31‏/12‏/2020

الحجاب.. هوية

عمار وجيه

? قبل أيام كنا في جلسة عائلية. وكانت النساء في جلستهن المعتادة… أمهاتٍ وبنات وحفيدات.

طرق سمعي حديث عن الحجاب وعن المظاهر المؤسفة اليوم. فالتفتّ إليهنّ وسألتهنّ: عرّفوا لي الحجاب بكلمتين؛ مبتدأ وخبر، على غرار حديث (الحج عرفة).

فقالت الأولى: الحجاب حشمة، وأردفت الثانية: الحجاب حماية، ووصفته الثالثة بقولها: الحجاب وقار.

قلت لهنّ: كل ما تقولونه صحيح. ولي قول رابع: (الحجاب هُوية). فكما أننا لا نعرف للطبيب والطبيبة هوية أوضح من الرداء الأبيض، ولا نتصوّر عسكرياً بلا (خاكي) أو مرقط، مع بقية التفاصيل. فهُوية المسلمة الظاهرة هي الحجاب.

فتنة جديدة ظهرت هذه الأيام واتبعتها بعض بناتنا، وهي نزع الحجاب بعد ارتدائه بأعوام، بوهم أنه ليس ثمة نص يوجب الحجاب. والشبهة لا شك ضحلة، وتدلّ على جهل باللغة، وبفهم النص.

 والسبب لا علاقة له بتأويل النص بل هو نتيجة حتمية للصراع النفسي بعد الطائفية وإجهاض الربيع العربي وحلم الحرية، وزيادة البطالة والعنوسة وضياع القدوة، مقابل الضخ الهائل للموديلات في الإعلام وفي السوق، والحرب النفسية اللئيمة الظالمة ضد العالم الإسلامي 

المرأة الليبرالية التي ترفض الحجاب تتذرّع بأنها لا تؤمن أصلاً بوجود شرع. وهي حرّة فيما تعتقد. ولا تهتم إن لم نعترف بها كمسلمة. بل لا يهمها ما يقول الناس عنها. لأنها أصلاً لا تعترف بالله تعالى مشرعاً ولربما لا تؤمن أصلاً بوجود إله.

أمّا المسلمة التي تشعر بالانزعاج وتنفعل إذا قيل لها إن ما تفعله معصية لله، فإنها تتناقض مع نفسها. إذ كيف تقبل أن تقرّ بالصلاة والصوم بل وتلتزم بالأركان والسنن والهيئات في الصلاة. ثمّ تشرعن لنفسها أن ترتدي من الثياب ما تشاء لتتخذ هواها إلهاً لها؟ وهي تعلم جيداً أن الصحابة هم أنفسهم من جمع القرآن وروى الحديث بكل تفاصيله؟ فلماذا تنكر احاديث الحجاب وتقرّ بأحاديث الصوم والصلاة؟

وفوق ذلك كله فآية سورة النور ٣١ وحكمها ومقاصدها واضحة وهي حماية المرأة والرجل من الافتتان ببعض، بغض البصر، وعدم إظهار الزينة، وستر البدن، وعدم إظهار صوت الخلخال وما يقاس عليه من الحلي.

وفي كل ذلك حماية للمنفذ البصري والسمعي ومنافذ الأحاسيس والخواطر. بل إن الحديث النبوي يحمي حتى حاسة الشم بعدم جواز تعطر المرأة إذا خرجت أو اختلطت بالأجنبي (عدا الزوج والمحارم).

الكلام يطول وفي الجعبة كلام كثير تعرفونه. وسأكتفي برسائل قصيرة لصنفين من بناتي؛ اللاتي خلعن الحجاب، أو اللاتي ارتدين الجينز الضيق مع الربطة والمكياج (حجاب اقتصر على غطاء الشعر فقط وجرّد من أهدافه).

الرسالة الأولى: لقد حُرمتِ من نعمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي فريضة ونعمة وهوية للمسلم. فلو أردت أن تنصحي صديقتك المتبرجة أن ترتدي زياً محتشماً، ستجيب بسهولة: وما معيار الحشمة إذا كنت قد أبحت لنفسك كشف الشعر أو وضع الزينة أو إظهار المفاتن؟ وسيكون جوابها محرجاً لك وستتركين النصيحة في هذا المجال بالذات.

الثانية: إن رأيت اعوجاجاً في والديك أو أسرتك أو مجتمعك فذلك حافز للإصلاح والثبات لا النكوص. فكل إنسان سيُسأل يوم القيامة وحده. ﴿كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت رَهينَةٌ﴾ ﴿وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَردًا﴾

الثالثة: السفور والزينة قطعاً لا تمنحان فرصاً أكبر للزواج، ويكفي إن نستعرض ألف زيجة شهدناها من أقاربنا وجيراننا ومعارفنا، تسعة أعشارها لا علاقة لها إلا بالأصل والعائلة والخلق. وحتى الزواج المبني على الحب، فإنه حب بين أرواح لا أشكال.

الرابعة: الحجاب هوية. والمرأة غير المحجبة قد تكون محافظة على صلاتها وصيامها وأخلاقها، لكنها تبقى اسيرة لمجتمع غير ملتزم.

الخامسة: يجب التمييز بين إبداع الغرب وبين تفلته. فالإبداع والتطور الهائل كان ثمرة التمرد على خرافات المجامع الكنسية المتطرفة المتخلفة. وذلك التمرد عين الصواب، لأنه إعمال للعقل. لكن فوضى الحريات التي فسح لها المجال كان نتيجتها ما نرى. الغرب هو الذي يحتاج وسطية إسلامنا. ومتطرفونا ومتخلفونا بحاجة إلى الفكر الإنساني القائم على الحرية والإبداع. ولدينا آلاف المحجبات طبيبات ومهندسات وأكاديميات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق