بقلم: صباح مراد
الحضارة بكل بساطة بذل المجهود بوصفنا كائنات إنسانية من أجل تكميل النوع الإنساني وتحقيق التقدم، ولن تكون للانسان قيمة حقيقية إلا من خلال كفاحه من أجل أن يكون ذا أخلاق حسنة.
فالحضارات الحقيقية تنشأ عندما يستلهم الناس عزما صادقا على التقدم؛ ويكرسوا أنفسهم لخدمة الحياة الإنسانية، لقد كانت وما زالت وسوف تبقى المعتقدات الأخلاقية هي العامل الأساسي في تكوين علاقات إنسانية على نحو يسمح للفرد والشعوب بأن تنمو وتتطور بطريقة مثالي.
ما هي الأخلاق؟
للأخلاق تعاريف كثيرة، ولكن أعلاها، وأشملها، وأكملها هي أن نقول أن الأخلاق (حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة) ولقد قال رسلنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فكأنه قال ما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق.
وحين سئلت عائشة عن أخلاق النبي قالت (كانت خلقه القرآن) ومعلـوم أن القرآن أخلاق الله، وأخلاق الله إنما هي في الإطلاق، ومن ههنا جاء التعريف بأن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة.
لذلك علينا التفكير في حقيقة الحضارة الأخلاقية؛ إن ما تعانيه الحضارة الغربية المعاصرة بالدرجة الأولى اليوم هو مشكلة أخلاقية والسبب في ذلك التعلق بالإعتبارات المادية حيث أن الأمور المادية لا تمثل جوهر الحضارة الإنسانية؛ وهذا الجوهر يتوقف على الإستعدادات العقلية والأخلاقية عند الفرد.
فما وصل إليه الغرب من تكنولوجيا وتقدم في العلم لا شأن له بجوهر الحضارة! إنما هي أعراض مصاحبة للحضارة، وقد تنبأ الفيلسوف (كولن ولسن) بإنهيار الحضارة الغربية ومثلها بأنها تخلت عن النزعة الإنسانية وبنت نزعة سادية إستبدادية في علاقتها مع أفراد مجتمعاتها ومجتمعات الدول المختلفة؛ حيث تحيل الجميع إلى مجرد آلات إستهلاكية الغرض منها تحقيق أكبر قدر من الربح لصناعة القرار فيها؛ وهي السبب الأول في خلق الصراعات والأزمات في شعوب العالم الثالث الذين هم صنفونا فيه ليجدوا فيه أرض خصبة لترويج بضائعهم من أسلحة قاتلة ومدمرة للبشرية؛ ولا يهمهم سوى الربح المادي والنفع لمصالحهم.
والجانب الروحي للحضارة هي الأخلاق والجوهر الأساسي الذي تقوم عليه، إن الجانب الأخلاقي لم يوفَ حقه إلا في حضارة المسلمين التي قامت بالأاس على القيم والأخلاق التي جاء بها نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) ليتمم مكارم الأخلاق، وهي لم تكن يوما نتاج تطور فكري؛ إنما كانت وحي أوحاه الله تعالى وشرعه رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) وقد خص الله رسوله بهذه الميزة فقال عز قوله {وإنك لعلى خلق عظيم} فكانت الأخلاق مصدر التشريع الإسلامي.
وبعد نشر الدعوة الإسلامية وتحديدآ في القرن السابع الميلادي وبعد تشكيل الدولة الامويه إزدهرت الأمة الإسلامية وأفاضت الدنيا بعلمها من حيث الأدب والطب والعلوم الإنسانية، ووصل علمها إلى أقصى بلاد العالم، وأول المنتفعين من الحضارة الإسلامية هي الحضارات الغربية، فظهرت الجامعات الاسلاميه قبل اورباء بقرنين، وكانت اول جامعة انشئت في بغداد وسميت ببيت الحكمه سنة 830م، وبعدها جامعة القيروان في فاس 859م وبعدها جامعت الازهر بمصر 970م.
واول جامعة انشئت في اوربا في سالرنو بصقلية سنة 1090م على عهد ملك الصقلي روجر الثاني، فقد استلهمو فكرة انشأ الجامعة من الجامعات الاسلامية. وامتد العصر الذهبي للحظارة الاسلامية الى القرن الربع عشر والخامس عشر الميلادي، وخلال هذه الفترة قام علماء الاسلام بنشر الفكر الاسلامي والاخلاق السامية التي اتى بها نبينى (صلى الله عليه وسلم) ووصلت الى مشارق ومغارب الارض عن طريق الفتوحات الاسلامية؛ وعن طريق تجار المسلمين، حتى وصلت الى بلاد الصين، فابتكرو وابدعو بكثير من المجالت مثل الزراعة، والصناعة، والأدب، والفلسفة، ونقلوا ثقافة فريدة من نوعها ثقافة روحية اخلاقية اثرت بدورها على المجتمعات في جميع بقاع الارض.
والحضارة الاسلامية تمزج بين العقل والروح وهو ما يميزها عن باقي الحظارت؛ فالعقل هو الذي يبدع ويفكر، والروح هي التي تتعامل، ومن المعروف ان الروح تسمو بالرحمة والاخلاق اكثر من العقل؛ وهذه الصفات هي التي ميزة الحظارة الاسلامية عن عن باقي الحظارة السابقة والمعاصرة.
وما نراه اليوم من تشرذم في الأمة الإسلامية فالسبب فيه هو الإبتعاد عن سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) ومكارم الأخلاق التي أتى بها، والاستبداد بالرأي عند الحكام، واليوم لاتوجد قياده نموذجية لصيانة المجتمع الاسلامي السياسي من الانهيار، ولايوجد من يقود الامه ويبني بها رجال وشخصيات نموذجيه لنشر هذا الفكر الاسلامي السامي والفريد من نوعه، ولاكن الكل يبني سياسته على الايدلوجيات العقائدية والمذهبية، واستطاع الغرب ان يغذي هذه الايدولوجبات بمتياز ما اوصل حالنا الى هذا الحال..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق