صلاح سعيد أمين
(داعش)، أو (تنظيم الدولة)، ليس فقط مجموعة من البشر، تجمعهم ظروف طارئة
على نقاط مشتركة، ويقتلون بهذه الشراسة من أجل تحقيق أهدافهم، ولا يولد (داعش) فجأة،
ولن يموت بغتة، وكذلك فليس من المنطق أن نتوقع أن هذا التنظيم، أو أمثاله، سينهار،
أو سيزول من الوجود، فقط عبر استعراض السواعد، واستخدام القوة العسكرية، والتحشيد البشري.
الدرس الوحيد الذي ينبغي أن يستنبط من ولادة حركات من أمثال
(داعش)، هو أن مثل هذه التنظيمات لا تولد إلا من رحم بيئة قاسية مليئة بالظلم والجور،
وفي غياب العدالة وسيادة القانون وتحقيق الحق. ومن يمعن النظر بالظروف التي عاشتها
المحافظات المنتفضة، يدرك بوضوح لماذا احتضن بعض أهل السنة في العراق (داعش)، بهذه
السرعة، وبهذه الصورة، التي ربما لم يتخيلها حتى (الدواعش) أنفسهم!
فلقد نزل الناس،
في المحافظات الستة المنتفضة، إلى الشوارع، ولجأوا إلى العصيان المدني، وهتفوا بملء
حناجرهم، مؤكدين أن هناك ظلماً وقع عليهم، من خلال تهميشهم، وعدم الاهتمام بمناطقهم،
وإبعادهم عن أن يتمتعوا بحياة طبيعية، لائقة بهم، كبشر ومواطنين أصلاء في هذا البلد،
الذي عاش ومات وجاهد وناضل آباؤهم وأجدادهم من أجله على مر الزمن. وكانت الاستجابة
الوحيدة لهم، خلال أكثر من أربع سنوات من العصيان المدني، والتظاهرات السلمية، ما تجسد
في (مذبحة الحويجة)، واتهام منابر اعتصاماتهم بإيواء الإرهابيين، وممارسة الإرهاب ضد
الدولة! إذاً من يزرع القمح، لا يحصد الحمص.
محاولات طرد (داعش) من المناطق التي اغتصبها، يجب أن لا تنتج
(داعشاً) آخر. فالواقع أن الحشد الشعبـي، الذي
يتكون في غالبيته من الطائفة الشيعية، يشارك في عمليات استرجاع المناطق التي سيطر عليها
(داعش). والسؤال المطروح هنا: ما هو الضامن كي لا يُعيد (الحشد) ما ارتكبه (داعش) بصورة
أخرى؟ كما حذرت الصحافة الغربية، بداية محاولة استعادة (تكريت)، من أن العراق بجيشه،
و(الحشد)، بدعم مرجعيته العليا، يمرون بمرحلة بالغة الحساسية، ويقفون أمام اختبار صعب،
إن نجحوا فيه، فستبدأ مرحلة جديدة في حياة العراقيين، بجميع أطيافهم، تتضمن إعادة الثقة
المطلوبة بين تلك المكونات، والذهاب بها إلى ما يتمناه كل العراقيين. وإن كانوا (لا
سمح الله) أنتجوا (داعشا) آخر، فحينئذ لا طريق أمامنا سوى أن نقرأ الفاتحة على روح
العراق!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق