02‏/10‏/2019

القرن الحادي والعشرون عصر الموتى المشاة..!! قراءة في مسلسل الموتى السائرون الدرامي

د. عبد اللطيف ياسين
بين فينة وأخرى تفاجئ السينما الأمريكية العالم بأبطال ونجوم تكتسح الساحة، وتصادم البنية الفكرية والاجتماعية، وتهزّ أركان العقل بصدمات لا عقلانية وفوضوية، تعبّر عن حقيقة ما يعانية الفكر الغربي من الازدواجية و الديماغوجية والاستهتار بعقول الشعوب، ومن ضمنها شعوبهم، حيث أضحت الشعوب ألعوبة وأضحوكة بأيدي الإعلام العالمي، يوجهها كيف يشاء، والذي يتحكّم في عقولها، وهو قادر على إغضابهم وإضحاكهم وإحزانهم وافراحهم، وهو المسؤول عن تحديد نوع اللباس والتصميم والتسريحة وأسلوب المحادثة والأكل، ولا نبالغ إذا قلنا إن الأمزجة باتت أسيرة الإعلام العالمي، وأضحى التلاعب بالعقول هو الشغل الشاغل والهدف الرئيس من قبل الإعلام العالمي، حيث تتمّ صياغة العقل الفرد على ستايل وتصميم موحّد؛ من حيث الأمزجة والمأكولات والمشـروبات والملبوسات وديزاين الغرف، فالإعلام هو الذي يرسم في أذهاننا ما نشتهيه، وما نبغيه، وما نطلبه.

والذي نحن بصدده اليوم هو عرض مسلسل الموتى السائرون "(بالإنجليزية: The Walking Dead) مسلسل رعب ودراما تلفزيوني أمريكي، طَوّرهُ فرانك دارابونت، وهو مبني على سلسلة القصص المصورة بنفس العنوان التي أعدّها روبرت كيركمان، توني مور، وتشارلي أدلارد. لعب الممثل البريطاني أندرو لينكولن دور بطل المسلسل، في شخصية نائب المأمور ريك غرايمز، الذي يستيقظ من غيبوبة ليرى العالم مُدّمراً من حوله، والموتى السائرون يجوبون الشوارع. يلتقي ريك بعائلته التي هربت من المدينة مع مجموعة من الناجين، ويصبح ريك قائد المجموعة. تكافح المجموعة من أجل البقاء على قيد الحياة، وللتكيّف في العالم المروّع، الذي امتلأت شوارعه بالموتى السائرين، ووجود الجماعات المعادية التي غالباً ما تكون أخطر من الموتى السائرين أنفسهم"([1]).
وكما هو معلوم، تجسيد مشي الأموات له تاريخ طويل في الأدب الغربي، فأفلام ما يشار إليه بـ(الزومبي)، تشكّل حيّزاً كبيراً في الأدب الغربي والسينما الغربية، الزومبي أو الكسالى (بالإنجليزية: Zombie)، هو الجثة المتحرّكة التي أثارتها وسائل سحرية مثل السحر، وغالباً ما يطبّق هذا المصطلح المجازي لوصف شخص منوّم مجرّد من الوعي الذاتي، منذ أواخر القرن 19. وقد اكتسبت شخصية الزومبي شعبية ملحوظة، خاصة في أمريكا الشمالية والفولكلور الأوروبي..
 وفي العصـر الحديث تمّ تطبيق مصطلح (الزومبي) على الموتى الأحياء في أفلام الخيال المرعب. وتم تصوير فيلم يمثلهم سنة 1968 م، من إخراج جورج روميرو، وأسماه ليلة الحي الميت.
وقد ظهرت شخصية الزومبي في الكثير من الأفلام والقصص وألعاب الفيديو والرسوم الهزلية والبرامج التلفزيونية. الزومبي واجهة بانتظام في الرعب والخيال تحت عنوان الخيال والترفيه، ونرى آثار هذا التأثير على المجتمع الغربي في الحفلات والمناسبات، حيث ينتحلون شخصية الزومبي.
وهناك من يرون أن استخدام كلمة زومبي هو للإشارة إلى الموتى الأحياء، أو الجثث المتحرّكة، في أفلام الرعب الأمريكية، والتي تتحرّك بفعل عوامل السحر الأسود، وهو كناية عن شخص خيالي نصف ميّت، ومتحرّك، يقوم ببث الرعب في أرجاء المكان، وقد ينقل الأمراض أو يسبّب القتل. وقد ظهر الزومبي لأوّل مرّة في فيلم (ليلة الحي الميت)، الذي أُنتج عام 1968. وتلته المئات من أفلام الرعب والخيال العلمي، التي تتّخذ من الزومبي ثيمةً لها. بالإضافة لظهورها في عدد من الألعاب، كان آخرها في لعبة الببجي. كما أن مصطلح الزومبي موجود في الثقافة الهاييتية وديانة الفودو، حيث تشير إلى موتى أُعيد إحياءهم، من خلال عملية استحضار الأرواح.
لكن هل فكّرت يوماً من أين أتى هذا الاسم؟
عندما اقتنع الرجل الأبيض بأن له رسالة، وعليه حملها وإيصالها إلى الشعوب الأخرى، وخاصة القارة السمراء، تفشّت ثقافة التجارة بالسود تحت اسم تجارة العبيد، وهي تسمية أنكر إطلاقها، وإنما الاسم الحق هو التجارة بالأرواح النقية. وأصبحت هذه التجارة أحد أهم عناصـر الاقتصاد في أوروبا والأمريكيتين، وانتشر ما سمّي بحملات صيد العبيد في أفريقيا، وتمّت صفقات تجارية بين وكلاء أفارقة وتجار أوروبيين..
(جانجا زومبي) هو قائد أفريقي مسلم، أسّس دولة إسلامية في البرازيل، وكان له دور كبير في حركة نضال العبيد نحو التحرّر. تبدأ حكاية القائد (جينجا زومبي) مع بداية الاستعمار البرتغالي للبرازيل، والحاجة لأيدٍ عاملة لبناء المستعمرة الجديدة، فتوجهوا لشواطئ أفريقيا، مثل غيرهم من الدول الأوروبية، لجلب ما هم سمّوه بالرقيق، واستعبادهم للعمل في المستعمرات.
كانت أفريقيا هي المنبع الذي يستمد منه الغرب العبيد لبناء مستعمراتهم، نظراً لكونها أكبر مستعمرات أوروبا. وقد وصل عدد الأفارقة المستعبدين، الذين تم نقلهم إلى أوروبا أو أمريكا اللاتينية، إلى عدّة ملايين. وفي البرازيل وصل عدد الرقيق الذين تمّ جلبهم في فترة الاستعمار البرتغالي إلى نصف مليون إفريقي، وفي أمريكا اللاتينية عموماً وصلت أعدادهم إلى ثلاثة عشرة مليوناً. وإن كان هناك بعض المؤرخين يقدّرون العدد بأكثر من ذلك بكثير. ولقد منع هؤلاء العبيد من ممارسة شعائرهم الدينية، وأجبر بعضهم على التنصـّر. وتؤكّد أغلب الوثائق التاريخية المحفوظة في متاحف البرازيل، أن معظم الأفارقة الذين جيء بهم كعبيد هم من المسلمين، وقد كانوا يقرأون القرآن باللغة العربية. واستمر رجال الدين منهم في تعليمهم مبادئ الدين الإسلامي.
 وقد استخدمت ضد الأفارقة، بسبب تمرّدهم، أو حتى دون سبب، في بعض الأحيان، عقوبات وحشية؛ من قبيل الجلد والحرق والتشويه، بالإضافة للاعتداء الجنسـي. وفي (بالماراس)، إحدى هذه المستوطنات التي بناها الأفارقة، ولد البطل (جانجا زومبي)، وكبر ليحولّها لمملكة تقف في وجه الاستعمار والاستعباد البرتغالي.
ساهم (زومبي) في تنوير مواطنيه بالشريعة الإسلامية الحقة، وشجّع رجال الدين على نشر الوعظ والإرشاد بينهم، وعمل على تذكيرهم بأصولهم الإسلامية. ومن ثم أعلن عن قيام (دولة البرازيل الإسلامية)، وأقام نقاطاً حدودية، وتكلموا لغتهم الخاصة، وتكاثرت ذراريهم وعوائلهم، والذين شكلوا نواة لحركات التحرّر في البرازيل فيما بعد.
قاد زومبي (بالماراس)، وحارب البرتغاليين سنين طويلة، ودعا إلى اتّباع العقيدة الصحيحة. وعاشت (بالماراس) في عهده أزهى أيامها. وتوسّع في عصـره المدّ الإسلامي في البرازيل. فقد ساهم في تنوير مواطنيه بالشـريعة الإسلامية الحقة، وشجّع رجال الدين على نشـر الوعظ والإرشاد بينهم، وعمل على تذكيرهم بأصولهم الإسلامية.
وفي 20 تشرين ثاني من عام 1695، تم القبض على (زومبي)، نتيجة خيانة أحد أتباعه، والذي تم تهديده بالقتل إن لم يبلّغ عن مكان قائده. قتل (جنجا زومبي) بعد أن اعتقل، وقطع رأسه، وأعضاؤه التناسلية، كما تمّ التمثيل بجثته، ومن ثم تمّ عرضها في المدن الكبرى، لتخويف كل من تسوّل له نفسه بالثورة على المستعمر([2]).
والمسلسل يتضمن حلقات كثيرة، ولا تزال مستمرة إلى الآن.
رسالة المسلسل:
1-         هي تعبير عن تجسيد العالم بجسد مستعد للأمراض والأوبئة، وكأنه قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار في كل لحظة.
2-     رغم هول الحدث، وما تعرّض له كوكب الأرض من دمار وخراب وتفشـي الأمراض، إلا أن طمع الإنسان وجشعه يحول بين الاتحاد والتآلف.. الصورة الطاغية على مشاهد هذا المسلسل، هو تصوير حجم التهديد من قبل الأموات السائرة، تجاه الذين لم يصابوا بهذا الوباء، فهم معرّضون في كل لحظة إلى عضّة مفاجئة من قبل هؤلاء الزومبي، ومع هذا نرى تصوير التهديد من قبل الأحياء فيما بينهم أكثر فتكاً وشـراسة من الأموات السائرة.. هذا لأن الاموات السائرة يتّبعون الصوت فقط لأوّل وهلة، ومن ثم تؤثّر عليهم حاسّة الشم، ولكن الأحياء يتمتعون بجميع الحواس، وكل تلك الحواس بقدر دعمها ودافعها إلى الخير تميل إلى الشر أيضاً، فالأموات لا يعرفون الحيل، والميت لا يملك التخطيط، ولا يستطيع استعمال السلاح، ولا يحتاج إلى المناصب..!! فهو متجرّد من كل تلك النوازع والدوافع، بعكس الإنسان الحي، وإنما هو حيوان يتّبع الأصوات في سبيل أكله.   
3-     وكما هو معهود، فإن دائرة الصـراع والحسم مرّة أخرى هي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث المنشأ والإدارة والحسم. وليس هذا بجديد، فجميع الأفلام عندما تصنع الحدث؛ ككارثة طبيعية، أو تفشي مرض موبوء، أو فايروس، أو أي شـيء، تحاول السينما جعل الأراضي الأمريكية هي موطن الحدث والكارثة.. وفي مقالات سابقة أشـرنا إلى عقدة العدوّ في السينما الأمريكية، وتصوير العالم وجميع الأنشطة الإرهابية والإجرامية تفتعل ضد الولايات المتحدة الأمريكية، والمستهدف الوحيد هو بلاد الحرّية والمجتمع الحرّ .
4-     والصبغة الطاغية على هذا المسلسل هو رجوع المجتمع إلى مراحله البدائية، لأن جميع الأنظمة الكهربائية والإدارية والمدنية والأمنية تتفكّك أو تتحطّم أو أصابها الشلل.. ومن جانب آخر، كوسيلة للدفاع عن النفس، أو عن المجموعة، عليك قتل السائرين، وذلك بضرب رأسهم بأي وسيلة كانت، ومن ضمنهم هو قتل الأقرباء والأعزاء (الموتى)، والأطفال (الموتى)، وهي مشاهد تحزن القلب، منها في الجزء الأول عندما يعجز شخص عن ضـرب زوجته المصابة بداء السائرين، وفي الجزء الثاني صاحب المزرعة الذي يخصّص موقعاً خاصاً بإيواء زوجته وأقربائه، ولا ننسى مشهد الطفلة صوفيا وهي تخرج من الحضيرة بعد أن تتوه في الغابة، وقد تحوّلت إلى سائر، ممّا يلزم بإطلاق النار على رأسها . 
5-         والتضحية وإحياء الجانب الإنساني والحب.. يريد المؤلف والمخرج إبراز هذا الجانب أمام الطغيان والأنانية لدى الإنسان. 
6-     وفي اجتماع للمجموعة حول مصير الفتى المصاب، الذي هجم على المجموعة في البار، وأنقذه ريك، وأصبح عبئاً على المجموعة، وتهديداً عليها، خوفاً من رجوعه إلى جماعته العدائية، وجلبهم إلى موطنهم المؤمّن. تبدأ المشاهد بعرض صورة بدائية في محاكمة راندال، والآراء البدائية في غياب المؤسسات في الموسم الثاني الحلقة (11).
7-     والمتابع والمشاهد لصيرورة الأحداث يتعرّض لرجفات وصدمات نفسية تؤثّر على مزاجه وميوله، حيث يعيش المشاهد في أجواء يسودها الرعب والخوف، والمشاهد الموجعة؛ كقطع الرؤوس، والدماء، حيث اللون الأحمر القاتم يسيطر على الأجواء، ويتغذّى السائرون على جثث الموتى، وكلها أمور يستقذرها الإنسان السويّ.
8-   ومن جانب آخر، هذا المسلسل - كغيره من المسلسلات-  تعبير عن هوية الإنسان في القرن الواحد والعشرون، حيث ضياع هوية الإنسان، وهدر كرامته، وسلب إرادته، وتحجيم أحلامه، وتضليل فكره.


[1] -   موسوعة ويكيبيديا بتصرف.
[2] - زومبي.. القائد البرازيلي المسلم الذي شوّهته هوليوود20/2/2019  https://blogs.aljazeera.net/blogs 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق