10‏/12‏/2010

بعدما عانت الهدم والتدمير والهجر عقوداً.. (قلعة كركوك) تعود إلى الحياة من جديد وسط آمال بمزيد من الدعم والاهتمام



تحقيق: يحيى شمس الدين – كركوك
قلعة كركوك؛ تاريخ يحكي قصة الأمس، وحديث اليوم، ومحطة الحضارات، ومنبع الأدباء والشعراء والمبدعين، عانت هذه القلعة على مر العقود وربما القرون من الهدم تارة، والإهمال تارة أخرى، واستخدامها كمنطقة عسكرية أحيانا أخرى، واليوم تستعيد الحياة و تنطلق لتصبح المتنفس السياحي وملتقى لأبناء كركوك، هذه المدينة التي تعيش صراعا سياسياً وتأخذ الأمور فيها مجريات غير واضحة المعالم ...
قلعة كركوك ملتقى أبنائها اليوم تدخل عهدا جديدا وسط ضعف الإمكانات وقلة الدعم، الحوار تجولت في ما بقي من هذا الإرث الحضاري وقضت يوما في أحضانها فكان هذا التحقيق.

قلعة كركوك.. توطئة تاريخية
تقوم مدينة كركوك القديمة فوق مستوطن أثري قديم ورد اسمه في الألواح التي عثر عليها على سطح القلعة عام 1923وعددها (51) لوحا يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وتؤكد الكتابات المسمارية بأن مدينة كركوك هي في الأصل مدينة (اربخا) وهي الدولة المستقلة التي ظهرت في الألف الثاني قبل الميلاد. 
تقع قلعة كركوك في الصوب الكبير من المدينة شرق نهر (خاصة)، ويبلغ ارتفاعها عن مستوى الأرض المجاورة لها نحو (18) مترا لتنحدر نحو الأسفل تدريجيا وشكلها العام دائري تقريبا، تنقسم القلعة الى ثلاثة أقسام رئيسية هي.
1- محلة الميدان وتقع في الشمال .
2- محلة القلعة وتقع في الوسط. 
3- محلة الحمام وتقع في الجنوب .
حتى أواخر الثمانينات كانت تضم (560) وحدة سكنية يسكنها 4 آلاف شخص.
ومن المواقع التاريخية الموجودة فيها: 
1-كاتدرائية أم الأحزان (الكنيسة الكلدانية) والتي بنيت على أنقاض كاتدرائية قديمة ويعود تاريخ بنائها إلى عام 1862 وهي مشيدة بالحجر والجص .
2- الجامع الكبير وسمي جامع (أنا) ويعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي. 
- جامع النبي دانيال ويعود تاريخه إلى أواخر العصر المغولي أو بداية العصر التيموري، هذا الجامع بني من الطابوق وهو بمثابة نقطة استدلال تشاهد من جميع أجزاء القلعة، وفي الجامع أقواس وعقود لاتزال قائمة وجالسة على قاعدة مثمنة بجانبها المنارة، ويحتوي الجامع على مشهدين متجاورين ومصلى يطل على فناء مكشوف. 
4- البيوت التراثية تشتهر القلعة بالبيوت التراثية ذات المواصفات النادرة والفريدة؛ منها(دار طيفور) التي تتكون من ثلاث دور متداخلة ذات أعمدة مرمرية رقيقة ونوافذها ومداخلها مؤطرة بالمرمر والزخارف. 
(بيت العروس) تتكون من طارمة وغرفة مستطيلة الشكل وتتميز هذه الدور بزخارفها الجصية والنباتية.
5-القبة الزرقاء وهي عبارة عن شكل مثمن ذات طراز معماري تزينه الزخارف الآجرية النباتية ويعود تاريخها إلى عام 762 هجرية.
6-جامع عريان ويعود تاريخه إلى عام 1142 هجرية ويقع وسط القلعة ويتميز بقبته الكبيرة التي تقوم على أربعة أضلاع متساوية.
7-السوق القيصري ويقع أسفل القلعة؛ وهو عبارة عن سوق قديم مسقف كان مركزا تجاريا أساسيا للمدينة يشتمل على نحو (300) دكان فيه من المعالم المعمارية المتقنة من القبب والأقواس المدببة والزخارف.
8-القبة الخضراء، وتقع وسط القلعة وهي مثمنة الشكل من الخارج ومربعة من الداخل ولها طراز معماري متميز، مبنية من الطابوق والنورة والجص وقد وردت لها عدة أسماء منها (يشيل) (قنبد) )كومبت).
- بوابة (طوب قابو) هي البوابة الوحيدة التي لا تزال ماثلة للعيان؛ ويعود تاريخها إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وهي من البوابات الحجرية ذات أقواس مدببة الشكل ونصف دائرية.

- قلعة كركوك ...إرث حضاري لأبنائها
يقول السيد (سامي عبد العزيز) عضو مجلس مدينة كركوك:
"نحن أبناء كركوك نفتخر بقلعة كركوك؛ ووجودها هو بحد ذاته منطلق حضاري لإظهار تاريخ هذه المدينة، وكل الحضارات والدول التي مرت على كركوك منذ الأزل لها آثار باقية لحد يومنا هذا في قلعة كركوك، و هي هوية تراثية نقدسها جميعا".
أما السيد (جعفر نجم) مدير البيت الثقافي كركوك فيقول :
"قلعة كركوك هي معلم تاريخي واثري في هذه المحافظة، ونفتخر بكل الآثار والرموز التاريخية والتراثية الموجودة أولا في العراق وثانيا في مدينتنا الحبيبة كركوك، كما وان القلعة لها اثر كبير وفخر حضاري في النفوس؛ ولمسنا ذلك من الوفود التي تزورها سواء من خارج العراق أو من المحافظات، وحتى من أبناء المدينة ".
( أياد طارق) مدير دائرة آثار كركوك يقول:
"إن قلعة كركوك مرتبطة جدا بتاريخ كركوك؛ فجميع الحضارات وعلى مر العصور كانت قد تعاقبت على وجودها في القلعة منذ 2600 قبل الميلاد لحد يومنا هذا ".

- قلعة كركوك ...تعود إلى الحياة
وكشف (سامي عبد العزيز) لمجلة الحوار عن تخصيص ميزانية لإعادة ترميم القلعة حيث قال:
"نحن كمجلس مدينة كركوك وضمن الصلاحيات المعطاة لنا فقد تم تخصيص 500 مليون دينار لترميم 5 بيوت قديمة في القلعة ضمن مشروع تنمية الأقاليم لعام 2011 وهذا العمل سوف يستمر في الأعوام المقبلة وسنعمل على توفير دعم أكبر لها ".
أما مدير البيت الثقافي في كركوك فقد أكد بأن القلعة دائما تكون محط اهتمام الأنشطة والفعاليات؛ حيث قال:
"نحن كبيت ثقافي كركوك دائما ما تكون القلعة محط اهتمامنا ضمن مشاريع وزارة الثقافة لإحياء هذا الإرث الحضاري الكبير والذي تشرف عليه دائرة آثار كركوك، وهي أيضا إحدى تشكيلات وزارة الثقافة العراقية، ولدينا خطط استثمارية لإحياء هذا الإرث الحضاري في المحافظة؛ صراحة يجب أن يكون هناك اهتمام خاص بقلعتنا لاستقطاب السياح، كما أن هناك في المستقبل مشاريع ستطرح لوزارة الثقافة لإحياء كل ما هو تاريخي وتراثي في كركوك، وخصوصا إننا نعلم بأن العاصمة بغداد سوف تكون عاصمة الثقافة للعراق والنجف الأشرف عاصمة الثقافة الإسلامية ". 
وقد كشف مدير دائرة آثار كركوك لمجلتنا عن وجود مشاريع مستقبلية لعودة الحياة إلى القلعة حيث أشار الى ذلك بالقول:
"ضمن مشاريع تنمية الأقاليم تم تخصيص مبالغ ولو هي ضئيلة وهي تعطى للمقاولين؛ مع العلم أننا لا نؤيد هذا الأسلوب، فالعمل على الآثار يجب أن يكون بتنفيذ مباشر من قبلنا. وفي مشاريعنا هناك 5 بيوت و4 جوامع وكنيسة في القلعة قيد التنظيف والتعمير والتأهيل وتبليط الشوارع، كما تم تخصيص 500 مليون دينار لعام 2011 من ميزانية تنمية الأقاليم عبر مجلس مدينة كركوك وهذا المبلغ أيضا ضمن أعمال الترميم والتعمير؛ ولكنها كدمعة عين فنحن نحتاج إلى ميزانية أكبر، فمثلا حسب علمي أن قلعة اربيل قد خصص لها 125 مليار دينار، أما قلعة كركوك فمنذ 2003 ولحد الآن لم يتم تخصيص سوى مليار أو مليار ونصف دينار!!". 

- كركوك عاصمة الثقافة العراقية لعام 2010
وخلال لقائنا بالسيد جعفر نجم مدير البيت الثقافي كشف لمجلتنا عن مشروع ذاكرة المدينة حيث قال:
"ضمن فعاليات كركوك عاصمة الثقافة العراقية لدينا مشروع (ذاكرة المدينة) و هو عبارة عن إصدار يضم تاريخ المدينة من تراثه وثقافة وتاريخ الأدباء والمثقفين والشعراء والكتاب عبر 200 عام خاص بكركوك، وشكلت لجنة بالتعاون مع جامعة كركوك للإشراف على المشروع وتنفيذه، والقلعة ستكون حاضرة ضمن هذا المشروع بكل تأكيد".
من جهته أضاف السيد مدير دائرة آثار كركوك:
"عندما تم اختيار كركوك عاصمة للثقافة العراقية وبالتعاون مع البيت الثقافي أقمنا في قشلة كركوك معرضا ً للفنانين، ومعرضا للكتاب في متحف كركوك، وكذلك ضمن خططنا إعادة تأهيل متحف كركوك و إرجاعه إلى الحياة و إحضار آثار حقيقية من بغداد، وكما نعلم فقد تم إعادة فتحمتحف بغداد، ومتحف كركوك سيكون الثاني حسب خططنا، ولكننا نعاني من بعض المشاكل؛ مثلا هناك تجاوز على قطعة ارض عائدة لقشلة تقف فيها الباصات، تم التجاوز عليها بعد أحداث 2003 حيث هدموا جدار القشلة وأقاموا عليها موقف سيارات، ونعمل على توفير أجواء لإقامة أنشطة على قلعة كركوك".

لماذا أهملت القلعة في العقود الماضية؟
أكد جعفر نجم بأن المثقف العراقي عموما عانى الكثير في ظل النظام السابق حيث قال:
"في ظل ضغوطات النظام البائد عانى المثقف العراقي الكثير، وكذلك عانى أهل كركوك؛ وقد تم هدم وإهمال القلعة، كما تم إهمال الكثير من المعالم التاريخية والأثرية في العراق عموما وكركوك خصوصا، ليس فقط قلعة كركوك بحاجة إلى اهتمام بل هناك معالم عديدة كالحمامات والأزقة والمدارس والبيوت القديمة كلها تعتبر من معالم المدينة، ومن الضروري إحياءها كما حدث في البصرة، حيث تم إيلاء الاهتمام والرعاية لبيوت الشناشيل هناك".
وقد تحدث مدير دائرة آثار كركوك عن عمليات هدم وتدمير عشوائية لقلعة كركوك قائلا ً:
"نحن دائرة آثار كركوك منذ الثمانينات نعمل في قلعة كركوك وفي تلك الحقبة قامت دائرتنا باستملاك 15 – 20 بيتا عبر تعويض أصحابها واقتصرت أعمالنا على التعمير والترميم حتى عام 1990، ثم بأمر من بغداد تم استملاك جميع البيوت في القلعة، وتم تعويض أصحابها بقطع أراض سكنية، وكان مشروعنا هو جعل قلعة كركوك منطقة سياحية؛ لكن بعد فترة تم تدمير القلعة من قبل المحافظة ولم تكن بشكل نظامي و مدروس، وأرادوا هدم جميع المباني والبيوت، لكننا نحن كدائرة آثار وعبر صلاحياتنا استطعنا أن نحافظ على 50 بيتا ومن بين المنازل المهدومة منازل تاريخية و أثرية".

لائحة التراث العالمي
يضيف مدير البيت الثقافي:
"كما تعلم بأن مدينة كركوك تضم كافة مكونات المجتمع العراقي من العرب و الكرد و التركمان و الكلدوأشور، وقلعة كركوك هي التي تجمع جميع العراقيين بتاريخهم وتراثهم وحضارتهم العريقة، ونحن بصدد إقامة مشاريع إحياء القلعة ضمن خطط وزارة الثقافة العراقية. والقلعة دائما متواجدة عبر قصائد وكتابات أبنائها من الأدباء والكتاب والشعراء، وهذا دليل على قدسية هذا المعلم الحضاري، لذا لابد أن يتم تخصيص مبالغ كبيرة لإحياء تراث المدينة مثلما يتم تخصيص مبالغ للمشاريع الأخرى، وهذا يقع على عاتق الجهات الحكومية سواء المحلية أو المركزية".
ويؤكد مدير دائرة آثار كركوك بخصوص دخول قلعة كركوك للائحة التراث العالمي "هنا أثمرت جهود محافظ كركوك فقد أرسل دعوة لمنظمة اليونسكو لزيارة كركوك وقلعتها وحقيقة أعجبوا بالواقع الموجود، وهنا لا بد أن نشير إلى إنه هناك قائمة مؤقتة ودائمة للائحة التراث العالمي، وهناك شروط يجب أن تتحقق على ارض الواقع، ونحن نحتاج لسنوات من العمل الجاد كي ندخل القلعة في لائحة التراث العالمي لكي نجذب ونستقطب المنظمات الدولية المانحة، وهذه تكون مصدر تمويل جيد لتطوير واقع حال القلعة، ونحن نتابع هذا الأمر مع الهيئة العامة للآثار في بغداد لأن هذا من صلاحياتها فهم الذين يوقعون الاتفاقيات والعقود، وهناك دراسات حول كيفية العمل على إدراج قلعة كركوك في لائحة التراث العالمي".

ما هو دورنا في إحياء واقع القلعة؟
يجيبنا جعفر نجم قائلا:
"نطمح لإقامة أنشطة ثقافية على أرض قلعة كركوك مثل الأماسي والمسرحيات والمعارض في مختلف التخصصات الثقافية والتراثية، وهنا لابد أن يكون المواطن الكركوكي حاضرا ً ضمن هذه الفعاليات ".
اما أياد طارق فيقول :
" قلعة كركوك قبل 2003 وأثناء فترة النظام كنا نعمل فيها ولم نتوقف وبعد 2003 لحد الان لم يتم دعمنا بشكل كاف من المركز، وما تم لحد الان هو من ميزانية مشروع تنمية الأقاليم، ومحافظ كركوك يهتم بالأمر، ونأمل أن يتم تخصيص ميزانية كاملة وخاصة لقلعة كركوك، كما حصل مع قلعة اربيل.
و من المعروف إن الأماكن الأثرية دوما تكون بحاجة إلى رعاية و اهتمام للإبقاء على روحها الحضارية وجمالها التراثي، وهذه كلها تستثمر للسياحة والأنشطة الثقافية العديدة،والقلعةهي ارض بمقدورها استيعاب كل الأنشطة والفعاليات، ولا ننسى انها جمعت جميع أطياف كركوك على مر العصور معا ً في مكان واحد و بيئة واحدة والاهتمام بها يهم كل كركوكلي ".
لقد انجبت قلعة كركوك الكثير من الادباء والشعراء والاطباء والمحامين من ابناء شعبنا والكثير منهم لايزال على قيد الحياة، وقد سكن قلعة كركوك التركمان والعرب والاكراد بجانب بعضهم البعض بكل مودة واحترام، ولا يفوتنا ان نذكر بأن القلعة قد انجبت الكثير من الاباء الكهنة والشمامسة الكبار.
أملنا إن تكون قلعة كركوك احد أهم المواقع السياحية والأثرية في العراق عموما وكركوك خصوصا.
ترميمات قلعة كركوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق