05‏/10‏/2011

تركيا من الطرف إلى المحور

بقلم: زيرفان بروراي
لا شك ان المأزق الداخلي في انقرة كان الابرز في المشهد السياسي التركي، وأدى الفشل الاقتصادي للحكومات المتعاقبة الى صنع إرادة جماهيرية بحثت عن النموذج السياسي القادر على مواجهة حالة الازمة الاقتصادية في الداخل؛ وكذلك معالجة الانحدار الاقتصادي الخطير الذي واجه تركيا في أواخر التسعينيات اثر الانقلاب المدني[1] من قبل المؤسسة العسكرية؛ أدركت النخبة الجديدة في التيار الاسلامي ان معالجة الازمة الداخلية سوف توفر لهم ارضية ملائمة لتنفيذ سياستهم الاستراتيجية بعيدا عن التشنج السياسي مع النخبة العسكرية والعلمانية المتطرفة.

نموذج الاردوغانية الذي يتصف بالديمقراطية المحافظة اثبت بجدارة على انه النموذج الذي يمكن الاتكال عليه في إدارة الازمات التركية على المستويين الداخلي والدولي، بل واثبت التاريخ والاصلاحات بانه النموذج الذي يصلح لادارة المجتمع السياسي في القرن الحادي والعشرين؛ فالعالم اليوم يمر في عصر لم يشهده من قبل، والأحداث التي تحدث في شهر قد تفوق الاحداث التي حدثت خلال عشرة اعوام في ظل الصراع القطبي والعالم ما قبل النظام العالمي الجديد.....
عمل العدالة والتنمية على التعاطي مع النموذج التركي من خلال الجمع بين المتناقضات والمرونة في ربط المصالح بالايدولوجية والبرنامج السياسي الذي تؤمن به النخبة الجديدة بعد تاريخ من الصراع والتهميش بين الاتجاه الاتاتوركي والاتجاه المحافظ.
عمل الجيل الجديد من الحركة الاسلامية او ما يسميه البعض بالجيل الثالث على إيجاد وسائل واليات جديدة في التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية في البلاد، وأدى التمكين السياسي والوعي بإدارة البلاد الى جعل النموذج الذي ينادي به امثال اردوغان من النماذج المقبولة على مستوى الرأي العام الشعبي بغض النظر عن الخلفيات الايدولوجية والاختلاف مع النخبة الجديدة، فالديمقراطية المحافظة التي تبنتها النخبة الجديدة تقوم على اساس التناغم والانسجام بين الحداثة والتراث، بين الجديد والقديم، وكذلك تؤمن بان واجب الدولة الرئيسي هو خدمة الشعب من خلال القضاء على التناقضات التي تنتج عن طريق الاختلاف في المصالح.
عمل العدالة والتنمية على التخلص من النموذج القائم على ايدولوجية ضيقة تلغي ما سواها، ولم يفرض نفسه على انه الكيان الكاريزمي الذي يملك الحق كله؛ بل عمل على التوافق بين الممكن والواقع من الناحية السياسية والتوازن والتعايش من الناحية الاجتماعية، وقدم نموذجه الاصلاحي على اساس ان الحزب ليس القوة السياسية للتعبير عن هويات مكبوتة تتعارض مع طبيعة النظام القائم في الدولة، ولكنه يسعى للتوفيق بين طبيعة النظام وتلك الطاقات دون تصادم بين الاتجاهين طالما تهيأت البنية الداخلية لذلك ورضى الفاعلون الاساسيون في هذا النظام عن نتائج النموذج الذي يمثله حزب العدالة والتنمية.
ابتعد العدالة والتنمية عن العواطف والمشاعر والعقائد الدينية الضيقة التي قد لا تستجيب للتساؤلات المتكررة للشباب التركي، ولا تؤدي الى إيجاد الارضية الملائمة لوصول العدالة الى دفة الحكم، فقد اختلفت العدالة عن حزب الرفاه في مسألة الصراع مع العلمانيين، ولم يضع الاسلام امامه في معركته السياسية مع العلمانية الاستئصالية بل وضعه في قلبه، فالاعتقاد السائد بين النخبة التركية الجديدة تختلف جذريا مع الافكار والمشاريع الاسلامية السابقة في تركيا والراهنة في العالم العربي والاسلامي، فالدين كما قال اردوغان "هو شي مهم بالنسبة لي على المستوى الفردي بل هو اهم شي لكنه لن يكون كذلك في الفضاء العام الاجتماعي والسياسي حيث يجب ان تتنافس البرامج والافكار والخطط، ويكون الاختيار بينها والتصويت عليها عبر العملية الديمقراطية"، ان الملاحظ في التجربة التركية الحالية انها تترجم ما تؤمن به في الادبيات والممارسات السياسية، وان النموذج الديمقراطي المحافظ بات الاقرب الى تطلعات الشارع التركي بل والاقرب الى الواقع السياسي التركي على المستويين المحلي والدولي، فالمعركة السياسية بين العدالة والتنمية؛ وغطرسة المؤسسة العسكرية من جهة وبين العدالة والتنمية والمؤسسة العلمانية المتطرفة من جهة اخرى تطلبت نوعا من البراكماتيكية السياسية والتعامل بعقلية الواقعية السياسية مع القضايا العالقة.
وهكذا نجد ان المعركة الاردوغانية ما تزال في صالح العدالة والتنمية بل وانها تؤدي بنتائج ايجابية مع مرور الوقت وتحصل على احترام الاعداء وتعلق المؤيدين، تركيا من خلال المشاريع الاصلاحية في المجال المحلي اثبتت عالميا على انها الدولة التي تسطيع المناورة في ظل النظام العالمي المعقد والمتشابك، وانها الدولة التي تطمح في التحول من حالة الى اخرى بعد ان اصبحت معادلة الحفاظ على الامر الراهن من اولويات الساسة في المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق