيارات واللقاءات العامة، لكسر الحاجز النفسي عندهم، والمحافظة على خاصية الإنسان الطبيعية، وهي أنه مدني بطبعه، أي يختلط وينزل إلى السوق والشارع والساحات من أجل مشاهدة الناس والاختلاط بهم.
فالغلو في أي شيء هو بداية الفساد والانحراف عن المسار الطبيعي، والإسراف في قضاء الوقت أو قتل الوقت في استعمال التكنولوجيا هو الطريق إلى الفساد العلائقي بين أفراد المجتمع، والوسط والاعتدال خير. إن روح الإنسان ومشاعره كالشجرة بحاجة إلى السقي والرعاية الملائمة، وإلا فإنها ستموت، ومن ثم تتقطع أوصال المجتمع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق