30‏/12‏/2020

تأملات في سورة الضحى .. (همسات الحنان، ولطائف الود، ولمسات الشفقة)


صالح شيخو الهسنياني

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)

مقدمة:

?سورة خالصة للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها همسات الحنان ولطائف الود، ولمسات الشفقة والقربى، سورة تفتح أبواب الأمل، وتعطي بشارات تطمئن لها النفس، وينشرح لها القلب، وتنسكب منها نسائم الرحمة، وألطاف المحبة، والرعاية الإلهية، وتوثق المودة، وتحبك أواصـرها، وتخترق حواجب الزمان: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، وحواجب المكان، والحالة الاجتماعية: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى . وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى . وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾، وتعيد ذكريات الطفولة، والصبا، والشباب، والكهولة.

  ثم تأتي السورة، في نهايتها، لتعطي دستوراً للتعامل مع صنفين من الناس، كانا منبوذين في المجتمع المكي، وتحث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأتباعه، في كيفية التعامل معهما: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ.

 ثم تختم السورة بــــتوجيه للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

عدد آياتها وكلماتها:

سورة مكية، عدد كلماتها أربعون كلمة، وعدد آياتها إحدى عشرة آية.

ترتيب السورة في المصحف:

(سورة الليل- 92، سورة الضحى- 93، سورة الشرح- 94).

مناسبتها لما قبلها: (سورة  الليل):

مقابلات:

1.             قوله تعالى في سورة (الضحى): ﴿وَالضُّحى﴾، يقابله في سورة (الليل) قوله تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى.

2.             قوله تعالى في سورة (الضحى): ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجى﴾، يقابله في سورة (الليل) قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى.

3.             قوله تعالى في سورة (الضحى): ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾، يقابله في سورة (الليل) قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى.

4.             قوله تعالى في سورة (الضحى): ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، يقابله في سورة (الليل) قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى.

5.             قوله تعالى في سورة (الضحى): ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾، يقابله في سورة (الليل) قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى.

مناسبتها لما بعدها: (سورة  الشرح):

  جعل الله تعالى سورة الضحى في مدح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتفصيل أحواله، فذكر في أولها ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾، ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾، ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، ثم تلاها بثلاثة أحوال من أحواله فيما يتعلق بالدنيا: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى . وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى . وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى([1]).

  ثم ختمت السورة بثلاث توجيهات اجتماعية، وأخلاق نبوية، قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ . وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

 ثم ذكر في سورة ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ أنه شرّفه بثلاثة أشياء: شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر([2]).

مقابلات:

1.             قوله تعالى في سورة الضحى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾، يقابله في سورة الشـرح: ﴿ ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ . الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ.. إذا كان هناك توديع وترك وبغض وهجر، فإن من البديهي أن لا يتبعه انشـراح الصدر، ووضع الحمل الثقيل الذي يكسر الفقرات، حتى يسمع له صوتاً.

2.             قوله تعالى في سورة الضحى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، يقابله في سورة الشـرح: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾.. من العطاءات الإلهية: رفع الذكر في الدنيا والآخرة.

3.             قوله تعالى في سورة الضحى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾، يقابله في سورة الشـرح: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْـرِ يُسْـرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْـرِ يُسْـرًا﴾.

4.             قوله تعالى في سورة الضحى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، يقابله في سورة الشـرح: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾.

ترتيب النزول:

(سورة الفجر- 10، سورة الضحى- 11، سورة الشرح- 12)

مناسبتها لما قبلها: (سورة  الفجر):

مقابلات:

1.             قوله تعالى في سورة الفجر: ﴿ وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْـرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْـرِ﴾، يقابله في سورة الضحى: ﴿ وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾.

2.             قوله تعالى في سورة الفجر: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾، يقابله في سورة الضحى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾.

3.             قوله تعالى في سورة الفجر: ﴿وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾، يقابله في سورة الضحى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾.

4.             قوله تعالى في سورة الفجر: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾، يقابله في سورة الضحى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

مناسبة نزول السورة:  

   عن جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ (رضي الله عنه)، قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مَنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَالضُّحى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى([3]).

   عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبًا البَجَلِيَّ، قَالَتْ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَكَ، فَنَزَلَتْ: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى([4]).

أغراض السورة([5]):

1.             القسم بزمنين مختلفين في اليوم ﴿وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى.

2.             علاج لحالة الشوق التي كان يمر بها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

3.             تطمين قلب الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن الله تعالى سوف يرضيه.

4.             علاج بعض الأمراض الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع المكي.

5.             بيان الرعاية والتأييد الإلهي للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مراحل عمره المختلفة.

6.             ظهور أمر هذا الدين، وانتشاره، في حياة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن ثم على يد صحابته، وأتباعه من بعده.

7.             إبطال قول المشـركين إذ زعموا أن ما يأتي من الوحي للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد انقطع عنه.

8.             وزاده بشارة بأن الآخرة خير له من الأولى، على معنيين في الآخرة والأولى. وأن ربّه سيعطيه ما فيه رضاه. وذلك يغيظ المشـركين.

9.             ثم ذكّره الله بما حفّه به من ألطافه وعنايته في صباه، وفي فتوته، وفي وقت اكتهاله، وأمره بالشكر على تلك النعم بما يناسبها؛ من نفع لعبيده، وثناء على الله بما هو أهله.

10.                 لا نهر لليتيم، ولا كسـر لخاطره، ولا ترك لمرارة اليتم تنعقد في فمه.. وإن أولى الناس برعاية اليتيم، وجبر خاطره، من عرف اليتم، ثم كفله الله..

11.                 وإنه لا نهر - أي لا زجر - للسائل، وهو من يقف موقف من يسأل ما هو محتاج إليه؛ من طعام يسد به جوعه، أو علم يغذي به عقله، أو هدى يعرف به طريق الخلاص لروحه.. فإن السائل ضعيف أمام المسؤول، ومن حقّه على القوي أن يتلطف معه، ويرفق به.. إنه أشبه بالضالّ الذي لا يعرف الطريق، والمسؤول هو موضع أمله، ومعقد رجائه، في أن يخرجه من هذا الضلال، وأن يقيمه على الطريق المستقيم.. وأولى الناس بهذا من عرف الحيرة، ونشد وجه الهداية، فأصابها وقدرها قدرها..

12.              يقول سيد قطب: "هذه السورة بموضوعها، وتعبيرها، ومشاهدها، وظلالها، وإيقاعها، لمسة من حنان، ونسمة من رحمة، وطائف من ود، ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع، وتنسم بالروح والرضى والأمل، وتسكب البرد والطمأنينة واليقين. إنها كلها خالصة للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كلها نجاء له من ربه، وتسـرية وتسلية وترويح وتطمين. كلها أنسام من الرحمة، وأنداء من الود، وألطاف من القربى، وهدهدة للروح المتعب، والخاطر المقلق، والقلب الموجوع".

13.              يوجه الله تعالى المسلمين لأدب الكلام، ويعلمنا كيف نخاطب الذين نجلهم ونحترمهم.

التأملات

قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى﴾، قيل في (الضحى):

1.             انبساط الشمس، وامتداد النهار، وسمي الوقت به([6]).

2.            هو وقت ارتفاع الشمس بعد الشروق([7]). 

3.             عن قتادة: ﴿وَالضُّحَى ساعة من ساعات النهار([8]).

4.             وقيل: هو صدر النهار حتى ترتفع الشمس، وتلقي شعاعها.

5.             وقيل: إنما خص وقت الضحى بالقسم، لأنها الساعة التي كلّم فيها موسى عليه السلام، وألقي فيها السحرة سجداً، لقوله: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى. وقيل: أريد بالضحى: النهار([9]).

6.             سطوع الضوء، وعظمه([10]).

7.             ضوء النهار.

8.             أول ساعة من النهار إذا ترحّلت الشمس.

9.             الضحى هو النهار كله، بدليل أنه جعله في مقابلة الليل كله([11]).

10.         ساعة من ساعات أهل الدنيا، وهم مشغولون بدنياهم، فيقوم الأوابون بدعوة ربهم في وقت غفلة أهل الدنيا.

11.         هو الوقت المعلوم من النهار، أقسم الله به، لأنه من الأوقات المباركة، وفيه صلاة مسنونة، وفيه كلّم الله موسى، وفيه سجد سحرة فرعون لله، حينما ظهرت لهم آية العصا، اعترافاً بأنها معجزة([12]).

12.         قال البقاعي: "ذكر ما هو أشـرف النهار وألطفه، وهو زهرته، وأضوأه، وهو صدره، وذلك وقت ارتفاع الشمس، لأن المقسم لأجله أشـرف الخلائق، وذلك يدل على أنه يبلغ من الشـرف ما لا يبلغه أحد من الخلق"([13]).

13.         وقال الآلوسي: " وتخصيصه بالإقسام به، لأنه شباب النهار، وقوله فيه قوة غير قريبة من ضدها. ولذا عد شـرفاً يومياً للشمس، وسعداً، ولأنه على ما قالوا الساعة التي كلم الله تعالى فيها موسى عليه السلام، وألقي فيه السحرة سجداً، لقوله تعالى: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه: 59] ففيه مناسبة للمقسم عليه، وهو أنه تعالى لم يترك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يفارقه إلطافه تعالى، وتكليمه سبحانه"([14]).

قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى:

1.             قال بعضهم: معناه: والليل إذا أقبل بظلامه.

2.             أي سكن أهله، أو ركد ظلامه وإلباسه وسواده، واعتدل، فخلص، فغطى بظلامه كل شيء. والمتسجي: المتغطي، ومع تغطيته سكنت ريحه، فكان في غاية الحسن([15]).

3.             عن مجاهد ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى قال: إذا استوى.

4.             عن قتادة ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى سكن بالخلق.

-             أي إذا أظلم وركد في طولِه، كما يقال: بحرٌ ساجٍ، وليلٌ ساجٍ، إذا ركد وأظلم. ومعنى ركد سكن([16]).

-             غشى بظلامه وستر، وذلك عند تناهي ظلامه وركوده، ومن قولهم: رأيت فلاناً متسجّياً بثوبه.

-             وقيل: سكن، من قولهم: طرف ساج([17]).

-             فهي بمعنى سكن، أو اشتد ظلامه، أو غطى، مثل تسجية الميت([18]).

-             أي سكن. والليل لا يسكن، وإنما تسكن حركات الناس فيه، فأجرى سبحانه صفة السكون عليه، لمــــــّـا كان السكون واقعاً فيه([19]).

-             دام: يقال: سجا طبعه على كذا([20]).

-             أي: سكن، وهذا إشارة إلى ما قيل: هدأت الأرجل، وعين ساجية: فاترة الطرف، وسجى البحر سجواً: سكنت أمواجه([21]).

-             وقيل معناه: سكون الناس والأصوات فيه([22]).

-             وقال بعض المفسرين: سَجى معناه أقبل، وقال آخرون: معناه أدبر([23]).

-             سجى الليل تغطيته النهار([24]).

-             وقيل: سكونه استقرار ظلامه واستواؤه([25]).

-             الليل من أوقات الغفلة، لأن اللاهون مشغولون بفسقهم، فكان تذكير الله تعالى في وقت الغفلة من أعظم العبادات.

5.             قال الطبري: وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي في ذلك قول من قال معناه: والليل إذا سكن بأهله، وثبت بظلامه([26]).

قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى:

1.            عن ابن عباس، قال: ما تركك ربك، وما أبغضك([27]).

2.             أي ما تركك منذ اختارك، ولا أبغضك منذ أحبّك([28]).

3.             أي ما تركك تركاً يحصل به فرقة كفرقة المودع، ولو على أحسن الوجوه، الذي هو مراد المودع ﴿رَبُّكَ أي الذي أحسن إليك بإيجادك أولاً، وجعلك أكمل الخلق ثانياً، وربّاك أحسن تربية ثالثاً، كما أنه لا يمكن توديع الليل للنهار، بل الضحى للنهار الذي هو أشد ضيائه، ولا يمكن توديع الضحى للنهار، ولا الليل وقت سجوه له([29]).

4.             وودع من التوديع، وهو في الأصل من الدعة، وهو أن تدعو للمسافر بأن يدفع الله تعالى عنه كآبة السفر، وأن يبلغه الدعة وخفض العيش، كما أن التسليم دعاء له بالسلامة. ثم صار متعارفاً في تشييع المسافر وتركه، ثم استعمل في الترك مطلقاً، وفسـر به هنا، أي ما تركك ربك([30]).

5.             ما تركك ربك منذ اختارك نبياً لخلقه، واصطفاك حبيباً لنفسه، كما رعاك بعنايته في الأزل، وفي عالم الذر، وحينما كنت نطفة في المستقر والمستودع.

6.             والتوديع مبالغة في الوداع، لأن من ودعك فقد بالغ في تركك. وما أبغضك منذ أحبك واجتباك. ولذلك قال ما ودعك، لأن الوداع إنما يكون بين الأحباب، ومن تعزّ مفارقته. أما الترك، فلا يختص بالمحبين([31]).

يقول الأستاذ الإمام محمد عبده: "وليس في نسق السورة ما يشير إلى أن المشـركين، أو غيرهم، بغرض من الخطاب.. ومن أين كان للمشركين أن يعلموا فترة الوحي، فيقولوا أو يطعنوا، ولكن ذلك كان شوق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى مثل ما رأى وما فهم عن الله، وما ذاق من حلاوة الاتصال بوحيه.. وكل شوق يصحبه قلق، وكل قلق يشوبه خوف"([32]).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (يَا جِبْرِيلُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا)، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا [مريم: 64] إِلَى آخِرِ الآيَةِ([33]).

قوله تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾:

1.             الآخرة خير لك من الأولى، لأن في الدنيا الكفار يطعنون فيك، أما في الآخرة فاجعل أمتك شهداء على الأمم، وأجعلك شهيداً على الأنبياء، ثم أجعل ذاتي شهيداً لك، كما قال: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا . مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح: 28- 29].

2.             خيرات الدنيا قليلة مشوبة منقطعة، ولذّات الآخرة كثيرة خالصة دائمة([34]). 

3.             الآخرة، خاتمة أمر النبي مع النبوة، والأولى، مبدأ أمره معها..

4.             أي أن آخرة أمر النبي مع رسالته، خير من أولها.. فإذا بدأت رسالته بهذا العناء المتصل، الذي واجهه من عناد قومه، ومن تأتيهم عليه، وتكذيبهم له، وملاحقته هو والمؤمنون معه بالأذى والضـر، وبالحرب والقتال- فإن خاتمة هذه الرسالة ستكون نصـراً مؤزّراً له، وفتحاً عظيماً للدعوة، وخزياً وإذلالاً للضالين المعاندين([35])..

5.             الآخرة في سورة الضحى جاءت مقابل الأولى، ولم تأت مقابل الدنيا، فلم يقل وللآخرة خير لك من الدنيا. ومعنى الآية أن ما يأتي خير لك أيها الرسول مما مضـى؛ أي من الآن فصاعداً فيما يستقبل من عمرك هو خير لك من الأولى، وأكّد ذلك باللام في كلمة وللآخرة. وقد حصل هذا بالفعل، فكل ما استقبل من حياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان خيراً له مما حصل.

فلماذا لم يقل خير لك من الدنيا؟

لأنه لو قالها لما صحّت إلا في الآخرة، فكأنما حصـر الخير في الآخرة فقط، ونفى حصول الخير فيما يستقبل من حياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -([36]).

قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى:

1.             قيل: من النصر، والتمكن، وكثرة المؤمنين، فَتَرْضى([37]).

2.             عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: (اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي)، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟) فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: (يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ)([38]).

3.             فإن قلت: ما معنى الجمع بين حرفي التوكيد والتأخير؟ قلت: معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر، لما في التأخير من المصلحة([39]).

4.             وعن الحسن: هو الشفاعة في أمته حتى يرضى([40]). 

5.             ليدخر لك ما يرضيك من التوفيق في دعوتك، وإزاحة العقبات من طريقك، وغلبة منهجك، وظهور حقك.. وهي الأمور التي كانت تشغل باله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يواجه العناد والتكذيب والأذى والكيد.. والشماتة([41]).

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى:

1.             من أقوال العرب: درة يتيمة، إذا لم يكن لها مثل. فمجاز الآية: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً﴾، أي: واحداً في شرفك، وفضلك، لا نظير لك، فآواك إليه([42]).

2.             قيل: جعل لك مأوى إذ ضَمَّك إلى عمك أبي طالب، فكفاك المؤونة. وقيل: جعل لك مأوى لنفسك أغناك به عن كفالة أبي طالب([43]).

3.             والإيواء: مصدر أوى إلى البيت، إذا رجع إليه. فالإيواء: الإرجاع إلى المسكن، وقد أطلق الإيواء على الكفالة، وكفاية الحاجة، مجازاً أو استعارة. فالمعنى: أنشأك على كمال الإدراك والاستقامة، وكنت على تربية كاملة، مع أن شأن الأيتام أن ينشأوا على نقائص، لأنهم لا يجدون من يعنى بتهذيبهم، وتعهد أحوالهم الخلقية. فكان تكوين نفسه الزكية على الكمال خيراً من تربية الأبوين([44]). 

4.             آواه بحليمة، ثم بجده، ثم بعمه، ثم بخديجة، ثم من آمن به من الصحابة والمهاجرين والأنصار، وبقية الأوس والخزرج، وهكذا آواه ونصـره حتى وفاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

اليتيم في القرآن الكريم: 

 تعرضت الآيات في القرآن الكريم له في اثنين وعشـرين آية([45])، ذُكِرت فيها كلمة (يتيم) بالإفراد ثماني مرات، وبالتثنية مرة واحدة، وبالجمع (يتامى) أربع عشـرة مرة. ومن تدبر هذه الآيات وجدها مقسمة إلى أقسام ثلاثة:

القسم الأول منها تعرض إلى بيان الإحسان إليه، والوصية به، في شريعتنا والشـرائع السابقة.

والقسم الثاني: تعرض إلى بيان حقوقه النفسية والاجتماعية.

والقسم الثالث: اعتنى ببيان حقوقه المالية([46]). 

قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾:

1.             وجدك على غير الذي أنت عليه اليوم. وقيل: عُنِيَ بذلك: ووجدك في قوم ضلال، فهداك([47]).

2.             وجدك في قوم ضلال، فهداك إلى التوحيد، والنبوة، وقيل: فهداهم بك.

3.             ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا عن معالم النبوة، وأحكام الشريعة، غافلاً عنها، فهداك إليها.

4.             وقيل: ﴿ضَالًّا في شعاب مكّة، فهداك الى جدّك عبد المطلب، وردّك إليه.

5.             عن ابن عباس قال: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضل، وهو صبي صغير في شعاب مكّة، فرآه أبو جهل، منصرفاً من أغنامه، فردّه إلى جدّه عبد المطلب، فمنّ الله سبحانه عليه بذلك، حين ردّه إلى جدّه على يدي عدوّه.

6.             قال: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى، أي وحيداً ليس معك نبي غيرك، فهديت بك الخلق إليّ([48]). 

7.             العرب تسمي الشجرة الفريدة في الفلاة ضالة، كأنه تعالى يقول: كانت تلك البلاد كالمفازة ليس فيها شجرة تحمل ثمر الإيمان بالله ومعرفته إلا أنت، فأنت شجرة فريدة في مفازة الجهل، فوجدتك ضالاً، فهديت بك الخلق([49]).

8.             وقيل: أضلته حليمة عند باب مكة حين فطمته، وجاءت به لتردّه على عبد المطلب. وقيل: ضل في طريق الشام، حين خرج به أبو طالب. فهداك: فعرفك القرآن والشرائع([50]).

9.             وقيل: ضالاً عن معالم النبوة، وأحكام الشريعة، فهداك إليها.

10.             وقيل: وجدك نِسْيَاً، فهداك إلى الذِّكْر.

11.             وقيل: وجدك خاملاً لا تُذْكَر ولا تُعْرَف، فهدى الناس إليك حتى عرفوك.

12.    وقيل: أنه لما خرج مع (ميسرة)، غلام خديجة، أخذ إبليس بزمام ناقته، فعدل به عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى (الحبشة)، وردّه إلى القافلة، فمنَّ الله عليه بذلك([51]).

13.             ووجدك ضالاً عن معرفة الله تعالى حين كنت طفلاً صبياً.

14.             كنت ضالاً عن النبوة، ما كنت تطمع في ذلك، ولا خطر شيء من ذلك في قلبك، فإن اليهود والنصارى كانوا يزعمون أن النبوة في بني إسرائيل، فهديتك إلى النبوة التي ما كنت تطمع فيها البتة.

15.                الضلال بمعنى المحبة، كما في قوله: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ [يوسف: 95] أي محبتك. ومعناه أنك محب، فهديتك إلى الشـرائع التي بها تتقرب إلى خدمة محبوبك.

16.                ضالاً عن أمور الدنيا، لا تعرف التجارة ونحوها، ثم هديتك حتى ربحت تجارتك، وعظم ربحك حتى رغبت خديجة فيك. والمعنى أنه ما كان لك وقوف على الدنيا، وما كنت تعرف سوى الدين، فهديتك إلى مصالح الدنيا بعد ذلك.

17.             ووجدك ضالاً أي ضائعاً في قومك، كانوا يؤذونك، ولا يرضون بك رعية، فقوى أمرك وهداك إلى أن صرت آمراً والياً عليهم.

18.                كنت ضالاً ما كنت تهتدي على طريق السموات، فهديتك إذ عرجت بك إلى السموات ليلة المعراج([52]).

19.             وقيل: وجدك ضالاً عن معرفة الشـريعة، فهداك إليها، فالضلال عبارة عن التوقيف [السؤال] في أمر الدين حتى جاءه الحق من عند الله([53]).

20.                يقول ابن عاشور: "والضلال: عدم الاهتداء إلى الطريق الموصل إلى مكان مقصود، سواء سلك السائر طريقاً آخر يبلغ إلى غير المقصود، أم وقف حائراً لا يعرف أي طريق يسلك. وهو المقصود هنا، لأن المعنى: أنك كنت في حيرة من حال أهل الشـرك من قومك، فأراكه الله غير محمود، وكرّهه إليك، ولا تدري ماذا تتبع من الحق، فإن الله لما أنشأ رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما أراد من إعداده لتلقي الرسالة في الإبان، ألهمه أن ما عليه قومه من الشرك خطأ، وألقى في نفسه طلب الوصول إلى الحق، ليتهيأ بذلك لقبول الرسالة عن الله تعالى. وليس المراد بالضلال هنا اتباع الباطل"([54]).

21.                يقول سيد: "والهداية من حيرة العقيدة، وضلال الشعاب فيها، هي المنة الكبرى، التي لا تعدلها منة، وهي الراحة والطمأنينة من القلق، الذي لا يعدله قلق، ومن التعب الذي لا يعدله تعب، ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعانيه في هذه الفترة، من انقطاع الوحي، وشماتة المشـركين، ووحشة الحبيب من الحبيب. فجاءت هذه تذكّره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه، وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه! وبمناسبة ما ذكره ربه بإيوائه من اليتم، وهدايته من الحيرة، وإغنائه من العيلة.. يوجهه، ويوجه المسلمين من ورائه، إلى رعاية كل يتيم، وإلى كفاية كل سائل، وإلى التحدث بنعمة الله الكبرى عليه، وفي أولها: الهداية إلى هذا الدين"([55]).

22.             يقول دروزة: "وهذا يجعلنا نقول إن هذا الدور الذي قضاه منذ شبابه إلى اكتمال نضجه ونزول الوحي عليه، كان دور استعداد وتأهل روحي، وهو الدور الذي يمكن أن يطلق عليه دور الحيرة، والذي عنته الآية الكريمة: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى﴾، فيما يتبادر لنا، مما يجعلنا نعتقد أن كلمة ﴿ضَالًّا لم تعن السير في سبيل الضلالة والشـرك والتقاليد الجاهلية والوثنية التي كان عليها العرب، وأن كلمة فَهَدى لم تعن أن الله أخرجه من هذا النطاق، بعد أن ارتكس فيه، وإنما عنت الأولى ما كان في نفسه من حيرة وتململ وتوقان إلى ساحل اليقين، كما عنت الأخرى ما كان من اليقين الذي وصل إليه، فاطمأنت به نفسه"([56]).

الضلال في القرآن الكريم([57]):

1.             الضلال بمعنى الهلاك:

قال تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ[السجدة: 10]. أي: هلكنا وصـرنا تراباً، كناية عن الموت، واستحالة البدن.

2.             الضلال بمعنى الجهل:

قال تعالى: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ. قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ[الشعراء: 19-20].

3.             الضلال بمعنى النسيان:

قال تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى[البقرة: 282].

4.             الضلال بمعنى الإغواء:

قال تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْالنساء: 119].

5.             الضلال بمعنى الخسران:

    قال تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [يوسف: 30].

6.             الضلال بمعنى الخطأ:

قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 44].

7.             الضلال بمعنى الاستزلال في الحكم:

قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[ص: 26].

8.             الضلال بمعنى الإبطال:

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 1].

9.             الضلال بمعنى الشقاء الطويل:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ[محمد: 7].

10.          الضلال بمعنى ضاع:

قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا[الكهف: 103-104].

11.          الضلال بمعنى عدم الهداية:

قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[النساء: 60].

12.          الضلال بمعنى السهو:

قال تعالى: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء: 20]. تنبيه أن ذلك منه سهو.

13.          الضلال بمعنى غاب:

قال تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ[الانعام: 24].

14.          الضلال بمعنى الطلب والتحير:

 قال القرطبي: "ويكون الضلال بمعنى الطلب، لأن الضال طالب. وقيل: ووجدك متحيراً عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحير، لأن الضال متحير. وقيل: ووجدك ضائعاً في قومك، فهداك إليه، ويكون الضلال بمعنى الضياع. وقيل: ووجدك محباً للهداية، فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة"([58]).

تعريف الضلال:

  الضلال: العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده الهداية، قال تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15]، ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج، عمداً كان أو سهواً، يسيراً كان أو كثيراً([59]).

وقيل: الضلال فقد ما يوصل إلى المطلوب، وقيل: سلوك طريق لا يوصل إلى المطلوب([60]).

قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى: 

1.             أصل العائل: الإنسان الذي له عائلة لا يستطيع الإنفاق عليها، ثم أطلق هذا اللفظ على الإنسان الفقير، حتى ولو لم تكن له عائلة أو أسـرة. والفقر يسمى عيلة([61]).

2.             قيل: فقيراً عديماً، فأغناك بمال خديجة، ثم بالغنائم.

3.             وقال مقاتل: أرضاك بما أعطاك من الرزق.

4.             وقيل: فقيراً إليه، فأغناك به.

5.             وقيل: غنياً بالمعرفة، فقيراً عن أحكامها، فأغناك بأحكام المعرفة، حتى تم لك الغنى.

6.             وقيل: لم يكن معك كتاب ولا شـريعة، فأغناك بهما([62]).

7.             وقيل: أغناك بالقناعة فصرت بحال يستوي عندك الحجر والذهب، لا تجد في قلبك سوى ربك.

8.             كنت عائلاً عن البراهين والحجج، فأنزل الله عليك القرآن، وعلمك ما لم تكن تعلم، فأغناك([63]).

9.             ذا عيال، فقير، ليس لك شيء ﴿فَأَغْنى﴾، فيسر لك ما أغناك به عن الناس، ولم يحجك إلى أحد من خلقه، إذ أرضاك بما أعطاك من القناعة التي وقرت في صدرك. وما قيل: أغناه بمال خديجة، غير سديد، لأن مال الزوجة لا يستوجب عدّه من قبل الله نعمة، أما كونها وبنيها من عياله، وبهم صار ذا عيال، فنعم. وما قاله بعض المفسرين: بما أفاء عليك من الغنائم، لا صحة له، إذ لا يوجد في مكة غنائم، وإنما كانت الغنائم والحروب في المدينة، وهذه السورة مكية. ولكنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبل منذ كان في مهده، بإلهام من ربّه، على القناعة([64]).

10.                أغناك الله تعالى بفضله وكرمه بنوعين من الغنى:

أما أولهما- وهو الأعظم-: فهو غنى النفس، بأن منحك نفساً عفيفة، قانعة بما أعطاك سبحانه من رزق، حتى ولو كان كفافاً.

وأما ثانيهما: فهو الغنى المادي عن الاحتياج إلى الناس، بما أجراه على يديك من الربح في التجارة، وبما وهبتك زوجك خديجة من مالها، فعشت مستور الحال، غير محتاج إلى من ينفق عليك([65]). 

 قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ:

  لا تذله ولا تظلمه ولا تحقره، ولا تعمل به عملاً يوجب انزعاجه، وهذا لا يتصور من حضـرة الرسول، وإنما نهاه ليتجنب الناس ظلم اليتيم، وذلك لأن قومه كانوا لا يورثون اليتيم، ويغلبونه على ماله، ويهضمون حقه([66]).

قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ مقابل لقوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى لا محالة، أي فكما آواك ربك وحفظك من عوارض النقص المعتاد لليتم، فكن أنت مكرماً للأيتام، رفيقاً بهم، فجمع ذلك في النهي عن قهره([67]).

أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا)، "وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً"([68]).

 ورتب على ذلك الأجر العظيم، حيث يكسب المرء الحسنات العظام بكل شعرة يمسح فيها على رأس ذلك اليتيم، فعن أبي أمامة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى)([69]).

  ولقد ثبت أن هناك العديد من الصحابة والصحابيات كفلوا أيتاماً ويتيمات وضموهم إلى بيوتهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصـر: أبوبكر الصديق، ورافع بن خديج، ونعيم بن هزال، وقدامة بن مظعون، وأبو سعيد الخدري، وأبو محذورة، وأبو طلحة، وعروة بن الزبير، وسعد بن مالك الأنصاري، وأسعد بن زرارة، وعائشة بنت الصديق، وأم سليم، وزينب بنت معاوية (رضي الله عنهم) وغيرهم كثير([70]).

قوله تعالى : ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ:

السائل اختلف المفسرون فيه، فقال بعضهم:

-             هو سائل المال، والمعروف، والصدقة.

-             ومنهم من قال: إنه سائل العلم، والدين، والمعرفة.

-             وقسم قال: إنه مطلق، ويشمل المعنيين، فسواء كان السائل سائل مال وصدقة، أو سائل علم ومعرفة، يجب أن لا ينهر مهما كان سؤاله. لا يصح أن يزجر أو ينهر سائل المال، أو سائل العلم والدين. إذا كان سائل مال أعطيناه، أو رددناه بالحسنى، وسائل العلم علينا أن نجيبه ونعلمه أمور الدين([71]).

قيل: إذا جاءك الطالب للعلم، فلا تنهره([72]).

وقيل: ﴿السَّائِلَ هنا هو السائل عن العلم والدين، وليس بسائل المال.

ومن قال إن ﴿السَّائِلَ هو المحتاج([73]). 

أي: لا تزجره إذا سأل، ولا ترده إذا طلب، ولا تمنعه إذا أراد من فضلك، وابذل إليه مما عندك ولو قليلاً، ولا تردّ وجهه، فيرجع صفر اليدين، وإذا لم تجد ما تعطيه فرده بكلمة طيبة رداً جميلاً من غير تقطيب وجه([74]).

لا يختص السائل بسائل العطاء، بل يشمل كل سائل، فإن فسـّر السائل بسائل معروف، كان مقابل قوله: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى([75]).

قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ:

1.             قيل: النُبُوَّة، وقيل: القرآن. وقيل: إنها عامة في جميع الخيرات([76]). 

2.             قيل: معناه بثّ القرآن، وبلّغ الرسالة، والصحيح أنه عموم جميع النعم([77]).

3.             قال مجاهد وغيره: معناه بث القرآن، وبلغ ما أرسلت به، قال عياض: وهذا الأمر يعم الأمة([78]).

4.             وقال السامرائي: والواقع أن النعمة هنا أيضاً تشمل كل هذه المعاني، فهي نعمة الدين يجب أن يتحدث بها ويبلغ عنها، وهي نعمة الدنيا، والله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عباده، وأن يتحدث الإنسان بنعم الله عليه، وأن يظهرها. والنعمة عامة في الدنيا والدين، وعلى الإنسان أن يحدّث بهذه النعمة([79]).   

5.             أي الذي أحسن إليك بإصلاح جميع ما يهمك من العلم ﴿فَحَدِّثْ أي فاذكر النبوة، وبلغ الرسالة، واذكر جميع نعمه عليك، فإنها نعم على الخلق كافة، ومنها إنقاذك بالهجرة من أيدي الكفرة، وإعزازك بالأنصار، وتحديثك بها شكرها، فإنك مرشد يحتاج الناس إلى الاقتداء بك، ويجب عليهم أن يعرفوا لك ذلك، ويتعرفوا مقدارك، ليؤدوا حقك، فحدثهم أني ما ودعتك، ولا قليتك، ومن قال ذلك فقد خاب وافترى، واشـرح لهم تفاصيل ذلك بما وهبتك من العلم الذي هو أضوأ من ضياء الضحى([80]).

6.            وأراد بالنعمة هنا - والله أعلم - النبوة التي شـرّفه بها، فكل نعمةٍ دونها. فأمره في هذه الآية أن يبلغ ما يوحيه إليه إلى قومه، وأن يتحدث بما فضله الله به. واعلم أنه كما يجب على العبد شكر نعم الخالق، ينبغي له أن يشكر نعمة المخلوق([81]).

7.             وقوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، مقابل قوله: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى.

8.             الإغناء نعمة فأمره الله أن يظهر نعمة الله عليه بالحديث عنها، وإعلان شكرها.

9.                 ليس المراد بنعمة ربك نعمة خاصة، وإنما أريد الجنس، فيفيد عموماً في المقام الخطابي، أي حدث ما أنعم الله به عليك من النعم([82]).

10.                عن بعض السلف أن التحدث بالنعمة تكون للثقة من الإخوان ممن يثق به. قال ابن العربي: إن التحدث بالعمل يكون بإخلاص من النية، عند أهل الثقة، فإنه ربما خرج إلى الرياء، وإساءة الظن بصاحبه([83]).

11.             عن الحسن بن علي: إذا أصبت خيراً، أو عملت خيراً، فحدث به الثقة من إخوانك([84]).

12.             قال الفخر: إلا أن هذا إنما يحسن إذا لم يتضمن رياء، وظن أن غيره يقتدي به([85]).

13.                فحدِّث به نفسك، وندب إلى ذلك ليكون ذِكرها شكراً([86]).

متى تدوم النعمة:

 أولاً: بالشكر:

  قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ [إبراهيم: 7]،أي: آذن وأعلم إعلاماً بليغاً ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ أيّ نعمة، بصـرفها إلى ما خُلقت، كالعقل إلى تصحيح الاعتقاد، واستعمال سائر النّعم بمقتضاه، لأزيدنّكم من النعم([87]).

 وقيل إن في هذه الآية تأويلات، منها:

أحدها: لئن شكرتم إنعامي، لأزيدنكم من فضلي.

الثاني: لئن شكرتم نعمتي، لأزيدنكم من طاعتي.

الثالث: لئن وحدتم وأطعتم، لأزيدنكم.

الرابع: لئن آمنتم لأزيدنكم من نعيم الآخرة إلى نعيم الدنيا. حكي أن داود (عليه السلام)، قال: أي ربّ كيف أشكرك، وشكري لك نعمة مجددة منك عليّ؟ قال: (يا داود الآن شكرتني). وسئل بعض الصالحين على شكر الله تعالى، فقال: (أن لا تتقوى بنعمه على معاصيه)([88]).

والخلاصة أن مَن شكر الله على رزقه، وسّع عليه في رزقه، ومن شكره على ما أقدره عليه من طاعته، زاد في طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه من صحة، زاده الله إلى نحو ذلك من النعم([89]).

ثانياً: بالتحدث بها:

  قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [فاطر: 3]، في هذه الآية الكريمة يوجه سبحانه وتعالى الناس كافة إلى تذكّر نِعم الله الكثيرة التي لا تعد ولا تحصـى، في أنفسنا، ومن حولنا، في الأرض، وفي السماء، وفي كل شيء، فالله يعيد في أذهاننا بهذه الآية إلى النظر والتأمل في موجوداته المسخرة لخدمة الإنسان، فهو يربطنا دوماً وأبداً إلى تذكّر نِعمه، اذكروها بينكم، حدّثوا الناس بإنعام الله عليكم، اشكروا فضل الله عليكم، ويكون هذا سمتكم، اجعلوا هذه النّعم في مواضعها التي خلقها الله لأجلها، اجعلوها في طاعة الله تعالى، لا في معصيته.

  قال تعالى وهو يخاطب نبيه الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبه يخاطب الأمة، حيث قال: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، وقد جاء في تفسير هذه الآية معان عدة؛ منها:

أحدها: ويكون تأويل قوله ﴿فَحَدِّثْ﴾، أي: ادع قومك.

الثاني: أنه القرآن، ويكون قوله ﴿فَحَدِّثْ أي: أبلغ قومك.

الثالث: أي ما أصاب من خير وشـر.

الرابع: وقيل إنها في جميع الخيرات.

الخامس: وقيل معنى ﴿فَحَدِّثْ، أي حدّث الثقة من إخوانك، أو حدّث بها نفسك، فيكون ذكرها شكراً([90]).  

وقال أبو السعود العمادي، في معناها: بشكرها، وإشاعتها، وإظهار آثارها، وأحكامها([91]).

وقال المراغي: أي أوسع في البذل على الفقراء بمالك، وأفضْ من نعمة الآخرة على طالبيها([92]).

التحدث بنعمة الله- وبخاصة نعمة الهدى والإيمان- فهو صورة من صور الشكر للمنعم. يكملها البر بعباده، وهو المظهر العملي للشكر، والحديث الصامت النافع الكريم([93]).

عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعلى المنبر: (مَن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومَن لم يشكر الناس لم يشكر الله. والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر…)([94]).

فقه الاستنباط 

1.             الحكمة في القسم بالضحى والليل:

يقول الرازي: ما الحكمة ها هنا في الحلف بالضحى والليل فقط؟

 والجواب: كأنه تعالى يقول: الزمان ساعة فساعة، ساعة ليل، وساعة نهار، ثم يزداد، فمرّة تزداد ساعات الليل، وتنقص ساعات النهار، ومرّة بالعكس. فلا تكون الزيادة لهوى، ولا النقصان لقلى، بل للحكمة.. كذا الرسالة، وإنزال الوحي، بحسب المصالح، فمرة إنزال، ومرة حبس، فلا كان الإنزال عن هوى، ولا كان الحبس عن قلى([95]).

ومناسبة القسم بالضحى والليل، أن الضحى وقت انبثاق نور الشمس، فهو إيماء إلى تمثيل نزول الوحي، وحصول الاهتداء به، وأن الليل وقت قيام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقرآن، وهو الوقت الذي كان يسمع فيه المشركون قراءته، من بيوتهم القريبة من بيته، أو من المسجد الحرام([96]).

2.             لم خص وقت الضحى بالذكر؟

 الجواب:

أحدها: أنه وقت اجتماع الناس، وكمال الأنس، بعد الاستيحاش في زمان الليل، فبشـروه أن بعد استيحاشك بسبب احتباس الوحي، يظهر ضحى نزول الوحي.

وثانيها: أنها الساعة التي كلم فيها موسى ربه، وألقي فيها السحرة سجداً، فاكتسى الزمان صفة الفضيلة لكونه ظرفاً، فكيف فاعل الطاعة! وأفاد أيضاً: أن الذي أكرم موسى لا يدع إكرامك، والذي قلب قلوب السحرة حتى سجدوا، يقلب قلوب أعدائك([97]).

 

3.             ويقول الرازي أيضاً: ما السبب في أنه ذكر الضحى، وهو ساعة من النهار، وذكر الليل بكليته؟

الجواب: فيه وجوه:

أحدها: أنه إشارة إلى أن ساعة من النهار توازي جميع الليل، كما أن محمداً إذا وزن يوازي جميع الأنبياء.

والثاني: أن النهار وقت السـرور والراحة، والليل وقت الوحشة والغم، فهو إشارة إلى أن هموم الدنيا أدوم من سـرورها، فإن الضحى ساعة والليل كذا ساعات.

وثالثها: أن وقت الضحى وقت حركة الناس وتعارفهم، فصارت نظير وقت الحشـر، والليل إذا سكن نظير سكون الناس في ظلمة القبور، فكلاهما حكمة ونعمة، لكن الفضيلة للحياة على الموت، ولما بعد الموت على ما قبله، فلهذا السبب قدم ذكر الضحى على ذكر الليل.

ورابعها: ذكر الضحى حتى لا يحصل اليأس من روحه، ثم عقبه بالليل حتى لا يحصل الأمن من مكره([98]).

4.             الضحى يمثل نور الوحي: 

  قال السامرائي: "والضحى هنا يمثل نور الوحي، وإشـراقه، كما قال المفسـرون، والليل يمثل انقطاع الوحي وسكونه، والدنيا من غير نور الوحي ظلام، ولذلك قدّم سبحانه الضحى هنا، لأنه ما سبق من نور الوحي، وأخّر الليل لما يمثل من انقطاع الوحي. وقال بعض المفسرين إن القسم يشير أن الانقطاع يمثل الاستجمام والسكون، كما يرتاح الشخص المتعب في الليل، ومن معاني سجى السكون، وهو يمثل الراحة، وهو نعمة.

والضحى يمثل وقت ابتداء حركة الناس، يقابله الليل إذا سجى، وهو وقت السكون والراحة"([99]).

5.             لماذا قال تعالى: ﴿رَبِّكَ﴾، ولم يقل (الله)؟

هنا تكريم آخر من الله تعالى لرسوله الكريم. فالرب هو المربي والموجه والقيم. وذكر الفاعل، وهو الرب، إكرام آخر، فلم يقل: لم تودع، ولم تقل. والرب هو القيم على الأمر، فكيف يودعك وهو ربك، لا يمكن أن يودع الرب عبده، كما لا يمكن لرب البيت أن يودعه ويتركه، ورب الشيء لا يودعه ولا يتركه، وإنما يرعاه ويحرص عليه. واختيار كلمة الرب بدل كلمة الله، لأن لفظ الجلالة الله كلمة عامة للناس جميعاً، ولكن كلمة الرب لها خصوصية، وهذا يحمل التطمين للرسول الكريم من ربه الذي يرعاه، ولا يمكن أن يودعه أو يتركه أبداً([100]).

6.             يقول الأبياري: "إن قيل: لم منّ سبحانه عليه بإخراجه من الفقر إلى الغنى، بقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى؟ قلنا: قال ابن السائب، واختاره الفرّاء: أنه لم يكن غناه بكثرة المال، ولكن الله أرضاه بما آتاه، ولم يكن ذلك الرضا قبل النبوة، وذلك حقيقة الغنى، ويؤيّده قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ)([101]).

وقال غيره: المراد به أنه أغناه بمال خديجة عن مال أبي طالب، والمراد به الإغناء بتسهيل ما لا بد منه وتيسيره، لا الإغناء بفضول المال الذي لا يجامع صفة الفقر"([102]).

7.             يقول السامرائي: "ولماذا لم يحدد العطاء بشيء ما، وإنما قال ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى؟

لقد أطلق سبحانه العطاء، ولم يحدده، إنما شمل هذا العطاء كل شيء، ولم يخصصه بشيء معين إكراماً للرسول الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتوسيعاً للعطاء. وكذلك أطلق فعل الرضى، كما أطلق العطاء، فجعل العطاء عاماً، وجعل الرضى عاماً، وذكر المعطي أيضاً، وهو الرب. وعلينا أن نتخيل كيف يكون عطاء الرب؟ والعطاء على قدر المعطي، وهذا كله فيه تكريم للرسول. كذلك في إضافة ضمير الخطاب (الكاف) في ﴿رَبِّكَ﴾، تكريم آخر للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"([103]).

8.             لماذا اختيار كلمة (فترضى)؟

اختيار هذه الكلمة بالذات في غاية الأهمية؛ فالرضى هو من أجلّ النعم على الإنسان، وهو أساس الاستقرار والطمأنينة وراحة البال، فإن فقد الرضى حلت الهموم والشقاء ودواعي النكد على الإنسان. وإن فقد في جانب من جوانب الحياة، فقد استقراره بقدر ذلك. وعدم الرضى يؤدي إلى الضغط النفسي، واليأس، وقد يؤدي إلى الانتحار. والتعب مع الرضى راحة، والراحة من دونه نكد وتعب، والفقر مع الرضى غنى، والغنى من دونه فقر، والحرمان معه عطاء، والعطاء من دونه حرمان. لذا، فان اختيار الرضى هو اختيار نعمة من أجلّ النعم، ولها دلالتها في الحياة عامة، وليست خاصة بالرسول الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإذا رضي الإنسان ارتاح وهدأ باله وسكن، وإن لم يرض حل معه التعب والنكد والهموم والقلق، مع كل ما أوتي من وسائل الراحة والاستقرار([104]).

9.             لماذا قال يعطيك، ولم يقل يؤتيك؟

الإيتاء يكون لأمور مادية، وغيرها: (الملك، الحكمة، الذكر)، أما العطاء فهو خاص بالمادة. والإيتاء أوسع من العطاء، وأعم، والعطاء مخصص للمال. والإيتاء قد يشمله النزع، والعطاء لا يشمله النزع([105]).

10.                لماذا قدم اليتيم على السائل؟

قدم اليتيم على السائل، لأن اليتيم أضعف من السائل. إذ هو لا يكون يتيماً إلا دون البلوغ والرُشد. والسائل قد يكون بالغاً راشداً. فقدم ما هو مظنة الضعف، وموضع الرعاية والعطف، على ما هو ليس بهذه الحالة. ويتأكد المعنى وضوحاً إذا أخذنا بالرأي القائل إن المراد بالسائل هو سائل العلم، لا الطالب الصدقة([106]).

11.             لماذا اختار كلمة (فحدث)، ولم يقل (فأخبر)؟

الإخبار لا يقتضي التكرار، يكفي أن تقول الخبر مرة واحدة فيكون إخباراً، أما التحديث فهو يقتضي التكرار والإشاعة أكثر من مرة. وفي سياق الآية يجب أن يتكرر الحديث عن الدعوة إلى الله مرات عديدة، ولا يكفي قوله مرة واحدة. فمعنى (فحدث) في هذه الآية هو المداومة على التبليغ وتكراره، وليس الإخبار فقط، إذ الإخبار يتم مرة واحدة وينتهي الأمر([107]).

12.                وإذا كان المقصود بالنعمة الدين، فيجب أن يكون التحدّث في المرحلة الأخيرة، لأن على الداعية أن يتحلى بالخلق الكريم. وفيه إشارة أن الإنسان إذا أتاه سائل عليه أن يتصف بهذه الصفات، قبل أن يبلغ الناس عن النعمة (الدين)، فعليه أن لا يقهر يتيماً، ولا ينهر سائلاً، ولا يرد عائلاً. وقد جاءت هذه الآية بعد إسباغ النعم، وهو توجيه للدعاة قبل أن يتحدثوا، أن يكونوا هينين ليّنين، فعلى الداعية أن يتحلى بالخلق الحسن، ولا ينهر سائلاً.

13.                   وكذلك فإن التحدّث بالنعمة ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، جاء بعد ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾، لأن كل داعية يتعرض لأسئلة محرجة أحياناً، تكون لغاية الفهم، وقد تكون لنوايا مختلفة، فعليه أن يتسع صدره للسائل، مهما كانت نية السائل، أو قصده من السؤال، وعلى الداعية أن لا يستثار، وإلا فشل في دعوته، وقد يكون هذا هو قصد السائل أصلاً!

ومن الدروس المستفادة من هذه السورة، إضافة إلى ما سبق، أنه يحسن للإنسان تذكر أيام العسـر والضيق، لأنه مدعاة للشكر، ومدعاة لمعاونة المبتلى أيضاً، لذا يجب التذكير بالماضي، وما يتقلب فيه المرء من نعم، ليشكر الله تعالى عليها، مهما كان في ماضيه من أذى أو حرج أو ضيق، فلا بأس أن يتذكر، أو يذكر به، حتى يشكر الله تعالى على نعمه، فيكون من الشاكرين لله تعالى([108]).

14.                قوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى. وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى

لماذا ترتيب الآيات على هذا النحو؟ ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى. وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى:

هذا هو الترتيب الطبيعي في الحياة. اليتم يقال لمن فقد والديه، أو أحدهما، وهو دون سن البلوغ، فإذا بلغ انتفت عنه صفة اليتم. وإذا بلغ دخل في سن التكليف الشرعي، فهو يحتاج إلى الهداية ليتعلم كيف يسير في الحياة، قبل أن يكون فقيراً أو غنياً، وكيف يجمع المال الحلال، لأن كل مال جمع من غير طريق الهداية، هو سحت. ثم تأتي العيلة، وهي أمر آخر بعد البلوغ؛ ومن الناس من يكون فقيراً أو غنياً، وعلى الاثنين أن يسيرا وفق التعاليم التي تعلماها بعد البلوغ مباشرة، وهذا طبيعي، ويمر به كل الخلق.. فهذا هو التسلسل الطبيعي في الحياة.. لذا فقد بدأ سبحانه بالحالة الأولى (اليتم)، ثم إذا بلغ تأتي الهداية في المرتبة الثانية، وثالثاً العائل والغني يجب أن يسيرا على الهداية([109]).

ومع أن الخطاب في الآيات موجه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن الأوامر الربانية الواردة في الآيات الثلاث الأخيرة متسقة مع المبادئ والأهداف التي احتواها القرآن منذ بدء تنزيله، وتلقينها شامل لجميع المؤمنين([110]).

15.                وهذه الآيات الكريمة يُستنبط منها ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية. فهي بمجموعها تشكل بيان المراحل التي لا بد للأولياء، والمجتمع، من اجتيازها، للوصول بهذا اليتيم إلى الهدف المنشود.

16.                يستفاد من الآيات أن اليتيم يحتاج إلى:

 المسكن الذي يأوي إليه: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى،

والتربية الصالحة بما تشتمل عليه من تأديب وتعليم، حتى لا يقع فريسة للضلال ﴿وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى، والمال الذي يُنفق عليه منه ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى.

17.                إن الله قد حماه في عهد يتمه، حيث كان اليتيم معرضاً للإرهاق والقهر والضياع، فجعل له مأوى أميناً، ويسّر له في عهد شبابه من بسطة العيش واليسـر، ما جعله في غنى عن التكسب، وفي راحة من عناء المعيشة وهمها، ونقّى نفسه ووجّهه إلى سبيل الهدى القويم، فأنقذه من حيرته([111]).

18. الروايات تكاد تكون متواترة إلى حدّ اليقين بأن حاله الاقتصادية – صلى الله عليه وسلم - قد تحسنت وانتهى ما كان يعانيه من متاعب العيش بزواجه من السيدة خديجة (رضي الله عنها)، الشريفة في قومها، الغنية في مالها، القوية في خلقها وعقلها وروحها، المتنعمة في معيشتها. وكان من أثر ذلك أن اطمأنت نفسه، وأخذ يفرغ قلبه وذهنه لما كانت نفسه مستعدة له من الاستغراق في آلاء الله، ومظاهر الكون، والتفكير فيما عليه قومه من ضلال في التقاليد والعقائد، وتمكن من القيام باعتكافات روحية، كانت خديجة (رضي الله عنها) تشجعه عليها، وتهيء له ما يحتاج إليه فيها([112]).

19. العلاقة بين الضحى والليل، وهما قمة التناقض، الضحى قمة الضياء والحركة والنور والحيوية والحرارة، والليل قمة البرودة والهدوء والسكون والنوم والراحة. هذا التناقض يتوافق مع الحدث الذي تتكلم عنه السورة.

التوديع بين المحبين ممكن، لكن القلى والكراهية غير ممكن، لأنه لا يلتئم مع الحب.

حب الله لرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عظيم، وأن الله معه، لا ينفك عن معيته.

أفضل وقت لمناجاة الله سبحانه وتعالى في النهار هو وقت الضحى، بعد وقت صلاة الضحى، وأفضل صلاة النافلة هو صلاة وقت الضحى، وأفضل نوافل الليل الوتر([113]).

20. قال القاضي عياض: "هذه السورة تضمنت من كرامة الله تعالى له، وتنويهه به، وتعظيمه إياه، ستة وجوه:

الأول: القسم له عما أخبره به من حاله، بقوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى أي: ورب الضحى، وهذا من أعظم درجات المبرّة.

الثاني: بيان مكانته عنده، وحُظوته لديه، بقوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى، أي: ما تركك وما أبغضك، وقيل: ما أهملك بعد أن اصطفاك.

الثالث: قوله تعالى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى، قال ابن إسحاق: "أي: ما لك في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا".

الرابع: قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى. وهذه آية جامعة لوجوه الكرامة، وأنواع السعادة، وشتات الإنعام في الدارين، والزيادة.

الخامس: ذكره الله تعالى بهذه المنن: ألم يجدك فهدى بك ضالاً، وأغنى بك عائلاً، وآوى بك يتيماً، أي لم يهمله في حال صغره، وعيلته، ويتمه، وقبل معرفته به، وما ودّعه، ولا قلاه، فكيف بعد اختصاصه واصطفائه؟

السادس: أمره بإظهار نعمته عليه، وشكر ما شـرّفه به بنشـره، وإشادة ذكره بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. فإن من شكر النعمة التحدث بها، وهذا خاص له، عام لأمته"([114]).

21. إعجاز الثلاثات([115]):

1.  إخبار : قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى.

2.  تقرير : قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾.

3.  أمر : قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، قيل: النعمة تدوم إذا عني باليتيم، والسائل المسكين.

 

  المصادر:

1.             ابن الجوزي، زاد المسير.

2.  ابن جزي الأندلسي، التسهيل لعلوم التنزيل.

3.  ابن حبان، صحيح ابن حبان.

4.             ابن عاشور، التحرير والتنوير.

5.             ابن عطية، المحرر الوجيز.

6.             ابن قتيبة، غريب القرآن.

7.                 أحمد بن حنبل، المسند.

8.  علي بن نايف الشحود، الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم.

9.  الألباني، صحيح الجامع الصغير.

10.                 الآلوسي، روح المعاني.

11.                 البخاري، صحيح البخاري.

12.                 البقاعي، نظم الدرر.

13.                 الترمذي، السنن.

14.                 الثعالبي، الجواهر الحسان.

15.  الثعلبي، الكشف والبيان.

16.              جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية، خصائص السور.

17.  حسن عز الدين الجمل، معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن.

18.                 الرازي، مفاتيح الغيب.

19.              الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن الكريم.

20.  الزبيدي، تاج العروس.

21.                 الزمخشري، الكشاف.

22.                    السامرائي، لمسات بيانية في سورة الضحى.

23.                 سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي.

24.                 سيد قطب، في ظلال القرآن.

25.  السيوطي، أسرار ترتيب القرآن.

26.  الشنقيطي، تفسير سورة الضحى (يوتيوب).

27.                 الطبري، جامع البيان.

28.  الطنطاوي، التفسير الوسيط.

29.              عبد القادر ملا حويش، بيان المعاني.

30.              عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن.

31.              الفراهيدي، العين.

32.  الفيروزآبادي، بصائر ذوي التمييز.

33.  القاسمي، محاسن التأويل .

34.  القاضي عياض،  الشفا بتعريف حقوق المصطفى.

35.              القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.

36.              الكرماني، غرائب التفسير وعجائب التأويل.

37.  الماوردي، النكت والعيون.

38.  محمد عزة دروزة، التفسير الحديث.

39.  محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان.

40.  مختار العصري، عناية القرآن الكريم بتربية وحقوق اليتيم.

41.  مسلم، صحيح مسلم.

42.  المطعني، خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية.

43.  علي فهمي النزهي، كلمات قرآنية بمعانٍ مختلفة.



[1] - السيوطي، أسرار ترتيب القرآن، (ص162).

[2] - نفسه.

[3] - محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان، (1175).

[4] - صحيح البخاري، (4951).

[5] - ابن عاشور، التحرير والتنوير: (30/394)؛ عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، (16/1602-1603)؛ سيد قطب، في ظلال القرآن، (6/3925).

[6] - الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن الكريم: (ص502).

[7] - السامرائي، لمسات بيانية في سورة الضحى.

[8] - الطبري، جامع البيان: (24/482).

[9] -  الزمخشري، الكشاف: (4/765).

[10] - ابن عطية،  المحرر الوجيز: (5/493).

[11] - ابن الجوزي، زاد المسير: (4/457)؛ الرازي، مفاتيح الغيب: (31/190)؛ الثعالبي، الجواهر الحسان: (5/601).

[12] - عبد القادر ملا حويش، بيان المعاني: (1/153)؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: (20/91).

[13] - البقاعي، نظم الدرر: (22/101).

[14] - الآلوسي، روح المعاني: (15/372).

[15] - نظم الدرر: (22/101).

[16] -  الفراهيدي، العين: (6/162).

[17] - غريب القرآن لابن قتيبة: (ص459)؛ الكرماني، غرائب التفسير وعجائب التأويل: (3/1353).

[18] - السامرائي، لمسات بيانية في سورة الضحى.

[19] -  جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية، خصائص السور: (12/11).

[20] - سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي: (ص167).

[21] - مفردات الراغب: (ص399).

[22] - الكشاف: (4/765).

[23] - المحرر الوجيز: (5/493).

[24] - مفاتيح الغيب: (31/190).

[25] - الجامع لأحكام القرآن: (20/91).

[26] - جامع البيان: (24/482).

[27] - جامع البيان: (24/482).

[28] - الكشف والبيان: (10/224).

[29] - نظم الدرر: (22/102).

[30] - روح المعاني: (15/374).

[31] - بيان المعاني: (1/153).

[32] - التفسير القرآني للقرآن: (16/1600).

[33] - مسند الإمام أحمد: (2043)؛ صحيح البخاري: (7455)؛ سنن الترمذي: (3158).

[34] - مفاتيح الغيب: (31/193).

[35] - التفسير القرآني للقرآن: (16/1600).

[36] - لمسات بيانية في سورة الضحى.

[37] - الثعلبي، الكشف والبيان: (10/224).

[38] - صحيح مسلم: (202).

[39] - الكشاف: (4/767).

[40] - زاد المسير: (4/458).

[41] - في ظلال القرآن: (6/3927).

[42] - الكشف والبيان: (10/226).

[43] - زاد المسير: (4/458).

[44] - التحرير والتنوير: (30/399).

[45] - وهي كما يلي: سورة البقرة: آية (83، 177، 215، 230)، وسورة النساء: آية (2 ، 3، 6، 8، 10، 36، 127).

وسورة الأنعام: آية (153)، وسورة الأنفال آية (41)، وسورة الإسراء آية: (17)، وسورة الكهف: آية (82)، وسورة الحشر: آية (7)، وسورة الإنسان: آية (8)، وسورة الفجر: آية (17)، وسورة البلد: آية (15)، وسورة الضحى آية (6، 9)، وسورة الماعون آية (2).

[46] - مختار العصري، عناية القرآن الكريم بتربية وحقوق اليتيم: (ص2).

[47] - جامع البيان: (24/485).

[48] - الكشف والبيان: (10/226).

[49] - مفاتيح الغيب: (31/198).

[50] - الكشاف: (4/768).

[51] - زاد المسير: (4/458)؛ النكت والعيون: (6/294).

[52] - مفاتيح الغيب: (31/198).

[53] - التسهيل لعلوم التنزيل: (2/491).

[54] - التحرير والتنوير: (30/400).

[55] - في ظلال القرآن: (6/3927).

[56] - التفسير الحديث: (1/557).

[57] - مفردات الراغب: (ص510-512)؛  بصائر ذوي التمييز: (3/481-484)؛  النزهي، كلمات قرآنية بمعانٍ مختلفة: (ص550- 552)؛ معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن: (3/27).

[58] - الجامع لأحكام القرآن: (20/97).

[59] - مفردات الراغب: (509).

[60] - تاج العروس: (29/343).

[61] - التفسير الوسيط: (15/431).

[62] - الكشف والبيان: (10/229)؛ زاد المسير: (4/458).

[63] - النكت والعيون: (6/295)؛ مفاتيح الغيب: (31/199).

[64] - بيان المعاني: (1/157).

[65] - التفسير الوسيط: (15/431).

[66] - بيان المعاني: (1/157).

[67] - التحرير والتنوير: (30/401).

[68] - صحيح البخاري: (5304).

[69] - مسند الإمام أحمد: (22153).

[70] - عبد الله بن ناصر السدحان، فضل رعاية اليتيم: (ص9).

[71] - الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم: (ص228).

[72] - الكشف والبيان: (10/230).

[73] - المحرر الوجيز: (5/495).

[74] - بيان المعاني: (1/157).

[75] - التحرير والتنوير: (30/402).

[76] - زاد المسير: (4/459)؛ النكت والعيون: (6/295).

[77] - التسهيل لعلوم التنزيل: (2/291).

[78] - الجواهر الحسان: (5/603).

[79] - لمسات بيانية في سورة الضحى.

[80] - نظم الدرر: (22/112).

[81] - بيان المعاني: (1/158).

[82] - التحرير والتنوير: (30/403).

[83] - التحرير والتنوير: (30/403)؛ أحكام القرآن: (4/412).

[84] - أحكام القرآن: (4/410).

[85] - مفاتيح الغيب: (31/201).

[86] - النكت والعيون: (6/295).

[87] - القاسمي، محاسن التأويل: (6/301)، تفسير سورة الضحى.

[88] - تفسير الماوردي: (3/123).

[89] - تفسير المراغي: (13/ 130).

[90] - النكت والعيون: (6/ 295)؛ روح المعاني: (15/ 210)؛ زاد المسير: (9/ 160)؛ بتصرف.

[91] - تفسير أبي السعود: (9/ 171).

[92] - تفسير المراغي: (30/ 187).

[93] - في ظلال القرآن: (6/3928).

[94] - مسند الإمام أحمد: (18450).

[95] - مفاتيح الغيب: (31/191).

[96] - التحرير والتنوير: (30/394-395).

[97] - مفاتيح الغيب: (31/191).

[98] - نفسه.

[99] - لمسات بيانية في سورة الضحى.

[100] - السامرائي، لمسات بيانية في سورة الضحى.

[101] - صحيح ابن حبان: (685)؛ صحيح الجامع الصغير: (7816).

[102] - الموسوعة القرآنية، خصائص السور: (12/9-10).

[103] - لمسات بيانية في سورة الضحى.

[104] - نفسه.

[105] - نفسه.

[106] - المطعني، خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية: (2/137).

[107] - لمسات بيانية في سورة الضحى.

[108] - نفسه.

[109] - لمسات بيانية في سورة الضحى.

[110] - التفسير الحديث: (1/550).

[111] - نفسه.

[112] - نفسه.

[113] - الشنقيطي، تفسير سورة الضحى (يوتيوب).

[114] - القاضي عياض،  الشفا بتعريف حقوق المصطفى: (1/96)، دار الفيحاء- عمان، ط2، 1407هـ.

[115] - الشنقيطي، تفسير سورة الضحى (يوتيوب).

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيكم ، لقد كفيت و وفيت ، جزاكم الله خيرا

    ردحذف
  2. تقرير محكم ووافي. ربي يتقبل

    ردحذف