03‏/04‏/2022

قراءة في كتاب (منهج الإسلام في الإصلاح بين الناس)

القاضي الدكتور: إبراهيم علي الهسنياني/ دهوك

قرأت البحث القيم: (منهج الإسلام في الإصلاح بين الناس)، للأخ الدكتور دحام إبراهيم الهسنياني، وأعجبني كثيراً، لأن الإصلاح عبادة جليلة وخلق جميل يحبه الله ورسوله - r-، وهو خير كله، لقول الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}([1])، وبالإصلاح تكون الأمة المسلمة وحدة متماسكة وقوية، ويصلح المجتمع، وتتآلف القلوب، وتجتمع الكلمة، وينبذ الخلاف، وتزرع المحبة والمودة بين صفوفها، والتي لها رغبة ملحّة دائماً في الرقيّ والتقدّم والازدهار.

وجمع المؤلف في هذا البحث معلومات كثيرة ودقيقة ووافية حتى اكتمل الموضوع بهذا الشكل، ليعالج مسألة اجتماعية مهمة، والناس اليوم بحاجة ماسة إليها، ألا وهي: (الصلح بين المتخاصمين وفق الشـريعة الإسلامية)، ليضيف رصيداً إلى المكتبة الإسلامية، ضمن الكتب الثقافية والحضارية التي تعالج مشاكل المجتمع، وتنشـر وتدعم المعرفة وفق الشريعة الغراء.

جاء هذا البحث الهام في ظل ظروف وزمان يعج بالنزاعات والصـراعات والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، حيث التطرف والتشدد والغلو الديني والفكري ليس بين الدول فقط، أو بين المجتمعات الشرقية والغربية، وإنما نشهد الصراعات والخلافات القومية والمذهبية حتى في ظل دولة واحدة أو شعب واحد، وهناك دول أو منظمات خارجية تحرّض وتمول وتشجع هذا التطرف أو ذاك، حتى وصل الأمر إلى الاقتتال والدمار والنزوح والهجرة إلى الدول الأجنبية. وظاهرة الإرهاب، الذي استشـرى في جسم الأمة العربية والإسلامية، وخاصة في العراق وسوريا، هي خير دليل على ذلك.

وامتد هذا السرطان الإرهابي خارج حدود الدول العربية والإسلامية، ولا يمضـي يوم إلاّ وعشرات حوادث الإجرام تحدث هنا وهناك، ومن ثمرات هذه الحوادث الإرهابية والإجرامية قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وتدمير المنازل، وتهجير العوائل، وتعطيل مؤسسات الدولة، والسجون مليئة بالموقوفين؛ منهم المجرمون ومنهم الأبرياء.

كل ذلك بسبب ابتعادنا عن ديننا الحنيف، وعن مبادئ القرآن الكريم وسنة النبي محمد - r-.

هذا الدين الذي ينادي بالوحدة، والواقع يصرخ بالتفرقة.

هذا الدين الذي ينادي بالسلام والأمان، ولكننا لا نرى غير الحروب والاقتتال.

هذا الدين الذي ينادي بالعفو والصفح والوئام، وإذا بنا لا نرى غير الحقد والكراهية والبغضاء.

 هذا الدين الذي ينادي بالأخوة وحقوق الإنسان، وإذا بنا نعيش في بحر من الانتهاكات وخرق لحقوق الإنسان.

من أجل هذا جاء هذا البحث القيم، من قبل الأخ الداعية والباحث الأستاذ دحام إبراهيم الهسنياني، ترجمة عملية للواقع الذي نعيش فيه، لأجل لمّ شمل المسلمين، وإشاعة روح المحبة والأخوة بين صفوفهم، وإصلاح ذات بينهم، حيث إنه – بارك الله فيه – قد شخص الواقع المرير الذي نعيش فيه؛ من تنازع وتمزق واختلاف وحقد وكراهية وحروب ودمار هنا وهناك، كل ذلك بسبب بعدنا عن ديننا الحنيف، وعدم امتثالنا لأوامر الله تعالى وسنة نبيه - r-.

ومن خلال قراءتي المتأنية لهذا البحث وجدت أن الباحث قد وضع يده على الداء، وأسبابه، ثم قدم الدواء والعلاج الناجع والكافي لهذا المرض، فشخص الداء، ووضع له الدواء، وكأنه طبيب أخصائي.

وهذا ليس منه ببعيد، لأن الباحث هو شقيق الأخ الداعية المعروف والمصلح الكبير، صديق العمر ورفيق الدرب الشيخ محمد إبراهيم الهسنياني - رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته، الذي كان لي نعم الأخ الصادق والصديق الوفي، والذي كان له باع طويل في الإصلاح بين المتخاصمين، وكان راعٍياً حريصاً على جمع كلمة المسلمين، وتماسكهم، وتعاونهم، وتضامنهم، وتوحيد صفوفهم، وتآلف قلوبهم، ورفع لواء الوسطية والاعتدال وفقه الواقع.

وكم من مرة ومرة حضـرت معه - رحمه الله تعالى- جلسات الصلح بين المتخاصمين والمتنازعين، سواء في عشيرة الهسنيان، أو غيرها من العشائر، وقد وجدته مصلحاً متمكناً يحمل كل صفات الدعاة العاملين والمصلحين المخلصين، ولذلك كان لا يدخل في صلح إلاّ ويوفقه الله تعالى ويتم الصلح بين يديه.

كما لوحظ أن البحث قد جاء مكتملاً في جوانبه الشكلية والموضوعية، وأنه غني وثري بالمسائل العلمية الدقيقة، والقضايا الفقهية العميقة، وقد اعتمد المؤلف في ذلك على المصادر والمراجع المعتبرة والموثوقة القديمة والحديثة.

ولم أجد موضوعاً في البحث إلاّ واستند المؤلف على الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة، وأقوال العلماء والفقهاء، لإخراج البحث إخراجاً علمياً محكماً.

كما أن البحث جاء منسجماً ومستجيباً لمتطلبات هذا العصـر الذي نعيشه وواقعه وظروفه، ليكون منهجاً في هذا الوقت للمصلحين والدعاة إلى الله، ليقوم كل واحد منهم بواجبه للصلح بين المتخاصمين، سواء كان بين فردين أو عشيرتين أو قبيلتين..

هذا، وقد اتضح لنا من خلال قراءة هذا البحث أن دائرة العفو والصفح والسلام والأخوة والإنسانية في الشريعة الإسلامية هي أوسع وأكبر بكثير مقارنة بالقانون الوضعي.

أسأل العلي القدير أن يوفق الأخ الباحث الأستاذ دحام، ويجزيه خير الجزاء على هذا البحث المهم، الذي بذل فيه جهداً علمياً كبيراً في زمنٍ هو بأمس الحاجة إلى مثل هذه المواضيع التي تعالج مشاكل المجتمع، وتضع حداً للنزاعات والخلافات والخصومات والصراعات، إذا وجد المصلحين يترجمون مثل هذه البحوث إلى واقع عملي. ومن الله التوفيق.

 

                                                                   القاضي المتقاعد

                                                                    د. إبراهيم علي الهسنياني

                                                                 رئيس محكمة جنايات الموصل سابقاً




([1]) سورة النساء، الآية: 128.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق