03‏/04‏/2022

أفول نجم التنظيم السياسي وافتقاد الرؤية

بكر أبو بكر - فلسطين

من المهم الإشارة لضرورة تحشيد الأشخاص حول فكرة ما، ثم تنظيم الطليعيين فيها. فالجماهير التي تسير سائبة بلا هدف موحّد، هي جماهير قابلة للجذب والاستقطاب بين شتى الفِكَر المتناثرة، وذات الدفق العالي حالياً، لسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي هي كلّها مسيّسة ومؤدلجة.

إن تُركت الجماهير دون هدفٍ سامٍ أو هدف قومي/ وطني جامع (قضية)، فإنها قد ترتاح في منطقة الابتعاد عن المشاكل، وتتموضع حيث تلبي حاجاتها الحياتية والشخصية فقط، دون الاضطلاع بدور ما في بناء أو تطوير الذات واكتساب المرجعية، من جهة، وتفتقد بالابتعاد عن الهدف الجامع عوامل التماسك، بل وعوامل البقاء للمجتمع أو القضية التي من المتوجب أن تبقى حيّة في القلب والعقل والروح.

وهنا يظهر دور الطليعة من المثقفين والمفكرين والدُعاة، والسياسيين الجادين، والكوادر المخلصة.

 حين تُمزّق المهابة

المشكلة الرئيسة هي حين يختلف الساسة، أو (القادة)، اختلافًا يمزّق النسيج الثقافي أو الفكري أو الاجتماعي أو التنظيمي الداخلي في أطرهم.. تلبية لمطامعهم الدنيئة، دون أن يدركوا - أو ربما بإرادة البعض - مدى تأثير ذلك على الناس – وقبلهم الأعضاء المنخرطون في منظماتهم - الذين رغم كل شيء يفترض بهم قيادة الفكرة أو البلد أو الشعب.

إن افتقاد المهابة القيادية لسبب الانعزال عن الجماهير، أو لسبب احتقارها، أو لسبب التصارع والتزاحم على السلطة والنفوذ، حتمًا سيؤدي بالجماهير لأن تستثمر بغيرهم، أو لأن تجد طريقًا آخر، ولربما يكون سارًا أو سيئاً، لأننا لسنا وحدنا بالميدان، أقصد أصحاب الفكرة الثورية أو الوطنية النضالية الجهادية، فالكثير من الأعداء أو الخصوم الخارجيين-والطابور الخامس- قد يحلّون ويتموضعون بالضـرورة في ظل الفراغ السياسي (نتيجة الصـراع أو افتقاد الأولويات..)، أو الفراغ الثقافي الذي أوجدناه باقتتالنا أو تصارعنا على (مزبلة) النفوذ والقوة، أو السلطة، أو المكاسب الذاتية، أو الفصائلية.

إن الانعزال عن الجماهير، أو الاستقواء بالنظام السياسي التنفيذي عليها، أو استغلالها وتوظيفها لمآرب ذاتية، يُعدّ قتلًا مبرمجًا للنهج الديمقراطي أو الشوروي، وسبب رئيس لعملية الانفكاك بين القيادة وبين الجماهير، التي إن افتقدت القدوة صنعت غيرها، أو لربما تاهت أو أوجدتها في سياقات أخرى.

 

طلّة المشاهير

العديد من الناس ممن ابتعدوا عن الهدف الجامع للشعب أو الأمة، وجدوا مرتعًا خصبًا في مساحات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها سلبية؛ من مثل الانكباب على اللعب؛ قاتل الوقت والعقل، أو الأخبار الملوثة، أو الشهوات، أو الانجرار وراء الإشاعات والدعايات المغرضة، أو ترقب طلّة المشاهير (الفَسَقة منهم والناجحون)... إلخ.

 ولن تستطيع أن تقيم الحُجّة على كل الجماهير ما دمت أنت في مركز القيادة السياسية أو المجتمعية أو الدينية أو الثقافية مقصـراً في واجبك.. لا تلتفت لاحتياجات هذه الجماهير، أو لا تبذل جهدًا في فهم احتياجاتها وتطلعاتها، وبالتالي جذبها، أو تنعزل بأفكارك وسلوكياتك عنها.

 نجد المثال الحيّ دومًا بالكبار؛ الكبار في حضارتنا، وفي تاريخنا العربي الإسلامي المسيحي المشرقي الحي والمتسامح، والذي هو حقيقة أمسنا ويومنا وغدنا، بتميزنا (وليس انسحاقنا) الحضاري، المفترض أن يكون مبتعدًا عن العقلية الاستهلاكية الذليلة لكل منتجات الغرب الاستعماري العقلية، والاستئثاري حتى في مجاله الفكري - الثقافي النفسي. 

لقد ضربت مختلف الشخصيات الريادية والقيادية في أمتنا المتفردة والمتميزة حضاريًا -والحضارات تتميز وتتقاطع وتتلاقح - النماذج والأمثلة بالوعي والسبق، وفهم المتغيرات، وامتلاك الرؤية المتقدمة، ما جعل الجماهير تتلقى أفكارهم بالاحترام والمحبة والتقديس أحيانًا، الى أن زلّت قدم التابعين عن المسار، فتخرج الجماهير لتعلن رفضها للانحراف والزلل.

 ولربما تنجح عديد الدفقات المعلواتصالية في كسب هذه الجماهير حين تنحرف القيادة، أو حين تنجرف باتجاه صراعاتها الداخلية ووحشية النزق المكون لشخصياتها الكئيبة أو الكالحة.

لا بد من حُسن النظر والتأمل في أنفسنا أولاً {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}، وهنا المقصود والخطاب للقيادات في المساحات المختلفة التي متى ما قصـّرت أو أهملت أو تصارعت تصارع الأكباش، فإن الناس تصبح في غنى عنها، أو تترقب الكبش الفائز، ما يُردي القضية، أو يجعلها حبيسة الأدراج الخلفية في عقول الناس، ولو مؤقتًا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق