عماد ابراهيم / دهوك
بعد أن كان العراق يباهي بأسواقه المركزية والعامة وبضائعه المتنوعة، المحلية منها والمستوردة والمختلفة المناشيء، وبعد أن كان المواطن العراقي في كل محافظات ومدن العراق يتمتع بحصوله على كافة احتياجاته المنزلية من أجهزة وأثاث وملابس جيدة ومن أرقى المناشىء العالمية، بعد كل ذاك وأكثر. أصبح المواطن العراقي ومنذ حوالي العقدين من الزمن يستعمل في حياته اليومية كل ما تم لفظه من باقي الدول، من ملابس وأجهزة وسيارات وغيرها، بمعنى آخر أصبح العراق مكبا لنفايات العالم الغربي.......
وأصبحت كذلك لهذه التجارة منابع ومصابّ، ورؤوس أموال وأسواق ورواد، بل ومدمنون على الإقبال على هذه البضائع، وبما أن هذه البضائع مستعملة من قبل الغير، إذن؛ فلابد من وجود مشاكل صحية تأتي بها هذه البضائع!!؟.
وللحصول على المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، قمت بزيارة لسوق الملابس المستعملة في مدينة دهوك.
بدايةً: التقيت بالسيد سفر شعبان، 45 سنة، ويعمل في هذه المهنة منذ دخولها للعراق عام 1992. حيث بدايات الحصار الاقتصادي على العراق الذي أعقب حرب الخليج الثانية.
سألته: كيف بدأت هذه التجارة بالظهور؟.
فقال-بسبب الظروف القاسية التي عاشها الشعب العراقي جراء الحصار الاقتصادي الذي استمر لأكثر من اثنتي عشرة سنة، ولأسباب أخرى، لجأ بعض التجار إلى المتاجرة بالملابس المستعملة، وهذا الأمر مع أنه كان جديدا في ذلك الوقت على العراقيين، ولكنه كان معروفا لدى الدول الفقيرة، لذا فإنه غدا ملاذا لسد حاجة السوق العراقية من الملابس، ولكن بشكل غير الذي كان عليه فيما مضى.
من أين تأتون بالملابس المستعملة؟.
- هناك شركات مختصة في العديد من الدول الغربية، تقوم بالتعامل مع شركات أصغر وأفراد، لغرض تجميع الملابس من شتى المصادر، منها ما هو بال يرميه الناس ولا يستحق أي فلس يبذل من أجله، ومنها ما نسميه (تصفية) وهي الملابس التي تتلفها أو تبيعها بثمن زهيد بعض المحلات الكبرى بسبب انتهاء موسمها أو موضتها. فتقوم بتجميعها وكبسها على شكل مكعبات وإرسالها لشركات أصغر أو تجار محليين، فيقوم هؤلاء ببيعها لنا؛ ونحن بدورنا نقوم بفتحها وبيعها للناس بالمفرد، وهنا يلعب الحظ دوره في مدى جودة البضاعة أو رداءتها، وكما ذكرت قبل قليل فإن بعض هذه الملابس ماهو رديء وبالي ومنها ما هو جديد وغير مستعمل بالمرة.
الحوارـ ما السبب وراء ارتفاع سعر الملابس(المستعملة) مقارنة ببعض الملابس الجديدة الموجود في السوق؟.
-الملابس الموجودة في السوق الآن أغلبها صيني أو هندي أو سوري المنشأ، وتتراوح أسعار هذه البضاعة حسب المنشأ؛ أما بضاعة الملابس المستعملة فهي على الأغلب أوربية، وكلنا يعلم مدى جودة البضاعة الأوربية مقارنة بالبضاعة الصينية، لذا تجد أن الملابس المستعملة أطول عمراً من اغلب الملابس الجديدة، وإذا قمنا بإجراء مقارنة بسيطة بين عمر الملابس المستعملة مقارنة بالجديدة؛ فإن المحصلة تكون في صالح الملابس المستعملة، هذا بالإضافة إلى أن الملابس المستعملة تحتوي على ملابس من شتى الأسعار فمنها الغالي ومنها الرخيص أيضاً. وتحوي كذلك مختلف القياسات التي لاتحتويها البضاعة الجديدة، مثال ذلك، لدينا ملابس تلائم الأعمار من الشهر الواحد أو ما يسمى بـ(حديثي الولادة)، وحتى الأحجام الكبيرة جداً أي ما نسميها(أحجام خاصة) أو مايسميه البعض من حيث الطرفة(الحجم البطّال). لهذه الأسباب مجتمعة، ترى ان الأسعار في سوق الملابس المستعملة هي أفضل وأنسب من الأسعار في سوق الملابس الجديدة.
الحوارـ من هم رواد السوق؟.
-يرتاده الفقير والغني، وذلك يعود لعدة أسباب؛ منها أن البضاعة الموجودة في سوق الملابس المستعملة ليس لها مثيل في السوق، وهذا ما يسعى إليه البعض في التفرد في الملبس من حيث الموديل واللون والحجم وغير ذلك، وهذا ما يسعى إليه البعض من ذوي الدخل الجيد، أما ذوي الدخل المحدود والقليل فيقصدون البضاعة المناسبة من حيث الثمن والجودة والعمر الطويل نوعا ما، لهذه الأسباب يعد سوق الملابس المستعملة سوقا للجميع، وهنا الرغبة تلعب دورها في اقتناء البضاعة الملابس المستعملة سواءً كانت الملابس أو الأحذية أو الحقائب وغيرها من أنواع المقتنيات المسماة (الملابس المستعملة).
ولمعرفة راي رواد السوق كان لي هذا الاستطلاع معهم.
دلشاد: شاب في منتصف العشرينيات قال بأنه يحب أن يلبس الملابس التي لايوجد لها مثيل في الموديل واللون وغير ذلك، وهذا الأمر لا يتوفر إلا من خلال الملابس المستعملة.
أم نيروز: فـقالت بأنها ترتاد سوق الملابس المستعملة لأنها تجد فيه ما لا تجد في غيره من الأسواق بسبب التنوع الكبير الموجود في بضائعه من حيث الأحجام التي تلائم جميع أفراد الأسرة والنوعية الجيدة والمتانة التي تعود للمنشأ الأصلي، وكل ذلك إضافة للسعر المناسب.
سمير: موظف، أربعيني قال بأنه يرتاد السوق منذ تأسيسه وهو لم يواجه أي مشاكل صحية بسبب اقتنائه الملابس المستعملة.
بالإضافة إلى ذلك توجهت إلى الجهات الصحية والرقابية، وفي إعلام مديرية صحة دهوك، وجهوني للقاء إلى الدكتور طلال رشيد شنكالي أخصائي الأمراض الجلدية ومعاون مدير مستشفى آزادي العام في دهوك، فكان لي معه هذا الحوار.
الحوارـ هل يتم فحص الملابس المستعملة الداخلة للبلاد؟.
-بعد اتصالنا بقطاع الرقابة الصحية في منفذ إبراهيم الخليل الحدودي وهو الجهة المختصة بمتابعة كل المواد المتماسة بالإنسان في حياته اليومية، والداخلة عبر الحدود العراقية التركية، أفادونا بما يلي؛ يقوم قسم الرقابة الصحية في منفذ ابراهيم الخليل بمطالبة التجار والشركات الموردة للملابس المستعملة بتقديم العديد من الشهادات اللازمة والممنوحة من قبل الجهات الصحية في الدول المصدرة لهذه الملابس، وهي كما يلي، شهادة التبخير، شهادة التعقيم، شهادة التعفير.
وبعد ذلك تقوم مختبراتنا في القسم بأخذ عينات عشوائية من الملابس ليتم فحصها مجدداً للتأكد من خلوها من أي مواد مضرة أو مسببات للأمراض الانتقالية. ثم نسمح للبضاعة التي لا يثبت عليها أي سلبيات.
الحوارـ هل تكفي هذه الشهادات كي نعتبر الملابس المستعملة نظيفة من مسببات الأمراض وخاصة الجلدية؟.
-بالطبع لاتكفي، فأنا بصفتي أخصائي بالأمراض الجلدية أنصح بعدم استعمال الملابس المستعملة وارتدائها مباشرة، إلا من بعد أن يتم التعامل معها وفق الخطوات المهمة الآتية:
- غسل الملابس بشكل جيد في البيت (حصراً) للحصول على غسل أفضل من محلات الغسل والكوي في السوق. وعدم غسل الملابس المستعملة مع الملابس الأخرى في نفس الغسالة أو الحوض.
- بعض الميكروبات والفيروسات لا يمكن التخلص منها عن طريق الغسل البسيط والاعتيادي، لذا أنا أنصح باستخدام الماء المغلي، وبعد ذلك يتم إضافة المعقمات للماء المغلي، ثم تعريض الملابس لأشعة الشمس لفترة جيدة إذ لا نكتفي بالجفاف بل نحرص على تعقيم الملابس بأشعة الشمس.
- بما أن الأطفال أشد حساسية من غيرهم لذا يتم التعامل مع ملابس الأطفال بشكل أكثر حرصاً وعناية بالإضافة لما ذكرناه آنفاً.
وبهذا تكون الملابس سليمة من الميكروبات والفيروسات ولا تترك تأثيرات سلبية على بشرة الإنسان، بل وتكون مفيدة من حيث الغاية التي من أجلها تقتنى ألا وهي حماية البشرة من العوامل الخارجية.
كما لايفوتني شكر مجلتكم على اهتمامها بشؤون المواطنين وبأدق التفاصيل.
بعد كل هذه المعلومات التي تم تقديمها عبر هذا التقرير، نرمي بالكرة في ساحة المواطن، بحيث يبقى للمواطن أن يختار لنفسه ما يناسبه من الملابس شرط أن يحسن التعامل معها، إذ أن إحسان التعامل مع الملابس يضمن سلامة الجسم. وختاما: اريد أن أذكر القراء الأعزاء بأن الملابس المستعملة مهما كانت نظيفة ومعقمة وما إلى ذلك، فهي كانت ملامسة لجسم إنسان قبلك.r
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق