05‏/10‏/2011

من مبادئ إدارة الأزمات


بقلم : ناصر اسعد الريكاني


بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن الماضي انتهت سنوات الحرب الباردة وانتهت حقبة انقسام العالم الى قطبين شيوعي ورأسمالي، وبدأ عهد جديد ونظام جديد هو نظام القطب الواحد؛ وعهد ادارة العالم حسب معايير القوة العظمى التي فرضت سيطرتها على كل المؤسسات الدولية سياسية كانت او اقتصادية او حتى قضائية لتدفع بالعالم الى مستقبل مرسوم الابعاد ومحدد المعالم سلفا من قبل خبراء قابعين في بقعة محددة وجالسين تحت سقف واحد.
ومن الاساليب المتبعة لهذه القوة لتحكيم قبضتها على كل شاردة وواردة في ارض وفضاء عالمنا، التدخل في اي بقعة بعد تسخينها لتوفير الغطاء الشرعي للتدخل، وكذلك عند حدوث اي تطور او تغيير مهما كان حجمه وفي اي زاوية كان فتوجهه لخدمة هدفها الاسمى والبقاء بمجريات الاحداث ضمن .....


حدود ذلك المخطط المرسوم سابقا.
وبما ان اي حل للمشكلة واي انفراج للازمة يعني انهاء دور القوة المنقذة واقتراب موعد مغادرة المراقب الدولي لذلك لابد من اطالة أمد الازمة وتمديدة فترة المشكلة للابقاء بعيونها وقواعدها اطول فترة ممكنة في تلك المنطقة،او امكانية الحصول على قواعد دائمية  في اطار ما تسمى بالاتفاقيات الامنية او الاستراتيجية مع الانظمة الحاكمة فيها والواقعة تحت وصايتها لضمان امن وسلامة اهدافها ومصالحها والحفاظ على ذلك الرماد الذي خلفته حروب التحرير وانقاذ الشعوب من العبودية، وبهذا فان هذه القوة لا تسعى ابدا الى حل الازمات بشكل جذري ونهائي وانما تقوم بادارة الازمات واطالة امدها وتوجيه مسارها الى حيث تريد وترضى.
ومن اهم مبادئ عملية ادارة الازمات التي وضعتها الادارة الامريكية الراعية الاولى لهذا المشروع في العالم هو مبدأ (التعليق والتأجيل والمماطلة) أي تعليق وتأجيل أي قضية ثانوية طارئة من شأنها ان تؤثر على مجريات الحدث الرئيسي او الأزمة الرئيسية الى حين وضع برنامج اخر يناسب تلك القضية وذلك الحدث الطارئ من اجل السيطرة على الحدث برمته وحصره في الاطار المرسوم والمحدد له سلفا.
وقد رأينا تجلي ذلك بوضوح في أزمة الخليج والعراق تحديدا؛ فبعد مرور اكثر من عشرين سنة من تدخل الادارة الامريكية تحت ذريعة انقاذ شعوب المنطقة من خطر النظام الديكتاتوري واسلحة الدمار الشامل كما ادعت، وكذلك تصدير مبادئ ديمقراطيتها لدول المنطقة والإشراف على تطبيقها، لا تزال العملية مستمرة ولا تزال الازمة قائمة وتتحول من شكل الى اخر ومن طور الى اخر، فلا حلت الديمقراطية مكان الديكتاتورية! ولا حل الامن مكان الخوف، لانه لو حصل ذلك لانتهت اللعبة وانتهى دور اللاعبين فيها، طبعا هذا الشيء لا يخدمهم ولا يخدم طموحاتهم واهدافهم؛ لذا فلا بد من الرجوع الى كتاب مبادئ ادارة الازمات الذي ألفته الادارة الامريكية لضمان عدم خروج العملية من مسارها المرسوم لها وضمان الحصول على أفضل النتائج.
ويبدو ان الادارة الامريكية قد درست هذه المادة في الجامعة الامريكية لصناعة القادة في الشرق الاوسط، واهدت نسخا منها لبعض القياديين هنا وهناك؛ ولهذا نرى ان قياديينا قد تعلموا هذه المبادئ واصبحوا يتقنونها اكثر من اساتذتهم ويطبقونها بأساليب عالية الجودة، حيث يتم كتابة دستور متكامل مع تعليق بعض الفقرات وتاجيل تطبيق فقرات اخرى، ويتم تشكيل حكومات وتعلق بعض الوزارات، ويتم تحديث مؤسسات جديدة ويؤجل تحديد صلاحياتها او تعلق الى اشعار اخر، وتطلق المبادرات واحدة تلو الاخرى وتفرغ من مضامينها حين تطبيقها، وتعقد الجلسات وتكثر اللقاءات لتضيف فقرات لتفسير فقرات سابقة! وهكذا تمر الايام والسنين وتتراكم الازمات وتتعقد الاحداث وهم يوهمون انفسهم ويوهمون الناس معهم بحلها ومعالجتها، فيكونون كالذي ضل طريقه في الصحراء فلا يُبقي له ظهرا ولا يقطع ارضا، وتضل مساعيهم وجهودهم سدى ودون جدوى ويوهمون الناس انهم يحسنون صنعا.
انها الادارة الناجحة للازمة والتطبيق الامثل لمبادئها من قبل قياديين حديثوا العهد ومتعلمين جدد ولكن سريعي التعلم والتأقلم ليحوزوا على اعجاب اساتذتهم فيحوزوا على جوائز تفوقهم ودقة تطبيقهم من الادارة الراعية لمشروعهم، وينالوا سخط ومقت رعيتهم لهم، ليتحول هذا المقت وهذا السخط يوما ما الى ثورة شعبية عارمة تسحق كل من رعى هذه المبادئ وساهم في تطبيقها ورضي بنتائجها، حينها يود الراعي لو كان من الرعية ويتمنى الرئيس ان يصبح مرؤوسا؛ لينأى بنفسه عن المحاسبة والمساءلة والمثول امام محكمة لا يراعي قضاتها تلك المبادئ التي تعلموها هؤلاء القياديين عند ادارتهم لأزمات بلادهم.r









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق