31‏/12‏/2020

فقه الواقع في دعوة الإمام سعيد النورسي

د. دحام إبراهيم الهسنياني

?   فقه الواقع هو علم من العلوم الفقهية المستجدة في الساحة الإسلامية، وهذه المستجدات والمسائل التي تطرأ على الساحة الإسلامية تحتاج الى فهم عميق ودقيق ودراسة المسألة من كل جوانبها وإعطاء الحلول المناسبة لها تماشياً مع روح الإسلام، بعيداً عن التعقيدات والافتراضات الفقهية، وبما يلائم واقعنا وما يحتاجه الناس([1]).

الواقعية في الثقافة الإسلامية تعني: الإحاطة الشمولية العميقة بطبيعة وخصائص ومكونات الواقع الإنساني الفطري والمعيشي، والتقدير الموضوعي لاحتياجاته، والحركة المتوازنة لتغييره أو تبريره، والدفع التدريجي به نحو التوافق والانسجام مع سنن الله في الآفاق والأنفس والهداية والتأييد، حتى يستجيب هذا الواقع المعيش أكثر فأكثر

لاحتياجات وتحديات حركة الابتلاء، التدافع، التداول، والتجديد، المهيمنة على الصيرورة الاستخلافية برمتها([2]).

ويتضح لنا من خلال استقراءِ رسائل النور؛ أن الواقعية، وفقه الواقع الإنساني، ببعديه الفطري والمعيشي، يشكل ركيزة أخرى من مرتكزات منهج دعوة النورسي.

إن الدارس لجهود بديع الزمان سعيد النورسي، يجد وعيه وإدراكه بضرورة فهم الواقع الإنساني في العمل الدعوي، من خلال النزول إلى أرض الواقع، لاستكشافه واستجلاء العناصر المكونة له، وكذا فهم سنن الأنفس والآفاق وسنن الهداية، من أجل عملية التغيير([3]).

لقد استطاع النورسي بما توفر لديه من آليات أن يكون واقعياً من منطلق:

التعامل مع الواقع الداخلي لتغيير اﻟﻤﺠتمع الفاسد والمنحرف

إذ يفرق في عملية المواجهة، عند إرادة التغيير، بين الفساد الناشئ من الداخل، والفساد الذي سببه مصدر خارجي، فهو لا يرى فرض التغيير بانتهاج العمل المسلح إلا ضد العدو الخارجي، أما بالنسبة للمجتمع الإسلامي فالجهاد فيه جهادى معنوي غرضه تنوير الفكر، وإصلاح القلوب والأرواح.. يقول عن ذلك: "أجل، يستوجب مجابهة الهجمات الخارجية بالقوة؛ لأن أموال العدو وذراريه يكون بمثابة غنيمة للمسلمين. أما في الداخل، فالأمر ليس هكذا، ففي الداخل ينبغي الوقوف أمام التخريبات المعنوية بشكل إيجابي بناء بالإخلاص التام، إن الجهاد في الخارج يختلف عما هو في الداخل، وقد أحسن إلي المولى سبحانه وتعالى بملايين من الطلاب الحقيقيين، فنحن نقوم بالعمل الإيجابي البناء بكل ما نملك من قوة في سبيل تأمين الأمن الداخلي، فالفرق عظيم بين الجهاد الداخلي والخارجي في الوقت الحاضر"([4]).

ولم يكن في مشروع بديع الزمان أيّ توجه نحو العمل المسلح داخل تركيا، ضد الحكام الملاحدة من الكماليين، برغم إعلانهم الحرب الضروس على الإسلام وعلمائه والدعاة إليه، ولذلك لم يؤيد ثورة الشيخ سعيد بيران المسلحة على النظام الكمالي القومي العلماني، لأسباب نعرف بعضها، ولا نعرف بعضها الآخر.

ولعل موقفه هذا، ورفضه عرض سعيد بيران، قد حقق من خلال هذا المنطلق حفظ أرواح المسلمين، وحفظ المشروع الإصلاحي من الإقصاء.

يقول الدكتور محسن عبد الحميد: "ولإيمان الأستاذ بالتغيير في إطار انتشار الوعي الاجتماعي، والدعوة السلمية، فإنه لا يبيح الجهاد المسلح الداخلي الموجه إلى حكام المسلمين، لأن ذلك لا يخدم -من وجهة نظره- إلا العدوّ الخارجي المتربص بالمجتمع الإسلامي من حيث هو كلّ.. فهو يقول: إن الجهاد المسلّح لا يحشد كلياً إلا ضدّ العدو الخارجي، والصراع المسلح داخل البلاد الإسلامية، هو ما يصبو إليه العدو الخارجي، إذ إن سفك دماء المسلمين فيما بينهم، أمر يهمهم. ويضيف: إن الجهاد في أي مجتمع إسلامي، إنما هو جهاد معنوي، يتوصل إليه عن طريق تنوير الأفكار، وإصلاح القلوب والأرواح.. ويكون جهاداً إيجابياً بنّاء لصدّ التخريبات المعنوية، ويُتصرف فيه وفق سرّ الإخلاص. فهناك بون شاسع بين الجهاد في الخارج والجهاد في الداخل. فنحن نبذل قصارى جهودنا للحفاظ على استقرار البلاد، وأمنها، وفق العمل الإيجابي البناء.. في هذا الوقت، الفرق عظيم جداً بين الجهاد الداخلي والجهاد الخارجي"([5]).

وبعد أن احتل الحلفاء (الإنكليز والفرنسيون) العاصمة استانبول، ألَّفَ النورسي كتابه (الخطوات السّتّ)، وحَكَمَ عليه الحاكم العسكري الإنكليزي بالإعدام على هذا الكتاب، وعلى نشاطه المعادي للقوات المحتلة، وأراد محبوه إنقاذه، فدعوه إلى (أنقرة)، فأجابهم: (أنا أريد أن أجاهد في أخطر الأمكنة، وليس من وراء الخنادق. وأنا أرى أن مكاني هذا أخطر من الأناضول)([6]).

اعتزاله للسياسة

كان النورسي واقعيّاً في اعتزاله السياسة؛ لأن الانشغال ﺑﻬا في تلك الظروف يفسد أكثر مما يصلح، فهي تنفر الناس عن قبول مشاريعه الإصلاحية؛ لظنهم أنه يستخدم القرآن والإيمان لكسبهم إلى جهة سياسية معينة، يقول: "نحن طلاب النور آلينا على أنفسنا أّلا نجعل من رسائل النور أداة طيعة للتيارات السياسية، بل للكون كله، فضلًا عن أن القرآن الكريم قد منعنا بشدة من الاشتغال بالسياسة"([7]).

وقد تخلى عن تأسيس حزب (الاتحاد المحمدي)، الذي كان يطمح إليه، والذي كان يرى فيه أنه يستطيع الأخذ بناصية الحكم إذا تأسس، وفضّل أّلا يتولى ذلك حالياً؛ لأنه سيضطر إلى استغلال الدين في إمرة السياسة، ﻟﻤﺠابهة جرائم السياسة الحالية وشرورها"([8]).

واختار أسلوباً جديداً، ركز فيه على الفكرة الإسلامية من الناحية التربوية الروحية؛ بوصفها الخزان الرئيس لأي تغيير حضاري أو فكري([9]).

الخدمة

خدمة الإنسانية، وكل فئات اﻟﻤﺠتمع، يظهر ذلك جليّاً من خلال التفاته إلى عالم المرضى، العجزة، الشباب، النساء، الأطفال، والشيوخ، فقد عالج أحوال هذه الفئات بروح إنسانية واقعية، وعايش هموم الناس ومشاكلهم، وقدم الحلول اللازمة لذلك.. قال في رسالته للشيوخ: "فيا أيّها الإخوان الشيوخ، ويا أيتها الأخوات العجائز، ويا من تتألمون مثلي من تعب المشيب! ما دمنا والحمد لله من أهل الإيمان، والإيمان فيه خزائن حلوة نيرة لذيذة محبوبة إلى هذا الحد، وإن شيبنا يدفعنا إلى هذه الخزائن دفعًا أكثر، فليس لنا التشكي من الشيخوخة إذًا، بل يجب علينا أن نقدم ألف شكر وشكر إلى الله عزّ وجل، وأن نحمده تعالى على شيبنا المنوّر بالإيمان"([10]).

-4 التعامل بحذر مع الواقع الفكري، السياسي والثقافي، الذي تبنته السلطة وأصحاب القرار آنذاك، وفرضته على اﻟﻤﺠتمع؛ حتى يتمكن من الوصول إلى أهدافه، وتحقيق مشروعه الإصلاحي.

فقه العصر

إن فقه العصر أصبح اليوم ضرورة يقتضيها العمل الدعوي، وضروري في أي عملية إصلاحية تستهدف التغيير في العالم الإسلامي، وهذا ما أدركه النورسي ودعا إليه، ونبه إلى ضرورة الانفتاح الحضاري، مؤكداً دور القرآن في إرشاد المسلمين إلى السير في الأرض والنظر في عواقب الأمم الغابرة، والاعتبار ﺑﻬا.

وقد أكد النورسي؛ على أن الانفتاح على العصـر يلزمه وجود عملية اجتهادية واسعة ﺗﻬضم كل جديد، وهو سلاح العلماء في تفاعلهم مع الحضارة الغربية.. وما يؤكد موقفه هذا، هو محاولاته لإنشاء جامعة إسلامية في شرق الأناضول، تدمج بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية الحديثة([11])، وذلك تمهيدًا لتكوين علماء مؤهلين للتعامل مع مستجدات العصر في ظل ثوابت الشريعة الإسلامية. كما أن محاولاته الإصلاحية، ولا سيما في النظام السياسي والتعليمي، كلها، شاهدة على أنه كان ممن يؤيد الاجتهاد المحكوم بالضوابط الشرعية، فيقول: "إن باب الاجتهاد مفتوح، إلا أن هناك ستة موانع في هذا الزمان تحول دون الدخول فيه"([12])، وهي موانع معرفية، علمية، وخلقية.

والموانع المعرفية عنده غير الموانع العلمية؛ لأن مقصوده بالمعرفة معرفة الواقع، أي الواقع السياسي، العقدي، الاجتماعي، الاقتصادي، والفكري، للدولة التي تتم فيها حركة الاجتهاد، والأمة التي يجتهد لها، ولعل المقام يطول هنا إذا ما استعرضت هذه الموانع؛ لذلك سأكتفي ﺑﻬذا القدر من التوضيح.

فقه الأولويات عند النورسي

المقصود بالفقه هاهنا: ضرورة الفهم والإدراك لحقائق الشريعة، لذا ينبغي أن يتحلى المسلمون عامة، والدعاة خاصة، بالفهم العميق لدينهم؛ في أهدافه، أصوله، وقواعده، والفقه في الدعوة؛ في منهجها، وأسلوﺑﻬا، ووسائلها.

ومما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ أن في الدين أولويات... أولويات في قضايا الإيمان... وفي الأعمال... وفي الأمر، والإنكار.. وفي العلم.. وفي التعليم.. وأولويات في التبليغ..

 والمقصود بفقه الأولويات: ترتيب العالم، أو الداعية، لأوراقه؛ الأهم فالأهم.. والأحوج فالأحوج.. والأنفع للمدعوين فالأنفع.. ومَثلُ ذلك؛ كمثل طبيب يداوي مريضاً به أكثر من مرض، فينظر إلى الأخطر فيداويه، ثم الأقل خطورة، وهكذا في معظم الأمور([13]).

ومن هذا المنطلق، الدعوة إلى التوحيد قبل العبادات... وإلى الإيمان قبل الأحكام... والخوف من الله قبل النهي عن المحرمات... ووحدة الصف مقدمة على الدعوة إلى السنن، وهكذا...، ولذلك نجد هذا الفقه واضحاً في وصايا النبي-صلى الله عليه وسلم -  لأصحابه، وفي مقدمتهم معاذ حين بعثه إلى (اليمن)، وهذا ما جسده النورسي في دعوته، حيث جعل أولى الأولويات إعادة بعث الإيمان في النفوس، وتحريك بعده الوظيفي في سلوكهم ومواقفهم. ويستشف ذلك من خلال إجابته على أحد الأسئلة بشأن المهدي المنتظر، حيث يقول: "ثم إن هناك ثلاث مسائل: الحياة... الشريعة... الإيمان، وأن مسألة (الإيمان) هي أهم هذه المسائل الثلاث، وأعظمها في نظر الحقيقة، بيد أن (الحياة) و(الشريعة) تبدوان في نظر الناس عامة، وضمن متطلبات أوضاع العالم، أهم تلك المسائل.. ولما كان تغيير أوضاع المسائل الثلاث كلها دفعة واحدة في الأرض كافة لا يوافق سنة الله الجارية في البشرية، فإن ذلك الشخص المنتظر لو كان موجودًا في الوقت الحاضر، لاتخذ أعظم تلك المسائل وأهمها أساساً له دون المسائل الأخرى، وذلك لئلا تفقد خدمة الإيمان نزاهتها وصفاءها لدى الناس عامة"([14]).

إن فقدان فقه الأولويات، يحدث خللاً بالغًا في الدعوة، ويوقع كثيرًا من الدعاة في اضطراب المنهج، وتخبط في الدعوة، فتضيع بذلك الأوقات، وتُهدر الطاقات، ويُحدث ذلك أثرًا سلبيًا، وربما نتائج عكسية، في دعوة من فَقدَ ذلك.

وإن فاقد فقه الأولويات، قد يدعو إلى الأعمال قبل تحقيق توحيد الربوبية والألوهية، وإلى السنن قبل الواجبات، وإلى ترك المكروهات قبل المحرمات، وإلى الشكليات قبل المضامين، وإلى الفرعيات قبل الأسس، كوحدة الكلمة، وتماسك الصف، مما ينعكس أثره سلبيًا على الدعوة([15]).

التدرج والمرحلية في الإصلاح والدعوة إلى التغيير.

إن التزام التدرج في تغيير مجتمع ما، من وضع سيء إلى وضع أفضل، شرط ضروري في عملية الإصلاح، فالتدرج سنة كونية نراها في خلق الإنسان والحيوان والنبات، فهذه المخلوقات كلها تتدرج في مراحل متتابعة حتى تصل إلى أعلى درجات النمو والاكتمال، ولا تظهر هكذا بشكل فجائي وعشوائي.

والتدرج في إلقاء التوجيهات أمر تقتضيه سنن الفطرة، التي تأكد أن النفس الإنسانية لا يمكن تحويل وجهتها دفعة واحدة، لذا اقتضت الحكمة الإلهية أن ينزل الوحي مفرقاً، وأن تتم عمليات تنزيله على الواقع بالتدرج؛ حتى يوطن الناس نفوسهم على الواقع الجديد. وأذكر مثالاً يبين أهمية هذه القاعدة في إنجاز العمل الدعوي، تقول عائشةرضي الله عنها: (وإنما أول ما أنزل من القرآن سورة فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر ولا تزنوا، لقالوا لا ندع الخمر ولا الزنا أبداً)([16]). وقد اعتمدها النبي – صلى الله عليه وسلم -  في تعامله مع اﻟﻤﺠتمع الجاهلي، حيث انتقل من مرحلة تثبيت العقيدة في القلوب، إلى مرحلة تعليم العبادات وإنزال الأحكام الشرعية حسب الوقائع ونفسيات الناس، كتحريم الخمر... والنورسي اعتمد على هذا الأساس، وهذه الركيزة، في منهج دعوته، وتعامل مع واقعه وفق التدرج السنني.. يقول في ذلك: "إن الوثوب من حسّ إلى آخر، قبل أن يتم الأول، ومن بعد ذلك مزجه مع الآخر، يخل بالسلاسة ويغيرها، فيلزم التدرج في المعاني المتسلسلة، والحذر من الاشتباك العشوائي بدون نظام"([17]).

يقول الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه عن النورسي:

كان النورسي "يؤمن (بالنظام)، ويبعد (الفوضى)، ويؤمن (بالتدرج)، ولا يعتقد (بالطفرة). فالنظام والتدرج هما أساس الوجود كله، وأي خروج عليهما، يعني إدخال الفساد عليه، وهو خروج واضح على تعاليم القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة. والقرآن هو الكون المقروء، والسنّة هي الكون المطبق في الحياة العملية".

"وفي ضوء ذلك، فإن النورسي يدعو إلى تغيير اجتماعي منظم، يتمسك بقانون التطور الفطري التدريجي، ويجب أن يبدأ من القاعدة، ويصعد إلى القمة، لا العكس، لأن العكس سيؤدي إلى زعزعة الحياة الاجتماعية، ويحصل منه شر مستطير، وتخريب كبير". فهو يقول: (إن من يشق طريقاً في الحياة الاجتماعية، ويؤسس حركة. لا يستثمر مساعيه، ولن يكون النجاح حليفه، ما لم تكن الحركة منسجمة مع القوانين الفطرية التي تحكم الكون، بل تكون جميع أعماله لأجل التخريب والشر)([18]). إذن فلا بدّ أن يكون قانون التغير في حياته هو التغير التدريجي، حتى لا يختلّ توازن الحياة، فيؤدي إلى نتائج عكسية"([19]).

ولهذا بدأ بالأهم ثم المهم في سلم الأولويات الذي هو منهج الأنبياء. ومن هنا كان تركيزه على إعادة الإيمان إلى النفوس والقلوب والحياة، وكل الأهداف الأخرى كانت تابعة للإيمان، ونابعة منه يقول:

(إنه لا بد لهذا العصر من مجدد له شأنه، ليقوم بتجديد الدين والإيمان، وتجديد الحياة الاجتماعية والشـريعة، وتجديد الحقوق العامة، والسياسة الشـرعية، ولكن أهم تلك الوظائف هو التجديد في مجال المحافظة على الحقائق الإيمانية، فهو أجل وأعظم تلك الوظائف الثلاث. لذا، تبقى دوائر (الشريعة) و(الحياة الاجتماعية والسياسية) في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، بالنسبة إلى دائرة الإيمان)([20]).

أي أنه كان قد وضع سلم أولوياته على النحو التالي: الإيمان، ثم التربية، ثم الشريعة. ولهذا تدرج في دعوته الإصلاحية من:

 1- الفرد؛ عاملاً، وفلاحاً، وطالباً، وعالماً، ورجل إدارة وسياسة، يغرس في نفوسهم العقيدة والإيمان والأخلاق ومبادئ الإسلام وفضائله.

 2- ثم ينتقل إلى البيت؛ زوجاً وزوجة وأولاداً وأسرة.

 3- ثم إلى المجتمع، بكل ما فيه من شرائح وطبقات وفئات، ثم إلى الأمة الإسلامية.

واستمر النورسي في تطبيق نظريته التغييرية عن طريق: نشر حقائق الإسلام بالأدلة والبراهين.. وتكوين الجيل المؤمن الصالح.. وبثّ الوعي الإسلامي بخطورة الحملة الشرسة على الإسلام والمسلمين.. وتهيئة صفوف الأمة للوقوف أمام الموجة اللادينية الطاغية.. ونقل التربية الإسلامية إلى داخل البيوت.. (وقد نجح أسلوبه هذا إلى حد بعيد)([21]).

التدريج في الإرشاد: يتطلب الإرشاد التدريج في الموضوعات، والتدريج في تصنيف المخاطبين بالإرشاد، وقد نصنفه بمسح ميداني للمخاطبين. فإذا أخذنا بنظر الاعتبار شريحة المسلمين، وشريحة غير المسلمين، تكون الأولوية حفظ إيمان المؤمنين، عملاً بالقاعدة الشرعية: دفع الضرر أولى من جلب المنفعة، ثم إن الأولوية لإصلاح النفس وإصلاح العائلة. كذا، الأولوية لإصلاح الوطن وإصلاح اهل البلد.. إن التوسع من الدائرة الصغرى إلى الدائرة الكبرى، يتوافق مع القاعدة الشرعية المذكورة آنفاً، وكذلك مع قاعدة التدريج الجاري في الكائنات. ونستدل أيضاً بالآية الكريمة: {وأنذر عشيرتك الأقربين} في التدريج. ويعبر بديع الزمان عن جوهر التدريج بقوله: "توجد حلقات، حلقة داخل أخرى، مثل الدوائر المتداخلة، تبدأ من دائرة قلب الإنسان وبطنه، فدائرة جسده وبيته، فدائرة حيه ومدينته، فدائرة وطنه وبلاده، فدائرة الكرة الأرضية والنوع البشري، حتى دائرة ذوي الحياة والعالم. وقد يكون في كل دائرة نوع من الوظيفة لكل إنسان. لكن توجد وظيفة هي أعظم الوظائف وأهمها وأدومها في أصغر دائرة من الدوائر"([22]).

متابعة النورسي أخبار العالم الإسلامي

اهتم النورسي بمتابعة أحوال العالم الإسلامي من خلال الاطلاع على ما ينشر في الصحف اليومية والمطبوعات الأخرى.

وأثناء إقامته في (وان) قرأ خبراً مثيراً نقلته إحدى الصحف المحلية عن خطاب لوزير المستعمرات البريطانية (وليم غلادستون)([23]) في مجلس العموم البريطاني، حيث كان يخاطب النواب وبيده نسخة من القرآن الكريم، قائلاً: (ما دام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به)([24]).

هزّ هذا الخبر كيان النورسي هزاً عنيفاً، وأدرك بذكائه واطلاعه أن العالم الإسلامي يتعرض لهجوم غربي جديد يستهدف إخضاع المسلمين وتقويض عقيدتهم؛ وهذا ما جعله يقرر تسخير حياته لإظهار إعجاز القرآن الكريم، وربط المسلمين بتعاليمه، ووعد قائلا: (لأبرهنن للعالم أن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها، ولا يمكن إطفاء نورها)([25]).

ولإنجاز وعده فكر في إنشاء جامعة إسلامية في كوردستان تحت اسم (مدرسة الزهراء)([26])، تكون مركزاً لخدمة القرآن الكريم، على غرار (الجامع الأزهر) بمصر، وفق نظام حديث، تجمع في التدريس بين العلوم القرآنية والعلوم الحديثة، حتى تخرج شباباً مثقفاً ثقافة أصيلة، مستوعباً لما استجد من العلوم، فيسهم حينئذ في نشر حقائق الإسلام والدفاع عنها.

ومن أجل تحقيق هذا المشروع شد النورسي الرحال إلى استانبول، وهو لم يتجاوز بعد الثالثة والعشرين من عمره، ومكث هناك سنة ونصف سنة، محاولاً إقناع المسؤولين بمشروعه، غير أنه لم يفلح في مسعاه؛ فرجع إلى (وان)([27]).

النورسي وجمعية الاتحاد والترقي:

قبيل إعلان المشروطية الثانية([28]) عام 1908، اتجه النورسي إلى (سلانيك)([29])، فرحب به كبار شخصيات الاتحاد والترقي، لكونه من دعاة الحرية ومبدأ الشورى الإسلامي ومنتقدي الاستبداد.

لقد جمعت الدعوة إلى الحرية ومقاومة نظم الحكم الاستبدادية بين النورسي والاتحاديين؛ لذا مال إليهم فترة محدودة، أملاً في ظهور عناصر منهم تسعى إلى ما كان يسعى إليه هو أيضاً([30])، وحاولوا هم بدورهم - تسخيره لخدمة أهدافهم الخاصة، لكنه ظل مستقلاً عنهم([31])، وعندما تبين انحرافهم عن الدين، واجههم بقوله: (لقد اعتديتم على الدين، وأدرتم ظهوركم للشريعة).

ذلك أنه بعد إعلان المشروطية، وإطلاق حرية الصحافة، سادت موجة فكرية تدعو إلى الإلحاد ومحاربة الدين، ظناً من أصحابها أن سبيل النهوض والتقدم هو استبعاد الدين من المجتمع.. من ذلك ما نشره الصحفي (حسين جاهد يالجين)([32]) رئيس تحرير جريدة (طنين)، وأحد الأعضاء البارزين في جمعية (الاتحاد والترقي)، حيث قال: "إنه آن الوقت لأن نفكر جدياً في اقتباس (العلمانية)، فالغرب لم يتقدم إلا عندما مزق سيطرة الكنيسة وسيطرة رجال الدين المسيحيين".

فرد عليه النورسي بمقالة، بيّن فيها أن الإسلام ليس فيه رجال دين بالمفهوم الغربي المسيحي؛ لذا فإن المقارنة باطلة: "ليس في الإسلام طبقة الرهبان؛ ذلك لأن النص الوارد في أنه (لا رهبانية في الإسلام) يشكل قاعدة رئيسية من قواعد تفكيرنا، ويجب أن يكون كذلك في الواقع أيضاً، والمنطق يرفض أن نحمّل النتائج الضارة الناتجة من التطبيق السيء على هذه الفكرة، وأن نجعلها موضع نقاش...إن الإسلام نظام كامل للحياة ؛ فشريعتنا لم تدع وظائفنا التعبدية شيئاً نظرياً وأمراً منفصلاً عن الحياة، بل أدمجتها ضمن هذه الحياة وضمن نظامها، فإن انفصلت عقائدنا تماماً عن قلب الحياة، فلا يبقى في أيدينا سوى شيء نظري"([33]).

أدرك النورسي وجود جهات تحاول استغلال (المشروطية) لخدمة أهداف معادية للدين؛ إذ أصبحت الحرية كما فهمها الاتحاديون – تعني التحلل من الأخلاق؛ لذا وجّه جلّ جهوده في إلقاء الخطب وكتابة المقالات لتوضيح مفهوم الحرية في الإسلام، ولبيان أن الحرية الشرعية هي التي يرسم حدودها الشرع: "بني وطني، لا تسيئوا فهم الحرية كي لا تذهب من أيديكم...إن الحرية لا تنمو إلا بتطبيق أحكام الشريعة، ومراعاة آدابها"([34]).

تبيّن النورسي، من خلال استقرائه للخطوات التي سار عليها الاتحاديون، النتيجة التي ستصل إليها الدولة العثمانية، كما تبيّن مستقبل الإسلام في أوروبا. وهذه الرؤية المستقبلية تلخصها إجابته عن سؤال مفتي الديار المصرية([35])، إذ قال بديع الزمان:

(إن الدولة العثمانية حبلى حالياً بجنين أوروبا، وستلد يوماً ما، أما أوروبا فهي أيضاً حبلى بجنين الإسلام، وستلد يوماً ما)([36]).

دُعي بديع الزمان إلى مركز المقاومة (أنقره) من قِبل أتاتورك للانضمام إليه، لكنه رفض الدعوة ؛ لأنه أراد أن يجاهد من أخطر الأمكنة في مواجهة المحتل، ومع تكرر الدعوات وإلحاح بعض الشخصيات المحبة له، توجه النورسي إلى (أنقره)، حيث أُقيم حفل في مجلس النواب تكريماً له، إلاّ أنه انزعج كثيراً لما رآه من انصراف النواب عن الدين وتركهم للصلاة؛ لذا وجّه إليهم بياناً من عشر نقاط يذكرهم فيه بالإسـلام، ووجوب الالتزام بتعاليمه، واستهله بقوله: (أيها المبعوثون... إنكم لمبعوثون ليوم عظيم).

ترك هذا البيان تأثيرا واضحاً في النواب، إذ عقب إلقائه التزم ما يقارب ستين نائباً بالصلاة، حتى إن مسجد بناية المجلس لم يعد يتسع للمصلين.

وتضايق (مصطفى كمال) من هذا البيان؛ فاستدعى النورسي ليعاتبه قائلاً: (لا ريب أننا بحاجة إلى أستاذ قدير مثلك. لقد دعوناك إلى هنا للاستفادة من آرائك المهمة، ولكن أول عمل قمت به هو الحديث عن الصلاة، فكان أول جهودكم هنا هو بث الفرقة بين أهل هذا المجلس).

فأجابه بديع الزمان في حدّة: (باشا.. باشا.. إن أعظم حقيقة بعد الإيمان هي الصلاة، وإن الذي لا يصلي خائن، وحكم الخائن مردود..)([37]).

 وعلى إثر ذلك حاول أتاتورك إبعاده إلى شرق الأناضول بحجة تعيينه واعظاً عاماً لكوردستان، لكنه رفض، وظل في أنقرة يكتب ويؤلف الرسائل في إثبات وجود الله وترسيخ العقيدة، والردّ على الانحراف الجديد الذي ظهر نتيجة موجة الشك والإلحاد التي تسربت إلى المسؤولين والموجَّهين بالمذاهب المادية الغربية.

النورسي ورؤيته للحضارة

حديث النورسي عن الحضارة - في حقيقته - حديث عن فلسفتها وجذورها، فهو لا ينشغل كثيراً بمظاهرها ونتاجاتها؛ لأنه يدرك أن أي حضارة إنما تقوم على فلسفة معينة وتصور محدد لوظيفة الإنسان في هذا الوجود وعلاقته بالكون وخالقه.

ولهذا يجد القارئ، في أكثر من موضع، أن النورسي يستخدم العناصر ذاتها في تحليله لقضايا الحضارة وقضايا الفلسفة، وكأنْ لا فرق بين الحضارة والفلسفة([38]).

ولعل القارئ لفكر النورسي لا يجد عناءً في تحديد اتجاهه في موضوع الحضارة، إذ يكاد يرى تطابقاً كاملاً بين ما يذهب إليه بديع الزمان في حديثه عن التصور العقدي، تمهيداً لدراسة الحضارة، وبين ما يذهب إليه أصحاب الاتجاه الثاني، لا سيما (ألبرت اشفيتسر)([39])، الذي أكد العلاقة بين الحضارة وبين نظرية الإنسان في الكون -وهي علاقة لا يعيرها أحد التفاتاً في رأيه -، فقد خلص إلى أن كل تقدم إنساني متوقف على التقدم في نظريته في الكون: "إن العصر الذي نعيش فيه يعوزه إدراك أهمية الظفر بنظرية في الكون... وافتقارنا إلى حضارة حقيقية مرجعه إلى افتقارنا إلى نظرية في الكون، وحينما يتهيأ لنا الوصول إلى نظرية قوية ثمينة في الكون، نجد فيها اعتقاداً قوياً ثميناً، هناك فقط يكون في وسعنا إيجاد حضارة جديدة"([40]).

وإذا كان فلاسفة الحضارة الغربيون قد تنبهوا إلى مكمن الداء في الحضارة، وهو افتقارها إلى نظرية في الكون، فإن النورسي - وانطلاقاً من وضوح رؤيته العقدية وأصالتها - يقدم لنا نظرية متكاملة في الكون، حيث وظيفة الإنسان فيه محددة، وعلاقته به واضحة، وتصوره لقضية الألوهية لا غبش فيه.

تشخيص أمراض العالم الإسلامي:

يحلل النورسي واقع العالم الإسلامي، مبيناً أن أسباب تأخره تكمن في الأمراض التالية([41]):

1 ـ اليأس الذي وجد أسباب الحياة في النفوس.

2 ـ انعدام الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية.

3 ـ حب العداوة.

4 ـ الجهل بالروابط السامية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.

5 ـ سريان الاستبداد، مثل سريان الأمراض المعدية.

6 ـ حصر الهمة في المنفعة الشخصية.

7 ـ عدم مراعاة أحكام الشريعة الغراء.

8 ـ التعصب المقيت في غير محله، سواء لدى عالم جاهل، أو جاهل عالم.

9 ـ تقليد مساوئ المدنية الأوروبية.

ولمّا كان بديع الزمان يرى أن هذه هي أسباب تأخر العالم الإسلامي، فإنه يعتقد أن أهمها إطلاقاً هو الاستبداد السياسي، ويليه اختلاف الأفكار، الذي هزّ أسس الأخلاق وفرّق الأمة. يقول في ذلك: "إن من أهم أسباب تأخرنا في مضمار المدنية، بعد الاستبداد، هو تباين الأفكار واختلاف المشارب لدى منتسبي ثلاث شعب كبيرة: المدارس الحديثة، والمدارس الدينية، والتكايا"([42]).

وعلى الرغم من تردي الواقع الإسلامي، كما يصوره بديع الزمان، فإنه لم ييأس من محاولة الإصلاح والتغيير، بل إن أول وصفة يقدمها لعلاج أمراض المجتمع الإسلامي هي الأمل، ويؤكد أنه قد "دنا شروق شمس سعادة عالم الإسلام الدنيوية، وبخاصة سعادة العثمانيين، لا سيما سعادة العرب، الذين يتوقف تقدم العالم الإسلامي ورقيه على تيقظهم وانتباههم، فإني أعلن بقوة وجزم، بحيث أسمع الدنيا كلها، وأنف اليأس والقنوط راغم: إن المستقبل سيكون للإسلام، وللإسلام وحده، وإن الحكم لن يكون إلاّ لحقائق القرآن والإيمان"([43]).

ثم يوالي بديع الزمان تقديم العلاج لإصلاح أحوال العالم الإسلامي، مبيناً أهمية الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية، ودور المحبة في تقوية الصلة والترابط بين أفراد المجتمع، وضمان السلم الاجتماعي، وداعياً إلى العمل لتحقيق الاتحاد الإسلامي والوحدة الحقيقية للأمة الإسلامية، وتجاوز التقصيرات الشخصية.

ويختم النورسي وصفته بالحث على الشورى الإسلامية، التي هي مفتاح السعادة للمسلمين، في حياتهم الاجتماعية والسياسية. يقول في هذا الصدد: "إن فك أنواع القيود التي كبلت ثلاثمائة بل أربعمائة مليون مسلم، ورفع أنواع الاستبداد عنهم، إنما يكون بالشورى والحرية الشرعية النابعة من الشهامة الإسلامية والشفقة الإيمانية، تلك الحرية الشرعية التي تتزين بالآداب الشرعية، وتنبذ سيئات المدنية الغربية"([44]).

من هذا الاستعراض الموجز لأسباب تأخر العالم الإسلامي، والحلول المقترحة لعلاجها، يبدو أن النورسي كان يركز على قضية أساسية هي إصلاح الحياة السياسية في الدولة، لكن هذا الاهتمام لا يبرز إلا في مرحلة ما قبل سيطرة الكماليين على السلطة وسقوط الخلافة.

ولعل سبب هذا الاهتمام يصبح واضحاً إذا أدركنا أن فساد نظام الحكم في أواخر الدولة العثمانية كان العامل المهم في انهيار الدولة وانهزامها أمام أعدائها، وأرجح أن هذا أيضاً ما جعل بديع الزمان يركز على قضيتين أساسيتين ومترابطتين، هما: الحرية والشورى.

لكن النورسي ينبه ويحذر من الفهم الخاطئ لمعنى الحرية، ولمعنى الشورى؛ فالحرية – كما يحددها – وثيقة الصلة بالإيمان والعبودية لله تعالى. وفي هذا يقول: "المؤمن حر في ذاته، فالذي هو عبد لله رب العالمين لا ينبغي أن يتذلل للناس. بمعنى: كلما رسخ الإيمان قويت الحرية...إن الحرية الخارجة عن دائرة الشرع إنما هي استبداد، أو أسر بيد النفس الأمارة بالسوء، أو بهيمية، أو وحشية..."([45]).

إن هذا التنبيه والتحذير المتكرر من النورسي لجميع أفراد المجتمع كي يفهموا الحرية بالضوابط الشرعية، إنما كان لحرصه على منع استغلالها وجعلها وسيلة لتغريب المجتمع المسلم، كما كان محاولة منه لصد التيارات المعادية للدين، التي ظهرت بوضوح - في عهدي السلطان عبد الحميد والاتحاديين - وانحرفت بالحرية من مفهومها المرتبط بالشريعة إلى مفاهيم الغرب المادية.

ويبدو أن النورسي كان مستشعراً قوة هذه التيارات، وإصرارها على هدم كيان الدولة، مستعينة بشعارات تهفو إليها النفوس، لذا ظل يصرّ - هو أيضاً - على تنبيه الناس إلى المفهوم الحقيقي للحرية: "يا أبناء الوطن، لا تفسروا الحرية تفسيراً سيئاً، كي لا تفلت من أيديكم... ذلك لأن الحرية إنما تزدهر بمراعاة الأحكام الشرعية وآدابها، والتخلق بالأخلاق الفاضلة"([46]).

وللسبب ذاته أيضاً رفض النورسي المشروطية المخالفة للشريعة، رفضاً قاطعاً: "إن كانت المشروطية تعني مخالفة الشريعة، واستبداد جماعة معينة، فليشهد الثقلان أني رجعي"([47]).

العمل الجماعي فـي فكر النورسي:

ظلت فكرة العمل الجماعي راسخة لدى النورسي، سواء أثناء دعوته إلى إصلاح النظام السياسي قبل السقوط النهائي لدولة الخلافة، أم بعده.

وهذا ما رأيناه عند تناول منهجه في التفسير؛ إذ كان يرى أن القيام بهذه المهمة قد يتعذر على شخص واحد، ولا يستطيع القيام بها على الوجه الأمثل إلا مجموعة من كبار العلماء المتخصصين في مجالات متنوعة، تعمل مشتركة متعاونة.

كما ظهرت فكرة العمل الجماعي في نقده لوضع المشيخة الإسلامية، التي كان يرى أنها - بوضعها ذاك - ليست أهلاً لثقة العالم الإسلامي، وهي عاجزة عن أداء مهمتها تجاهه: (فلسنا في الزمن الغابر، حيث كان الحاكم شخصاً ومفتيه ربما شخص واحد أيضاً، يصحح رأيه ويصوبه، فالزمان الآن زمان الجماعة، والحاكم شخص معنوي ينبثق من روح الجماعة)([48]).

وهذا النهج نفسه هو الذي سار عليه عند تكوينه لجماعة النور، إذ كان يرى أن مهمة الإصلاح التي تصدى لها، يعجز عنها الفرد الواحد، فهي تحتاج إلى الجهود المنظمة لآلاف الأفراد: "إن هذا الزمان - لأهل الحقيقة - زمان الجماعة، وليس زمان الشخصية الفردية، وإظهار الفردية والأنانية، فالشخص المعنوي الناشئ من الجماعة ينفذ حكمه، ويصمد تجاه الأعاصير"([49]).

ولعل إيمان النورسي بالعمل الجماعي هو الذي دفعه إلى محاولة توحيد جميع جهود العلماء والمصلحين وأهل الطرق والمشارب الصوفية، لتتسع بذلك دائرة حركة النور، وتقوى على مواجهة مخططات السلطة العلمانية. وهو الذي حمله أيضاً على التحذير المتكرر من التنازع والاختلاف؛ لذا فهو يؤكد أن "من يفتح نهجاً جديداً، ويسلك طريقاً آخر، يضر هذه الجادة القرآنية المستقيمة القويمة من دون أن يشعر، ويتضرر هو بنفسه أيضاً، بل قد يكون عمله نوعاً من العون للزندقة، دون شعور منه"([50]).

لقد حاول النورسي ألا يثير أي خلافات داخل الصف الإسلامي، فبالرغم من انتقادات أهل الطرق له واعتراضاتهم عليه([51])، لم يعاملهم بالمثل، بل إنه أوصى طلابه بألا يهتموا بها إطلاقاً، وأعلن عفوه عنهم، قائلاً: "فتجاه الأضرار الرهيبة التي ينزلها بنا أهل الإلحاد حالياً، أعد تلك الانتقادات الطفيفة من إخواننا أهل الإيمان، التي تمس شخصي، توصية صديق شبيهةٍ بالتذكير والتنبيه لأخذ الحذر"([52]).

الوحدة الإسلامية:

لم ينفرد النورسي بالدعوة الى الوحدة الإسلامية، وإنما سار على درب سلفه من رواد الإصلاح، ولا سيما جمال الدين الأفغاني، الذي يُعد أبرز من دعا المسلمين إلى لـمّ شتاتهم، وتوحيد صفوفهم، حتى إن رسالته تكاد تلخص في كلمتين، هي: الجامعة الإسلامية([53])، فصحيفة العروة الوثقى التي أصدرها مع تلميذه محمد عبده قد أرست الأسس الفكرية لمفهوم الوحدة الإسلامية، ومنحت دعوة الجامعة الإسلامية محتوى تحررياً ومضموناً معادياً للاستعمار([54])؛ إذ إن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية أصبحت تعني مقاومة الاستعمار الغربي، الذي كان يستهدف القضاء على الإسلام.

بعد رحلة الأفغاني الطويلة في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، وجدت أفكاره مجالاً في مقر الخلافة على عهد السلطان عبد الحميد الثاني، الذي كان أحوج إليها، لمعالجة الأوضاع الداخلية، ومجابهة التهديدات الخارجية، إذ تبنى السلطان سياسة الجامعة الإسلامية، لجمع المسلمين من حوله، ولمقاومة الحركة الدستورية والمعارضة، ولمقاومة الدول الاستعمارية([55]).

ويبدو تأثر بديع الزمان بالأفغاني في الدعوة إلى الجامعة الإسلامية واضحاً، من خلال ما يصرح به في قوله: "فأسلافي في هذه المسألة هم الشيخ جمال الدين الأفغاني، ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده، ومن العلماء الأعلام (على سعاوي)، والعالم (تحسين)، والشاعر (نامق كمال)، الذي دعا إلى الاتحاد الإسلامي"([56]).

لكن تأثر النورسي بغيره - هنا – لا يعني أنه ليس لديه تأصيل فكري لموضوع الوحدة، إذ نلحظ جذورها الأولى لديه عند دعوته المسلمين سنة وشيعة إلى تجاوز ما عساه أن يكون سبباً للفرقة والتحزب، ويرجع بعيداً إلى أحداث التاريخ الأولى - حيث كانت بداية الخلاف بين المسلمين فيما عُرف بالفتنة الكبرى - فيدعو الجميع إلى نبذ الإفراط والتفريط، والاستقامة على الحد الوسط، الذي اختاره أهل السنة في محبة آل البيت. لذا فهو يدعوهم حاضراً: "فيا أهل الحق، الذين هم أهل السنة والجماعة. ويا أهل الشيعة، الذين اتخذتم محبة أهل البيت مسلكاً لكم:

ارفعوا فوراً هذا النزاع فيما بينكم، هذا النزاع الذي لا معنى له، ولا حقيقة فيه، وهو باطل وهو مضر في الوقت نفسه. وإن لم تزيلوا هذا النزاع، فإن الزندقة الحاكمة الآن حكماً قوياً تستغل أحدكما ضد الآخر، وتستعمله أداة لإفناء الآخر، ومن بعد إفنائه تحطم تلك الأداة أيضاً.

فيلزمكم نبذ المسائل الجزئية التي تثير النزاع ؛ لأنكم أهل التوحيد، بينكم مئات الروابط المقدسة الداعية إلى الأخوة والاتحاد"([57]).

إن هذه الدعوة الملحة لتجاوز المذهبية قد أملاها – ولا شك - خطاب العقيدة الآمر بنبذ الخلاف، لكن لا يمكن - بأي حال - أن نغفل دواعي الواقع السياسي أيضاً، إذ إن التنافس السياسي المستمر بين الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية كان عاملاً أسهم في تردي واقع العالم الإسلامي، ولعل هذا ما شعر به النورسي - كما شعر به من قبلُ أستاذه الأفغاني([58]) - فحمله على دعوة أهم مذهبين إسلاميين إلى التوحد وتجاوز الاختلاف، لا سيما وقد غدت الأطماع الاستعمارية الغربية ماثلة للعيان.

لقد شغل تحقيق الوحدة الإسلامية فكر النورسي، وهذا ما يفسر انضمامه إلى كثير من الجمعيات الإسلامية([59]) التي ظهرت بداية القرن العشرين، واستهدفت مقاومة التيارات التغريبية، لكنه لم يحصر نفسه في أي إطار حزبي ضيق، إذ كان يرى أن هذه النواة ما كانت لتقتصر على مجموعة من الأفراد دون غيرهم، بل هي للمسلمين كافة: "إن هذا الاسم [الاتحاد المحمدي] حق المسلمين كافة، فلا يقبل تخصيصاً ولا تحديداً، فكما أني منتسب إلى جمعيات دينية عديدة من جهة - حيث قد رأيت أن أهدافها واحدة - كذلك أنتسب إلى ذلك الاسم المبارك"([60]).

لهذا فإن الاتحاد المحمدي - كما يعرفه النورسي، تمتد دائرته من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، وينضوي تحت لوائه ثلاثمائة مليون شخص([61])، وجهة الارتباط في هذا الاتحاد هي توحيد الله.. ومركزه الحرمان الشريفان، ورئيسه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم -، ونظامه الداخلي السنة النبوية، وقوانينه: أوامر الشريعة ونواهيها، أما أهدافه ومقاصده فهي إعلاء كلمة الله.

وبهذا التحديد لمعاني جمعية الاتحاد المحمدي يكون النورسي قد عمل على تحقيق مقصدين مهمين:

الأول: تخليص هذا الاتحاد من التخصيص، وإعلان شموله المؤمنين كافة، كي لا يقع الخلاف والفرقة.

الثاني: وضع حد أمام الانقسام الحزبي، الذي سبب الاضطرابات الاجتماعية والسياسية([62]).

لكن يبدو أن قوة التيارات المعادية للإسلام، واستمرار تهديد الدول الأجنبية للدولة العثمانية، حال دون تحقيق النورسي لما كان يدعو إليه. إذ عقب استيلاء أتاتورك على زمام الحكم، كشف عن عدائه للدين، وأجهز على الخلافة التي كانت آيلة إلى الانهيار أصلاً، فاختفى كل حديث عن الوحدة الإسلامية، أو أي شكل من أشكال التعاون بين أجزاء العالم الإسلامي، فالنظام الجديد في تركيا قطع كل صلاته مع الشرق الإسلامي، واتجه إلى الغرب يخطب وُدَّهُ، ويستورد قوانينه وتشريعاته وعاداته.

ولم يستأنف النورسي حديثه عن الوحدة إلا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث طرأت تغييرات محدودة على النظام السياسي التركي، فحاول جهده أن يخفف من وطأة الاتجاه العلماني في الدولة، بتأييده للحزب الديمقراطي، على شرط نبذه لسياسة حزب أتاتورك.

ولعل من أهم القضايا التي كان النورسي يريد تحقيقها: قضية الحد من توجه الدولة نحو الغرب، ودفعها إلى التعاون مع البلاد الإسلامية. ففي هذا الصدد يقول: "إن ما يعطيه أرباب السياسة الحاليون في هذه البلاد من رشاوى إلى الغرب، وإلى الأجانب، ومن تنازلات سياسية ومعنوية، عليهم أن يعطوا عشرة أمثالها، بل ينبغي لهم أن يدفعوها لأجل إقرار أخوة أربعمائة مليون من المسلمين، ستتشكل على صورة جمهوريات إسلامية متحدة"([63]).

إن هذا التصور الذي انتهى إليه النورسي في موضوع الوحدة، ناشئ - فيما يبدو - من إدراكه لواقع التجزئة الذي أصبح يعيشه العالم الإسلامي، ولا سيما أن أقطاراً إسلامية كانت لا تزال تحت السيطرة الاستعمارية، ومن اقتناعه بأن ظروف هذا الواقع لا تسمح بتأجيل الخطوات في اتجاه أي شكل من أشكال الاتحاد والتعاون بين المسلمين.

ولعله ليس بمستغرب أن نجد صدى هذه الدعوة في الوقت الحاضر، فحزب الرفاه الإسلامي في تركيا، الذي شارك في الحكم، يطرح بإلحاح مشروع إقامة اتحاد سياسي واقتصادي بين الدول الإسلامية، لمواجهة تكتل الغرب وتحدياته.

إنه لكي نفهم منهج بديع الزمان في الدعوة والإصلاح، ينبغي مراعاة كل الظروف التي أحاطت به، وبالعالم الإسلامي، فجعلته يختار مسلكاً معيناً دون غيره.

لقد خلص النورسي - بعد الأحداث التي شهدها العالم الإسلامي - إلى أن دعوة إصلاح المجتمع لا يمكن أن تتم في مرحلة واحدة، بَلهَ أن يقوم بها شخص بمفرده، وأن هناك أولويات لابد من تحقيقها في مسيرة الإصلاح.

أولها: العمل على ترسيخ قاعدة الإيمان التحقيقي، وهي وظيفة لا تحتاج إلى القدرة المادية، ولكنها تحتاج إلى القوة المعنوية، المتمثلة في الإخلاص والوفاء وقوة العقيدة.

ثانيهما: تنفيذ الشريعة، وتطبيق أحكامها، وهي وظيفة تحتاج إلى قوة مادية عظيمة، وسلطة ذات شأن.

ثالثها: خدمة الإسلام، بإعلان الخلافة الإسلامية، والاستناد إلى الوحدة الإسلامية، وتحتاج هذه الوظيفة إلى سلطة عظيمة، وقوة هائلة، وملايين الفدائيين([64]).

لهذا، فالنورسي لا يدعي القدرة على القيام بكل هذه الوظائف، بل إنه أمام الهدم الشديد الذي أصاب كيان الدولة العثمانية - على ما به من ضعف - يعترف بأنه وطلابه، إنما يمهدون الطريق لمن يأتي بعدهم، فيكمل بقية الوظائف اللازمة لدعوة الإصلاح.

إن هذه الرؤية التي يقدمها النورسي، لا يمكن أن تنفصل عن رؤيته الشاملة لقضايا عصره وواقعه، ولعل قساوة الأحداث التي شهدها من أسباب اضطراره إلى سلوك هذا النهج، بل يمكن القول إنه لم يكن لديه مجال للاختيار حتى يقدم منهجاً غير الذي قدّم.



([1]) التأصيل الشرعي لفقه الواقع، الشيخ محمد إبراهيم الهسنياني رحمه الله: 15.

([2]) الطيب برغوث: الواقعية الإسلامية في خط الفاعلية الحضارية: 55.

([3]) البعد الروحي في منهج الدعوة عند بديع الزمان سعيد النورسي: 85.

([4]) سيرة ذاتية: 470.

([5]) د. محسن عبد الحميد: 62 و63 عن ملحق أمير داغ: 2/214.

([6]) صيقل الإسلام: 546.

([7]) الشعاعات: 405.

([8]) الملاحق: 491.

([9]) بديع الزمان النورسي وإثبات الحقائق الإيمانية، عمار جيدل: 67.

([10]) اللمعات: 354.

([11]) سيرة ذاتية: 178.

([12]) الكلمات: 562.

([13]) منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر: 11 بتصرف.

([14]) ملحق قسطموني: 136.

([15]) البعد الروحي في منهج الدعوة عند بديع الزمان سعيد النورسي: 223.

([16]) رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، رقم: 4609.

([17]) صيقل الإسلام: 112.

([18]) اللمعات: 160

([19]) د.محسن عبد الحميد: 62

([20]) الملاحق: 196

([21]) د.محسن عبد الحميد: 65

([22]) الشعاعات: 252.

([23]) وليم غلادستون (1809 - 1898 م): زعيم حزب الأحرار في انجلترا، تقلد مناصب وزارية متعددة، تعمق في الدراسات الدينية، وله عدة مؤلفات). (انظر: الموسوعة العربية الميسرة: 635 ـ 636).

([24]) إحسان قاسم: بديع الزمان: 25.

([25]) المصدر السابق.

([26]) المدرسة هنا بمعنى: الجامعة.

([27]) المرجع السابق.

([28]) انظر: التمهيد: 23.

([29]) سلانيك: كانت هذه المدينة آنذاك المركز الرئيسي لنشاط (جمعية الاتحاد والترقي) المناهضة لحكم السلطان عبد الحميد الثاني.(انظر: علي سلطان: تاريخ الدولة: 354).

([30]) انظر: بديع الزمان النورسي: الملاحق في فقه دعوة النور، ترجمة إحسان قاسم الصالحي: 127.

([31]) حاول اليهودي (عمانوئيل قره صو) رئيس المحفل الماسوني وعضو مجلس المبعوثان(النواب) مقابلة النورسي بهدف التأثير عليه وجره إلى صف الاتحاديين، لكنه قبل إنهاء الاجتماع انصرف خوفاً من التأثر بحديث بديع الزمان قائلاً: (لقد كاد هذا الرجل العجيب أن يزجني بحديثه في الإسلام) (انظر: إحسان قاسم: بديع الزمان النورسي: 30).

([32]) وهو من يهود الدونمة، نفي إلى مالطا عام 1918 مع أقطاب الاتحاد والترقي، توفي عام 1959 (عن د. أحمد نوري النعيمي).

([33]) أورخان محمد علي: النورسي رجل القدر: 41.

([34]) المرجع السابق، أورخان محمد علي: 41.

([35]) هو الشيخ محمد بخيت بن حسين المطيعي مفتي الديار المصرية: من كبار فقهائها، ولد في بلدة المطيعة بأسيوط، تعلم في الأزهر واشتغل بالتدريس فيه، انتقل إلى القضاء الشرعي سنة (1297هـ) اتصل بجمال الدين الأفغاني، ثم عيّن مفتيا للديار المصرية من سنة (1333هـ) إلى (1339هـ)، له كتب قيمة. توفي سنة (1354هـ). (انظر: الزركلي: الأعلام: 6/274).

([36]) في سنة (1908م) كان مفتي الديار المصرية في زيارة (لاستانبول)، فاقترح علماء المدينة إجراء مناظرة بينه وبين بديع الزمان، لعله ينجح فيما فشل فيه العلماء، لكن جواب النورسي أفحم المفتي، الذي قال: (إنني أوافق على ما قال، لأنني أحمل الاقتناع نفسه، ولا يمكن المناظرة مع مثل هذا الشاب؛ لأن مثل هذا الجواب الوجيز خاص ببديع الزمان). (انظر: بديع الزمان النورسي: الملاحق في فقه دعوة النور: 386 ؛ وأورخان علي: النورسي: 38).

([37]) المرجع السابق: 101.

([38]) انظر مثلا: (الكلمات):141 وص 855، و(المكتوبات): 607.

([39]) ألبرت اشفيتسر (1875 ـ 1965): فيلسوف أخلاقي ألماني، جمع بين عدة علوم، كان مرشداً روحياً يدعو إلى حب الإنسانية قولاً وعملاً، ومبدؤه الأساسي هو توقير الحياة. وكان لاهوتيا مؤرخاً للمسيحية والمسيح، ومفسراً للأناجيل بروح نقدية، كما كان طبيباً لم يستخدم طبه إلا في العناية بالفقراء في افريقيا الوسطى، وموسيقياً باحثاً في تاريخها. نظراً لنزعته الإنسانية مُنح جائزة نوبل للسلام سنة (1952م). انظر: عبد الرحمن بدوي في تقديمه لترجمة كتاب اشفيتسر: فلسفة الحضارة.

([40]) ألبرت اشفيتسر: فلسفة الحضارة: 1.

([41]) انظر: بديع الزمان: صيقل الإسلام (الخطبة الشامية): 471 و492.

([42]) المصدر السابق: 472.

([43]) المصدر السابق: 492.

([44]) بديع الزمان: صيقل الإسلام: 514.

([45]) المصدر السابق: 535.

([46]) بديع الزمان ـ صيقل: 467.

([47]) المصدر السابق: 454.

([48]) بديع الزمان: صيقل الإسلام (السانحات): 352.

([49]) بديع الزمان، الملاحق: 163.

([50]) المصدر السابق: 151 و 162.

([51]) حاولت السلطة إبعاد العلماء وأهل التصوف عن دعوة رسائل النور، بادعائها أن النورسي لا يرتضي كتب الغزالي، لكنه يرد هذا الادعاء بقوله: إن رسائل النور هي التي تربطه بأستاذه حجة الإسلام. كما أن من الانتقادات التي وجهها إليه المعترضون عليه عدم ذهابه إلى صلاة الجمعة، ومخالفته السنة بعدم إطلاق اللحية. (انظر جوابه عن هذه الاعتراضات في كتابه: الملاحق: 249).

([52]) المصدر السابق: 339.

([53]) جمال الدين الأفغاني بين تجديد الفكر ودعوة الإصلاح، الصديق عمر يعقوب: 217.

([54]) جمال الدين الأفغاني: الأعمال الكاملة، تحقيق محمد عمارة : 34.

([55]) تاريخ الدولة العثمانية، علي سلطان: 348.

([56]) بديع الزمان: صيقل الإسلام (المحكمة العسكرية العرفية): 446.

([57]) بديع الزمان: اللمعات: 38

([58]) انظر: جمال الدين الأفغاني بين تجديد الفكر ودعوة الإصلاح: 217.

([59]) منها: (الجمعية العلمية الإسلامية)، و(جمعية تعالي إسلام)، و(جمعيات المدرسين الإسلامية)، ولكن أهمها: (جمعية الاتحاد المحمدي): أسسها (درويش وحدتي) سنة 1908م، وأصدرت جريدة (ولقان)، التي لم تستمر إلا سنة واحدة، حيث حُلت بعد حادثة 31 مارس، وأعدم مؤسسها على إثر ذلك. كان النورسي من أبرز خمس شخصيات ظهرت كتاباتهم في الجريدة. (انظر: سهيل صابان: الأوضاع الثقافية في تركيا ـ ص 410 و 411).

([60]) بديع الزمان: صيقل الإسلام (المحكمة العسكرية العرفية): 445.

([61]) هو عدد المسلمين في العالم في عصر النورسي.

([62]) انظر: بديع الزمان ـ صيقل الإسلام (المحكمة العسكرية العرفية): 447.

([63]) بديع الزمان: الملاحق: 375.

([64]) انظر: الملاحق: 195.

هناك تعليق واحد:

  1. اسلام علیکم اوريدو مصادر عن دور سعيد نورسي في جريدة كردستان

    ردحذف