31‏/12‏/2020

أحداث جديدة في سيرة العلامة السبحاني

د. محمود الزمناكويي

ترجمة: الأستاذ هريم جمال الهروتي

1. معلومات جديدة عن حياة العلامة ناصر السبحاني (سفره الثاني إلی باكستان)

 ?جاء في كتاب: (سيرة عالم كوردستان الكبير الشيخ ناصر السبحاني) (ص109): "في الفترة التي أقام فيها الشيخ ناصر السبحاني سرّاً بمدينة (سنه)، عام (1983)، سافر مرتين إلی باكستان؛ في المرة الأولی مكث أسبوعين ثم رجع، وفي المرة الثانية بقي في باكستان مدة عام كامل".

وجاء في الكتاب نفسه: "مع الأسف ليس لدينا معلومة كافية عن السفر الثاني"، لكنني ـ بفضل الله تعالى ـ

اطلعت علی بعض المعلومات عن هذا السفر، فأردت أن أفيد بها القرّاء والأحبّاء..

في الشهر التاسع من العام (۲۰۱٨) سافرتُ إلی (إيران)، وذهبتُ إلی مدينة (....) في شرق كوردستان، وبِتُّ ليلةً في بيت الشيخ الموقر (.....)([1])، ولأن فضيلته صديق مقرب للشيخ السبحاني، فقد أفادني بمعلومات جديدة ـ لم أسمعها من قبل ـ عن الشيخ ناصر عموماً، وعن سفره الثاني إلی باكستان خصوصاً، إذ كان هو في هذا السفر مرافقاً للشيخ ناصر.

لذلك، وقبل التحدّث عن السفر، أودَّ أن أتحدث عن بعض ذكرياته مع الشيخ ناصر، قال الشيخ الفاضل: "كنا مع الشيخ ناصر نذهب كل أسبوع من مدينة (باوه) إلی محافظة (كرماشان)، للمشاركة في دروس (الدين والإنسان)([2])، التي كان يلقيها (كاك أحمد مفتي زاده) على بعض النخبة من الإخوة.

وفي الحقيقة أُقِــرُّ بأن هذه المعلومة كانت جديدة بالنسبة لي، لم أسمعها من قبل، على الرغم من متابعاتي الكثيرة والمستمرة لحياة السبحاني وأحواله وآثاره.

ثم أضاف: "قررنا، أنا وعدد من الإخوة الإسلاميين في منطقة (هورامان)، زيارة كاكه أحمد مفتي زاده، وانطلقنا من كرماشان إلی طهران، وأثناء الرحلة كان بعض الأخوة يسأل الشيخ ناصر، وهو يجيب على أسئلتهم.

 سأله أحدهم عن حديث للنبـي صلی الله عليه وسلم، فأجابه: هذا ليس حديثاً للنبـي صلی الله عليه وسلم. وقلت لكاكه ناصر: هذا حديث، قد أورده آية الله البرقعي ـ الذي كان من مراجع الشيعة الكبار، لكنه ترك التشيع في أواخر عمره ـ باعتباره حديثاً، في كتابه (خزائن اللؤلؤ)، والبرقعي عالم بالقرآن وبالحديث أيضاً، ودخلت معه في مناقشة طويلة. ثم اقترح أحد الأخوة التحاكم إلى كاكه أحمد لحسم الأمر، فلما وصلنا إلی طهران قال الأخ المذكور لكاكه أحمد: عندما يتنازع الشيوخ، تــنتشر الفرقة بين الناس، من غير أن يشير إليّ أو إلی الشيخ ناصر، فقال كاكه أحمد في جواب هذا الأخ: يا أخي الحبيب ناصر، كما أن إلصاق رواية إلی النبـي صلى الله عليه وسلم، ليست له، معصية، فكذلك رفض رواية ثابتة عنه معصية!. وإني وكاك ناصر، عندما وقعت هذه المناقشة بيننا، كنا بعيدين عن طهران ثلاثمائة كيلومتر تقريباً، ووصلنا إلی طهران بعد خمس ساعات!".

ثم بعد ذلك انتقل الشيخ الفاضل إلی موضوع سفرهم إلی باكستان، فقال: " عندما كان كاك أحمد مفتي زاده معتقلاً في السجن([3])، استحسن الأخوة من مكتب القرآن أن يذهب وفد إلی باكستان، لإيصال مظلومية أهل السنة عموماً واعتقال كاك أحمد خصوصاً؛ لأنه حينذاك كانت باكستان مركزاً لتجمع الحركات الإسلامية، بسبب الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتـي.

فتقرر أن يتكوَّن الوفد من ثلاثة أشخاص: أنا، وكاكه ناصر، وأخ آخر([4]) لم يتعرض لاسمه. ثم قال: وكان الشيخ ناصر أمير السفر. فذهبنا إلی الحدود، وهناك بدأنا بالمشـي على الأقدام عبر الطرق غير الرسمية، وكانا ـ الشيخ ناصر والأخ الآخر ـ يقولان لي مازحين: أنت لا تستطيع المشي مترجلاً!، وكنت أقول لهما: أنا ابن القرية والجبال والشواهق، وأنا أقدر على المشي منكما، فمشينا فترة، وكان قدر الله تعالى أن نضل الطريق، مشينا مترجلين يومين وليلتين تقريباً على التوالي، وكنا جائعين عطشين، ولم يكن معنا ماء ولا طعام، وكان المطر ينزل علينا.. كانا ـ الشيخ ناصر والأخ الآخر ـ يمشيان وكنت أمشي خلفهما، فلاحظت أنهما كانا يلقيان معطفهما، والساعة التي في أيديهما، والحقيبة التي على كتفيهما واحدة تلو الأخرى، من شدة تعبهما وتبلّلهما، وكنت ألتقط هذه الأشياء من ورائهما. تعبنا كثيراً جداً، وكنا نمشي مواصلين الليل بالنهار، وأخيراً أرهقنا المشـي المتواصل فتوقفنا في مكان للاستراحة والصلاة، وكان الوقت ليلاً، والشيخ ناصر عندما كان يصلي يطيلها (۲۰ ــ ۳۰) دقيقة، وإني  ــ وكأن الله ألقى في قلبـي شيئاً ــ، اشتد غضبـي، فقلتُ لكاكه ناصر: يا أخي أقسم بالله بعد الآن أنا أمير السفر، لا أنت، وقلت له مازحاً: ولو تكلّمت ورفضت لـ(....)([5]). قال: لم يقل الشيخ ناصر شيئاً، إلا أنه قال: جيد جداً ،كن أنت أميراً!.

قلتُ: لأنني الآن أمير، قمتُ وخططت بعود خطاً، قائلاً: لا نخطو خطوة بعد الآن، نبقی هنا إلی أن تطلع الشمس. قالا: أجل. قلت: إذن، فأقيموا للصلاة حتى أؤمَّ لكما. ثم قال: علی كل حال أوقدنا ناراً، فدَفَّئنا بها أنفسنا، وجففنا ثيابنا، ثم طلب الشيخ ناصر والأخ المرافق أغراضهما من معطف وساعة وحقيبة، وقلت لهما مازحاً: ألم تقولا لي: أنت لا تستطيع المشي على الأقدام، فإني التقطت هذه الأشياء التي تخليتما عنها، فالآن أنا أبيعكم هذه الأشياء، فقالا: نعترف بأنك كنت الأفضل منا في المشـي، وأنا قلت: مادمتم اعترفتم بذلك، فهاكم أشياءكم.

وفي الصباح عندما استيقظنا بعد شروق الشمس، قال الشيخ ناصر: أنت لديك كرامة!. قلت: ماذا حدث؟، قال: اذهب وانظر، فتقدمت قليلاً لأرى مندهشاً: إنه شاهق وجبل عال جداً، لقد تداركتنا رحمة الله، وإلا لو سـرنا في هذه الليلة الظلماء، لسقطنا منه، وصارت أجسادنا قطعاً متناثرة!.

ثم أضاف قائلاً: عند انتشار النهار، مرت سيارة سـرية من المجاهدين الأفغان على مقربة منا، ورفعنا لهم أيدينا، فأركبونا معهم، وذهبوا بنا إلی مقرّهم، هناك جاء شخص للتحقيق معنا، ونحن بعد المشاورة بيننا قررنا أن نصدع بالحقيقة، جاء الشخص المحقق وتكلّم معنا بكلام قاسٍ، واستهزأ بنا كثيراً، وشتمنا، فقمت بالصفع على وجهه بكل قوة، ورأى مسؤولهم ذلك فجاء مسرعاً وقال: لماذا فعلت ذلك؟. قلت: نحن أهل السنة ندعو لنصـرة الجهاد الأفغاني ليل نهار، والآن يجيء هذا، ويستهزأ بنا، أخي نحن سنّة من إيران، جئنا إلی باكستان لإيصال مظلومية السنّة، وزعيمنا الذي هو معتقل في السجن، لسنا جواسين ولا مفسدين. فقال الشخص المسؤول: الذي صفعت وجهه، هو الشيعي الوحيد بيننا.

قال الشيخ: بعد أن عرفوا من نحن، أكرمونا غاية الإكرام، وأرسلونا بسيارتهم الخاصة إلی محطة القطار، لكي نصل إلی المكان المقصود، فركبنا القطار، وكنا ثلاثة أشخاص، والأخ الذي معنا هو المسؤول عن الأمور المالية والصرف، وقف القطار في محطة، وذهبت أنا مسـرعاً لكي أتوضأ، لكن فجأة بدأ القطار بالسير، وركضت وراءه مسـرعاً، حتی وصلت يدي إلى العروة الخلفية للقطار فتمسكت بها، فلما رآني شرطة القطار، فتحوا لي الباب، وأدخلوني إلی غرفتهم، قلت في نفسي: كنا نخفي أنفسنا عن الشرطة، لكن أخيراً وقعنا في فخهم، لكن العجيب في الأمر عندي، كنت في غرفتهم، ومع ذلك لم يسألوني شيئاً، ولو أنهم حققوا معي أدنی تحقيق لقبضوا عليّ، بقيت في غرفتهم إلی أن وقف القطار في محطة أخری، حينذاك سمحوا لي أن أذهب إلی رفاقي. وانتاب الشيخ ناصر حزن شديد عليّ، إذ لا يعرف ماذا حدث لي؛ لأنني ما كان عندي أي مبلغ من المال، ولذلك غضب من هذا الأخ كثيراً وعاتبه قائلاً: لِـمَ لم تعطه شيئاً من المال؟ ماذا يفعل الآن، من أين يأكل الطعام، وأين يبيت؟ قطعوا الأمل مني، لكن عندما ذهبت إليهم ورأوني بدت البهجة على محياهما وعانقوني.

 ثم وصلنا إلی المكان المقصود، واجتمعنا بزعماء الحركات الإسلامية هناك، وذكرنا لهم قصد زيارتنا.

بعد مكوث ثلاثة أشهر في باكستان، رجعت أنا مع الأخ المذكور، وبقي الشيخ ناصر في باكستان قرابة عام. (انتهى كلام الشيخ)

وأنا أقول: حسب بعض المعلومات التي حصلت عليها من بعض الأصدقاء المقربين من الشيخ ناصر، فإنه في هذه الفترة التي عاش فيها في باكستان، اجتمع وتحاور مع كثير من رؤساء الحركات الإسلامية الباكستانية والأفغانية والعالم الإسلامي، ونشـر مقالات عديدة باسم مستعار في مجلات العالم الإسلامي باللغة العربية، وشارك في العديد من الاجتماعات والمؤتمرات والندوات المقامة هناك، مثلاً في أحد المؤتمرات التي شارك فيها مجموعة من العلماء والدعاة الكبار أمثال الشيخ محمد الغزالي، ألقی كلمة قوية باللغة العربية فاندهش الجميع لقوة مضمونها، ورصانة أسلوبه، فقال أحد الشخصيات: مع أن اللغة العربية لسان أمّي، ولكني لا أعرف العربية مثل هذا، من أيّ جامعة درس هذا الرجل؟!، قيل له في الجواب: هذا الرجل لم يذهب إلی الجامعة، إنه درس في المدارس الملحقة بالمساجد (الحجرة) فقط!.

 ومن الأمور التي أعجبتني وما زلت أفكر فيها، رأيت في بداية التسعينات عدداً من مجلة (نداء الغريب) التي كانت يصدرها سراً بعض الأخوة في شرق كوردستان، فوقعت عيني على مقالة علمية قوية كتبها الشيخ ناصر باللغة العربية باسم (أبو نصيرة)، يردّ فيها فتوی للشهيد السعيد (الشيخ عبد الله العزام)، الذي أوجب فيها علی جميع المسلمين في العالم، القادرين علی حمل السلاح، المشاركة في الجهاد الأفغاني. يقول الشيخ ناصر، بعد مناقشة علمية لمضمون تلك الفتوی، ما مفاده: "إني اجتمعت مع أكثر زعماء الجهاد الأفغاني، فلمست ولعهم الشديد – جميعهم، إلا من رحم ربي - بالكرسي والسلطة!". والعجيب أنه ـ وبعد عدة سنوات وانتصار الجهاد الأفغاني واندحار الاحتلال السوفيتي ـ تحققت ـ مع الأسف ـ نبوءة الشيخ ناصر، فتنازع هؤلاء الزعماء وتعاركوا فيما بينهم علی السلطة.

وفي الختام أقول: ألف رحمة وسلام علی روح السبحاني الطاهرة، وجميع شهداء سبيل الله تعالى، وأتقدم بخالص الشكر الوفير إلی الشيخ الكبير والحبيب فضيلة الشيخ الملا (.....) جزاه الله تعالی خيراً، اللهم اجعل عملنا هذا صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد غيرك فيه شيئاً. آمين.

 

 

 

2. أمثلة من علو هــمّة العلامة السبحاني

كثير من الناس يعيشون كثيراً، وأعمارهم طويلة، لكن حياتهم تنتهي خالية من ثمرة أو تأثير يذكر، هناك من مات في العشرين من عمره، لكنه يُدفن في عمر الثمانين!. لذلك قال الرافعي الأديب قولاً رائعاً : " إذا لم تزد علی الدنيا شيئاً، كنت أنت الزائد عليها".

ولكن هناك من يعيش قليلاً وقصيراً، لكنه يخلف بعده بركات ونتاجات كثيرة جدّاً.

واحد من هؤلاء الرجال، هو العلامة السبحاني، الذي يتعجب الإنسان من قلة عمره (۳۹عاماً) وكثرة عطائه وآثاره ونتاجاته، بحيث لو أردنا أن نقوم بدراسة جميع أبعاد ومناحي حياته، نحتاج ربما إلی ربع قرن كامل.

رجل، عالم، جوهرة، بارع، صاحب رؤية واضحة، وإيمان راسخ، واعتقاد ثابت، وإرادة فولاذية، وعلم عميق، وفكر أصيل، وتصور واسع، وعقل منفتح، وشخصية قوية مستقلة، وقلم بليغ مؤثر، وصوت خيالي...إلخ، فمهما قلنا في وصفه فما قلنا شيئاً.

مع الأسف حتی الآن لم يتعرف إليه الفرد الكوردي بقدر ما يستحقه، وإن كُتب جزء من حياته، لكن حتى الآن أجزاء أخرى منها خفية أو مفقودة.

لذلك في هذه النقاط التالية، نشير إلی عدة أمثلة من علو همة السبحاني، آملاً أن يستفيد الجميع:

1. المرحوم الشيخ سيد نجم الدين ـ رفع الله درجته ـ الذي حصلتُ علی يديه الإجازة العلمية، قال: مكث الشيخ ناصر مدة ثلاثة أشهر في بيت شيخٍ، حكت لي زوجته، فقالت: كان في بيتنا هذه الفترة، كلما كنت أضع له فراش النوم، أرجع في الصباح فأراه كما تركته!، قالت: قلت في نفسي ربما يرتّب الفراش بنفسه، لذلك كنت أضع عليه متعمداً تبناً، لأرى في الصباح أن الفراش كما كان، لم تلمسه يده!

2. بقي السبحاني قرابة عام في باكستان، كما أوضحته سابقاً، لكن الجديد في الأمر بالنسبة لي، وربما للقراء أيضاً، هو هذا الخبر الذي كتبه لي أخي العزيز الأستاذ منصور السبحاني (شقيق العلامة السبحاني) في رسالة مفادها:" علاوة علی مهمة الدعوة والمشاركة الجدية في الندوات والمؤتمرات، سواء كانت بالخطابة، أو بكتابة المقالات للمجلات الخارجية، وفضلاً عن كل ذلك، وعن أمور أخرى لا نعرفها: تعلّم السبحاني في هذه الفترة اللغتين الإنكليزية والأردية!".

ماذا كان قصده، هذا العالم الهمام، من تعلم هاتين اللغتين؟، لست متأكداً، لكنني أظن أنه كان يتمــنّی أن يبلغ هذا الفكر والعلم الذي عنده إلی جميع الآفاق والأقطار، لأنه كان لديه همة عالية جداً.

 لا أتدخل في شؤون الله ومشيئته، لكن أتصور أنه لو طالت به الحياة، لكان واحداً من الشخصيات العبقرية والعلمية والفكرية في العالم، وكان يبدع في أمور وأفكار، ربما لا تخطر ببال أحد.

3. يروي الأستاذ الفاضل (د. عمر عبدالعزيز) في شريط له عن حياة السبحاني، فيقول: كنا في ليلة مجتمعين في بيت الشيخ ناصر، وبعد انتهاء الكلام والحديث بيننا، الذي استمر إلی منتصف الليل، قلت للشيخ: عندي هذا الكتاب (قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن)، كتاب جيد جداً،  لو تقرأه. قال: فأخذه مني، وفي الصباح، وبعد تناول الطعام، قال: أستاذ عمر خذ الكتاب. فقلت: أستاذ، لست مستعجلاً، ليكن عندك حتی تقرأه. قال: ما نمت الليلة حتی قرأت كله. مع أن الكتاب (500) صفحة تقريباً.

يقول الدكتور عمر: هذا الكتاب فيه ذكر المسافات بين الشمس والقمر والأرض وأمثال هذه المواضيع، والشيخ السبحاني كان حافظاً لهذه الأرقام أيضاً!، مما يعني أنه قرأه بعناية وتركيز.

4. حكی لي الأستاذ الفاضل (د. عمر إسماعيل)، قال: سمعت من أخي العزيز (الحاج رشيد العزاوي) يقول: بقي العلامة السبحاني في دارنا بـ (بندر عباس) عاماً كاملاً!. وعاماً آخر كانت داري وداره متلاصقتين، في مدة هذين العامين لم أرَ الشيخ ناصر ينام مستلقياً!، كان نومه فقط بوضع رأسه علی يده، ينام لمدة قصيرة جداً!.

يقول الحاج رشيد: قال لي الشيخ ناصر يوماً: أريد كتاب (العقد الفريد)، وهو كتاب أدبي من سبع مجلدات، ربما لو كان في مكتبتنا لم يُــقرأ منه سطر خلال عام. يقول: فجلبته له، وبعد يومين قال: أحسنت، خذ الكتاب. فقلت في نفسي: ربما لم تلمسه يده، ثم نظرتُ فيه فإذا به قد قرأه وكتب حواشي علی مواضع من الكتاب!.

5.حكی لي أخ من إيران لا أتذكر اسمه الآن، أن أحد الأخوة قال مرّة للشيخ ناصر: أريد أن أسافر إلى (بندر عباس)، هل من خدمة؟، قال: لو زرتني غداً قبل أن تذهب، يقول: عندما ذهبت إليه أعطاني مجموعة من الأشرطة، ثم قال: ما نمت الليلة حتی سجلت اثني عشر شريطاً، أرجو إيصالها إلی الإخوة هناك، ليستفيدوا منها!.

6. حكی لي أخ من إيران أنه قصد مرة شخص قريب من الشيخ ناصر زيارته، وعندما جاء دق الباب فلم يجبه أحد، فدخل فرآى الشيخَ السبحاني كالمغمی عليه، يقول: عندما سألته لماذا أنت في هذه الحال؟ قال: لم تبق لي قوة، مضت أربع وعشرون ساعة، ما ذقت طعاماً، ولا تمتعت بنوم، كنت مشغولاً بالتدريس والتحقيق والمطالعة!.

7. في عام (1992) كنت أدرس في قرية (دوريسان) مسقط رأس السبحاني، فقال لي أخوه منصور: كان كلما اشتری كتاباً،  لم يضعه في مكتبته حتی يكمل قراءته!.

وكذلك حكی لي أخ زوجته مرة، قائلاً: حينما كنا نضع مائدة الطعام، كان يشتغل هو بالمطالعة، حتی بعض المرات لو لم يكن عنده كتاب، كان يقرأ في الكتب المدرسية لأطفاله، سواء كانت من علم الفيزياء أو الكيمياء أو الإحياء... إلخ!.

هذه أمثلة من علو همة العلامة السبحاني، ولعل بعض القراء الكرام لديه أمثال هذه الأمثلة.



([1])لم أرِد ذكر اسم الشيخ والمدينة التي يستوطنها، حفاظاً على حياته، وخشية تعرضه للملاحقة أو الإيذاء.

([2])هذه الدروس تم تسجيلها في أشرطة صوتية (18شريطاً)، ثم تمَّ تفريغها، وقامت جماعة مكتب القرآن في إيران بطبعها باللغة الفارسية، والشيخ المكرم راوي القصة أهداني ـ مشكوراً ـ كتابين للعلامة أحمد مفتي زاده، أحدهما كتاب (الدين والإنسان).

 

([3])بعد انتهاء المؤتمر الثاني للشورى المركزية لأهل السنة المنعقد في كرمانشاه، وبعد تهديد السلطات للقائمين على المؤتمر والمشاركين فيه، اختفى الشيخ مفتي زاده فترة قصيرة عن الأنظار، الى أن تم اعتقاله في بيت أخته، زوجة (بابا مردوخ الروحاني) بتاريخ (8/6/1361) الهجري الشمسي المقابل لـ (27/2/1983).

([4]) بعد انتهاء المؤتمر الثاني الذي كان الشيخ ناصر مشاركاً فيه، سافر الشيخ ناصر الى مدينة مريوان وبقي فيها فترة، وبسبب اعتقال الشيخ أحمد والفراغ الكبير الذي أحدثه اعتقاله طالبته جماعة مكتب القرآن بالمجيء الى محافظة (سنه) للاستفادة من علمه وخبرته، فلبـى الطلب بعد استشارة الإخوة القائمين على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. ينظر: سيرة عالم شرق كوردستان الكبير الشيخ ناصر السبحاني: الاستاذ عبد الله عبد العزيز عبدي، الطبعة الاولى، 2008م: ص 102.

([5]) كلمة لا تطاوعني نفسي بكتابتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق