31‏/12‏/2020

هل التصوف هو البديل لتجاوز الأزمة الأخلاقية؟

محمد الهامي

تونس

 ?  يفترق التصوف عن علم الأخلاق من ناحية المفهوم، فالتصوف مشتق من الصوف، ولا يصح إلا هذا الاشتقاق لغة، كما أن تاريخ بدايته شاهد على ذلك، فهو مبني ومعني فقط بالعلاقة العمودية بين العبد وربه، يصدق ذلك أول مصنف تقريباً في هذا الشأن، كتاب الحارث المحاسبي: (الرعاية لحقوق الله).

أما علم الأخلاق، فعرف على أنه هيأة للنفس يصدر عنها الفعل دون فكر ولا روية... فهو السلوك تجاه الآخر في علاقة أفقية بالأساس مع بقية الخلق.

من الذين تحدثوا عن التصوف، الأديب عباس محمود العقاد - رحمه الله - حيث قال في كتابه (فلسفة القرآن)، على ما أذكر، أن التصوف قدرة روحية خارقة، يتمتع بها من يصبر على قسوة التمارين، أو الطريق كما يسمونها، وهذه القدرة شبيهة بالقدرة الجسمانية الخارقة التي نسمع عنها عند البعض، ولا نصدقها إلا إذا شاهدناها بأم أعيننا.. وبالتالي، فإن هذه التجربة لا يمكن أن تعمم على كل الناس.

قلت: أي إنها خاصة بالبعض، والبعض اليسير فقط من البشـر، ولا يغرنكم كثرة المنتحلين فيها..

 كذلك من الذين تحدثوا عن التصوف، الغزاليان: أبو حامد، ومحمد. ففرّق الأول في كتابه (ميزان العمل)، بين الطريق الصوفي والطريق الفلسفي العلمي، مبيناً أن الأولى لمن فاتته فترة الشباب، أن يسلك طريق السلوك.

 وفرق محمد الغزالي أيضاً بين التصوف والمنهج العلمي، حيث لم يعتبر التصوف علماً، وذلك في كتابه (بحث في السلوك والأخلاق).

خلاصة القول، حسب فهمي، وأقل ما يمكن أن يقال، أن العالم الإسلامي، والعربي بخاصة، دخل في أزمة أخلاقية وصلت إلى ما نعيشه اليوم من تهاو أخلاقي، وكل ذلك بسبب التوقف عن البحث في الأخلاق كعلم منذ عهد ابن مسكويه، وغيره من الفلاسفة والفقهاء.

 على أنهم حتى في القديم اعتمدوا المباحث اليونانية اعتماداً شبه تام، ثم دللوا عليها من القرآن والسنة.

وأكبر شاهد على أننا نفتقر للتنظير الخاص بنا، ما قاله عبد الله دراز في كتابه (دستور الأخلاق في الإسلام)، بأنه أراد أن يملأ الفراغ الموجود في المكتبة الغربية، فإذا به يجد المكتبة الإسلامية أيضاً تعاني نفس الفراغ في هذا الموضوع!!

قلت: أليس الأجدر إذاً ملء هذا الفراغ، عوض ما قام به الشيخ، من بحث في الأخلاق الغربية في القرآن، عوض البحث عن أخلاق القرآن في القرآن،- كما قال  الدكتور محمد عابد الجابري-  ..

وبالتالي، فإنه اعتبر التصوف غير الأخلاق، فكتبُ التصوف تملأ المكتبة الإسلامية، ولكنه لم يعتبرها مندرجة ضمن علم الأخلاق.

 أما الدليل الذي يؤكد عدم قدرة التصوف بمفرده على ملء الفراغ الموجود، فهو واقعنا المعاش وتاريخنا الإسلامي في مجمله، فضلاً عن أنه، أي التصوف، نتاج لاحتكاك بثقافات وفلسفات وديانات أخرى اعتنقت الإسلام، محملة بما لا يمكن الإنسلاخ منه كلية.

 و أخيراً، أقترح العودة إلى القرآن الكريم، ومحو كل مسافة، أو فكرة، بيننا وبينه، من شأنها أن تشوش على تدبره التدبر الصحيح، الذي به نستطيع التنظير لكل ما يحيط بنا من قضايا في جو من الموضوعية والأمانة، ونبذ كل أشكال التعصب والجمود الفكري والتقليد الأعمى، وهو عين المنهج القرآني نفسه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق