سالم الحاج
رأينا
فيما سبق أن المفكرين الإسلاميين،
وتيارات الفكر الإسلامي، قد انقسمت تجاه مسألة (التعددية السياسية والحزبية) إلى
فريقين متناقضين: فريق يراها خروجاً على ثوابت الأمة، وتمزيقاً لها، وفريق يراها
من ضروريات الحياة السياسية والاجتماعية التي لا بد منها. وقد رأينا أن طروحات
الفريق الثاني هي الأقرب إلى روح الشـريعة الإسلامية، والأكثر تحقيقاً لمصالح
المسلمين، على اعتبار أن التعددية واقع كوني وإنساني لا بد من إحسان التعامل معه..
ولكن
الإسلاميين بعد أن اتفقوا على أهمية وضرورة (التعددية السياسية والحزبية)، عادوا واختلفوا
في حدود هذه (التعددية)، فهل هي تعددية تشمل (الأحزاب الإسلامية) وحدها، أم هي
تعددية تسع غيرهم من الأحزاب القومية والعلمانية والشيوعية وغيرها؟.. فذهب البعض
إلى أنها (تعددية إسلامية) حصراً، بمعنى أنه يحرم إنشاء
الأحزاب غير الإسلامية.
فيما قال آخرون: إنها تعددية حزبية مشروطة، في إطار (المرجعية الإسلامية). بينما
ذهب فريق ثالث إلى أنها (تعددية مطلقة) للجميع.. ومن هنا، فإننا نستطيع الحديث عن
ثلاثة اتجاهات في هذه المسألة، سنتناولها بالبحث فيما يأتي:
أولاً:
الاتجاه الذي يرى أن التعددية هي (تعددية إسلامية) حصراً:
ويذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن (التعددية
الحزبية) المقبولة في إطار الإسلام، هي تعددية الأحزاب التي تقبل بالإسلام كمرجعية
فكرية وعقيدية لها، ولا يمكن قبول أحزاب أخرى، تقوم على أسس فكرية مخالفة، وتتخذ
من غير (الإسلام) مرجعية لها.
يقول (د. صلاح الصاوي) في
كتابه (التعددية السياسية في الدولة الإسلامية): إن "تعدد الأحزاب لا يكون إلا
في إطار التقيد بسيادة الشريعة، والالتزام المجمل بأصولها الكلية، وتبقى دائرة
الخلاف الحزبي بعد ذلك في بعض المجالات الاجتهادية، أو في مجالات الشورى"([1]). ذلك أن "التحزب على أصول كلية بدعية لا
يصلح أساساً للعمل السياسي في الدولة الإسلامية، لأن مثل هذا التحزب يفارق به
أصحابه جماعة المسلمين"([2]).
ويقول أيضاً: "إن التعددية التي يمكن أن يستوعبها الإطار الإسلامي هي
التعددية الملتزمة بسيادة الشريعة، والتي تدور في فلك الأصول الشرعية المعتبرة.
أما التعددية المطلقة، التي تمهد السبيل للشيوعيين والوثنيين واليهود والنصارى أن
يكونوا ولاة الأمة وأهل الحل والعقد فيها، والتي تتيح لمناهج الشرك والكفر أن تسود
في دار الإسلام، فهي تعددية مشجوبة منكورة لا سبيل إلى القبول بها في إطار الدولة
الإسلامية بحال من الأحوال"([3]).
وإلى مثل ذلك يذهب الأستاذ (أحمد العوضي)، في
كتابه (حكم المعارضة وإقامة الأحزاب السياسية في الإسلام)، حيث يحرّم إقامة
(الأحزاب غير الإسلامية) بكل وضوح وحسم، عندما يقول: "كما أن النظام السياسي
في الدولة المسلمة يجب أن يكون إسلامياً صرفاً، فإن ما ينبثق عنه من الأحزاب السياسية
يجب أن تكون مسلمة صرفة أفراداً، وإسلامية صرفة أفكاراً، تحفظ على ذلك النظام في
الدولة المسلمة صحته واستمراريته، فلا تناقضه ولا تتصادم معه"([4]).
ثم ينتهي في خاتمة كتابه إلى القول: "أما الأحزاب غير المسلمة، فإن إنشاءها
في الدولة الإسلامية محرّم، فلا يجوز عرض أيّ فكرة أو مشروع على مجلس الشورى في
الدولة المسلمة، يتضمن محاولة إنشاء أحزاب غير مسلمة"([5]).
ويذهب
الكاتب والباحث الإسلامي السعودي (زكي الميلاد) إلى شيء من ذلك، عندما يقول:
"والتعددية التي نقصدها هي التعددية السياسية والحزبية في إطار وحدة الدين،
وليست التعددية الاعتقادية، أو التعددية في الدين، وإنما التعددية في دائرة
الالتزام الكامل بالإسلام اعتقاداً ومنهجاً وسلوكاً "([6]).
فهذا الاتجاه – إذن – يرفض أساساً فكرة إنشاء
أحزاب سياسية على غير أساس الإسلام، في الدولة الإسلامية، على اعتبار أن الأصل في
الأحزاب والجماعات في إطار دولة الإسلام، أن تدور "في فلك الالتزام بسيادة
الشريعة والإقرار المجمل بالأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع"([7])،
ولا تختلف إلا فيما دون ذلك من موارد الاجتهاد ومجالات الشورى.
ولا يمانع هذا الفريق – بالطبع – في تعدد الأحزاب
الإسلامية داخل الدولة الإسلامية، وإن كانت هناك آراء حذرة، تلح على مسألة (الوحدة
الإسلامية)، وتعتبر تعدد الأحزاب نوعاً من التفرق المذموم، ولكنها آراء قليلة،
وربما كان لها دوافعها ومنطلقاتها الخاصة، ومنها رأي الأستاذ (فتحي يكن)، الذي
اشتهر عنه، في كتابه (أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي)، حيث يرى أن التعددية
ليست فقط لم تحقق أيّ فائدة في نطاق العمل الإسلامي، وإنما كانت لها – حسب رأيه -
: "آثار بالغة السوء والخطورة على العمل الإسلامي، مما أدى إلى بروز كيانات
إسلامية مشوهة، ألحقت إساءات بالفكر الإسلامي، وبالمنهج الإسلامي"([8])..
وهذا الحرص المبالغ فيه على (الوحدة)، يردّه
الدكتور يوسف القرضاوي، ويصفه بـ (الحلم الجميل)، الذي تقف دون تحقيقه "صعوبات
لا يسهل تذليلها، إلا أن ينقلب البشر إلى ملائكة أولي أجنحة"([9]).
ويرى أنه يتسبّب أحياناً في زيادة الانقسام والفرقة بين المسلمين، "وبهذا
تكون المبالغة في الحرص على الوحدة سبباً إلى الفرقة. وأولى من ذلك الاعتراف بتعدّد
الاجتهادات، وتنوّع الأساليب، بناء على تعدّد زوايا الرؤية، والاختلاف في ترتيب
الأهداف، وفاعلية الوسائل، وتقدير الأولويات، ومدى المعينات والعوائق، إلى غير
ذلك، مما يتغيّر فيها الاجتهاد أو الفتوى بتغيّر الزمان والمكان والحال والملابسات"([10]).
ثانياً
: الاتجاه الذي يرى أن (التعددية الحزبية) المقبولة هي تعددية إسلامية – مشروطة:
بمعنى أن أصحاب هذا الاتجاه لا يمانعون في وجود الأحزاب
غير الإسلامية، ولكنهم يرون أن هناك شروطاً ومبادئ، يجب على الجميع الإقرار بها،
والعمل ضمنها، في الدولة الإسلامية.. وبالتالي، فإن أيّ حزب لا يقر تلك المبادئ،
ولا يتعهد باحترامها، سيكون مخالفاً للدستور والنظام العام، ومن ثم فليس له حق
ممارسة العمل السياسي..
وهذه
القضية هي التي يعرضها الكاتب الإسلامي المصري المعروف (فهمي هويدي)، بإسهاب، في
إحدى مقالاته، حيث يقول: "ونحن نفهم أن يفتح الباب واسعاً للتعددية التي تقوم
على أرضية إسلامية، كما نتفهّم أن تحظر الأحزاب التي تقوم على العداء للإسلام
وإنكار تعاليمه، لأن ذلك يعني التصريح بنقض أساس الدولة، مهما بلغت طبيعة الممارسة
الديمقراطية فيها"([11]).
ولكن
(هويدي) يطرح التساؤل عن الموقف من تلك الأحزاب "التي لا تقف على كامل أرضية
الإسلام، ولا تقف على كامل أرضية المعادين لله، من قبيل ما نسميه الأحزاب
الليبرالية أو العلمانية أو الاشتراكية، التي لا تتخذ بعض تياراتها المعتدلة
موقفاً معادياً للإسلام على الجملة، لكن ربما كانت لها بعض التحفظات على حدود
التطبيق الإسلامي، وقضية النظام السياسي"([12])..
فهل لهؤلاء مكان في (ساحة التعددية) التي نرجوها للواقع الإسلامي – كما يقول -؟
وهو يجيب على ذلك بالإيجاب، قائلاً: إنه "إيجاب ليس مطلقاً، لكنه مشروط
بأمرين اثنين: أن يظل الخلاف مع هذه التيارات في الفروع، وليس في الأصول الإسلامية،
علماً بأن مسألة الحكم - على ضرورتها وأهميتها - هي من الفروع، وليست من الأصول،
بحسبانها فعلاً وليست اعتقاداً. وثاني الشـرطين: أن يكون الفيصل في
واجبات والتزامات كل طرف مشارك في التعددية السياسية والفكرية، هو العهد المكتوب
بين الجميع"([13]).
وهذا الاتجاه يلاقي قبولاً عند الكثير من
المفكرين الإسلاميين، ومن الحركات الإسلامية، ويأتي على رأس هؤلاء الشيخ الدكتور يوسف
القرضاوي، في فتواه المعروفة، إذ يرى "أنه لا يوجد مانع شرعي من وجود أكثر من
حزب سياسي داخل الدولة الإسلامية، إذ المنع الشرعي يحتاج إلى نص، ولا نص"([14]). ويمضي إلى القول: "بل إن هذا التعدد قد
يكون ضرورة في هذا العصر، لأنه يمثل صمّام أمان من استبداد فرد أو فئة معينة
بالحكم، وتسلّطها على سائر الناس... كل ما يشترط لتكتسب هذه الأحزاب شرعية وجودها
أمران أساسيان: 1- أن تعترف بالإسلام – عقيدة وشريعة –، ولا تعاديه، أو تتنكر له،
وإن كان لها اجتهاد خاص في فهمه، في ضوء الأصول العلمية المقررة. 2- ألا
تعمل لحساب جهة معادية للإسلام، ولأمّته، أياً كان اسمها وموقعها. فلا يجوز أن ينشأ
حزب يدعو إلى الإلحاد أو الإباحية أو اللادينية، أو يطعن في الأديان السماوية
عامة، أو في الإسلام خاصة، أو يستخف بمقدسات الإسلام"([15]).
وهذان الشرطان يلتقيان مع شرطي (فهمي هويدي) في
قسميهما الأول، ويضيفان إليهما شرط (الوطنية وعدم العمالة).. ويبقى أن الفاصل في
هذا هو (الدستور) الذي تقرّه البلاد، ويتفق عليه جميع الأطراف..
فالدكتور
القرضاوي – إذاً – يبيح تعدد الأحزاب، ولكنه يضع سقفاً لها، متمثلاً في الشرطين
اللذين ذكرهما، وبالتالي فهي تعددية إسلامية مشـروطة، أو لنقل: تعددية دستورية –
إذا جاز التعبير - ، بمعنى أن دستور الدولة هو الذي يضع الضوابط لها..
وإلى
هذا الاتجاه يميل (الإخوان المسلمون)، الذين أصدروا (بياناً)، أعلنوا فيه موقفهم المؤيد
للتعددية، مؤكدين فيه أن "الإسلام، منذ بدأ الوحي إلى رسول الله (صلى الله
عليه وسلم)، يعتبر اختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، ويقيم نظامه السياسي
والاجتماعي والثقافي على أساس هذا الاختلاف والتنوع: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}. والتعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف
بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر، فيما يجري على
يديه من حق وخير ومصلحة"([16])..
وهم يرون في (المعارضة السياسية المنظمة): "جزءاً من البناء السياسي، وليست
خروجاً عليه، أو تهديداً لاستقراره ووحدته"([17]).
ومع إن هذا
(البيان) لا يذكر صراحة الموقف من الأحزاب الأخرى غير الإسلامية، إلا أن
الموقف المعروف عن (الإخوان) هو قبولهم المشـروط بوجودها.. ومن ذلك ما نقله
(الغنوشي)، في كتابه (الحريات العامة)، عن الشيخ (مصطفى مشهور) – نائب المرشد
العام للإخوان المسلمين في حينه – ممّا يسميه بـ (الفتوى) التي حسمت الأمر، وأفسحت
للمسيحيين "أن ينشئوا لهم حزباً مسيحياً، انطلاقاً من مبدأ المواطنة"([18]).
حيث ينقل قوله: "إن الإسلام مع التعددية الحزبية، وحرية الرأي، ولا يكره
أحداً على الدخول في الدين {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، ويرسم حدود المعاملة مع
غير المسلمين في حدود العدل، والأمن، وحصولهم على حقوقهم كاملة: لهم ما لنا،
وعليهم وما علينا... ولا يمكن أبداً أن يحدث إنشاء حزب إسلامي وحزب مسيحي فتنة
طائفية، ويسبّب حرباً بين الحزبين"([19])..
وهو ذات الموقف الذي يعبّر عنه (د. علي الحوامدة)
– وهو أحد قياديي الإخوان في الأردن- عندما يصرّح في لقاء معه: إنه ليس وارداً، في
حال تولّي جماعته مقاليد البلاد، أن تمارس الحظر على نشاط أيّ من التيارات الفكرية
والسياسية، بما في ذلك الحزب الشيوعي نفسه"([20]).
ويؤكد أ. د. وهبة الزحيلي، في كتابه (حقّ الحريّة
في العالم)، حقّ المعارضة في الإسلام، ويرى في "وجود المنافقين، واستمرار
بقائهم في المجتمع الإسلامي الأول، في عهد النبوة، لوناً من ألوان المعارضة"([21])،
ويؤكد أنه كانت لهؤلاء "مواقف معارضة لأكثرية المسلمين في بعض القضايا المهمة،
والمواقف العسكرية"([22])،
ويذكر مواقفهم في (أحد)، ومع (اليهود)، وفي (تبوك)، وغيرهما.. ولكنه يرى أن هذه
المعارضة يجب أن "تعمل ضمن أصول الشريعة وأحكامها"([23])،
ذلك أن حرية النقد، أو حرية الرأي، وفي مختلف الأنظمة الوضعية والسماوية، ليست
مطلقة – كما يقول – "وإنما هي مقيدة ضمن دائرة القانون، أو ضمن حدود الشريعة"([24]).
ويذهب الباحث التونسي (خالد شوكت) – الأستاذ
بجامعة محمد الأول بالمغرب – إلى التأصيل لتعددية سياسية شبه مطلقة، عندما يطمئن
الإسلاميين أنه لا داعي للخوف من (تعددية الأحزاب)، لأن الخوف يأتي في حالة واحدة،
هي أن لا يكون أصحاب (الطرح الإسلامي) في مستوى المسؤولية، ويفشلون بالتالي في
الحصول على تأييد الناس.. وإلا فمن أين يأتي الخوف، إذا لم يكونوا كذلك، وكانوا –
على العكس – أصحاب الأغلبية الشعبية؟.. كما أنه – من جهة أخرى – يعتبر التعددية "بنوعيها:
السياسي، والأيديولوجي – الثقافي، تبقى خير ضمان لتوهج المشروع الإسلامي، كما أن
رسوخها يمثل أعتى قاهر لإرهاصات المحافظة والتقليد والبيروقراطية، كأخطار تنذر
بالفساد والانحطاط..."([25]).
وإلى
قريب من ذلك يذهب الباحث المصري (هشام
أحمد)، عندما يعرّف (التعددية) بأنها "في جوهرها تعني التسليم بالاختلاف...
فالتعددية، فكراً وممارسة، تفترض التسامح السياسي، والحوار، والاعتراف بالآخر:
وجوداً ورأياً وتعبيراً"([26]).
ويعبّر عن موقفه من (تعددية الأحزاب غير الإسلامية) بشكل أوضح عندما يقول: "والتعددية
السياسية هي في جوهرها اعتراف بمشروعية التعددية الاجتماعية، وحق تكوينات المجتمع
في الاختلاف، وبسعي كل منها للدفاع عن مصالحه المشـروعة في إطار سلمي يعترف بنفس
الحق للتكوينات الأخرى، طبقاً لقواعد يحترمها الجميع، وبلا إخلال بالوحدة الوطنية
والتكامل القومي"([27]).
ويضع في مقال آخر له (شرطاً أساسياً) لضبط هذه التعددية "هو عدم مهاجمة
مقدسات الأمة وقيمها ومثلها العليا علانية، لأن من شأن هذا الهجوم أن يزيد من تأزم
الموقف بين المختلفين"([28]).
ويذهب
القانوني المصـري الدكتور محمد سليم العوا إلى تأييد (التعددية الحزبية المشروطة)،
في كتابه (في النظام السياسي للدولة الإسلامية)، عندما يقول: إننا نرى "أنه
لا تثريب اليوم على دولة إسلامية إن هي سمحت بتعدد الأحزاب فيها. وأنها يجوز – بل
يجب عليها – أن تشترط على هذه الأحزاب الالتزام بقيم الإسلام وأحكامه، ثم تدعها
بعد ذلك وما تدعو إليه من برامج سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، وليس في
هذا ما يخالف أحكام الإسلام، أو نصوصه القطعية"([29]).
وإلى هذا الاتجاه يذهب الفقيه الشيعي محمد
الشيرازي، في كتابه (فقه السياسة)، إذ يقول: "أما الأحزاب غير الإسلامية، فإن
كانت أحزاباً وطنية تريد بناء الوطن فهي مجازة، وكذلك بالنسبة إلى حزب الأقليات في
إطارهم الخاص. نعم لا يحق لحزب أن يدعو إلى ما يضاد الإسلام، ويحق لكل حزب أن يعمل
في الإطار الإسلامي من أي مذهب أو قومية"([30]).
فهو صريح في اشتراط الإطار الإسلامي لكل الأحزاب، مع إجازة ما يسمّيه بـ (الأحزاب
الوطنية)، إذا كانت "تريد بناء الوطن"!
ويرى
الشيخ (عبد الرحمن عبد الخالق) – وهو من رموز الحركة السلفية في الكويت – "أن إقامة أحزاب وجمعيات أو تجمعات، في أيّ
نظام ديمقراطي يسمح بتعدد الآراء والاتجاهات، لا تعني بالضرورة إقرار المخالفين،
ولا الرضى بما هم عليه من الباطل، وإنما يعني فقط الرضى بالطريق السلمي والدعوة
العلنية، سبيلاً ومنهجاً للتغيير، والتخلي عن سياسة العنف والسرية، وهذا في حد
ذاته محمود في الدين، بل الأصل في الدعوة إلى الله"([31]).
وهذا الرأي يترك الباب مفتوحاً أمام (تعددية الأحزاب) دون قيود – كما هو رأي
الباحثين: خالد شوكت، وهشام أحمد – ولكننا أدرجناه ضمن التعددية المشـروطة، لأن
أصحابه لا يصرحون بوضوح وحسم بقبولهم للتعددية المطلقة.
ومن
الآراء المطروقة أيضاً في هذه المسألة، رأي الشيخ (محمد حسين فضل الله) – المرجع الشيعي
اللبناني – الذي يرى أن (الأصل) أن لا يكون للأحزاب والتنظيمات غير الإسلامية
"دور في المجتمع الإسلامي، في دائرة الدولة الإسلامية، لأنها تمثل البديل عن
الإسلام في فكره وشريعته ومنهجه في الحياة، فليس من الطبيعي أن تكون لها الحرية في
ذلك، لأن معنى هذا هو إعطاء الحرية في إسقاط النظام الإسلامي"([32]).
ولكنه يستثني من ذلك حالات الضرورة، التي قد تضطر الدولة الإسلامية "إلى
السماح بذلك في ظرف معين، عندما تجد القيادة الإسلامية المصلحة العليا في تفادي
العمل السري لهذا الحزب أو ذاك... مما يجعل من العلنية القانونية أسلوباً من
أساليب توفير كل الظروف لإضعافه أو إسقاطه، بطريقة متوازنة مدروسة"([33])!.
فهذه الآراء كلها تؤيد قيام نظام (تعددية حزبية)
مؤطرة بإطار الإسلام، بمعنى إجازة قيام الأحزاب غير الإسلامية (القومية، أو
الليبرالية، أو حتى الشيوعية)، بشـرط أن تعلن ولاءها للدولة الإسلامية، على قاعدة
خدمة الوطن والمواطن، مع احترام (الدين)، وعدم الدعوة إلى الإلحاد أو الإباحية..
ونستطيع أن نفهم هذه المواقف على ضوء الموقف المشهور للإمام علي (رضي الله عنه) مع
الخوارج، وهم – باعتراف أغلب الكتاب والباحثين – يمثلون المعارضة السياسية الأولى،
أو الحزب السياسي الأول في الإسلام، وقد كان حزباً عنيداً يقوم على أصول بدعية، ومع
ذلك فإن الإمام علي (رضي الله عنه) قال لهم قولته المشهورة: "لكم علينا ثلاث:
ألا نمنعكم مساجد الله، ولا نحرمكم من الفيء ما
دامت أيديكم في أيدينا، ولا نبدأكم بقتال"([34])..
فرتّب لهم حقوقهم، واشترط عليهم التزام النظام العام، بعدم رفع السلاح في وجه
المسلمين.
وهذا الموقف بالذات، فضلاً عن عدة أمور ودلائل
أخرى، هو الذي يعتمد عليه أصحاب الاتجاه الثالث، في تأييد ما يذهبون إليه..
ثالثاً:
اتجاه التعددية المطلقة:
أبرز
المنادين بهذا الموقف على الساحة الإسلامية هو (حركة الاتجاه الإسلامي) في (تونس)،
والتي تغيّر اسمها إلى (حركة النهضة)، وزعيمها الشيخ راشد الغنوشي.. حيث جاء في
البيان التأسيسي للحركة الإعلان عن رفض الحركة لمبدأ "الانفراد بالسلطة
(الأحادية) لما تضمنه من إعدام لإرادة الإنسان، وتعطيل لطاقات الشعب، ودفع البلاد
في طريق العنف، وفي المقابل إقرار حقّ كلّ القوى الشعبية في ممارسة حرية التعبير
والتجمع وسائر الحقوق الشرعية، والتعاون في ذلك مع كل القوى الوطنية"([35]).
وعندما سئل رئيس الحركة عن رأيه في التعددية السياسية والتنسيق مع المعارضة، في
ندوة صحفية عام 1981م، أجاب: "نحن لا نعارض البتة أن يكون في البلاد أي اتجاه
من الاتجاهات، ولا نعارض البتة قيام أيّ حركة سياسية، وإن اختلفت معنا اختلافاً
أساسياً جذرياً، بما في ذلك الحزب الشيوعي"([36])..
ولا يزال الشيخ راشد الغنوشي يدافع عن هذا الرأي،
كما يظهر ذلك جلياً في كتابه (الحريات العامة في الدولة الإسلامية)، الصادر في عام
(1996)، وكما هو معروف عنه في تصريحاته ولقاءاته.
على
أن أقوى المؤيدين صوتاً لمذهب (التعددية الحزبية المطلقة) هو الشيخ الدكتور حسن
الترابي، الزعيم الإسلامي السوداني المعروف، وذلك في كتابه (السياسة والحكم)، حيث
يقول فيه: "هكذا، تطوّر مذهب فكر الإسلاميين، وموقف الحركة الإسلامية، ومضوا
عبر سيرتهم - منذ صحوة القرن الماضي - نحو القول بحرية الناس، أن يولوا بوجوههم
حيثما شاؤوا في السياسة، ويتوالوا على ذلك تنافساً جماعياً، إلا قليلاً ممن بقي
مرهوناً للتعكف والتعفف التقليدي في ذلك. وحتى الذين تسامحوا وفسحوا في اجتهادهم
لحرية الاختلاف وتعدد الأحزاب، ما زالوا يصرون على شرط التزامها بثوابت الإسلام،
لا ليحق أنهم مهتدون، فذلك لا ريب فيه، ولكن ليؤذن لهم مجال حرية بالسلطة. ودون أن
نسمّي القائلين بذلك من الكتّاب، يعجب المرء كيف يقيمون حداً من الرخصة بالسلطة
على غير المسلمين في المجتمع، أو على المنافقين، أو على المؤمنين ببعض الكتاب،
الكافرين ببعضه السياسي، وشواهد القرآن وسنّة المدينة قائمة بيّنة على أن ذلك حق
دعوة، وليس بحكم سلطة بشرع الإسلام. حرية الاختلاف مذهباً، والموالاة عليها تعدداً
حزبياً، من أصول الحكمة والحكم في دين الإسلام"([37]).
في
هذا النص ينتقد (الترابي) أصحاب الاتجاه السابق، القائلين بالتعددية الحزبية
المشروطة، ويرى أن شواهد القرآن وسنة المدينة قائمة على عكس ذلك، وأن رخصة السلطة
على (غير المسلمين)، و(المنافقين)، في المجتمع الإسلامي، هو (حق الدعوة) وليس (حكم
السلطة)، ومن ثم فهو يرى أنهم أحرار في "حرية الاختلاف مذهباً، والموالاة
عليها تعدداً حزبياً". ويوضح (الترابي) فكرته أكثر، إذ يقول: "ونصوص
القرآن، ونهج حكم المدينة، بيان لمختلف الأحزاب الحرة النشطة، المعارضة منها،
والمتباعدة عن الإسلام، وصدقه، لا تحظر بالسلطة. ونقدهم لولي الأمر، الذي كان
نبياً، بالغاً ما بلغت شناعته، لا يعاقبون عليه. والقرآن يسميها (أحزاباً)، ويقصّ
مساءلاتهم ومؤاذاتهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) ولحزب الله المؤمنين، ولا يوصي
بأخذهم بالسنان، إلا أن يرفعوا سناناً، وإنما بمجاوبتهم، لساناً أو عطاء، في ما هو
خير، ومحاجتهم ومدافعتهم قولاً، فيما هو شر"([38]).
ثم
يقول: "فهدي الدين أن الحياة العامة فاسحة مسامحة لشتى الأحزاب، لكل وجهة هو
موليها، بغير إذن أو ترخيص من أمر مرسوم من سلطان الدولة... ومهما تذهب الأحزاب
وراء الحق إلى ما يحرّمه الشرع أو يكرهه، فضلاً عمّا يكره الأمير، فإن سنّة دولة
المدينة أسوة بينّة لترك من يحمل كفراً كتابياً، أو منافقة مفضوحة، أو تردداً بين
الكفر والإيمان، ليعمل سياسة بتعبير رأي، وموالاة عليه، كما يشاء"([39]).
فالترابي
يرى أن التعامل، في الإسلام، يجري مع أحزاب (الناس)، وليس أحزاب (المسلمين)، وأن
"حدّ الحرية الحزبية" – كما يقول - هو "الولاء لسلطان الديار، لا
الإسلام"([40]).
فهناك
إذن (حدّ)، رغم هذه التعددية (المطلقة) التي يدعو إليها الترابي، ولكنه يختلف عن
أصحاب الاتجاه الثاني، في أنه لا يجعل هذا الحدّ: ثوابت الإسلام، بل يجعله (الولاء
لسلطان الديار)، أي الولاء للوطن.. فهي إذن تعددية مشروطة أيضاً، ولكن من نوع آخر.
وهناك – بالطبع – كتاب آخرون يؤيدون هذا
الاتجاه، كما ينقل عن د. محمد الهاشمي الحامدي، الناشط الإسلامي التونسي المعروف،
صاحب فضائية (المستقلة)، إذ يقول في (الميثاق) الذي أعدّه حول استراتيجية العلاقة
بين الحركة الإسلامية والحركات الأخرى: "للمواطنين العلمانيين، بمختلف
اتجاهاتهم – بما في ذلك الشيوعيين – حق تكوين الأحزاب، والدعاية لمبادئهم،
والمنافسة على السلطة، وإدارتها، إذا حصلوا على التفويض الشعبي من خلال الانتخابات
الحرة"([41]).
ولكن
الذي يلفت النظر أن هذا الاتجاه الذي يدعو إلى التعددية الحزبية المطلقة، يكاد
يقترب كثيراً من الاتجاه الثاني الذي أسميناه بـ (التعددية المشروطة، أو
الدستورية)، حيث رأينا أن الأستاذ حسن الترابي، مع شدّة وضوحه في إقرار حق (الناس)
– وليس (المسلمين) – في أن "يُعمل سياسة بتعبير رأي، وموالاة عليه، كما
يشاء".. ولكنه يعود لِيضَعَ للتعددية سقفاً، هو سقف "الولاء لسلطان
الديار".
ومن هنا، فإننا نرى أن الفارق بين هذين
الاتجاهين، ليس فارقاً نوعياً، بقدر ما هو فارق في الشفافية، وفي المنطلق الذي
يبدأ منه كل اتجاه، فحيث يشدّد الآخرون على أن تقرّ الأحزاب الأخرى غير الإسلامية،
وتلتزم (بقيم الإسلام وأحكامه )، كشرط لإجازتها والسماح لها بالعمل.. ينطلق هذا
الاتجاه الذي ينادي بالتعددية المطلقة، من إقرار (حرية الناس) أولاً – كل الناس – ،
ثم يتحدث بعد ذلك عن (حدّ) لها، وهذا الحد الذي يضعه ليس (دينياً)، وإنما هو
(وطني)، هو (الولاء للدولة)، وليس (الولاء للإسلام).
"إذن
- حسب هذا التصور- يمكن للأحزاب – على اختلاف توجهاتها غير الإسلامية – أن تنشأ في
الدولة الإسلامية، بشرط الولاء للدولة الإسلامية، لتساهم في مشروع التعارف بين
الشعوب والأمم والديانات والمذاهب ..."([42]).
وهذه عبارات الأستاذ راشد الغنوشي، وهو يلتقي مع د. الترابي في اشتراط (الولاء
للدولة) وحده، دون (الولاء للإسلام)..
والأستاذ
الغنوشي يطمئن الخائفين من إطلاق الحريات السياسية بهذا الشكل، بقوله: "ونحن
نعتقد أن ليس لهذا الاختلاف حول شرعية وجود أحزاب غير إسلامية في دولة إسلامية من
أثر يذكر على صعيد الواقع، طالما أن جملة الأحزاب العلمانية تعلن انتماءها
للإسلام.. فإذا تمردت عليه تعرضت للعزلة والهامشية.. ووجودها على السطح عندئذ أقل
ضرراً من عملها في السر.. وحالها لن يكون أفضل
من حال حزب إسلامي، أو شيوعي، في إنكلترا أو أمريكا"([43]).
وهو
يؤكد أيضاً أن وقائع الانتخابات في أكثر من بلد إسلامي، خلال العقود الماضية، كشفت
(اضمحلال) وزن جماعات الإلحاد والعلمنة، رغم سيطرتهم على كثير من أجهزة الدولة،
ذلك والتيار الإسلامي ناشئ ومضطهد في الغالب، "فكيف لو كان سلطان الدولة
التوجيهي والاجتماعي في يدها؟ هل يجرؤ تيار على مواجهة ضغط الرأي العام، وإعلان
إلحاده؟ الأمر الذي يؤكد مدى ما يمكن أن تحققه الحرية من تأطير للمجتمع في إطار
قيم الإسلام، فما تبقى غير حالات فردية ومجموعات صغيرة يتكفل المجتمع المدني
بعلاجها"([44]).
هذه إذن أهم طروحات هذا الاتجاه الذي قلنا إنه
يدعو إلى (تعددية مطلقة)، ولكنها – في الحقيقة - تحتوي على (حدّ) أو (سقف) لها، هو
– كما رأينا – سقف الولاء للدولة، ذلك أن (الآخرين) (= غير المسلمين) – حسب هذا
الاتجاه – وإن كان لهم حق تنظيم أنفسهم، لتحقيق مصالحهم، والدفاع عن وجودهم،
"ولكن ليس لهم أن يستهدفوا تغيير أسس المجتمع، والإطاحة بها".. وهو ما
يدفع الكثيرين إلى القول بأنه لا وجود لتعددية مطلقة، ليس "في الشريعة
الإسلامية وحدها، ولكن في كل النظم العالمية، وإن بدا في هذه النظم ظاهراً غير ذلك"([45]).
وهذا
هو الأمر الذي دفعنا إلى القول بأن هذين الاتجاهين يكادان يتفقان في النهاية، وأنه
لا وجود لتعددية مطلقة حقاً.
الخاتمة
بعد
أن استعرضنا، خلال الصفحات السابقة، موقع (التعددية السياسية والحزبية) في المنظور
الإسلامي، وتعرفنا على الآراء والتيارات الفكرية الإسلامية في هذا الميدان، فإننا
نستطيع الآن أن نوجز أهم النتائج التي توصلنا إليها في النقاط التالية:
1- هناك اختلاف بين تيارات الفكر الإسلامي
المعاصر حول مشـروعية العمل الحزبي والسياسي في الإسلام، فهناك اتجاه يقول: إن
العمل الحزبيّ حرام، وإنه لا (حزبية) في الإسلام.. وهذا الاتجاه ضعيف. وهو في
طريقه إلى التلاشي، وخاصة إنه يقف على أرضية العلمنة: أرضية فصل (الديني) عن
(السياسي).
2- لم يرَ رواد النهضة والإصلاح في العالم
الإسلامي (الأفغاني، محمد عبده، رشيد رضا، الكواكبي، وغيرهم) بأساً في مزاولة
العمل السياسي، بل وإنشاء التجمعات والأحزاب السياسية.. بل على العكس، كانوا يرون
في ذلك طريقاً من طرق الإصلاح، وسبيلاً للحدّ من الاستبداد.
3- هناك تيار يرفض (التعددية الحزبية)، في الفكر
الإسلامي المعاصر، معتبراً إياها سبيلاً لتمزيق صف الأمّة، ومنافية لروح الإسلام
التي تدعو إلى (الوحدة والجماعة)، وتنهى عن (التفرّق في الدين) و(التنازع).. وهذا
التيار يرى أن الإسلام لا يعرف إلا حزباً واحداً هو (حزب الله)، وأن كل ما عداه هي
(أحزاب) للشيطان. ويرون في الحديث الصحيح المعروف عن افتراق الأمة إلى (73) فرقة،
تحذيراً واضحاً للأمّة من الأحزاب.
4- ويرى هذا الفريق الرافض للتعددية الحزبية أن
عدم معرفة المسلمين، في سابق عهدهم، لمثل هذا النوع من التعدد الحزبي، يدل على ما
يشبه الإجماع على تركه.. كما أنهم يرون في ظهور (الفرق) ظواهر مرضية اعترت الجسم
الإسلامي في فترة من الفترات ..
5- أما التيار الغالب في الفكر الإسلامي
المعاصر، فهو تيار يؤيد (التعددية السياسية والحزبية)، ويرى فيها سبيلاً لصيانة
حريات الأفراد والجماعات، والحدّ من طغيان وتسلّط (الحزب الحاكم) في الدولة.
6- ويرى هذا التيار المؤيد للتعددية السياسية
والحزبية أن تجارب التاريخ، ووقائع الحاضر، ومحكمات الأصول، ومقاصد الشرع، كلها
تؤيد قيام مثل هذا النظام، على مقتضى قاعدة أن (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
7- يقف الفكر الإسلامي المعاصر من قضية وجود
(الأحزاب غير الإسلامية) موقفاً مرناً ومؤيداً – في الغالب -، وهناك فريق – غير
كبير – يحصـر التعددية في (الأحزاب الإسلامية) وحدها، ويرى أنه لا يجوز إقرار وجود
أحزاب غير إسلامية في الدولة الإسلامية.
8- أما التيار الغالب في الفكر الإسلامي
المعاصر، فهو تيار يقرّ ويؤمن بتعددية حزبية مشروطة، بمعنى أنهم يجيزون قيام أو
وجود أحزاب غير إسلامية في الدولة الإسلامية، ولكن بشرط أن تعلن هذه الأحزاب
التزامها بقيم الإسلام وأحكامه ..
9- ويرى فريق من المفكرين والحركات الإسلامية،
أن (التعددية الحزبية) في دولة الإسلام، (مطلقة)، وأنه لا (حدّ) لها إلاّ حدّ
(الولاء للدولة).
10- الفرق
بين (التعددية المشروطة) و(التعددية المطلقة) فرق دقيق، ولكنه هام وأساسي، فبينما
يرى أصحاب التعددية المشـروطة أن ولاء الأحزاب كلها يجب أن يكون لـ (الإسلام)،
يقول أصحاب التعددية المطلقة: إن الولاء يجب أن يكون لـ (الدولة).
11- ومن
هنا، قلنا إنه لا وجود لـ (تعددية مطلقة) في الحقيقة، لأن هذا الفريق هو الآخر يضع
سقفاً أو شروطاً للتعددية، وإن كان يختلف في تحديد نوعية هذا الشـرط عن بقية
التيار الإسلامي المنادي بـ (تعددية في إطار الإسلام)..
12- ونرى
أن لا ضير من وجود التيارين معاً، وأن التيار الثالث ربما يكون الأقرب إلى تحقيق
مقاصد الشرع، والأقدر على التحدث بـ (لسان القوم) و(لغة العصـر)، لأنه يؤمن بـ
(الحرية للجميع) على قاعدة [لا إكراه في الدين]، ويقرّ بوجود (الكفر) و(النفاق)،
وما بين ذلك، في المجتمع الإسلامي، متيحاً لكل الأطياف حرية التعبير والوجود
المنظم – إن أرادت ذلك، وسعت إليه -، أسوة بـ (وثيقة المدينة)، واقتداء بتعامل
الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومن بعده الخلفاء الراشدون، مع كل الفرقاء، على أساس
القاعدة المعروفة التي أرساها الإمام علي (رضي الله عنه): لكم علينا ثلاث ... إلا
أن يرفعوا سلاحاً.
وبهذا
نكون قد أتينا إلى ختام هذا البحث، الذي نرجو أن نكون قد وفقنا فيه لبيان موقع
(التعددية السياسية والحزبية) في المنظور الإسلامي، والحمد لله على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق