03‏/04‏/2022

هوامش دريدا الفلسفية ورهانات النص

أ. م. د. سامي محمود إبراهيم الجبوري

 رئيس قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة الموصل 

 يعد (جاك دريدا) من أكثر الفلاسفة إثارة للجدل، وإضافة إلى العديد من المؤلفات والنظريات الفلسفية، يعد (دريدا) رائد التفكيكية.

 كان كاتباً غزير الإنتاج، فقد ألف أربعين كتاباً. وتشمل كتاباته: كتاب (في علم الكتابة)، و(الكتابة والاختلاف)، و(الكلام والظواهر)، و(هوامش الفلسفة)، وغيرها. تناولت أفكاره العديد من العلوم المحورية؛ كالأنطولوجيا، وعلم المعرفة، والعلوم الاجتماعية، وعلم الجمال، والأخلاق، والفن، والهندسة المعمارية، والموسيقى.

ولد (جاك دريدا) عام 1930، من عائلة يهودية في مدينة (بيار) الجزائرية. وحصل على شهادة الماجستير

في الفلسفة، إثرها حصل على منحة للدراسة لمدة عام في (هارفارد). بدأ (دريدا) حياته المهنية مدرساً للغتين الإنكليزية والفرنسية لأطفال الجنود بين عامي 1957و1959، بدل الخدمة الإلزامية. بعدها عيّن أستاذاً للفلسفة في (جامعة السوربون). منح العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات عالمية، كما منح جائزة (تيودور أدورنو) عام 2001م. توفي في أكتوبر عام 2004م.

وقد بدأ (دريدا) نظريته بنقد الفكر البنيوي الذي كان سائداً آنذاك بإنكاره قدرتنا على الوصول بالطرق التقليدية على حل مشكلة الإحالة، أي قدرة اللفظ على إحالتنا إلى شيء ما خارجه، فهو ينكر أن اللغة منزل الوجود، ويعني بذلك القدرة على سد الفجوة ما بين الثقافة التي صنعها الإنسان والطبيعة التي صنعها الله تعالى. وما جهود فلاسفة الغرب جميعاً، الذين حاولوا إرساء مذاهب على بعض الحقائق البدهية الموجودة خارج اللغة، إلا محاولات بائسة. وقد وصف (دريدا) مواصلة هذا الطريق بأنها عبث لا طائل من ورائه.

فالتفكيكية هي آلة نقدية ووسيلة منهجية تنكر قدرة اللغة على أن تحيلنا إلى شيء، أو إلى ظاهرة، إحالة موثوقاً بها .

وأهم مميزات المنهج التفكيكي هي تمكين الباحث من الاندماج والتعمق في النص. كما يساعد في النظر على البحث عن إجابات لأسئلة القارئ، وإظهار المضامين والمعاني والمقاصد الغائبة.

وتعد مقولة الاختلاف إحدى المرتكزات الأساسية للمنهجية التفكيكية، واستناداً لكشف الدلالة المعجمية، التي تتألف من فعل أو مصدر يدل على عدم التشابه والمغايرة والاختلاف في الشكل، وتعني التشتت والغياب. فـ(دريدا) يرى أن الخطاب الأدبي يكون تياراً غير متناه من الدلالات وتوالد المعاني، لا تعرف الاستقرار والثبات، فإنها تبقى مؤجلة ضمن نظام (الاخ ت لاف).

إن القراءة التفكيكية ليست هي التي تقول ما أراد القول قوله، بل تقول ما لم يقله القول. فالقراءة - بهذا المعنى - تتيح تجدد القول، أي قراءة ما لم يقرأ ، وهذا معنى قول التفكيكيين إن النص ينطوي على فراغات، لأن النص في حقيقته كون من المتاهات، وهكذا يبنى النص على الغياب والنسيان.. هو غياب الجسد والدال، والحجب هناك يلجأ إليه المؤلف عمداً، لسبب من الأسباب، ولكنه – أيضاً – حجب يتم دون قصد المؤلف، بسبب مضامين آيديولوجية تتسـرب إلى النص، ويقتصـر تأثيرها على تغليف الحقيقة بقشـرة خارجية.

وبهذا، فالتفكيكية تأخذ على عاتقها قراءة مزدوجة، فهي تصف الطرق التي تضع بواسطتها المقولات التي تقوم عليها أفكار النص المحلل، تضعها موضع تساؤل، وتستخدم نظام الأفكار التي يسعى النص في نطاقها بالاختلافات وبقية المركبات، لتضع اتساق ذلك النظام موضع التساؤل.

إلى هذا الحد نصل إلى أن التفكيكية منهاج نقدي وأدبي ومذهب فلسفي معاصر، ينحو إلى القول باستحالة الوصول إلى فهم متكامل، أو على الأقل متماسك للنص، أيّاً كان. فعملية القراءة والتفسير هي عملية اصطناعية محضة، يؤديها ويقوم بها القارئ الذي يقوم بالتفسير، وبناءً على ذلك يستحيل وجود رسالة واحدة.

ورغم هذه الخصائص التي تتصف بها النظرية، فإن (دريدا) يصـر على عدم ارتباط مشـروعه بالعدمية، بل يرى أن قراءته التفكيكية قراءة مزدوجة تسعى إلى دراسة النص دراسة تقليدية لإثبات معانيه الصريحة، ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من معان في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصـرح به، أي أنها تهدف إلى إيجاد شـرخ بين ما يصـرح به النص وما يخفيه. وبهذا تقلب القراءة التفكيكية كل ما كان سائداً في الفلسفة الماورائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق