01‏/04‏/2019

مرافئ/ ما بين الإفراط والتفريط في الشعائر التعبدية


د. يحيى عمر ريشاوي
ما بين الإفراط والتفريط خيط رفيع ودقيق لا يحسّ به إلا من رحم ربّك؛ الإفراط في الاهتمام بتقوية العلاقات الاجتماعية، والتفريط في حقّ الجيرة، والأخوّة، والقرابة.. الإفراط في الاهتمام بالصحة والبدن إلى حدّ الوسوسة، والبحث المضني في الإنترنت عن كل جديد صحي، والتفريط في التمارين الرياضية، وترك حبل المعدة على الغارب لكلّ غثّ وثمين.. الإفراط في التسوّق، وشراء كلّ ما تحتاج وما لا تحتاج، والتفريط في الاهتمام بالمظهر الخارجي، وإعادة لبس نفس (ربطة عنق) العام الذي مضى!!
ولعلّ الأخطر من هذا وذاك، التطرّف والإفراط في التديّن والالتزامات العقدية، أو التفريط في أداء الواجبات الدينية - ولا أتحدّث هنا عن التطرّف الديني في جانبه السياسي، وآثاره المدمّرة على حياة الناس، إذ لا يتّسع المجال له -، ولكن الذي أريد أن أتطرّق إليه في هذا المقال، هو الإفراط أو التفريط في بعض الشعائر الإسلامية،
والالتزامات والسنن التعبدية.
فمثلاً، تجد من أقسم أن يعتمر كلّ سنة، ويمضي العشر الأواخر من كلّ رمضان في البقعة المباركة، ويصرف آلاف الدولارات - كلّ سنة - على هذه الشعيرة العظيمة، في فنادق راقية، والسفر عبر خطوط طيران فاخرة، وشراء هدايا غالية بمئات الدولارات، بينما أقرب المقرّبين إليه أحوج ما يكون إلى مدّ يد العون، وتوفير حاجاته الحياتية.. إفراط في أداء سنّة، وتفريط في واجب وفريضة!
وتلحظ إفراطاً في شعيرة أخرى، وهي أداء صلاة التراويح الرمضانية في جوامعنا خلال الشهر الفضيل، إلى حدّ تغليب الاهتمام  بسنّة التراويح على فريضة الصوم نفسها! وكأنّ شهر رمضان هو أداء صلاة التراويح لا غير.. بينما تلحظ تفريطاً في الاهتمام بالسحور - مثلاً -، أو قيام الليل، أو قراءة القرآن، وغيرها من الأذكار والعبادات.. ويصل الأمر إلى التفريط في أداء الواجبات الشخصية، والحكومية، والحجّة - ربّما - هي تهيئة الجسم لأداء صلاة التراويح جماعة في المسجد!! تقصير وتفريط هنا، وإفراط ومبالغة هناك!
وأرى أن هناك نوعاً آخر من الإفراط والبذخ الزائد في صروح بعض الجوامع والمساجد وأبنيتها، أو ربّما صرف ملايين الدولارات على بناء مساجد في أماكن، المسلمون أحوج ما يكونون فيها إلى مدارس، أو مستشفيات، أو غيرها من المرافق الخدمية الملّحة والضـرورية.. إفراط في مجال مهم، وتفريط في مجال مهم آخر.. فكما أن المساجد هي جزء أساسي في حياة المسلمين لا غنى عنه، فكذلك المدارس والمستشفيات والمكتبات وغيرها من المرافق الخدمية.
نحتاج إلى فهم حضاري أعمق في العبادات والالتزامات الدينية، يوازن - وبصورة أدقّ - بين ما هو داخل في باب الإفراط والإسراف، وبين ما يدخل في خانة التفريط والتقصير والإهمال، كي نكون - بحقّ - مثالاً للآية القرآنية الكريمة [وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً ...].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق