05‏/10‏/2011

انتفاضة العدالة والتغيير في العراق ستحطم أوثان المحاصصة

د.علي عبد داود الزكي
انتفض الشعب ضد فساد السلطة ولازالت الانتفاضة مستمرة رغم كل الإشاعات والمتناقضات والظروف الصعبة التي تفرض على الإنسان العراقي، إن سلطة وثن المحاصصة السياسية غريبة ومتناقضة جدا، أعتقد أن المالكي يعمل على أن ينجح، ولكن اغلب الكتل المشاركة معه في السلطة تعمل العكس! فلماذا المالكي يتمسك بكرسي السلطة إلى هذه الدرجة ؟!!...
الكل شاهد علاوي عبر وسائل الإعلام وهو ينتقد الحكومة بشدة، ويتظاهر بأنه يقف مع المتظاهرين وكأنه لم يتفق مع المالكي على تقاسم السلطة، وكأنه ليس جزءا من الحكومة، وليس له وزراء فيها؟!! هذا الامر يجب ان ينتبه له المالكي جيدا...
إن الفشل الذي تعاني منه السلطة هو ان شركاء المالكي ينالون مغانم الحكومة وفي نفس الوقت يعملون على إفشالها؛ ان قمة الفساد هو التناقض والتنافر السياسي الموجود في أعلى هرم السلطة، أتعجب من هؤلاء الساسة لماذا اتفقوا على تقسيم مغانم السلطة ومارسوا دور المعارضة وهم في السلطة؟!!! هل المالكي وحده في الحكم اليوم؟!! بالتأكيد ليس وحده. 
الشعب انتفض على السلطة بكل مكوناتها؛ انتفض على علاوي والمالكي والمطلك والنجيفي والبرلمان، وليس هناك احد منهم بمنأى عن المسؤولية، الكل مشاركين في الفشل والفساد، الشعب لا يقبل من اي شخص في الحكومة ان يبريء نفسه من المسؤولية الآن، هذه رسالة يجب ان يفهمها جميع السياسيين، كما ان شعارات المنتفضين لا تنتقد شخصا واحد كما يظن البعض ويحاول ان يصور، الشعب يرفض حكومة علي بابا والأربعين مافيا ومافيا بكل شخوصها.
هل إصلاح النظام يتعارض مع إسقاط الحكومة؟!! إن انتفاضة الورد الجوري العراقية أظهرت بان الشعب أقوى من الطغاة مهما طال ليل الصمت والسكوت، السياسيون الخاسرون اليوم هم الذين يبررون الفشل والاخطاء ويتراكضون ليحققوا المستحيل في فترة حرجة؛ ويراهنون على الزمن لحل مشاكل الشعب المتعاظمة بمشاكل جديدة تشغل الإنسان وتجعله أكثر عجزا عن رفع صوته مرة ثانية. 
على المالكي ان ينتبه فان الانتفاضة هي صرخة حق للشارع الذي لا يرغب الا في الحصول على حقوقه في العيش الكريم في بلده ولا يرغب في كراسي السلطة، بمعنى آخر الانتفاضة يقودها ابطال من الشعب؛ لكن ثعالب السياسة هنا وهناك تتربص وتنتظر النهاية لتجني ثمارها. ظهرت اليوم العديد من القوى والشخصيات السياسية التي تحاول ان تكسب الشارع وتحاول ان تظهر وكانها هي من تحرك الشارع، وتدعم الشعب، وهي من تدافع عن حقوقه، رغم انها منذ سنوات وهي في سفينة سراق العراق وشعبه، لذا على المالكي ان ينتبه لذلك قبل اي شيء، فقد يكون وحده من يبحث عن نجاح الحكومة اليوم، وما عليه سوى ان ينظر حوله جيدا وينتبه الى مقومات النجاح الاستراتيجي الحقيقي للعراق، فان وجد بان المقومات ضعيفة فما عليه الا ان يعلن ذلك بشجاعة ويعمل على الاصلاح والتمهيد لحل عام بانتخابات جديدة، عليه ان لا يتشبث بكرسي الحكم في حكومة النفق المظلم ان تبين له فشلها بشكل جلي. 
بالتاكيد الشعب العراقي لا يتمنى فشل الحكومة رغم كل ما حصل ويحصل لكنه يريد الحل المنطقي الممكن؛ وليس الحل الهش المبني على تناقضات وخروقات قانونية ودستورية والتي ستخلق مشاكل أعظم في المستقبل القريب خلال السنوات القادمة.. إن فشلت الحكومة في تحقيق مطالب الشعب فهل ستعلق اخطائها وفشلها على شماعة ما؟!! وهل ستجد ما يكفي من أكباش للفداء لتضحي بهم؟!! إن الشعب العراقي عانى الكثير ولازال يعاني من عجز حكومي شامل، فلا حل يرتجى من حكومة المناصب والتحاصص.
البارزاني كان صاحب فكرة تجاوز الدستور وجمع الفرقاء، علاوي والمطلك والمالكي لتقسيم السلطة فيما بينهم، متناسيا هموم الانسان العراقي؛ والسلطة هنا لا تعني ادارة شؤون البلد بكفاءة لينعم العراقي بثروات بلده وانما ليتنعم المتحاصصون المتشاركون في اسباب الالم للعراق والعراقيين. 
البعض يقول ان الحكومة منتخبة!! وأقول نعم منتخبة لكن هل الدستور وقوانين الانتخابات كانت صالحة؟ هل من المعقول ان يكتب دستور بلد مثل العراق فيه تناقضات كبيرة، وفيه تنوعات عرقية ودينية وطائفية كثيرة في فترة ستة اشهر، وفي لحظات تاريخية حرجة؟!!.
من الواضح ان هذا هو الخلل الاكبر في العملية السياسية العراقية اليوم؛ لذا لم يكن للانسان العراقي في الانتخابات راي حقيقي، وانما كان رأيه هو انتخاب الأقل سوءا من وجهة نظره وانتمائه الطائفي والعرقي الضيق، لذا فان الانتخابات فشلت ولازال فشلها متكررا ومستمرا، نحن اليوم بحاجة الى دستور صالح وقوانين انتخابات صالحة ومناسبة.
جاءت انتفاضة الورد الجوري العراقي والتي خطط لها الشباب العراقي المثقف في الفيسبوك والنت. لتكون بداية لحل جديد يرفع شمس الامل العراقي، ويمهد لولادة التوحد الوطني العراقي الحقيقي؛ لكن يبدو أن طموحاتهم كانت محصورة بعدة نقاط عفوية جدا، إنهم ينادون باصلاح النظام السياسي، ويطالبون بمحاسبة المفسدين، وعدم سرقة ثروات الشعب من قبل الحكومة والبرلمان، وتقليص رواتبهم ومخصصاتهم، الى جانب مطالب أساسية أخرى، كان هناك تركيز على مسالة الصلاح فكيف يتم الإصلاح؟!! إن الإصلاح غير ممكن انجازه الا بوجود جهة صالحة تعمل على تنفيذه، فالرواتب الخيالة والعالية جدا؛ والمنح العالية جدا للنواب والوزراء لا يمكن ان نقول عنها الا انها فساد؛ فكيف يتم الطلب من الذي فعل ذلك آن يصلح النظام!!. 
توجد مقولة يروج لها الاعلام وتروج لها بعض الفضائيات وهي ان الشعب العراقي المنتفض يريد اصلاح النظام ولا يريد اسقاط الحكومة؛ ويبررون ذلك بان الشعب هو من انتخب البرلمان الذي شكل الحكومة، ويقولون بان تغيير الحكومة لا يتم الا بالانتخابات وليس بالرجوع الى الدكتاتورية، فهل إصلاح النظام يعني عدم اسقاط الحكومة؟ وهل الانتفاضة تعني الدكتاتورية ام هي الخروج على الظلم والفساد؟ وهل الانتفاضة تتعارض مع الانتخابات والديمقراطية؟!! فما معنى الانتفاضة والتظاهر بالمفهوم الديمقراطي إذن؟!!! ان هذا تناقض عجيب يروج له ولا أظن من يروج له الا ان الامور مختلطة عليه، او انه يدافع عن الفاسدين ويريد استمرار وجودهم في السلطة، نعم؛ تغيير الحكومة في النظام الديمقراطي لا يتم الا عبر صناديق الاقتراع؛ ولكن اذا فشل البرلمان والحكومة بسبب الفساد الكبير في أدارة شؤون البلد فان الشعب الذي انتخب ممكن ان يقوم باسقاط الحكومة لإجراء انتخابات جديدة لتشكيل حكومة عبر انتخابات حرة وليس بالرجوع الى الدكتاتورية وهذا الامر ليس غريبا عن العالم الديمقراطي؛ هذا الامر حصل ويحصل في كل الأنظمة الديمقراطية وليس العراق في معزل عنها، لذا يجب الانتباه بان الشعب لا يريد اسقاط النظام الديمقراطي لكنه يسعى الى الاصلاح وقد يكون الاصلاح باسقاط الحكومة وتعديل قوانين الانتخابات والتهيؤ لانتخابات جديدة. 
الانتفاضة العراقية متواصلة منذ 25 شباط؛ ومطالبها معروفة ومعلنة. يحاول بعض السياسيين والنواب اليوم الحصول على مكاسب سياسية او شعبية من خلال تصريحاته هنا او هناك ليدافع عن الشعب، هنا أقول لأي نائب في البرلمان العراقي كم هي مخصصاتك وراتبك؟ وكم هي اعداد افراد حمايتك الفعلية؟ وكم هي رواتبهم؟ ونسال النائب الذي يتضامن مع المتظاهرين هل اعترضت وسجلت اعتراضك يوما على رواتب ومخصصات النواب الكبيرة؟ ام ان انتفاضة الشعب هي من حفزتك لكي تتحدث وتتناغم مع مشاعر الناس،اتمنى من اي نائب قبل ان ينزل للشارع ويحاول ان يكون مع الناس ان يتنازل عن راتبه الخيالي ويسجل ذلك في البرلمان فليس الكلام مثل الفعل. 
ان تواصل الانتفاضة يجب ان يكون ضاغطا اكثر على الحكومة التي لم نلمس منها شيئا سوى فترة المئة يوم، لم نسمع كم ستخفض رواتب النواب والوزراء والدرجات الخاصة، وهذا مطلب ممكن ان ينفذ ويعلن خلال يوم واحد او ايام معدودة. 
لم نسمع بان الحكومة المتحاصصة المتشاركة ستعمل على تخفيض عدد الوزارات للنصف! ولم نسمع بان البرلمان عمل على تشريع قوانين للنقابات والاتحادات الديمقراطية لتكون الرقيب على الحكومة ولتعمل على تصحيح المسار الديمقراطي! اما الخدمات والبطاقة التموينة فهي تحتاج وعدا من اعلى هرم في السلطة وهو المالكي وعلاوي والمطلك والنجيفي بتحسينها وفق جدول زمني محدد وليس مفتوحا (يجب ان لا يتحمل المالكي وحده ذلك فكل السياسيين في الحكومة مشتركين بذلك).
ولا نريد من المالكي فترة 100 يوم ليحاسب الوزراء بل نريد بعد 100 يوم تحسن بنسبة معقولة لتكن فترة المئة يوم ليس للوزراء فقط وانما للمالكي والمطلك والنجيفي والطالباني ايضا وان فشلوا يجب ان يتعهدوا بحل البرلمان للتهيؤ لانتخابات جديدة، عليهم ان يعدوا الشعب والمتظاهرين بذلك وليس مراهنة على الاجهاز على الانتفاضة من خلال التخدير باستخدام ورقة التعيينات (البطالة المقعنة)، والتحسين البسيط في مفردات البطاقة التموينية، الشعب يحتاج الى قرارات جريئة من رؤوس السلطة لدعم الشعب العراقي وتوفير فرص عمل حقيقية للعراقيين العاطلين والقادرين على العمل، يجب توفير رواتب من ثروة النفط العراقي للعاجزين والايتام والارامل والعاطلين عن العمل وطلبة الجامعات والمعاهد تكفيهم وتجعلهم يعيشون عيشة كريمة، وعلى الحكومة ان تتعامل بشفافية مع الشعب في محاسبة الفساد، ويجب ان تعمل الحكومة ليس على اساس المساومات بين الكتل الرئيسة؛ وانما تعمل وفقا للوطنية العراقية من يخطا يحاسب ولا يهم من اي مكون هو، لا اظن ان حكومة المالكي وعلاوي والمطلك والنجيفي والطلباني قادرة على فعل ذلك!! لذا يجب ان يتم اعداد تعهدات خاصة من قبل رؤساء السلطة في العراق ليوقعوا عليها. 
ماذا ان لم ينصلح النظام وان تم استخدام مجالس المحافظات كضحايا لمطالب الشعب؟ ماذا ان تم تعليق اخطاء السلطة على بعض الضعفاء الابرياء فيها؟ لربما توجد مؤامرة كبرى لم نتنبه لها حتى الان قد تكشفها الايام القادمة، وقد يكون فيها خسائر واسقاطات لمن لا تريدهم امريكا في سدة حكم العراق في المرحلة القادمة (مرحلة خروج الاحتلال)، لذا ستعمل امريكا على اساقطهم ببعض الفتن الداخلية!! لذا يجب التنبه الى هذه الامور ويجب النظر برؤية إستراتيجية لمراحل الانتفاضة العراقية ولما تصبو اليه في المستقبل القريب والبعيد. 
هل سيكون العراق خاسرا ام رابحا؟!! ان الانتفاضة كانت قوية وجريئة في طرح مطالب الشعب رغم كل شيء، لكن الإشكالية الكبرى في الانتفاضة هي انها طلبت من الحكومة محاسبة نفسها فكيف ستحاسب الحكومة نفسها؟!!. كما ان الانتفاضة لم تعط الحل وانما تركت ذلك الامر مفتوحا، كما ان الانتفاضة لم تعط جدولا زمنيا للاصلاح؛ وانما كل ما قيل هو عفوي ولا حدود له؛ يجب ان تحدد المطالب بشكل اوضح ودقيق ويتم توحيدها لكي لا يتم تشويه المطالب ويتم تنفيذها وفقا لما يريد المتسلطون وليس الشعب. 
يجب ان تكون هناك شعارات قوية وهي ان اصلاح النظام الديمقراطي لا يعني عدم اسقاط الحكومة، يجب ان يفهم المتسلطون ذلك، فلا دستور ولا شريعة سوى شرعية الشعب، كل شرعيات الحكم هي من الشعب، ان خرج وانتفض الشعب على شرعيات السلطة فانه سيسقط ما يريد ويثبت ما يريد منها وفقا لما يراه مناسبا للعمل به، الانتفاضة مستمرة لإصلاح النظام وستحدد مطالبها وفقا لجدول زمني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق