02‏/10‏/2023

منهج العلامة ناصر سبحاني في فهم القرآن الكريم، وعلومه، وتفسيره، ونظريته في مصادر التشريع وترتيبها - الحلقة ( 18)

 د. عمر عبد العزيز

     في هذه الحلقة سنتحدث عن منهج العلامة سبحاني في مصادر التشـريع وترتيبها، ورأيه في مدارس التفسير والمفسـرين، ومنهجه في التفسير الموضوعي للقرآن، وفهم ألفاظه، وأسباب النزول

   نظريته في مصادر التشريع وترتيبها:

أولاً/ مصادر التشريع الأصلية والفرعية:

   بما أن الله سبحانه قد اختار الإنسان من بين مخلوقاته، للقيام بمهمة الخلافة في الأرض، وكرّمه بذلك، وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض، وبما أن هذه المهمة تحتاج إلى هدى من عنده، فلقد وضع له أحكاماً شرعية، عن طريق دلائل وإمارات اشتهرت عند علماء المسلمين بالأدلة الشرعية، أو مصادر الأحكام، أو مصادر التشريع.

   ولا شك أن تلك المصادر تتنوع بتنوّع حجيتها، وكذلك باختلاف آراء أئمة المذاهب الإسلامية فيها. حيث منها ما هو مجمع عليه بين جميع مذاهب الأمة وفرقها، وهما الكتاب - والمقصود به القرآن - والسنة - والمقصود بها أقوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتقاريره؛ على جهة التشـريع، لأن فيها ما هو صادر منه على جهة العادة([1]). قال الشاطبي في ذلك: "كل ذلك إما متلقّى بالوحي أو بالاجتهاد"([2])، ثم ذكر أن "السنة راجعة في معناها إلى الكتاب؛ فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصـره"([3]). وهما - أي الكتاب والسنة - يعدّان المصدران الأولان الأساسيان من المصادر الأصلية، رغم اختلاف بين المذاهب السنية ومذهب الشيعة الإمامية الاثني عشـرية، في تعريف السنة وحجيتها، ومصادر الفريقين، فهم يقولون بالسنة الواردة عن طريق أئمة أهل البيت فقط، رافضين بذلك كل ما ورد من الروايات عن طريق الصحابة في الرعيل الأول، وغيرهم من غير أهل البيت، من الرعيل الثاني، ومن يليهم"([4]).

   وهناك مصدران آخران يأتيان بعدهما، وهما: الإجماع، وهو: "اتفاق مجتهدي أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاته، في عصـر من الأعصار، على أمر من الأمور"([5])، والقياس، وهو: "مساواة المسكوت عنه للمنصوص عليه، في العلة"([6]). يذكر أن أول من قال بهذا الترتيب الرباعي الإمام الشافعي (ت: 204هـ)، في رسالته، التي تعدّ أول مصدر في علم الأصول([7])، حيث قال فيها: "ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يقول، إلا من جهة علم مضـى قبله، وجهة العلم بعدُ: الكتاب والسنة والإجماع والآثار، وما وصفتُ من القياس عليها"([8]).

أما المصادر الأخرى، فتسـمى المصادر الفرعية - أو التفصيلية -، على خلاف في عدّها وتعيينها بين علماء المذاهب، وهي:

1- العُرف. وهو: "ما اعتاده الناس من معاملات، واستقامت عليه أمورهم"([9]). وبه قال الحنفية والمالكية، في غير موضع النص.

2- الاستحسان. وهو: "استعمال مصلحة جزئية، في موضع يعارضه فيها قياس عام. وبه قال الحنفية والمالكية"([10]). أما الشافعي، فقد أبطله، بل ألّف كتاباً سماه: إبطال الاستحسان، وقال فيه: "لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكماً أو مفتياً أن... يفتي بالاستحسان"([11]).

3- المصالح المرسلة. وهي: "ما لم يقم دليل من الشارع على اعتبارها، ولا على إلغائها"([12])، ولم يقل بها بالقطع إلا الإمام مالك، وردّها الحنفية والشافعية، وأدخلوها في باب القياس"([13]).

4- شـرع من قبلنا. وهو أيضا موضع خلاف بين أئمة المذاهب، فقال بعضهم: لا عبرة بأي نقل خارج عن غير مصادر الإسلام، وليس حجة، ولا يلزمنا العمل به. وهذا هو المختار لدى الشافعية. وقال آخرون: أصل الشـرائع واحد، إلا إذا ثبت تخصيصه. وبه قال أكثر الحنفية والمالكية، في تفصيلٍ ليس محل بحثنا"([14]).

5- الاستصحاب. وهو: "استدامة إثبات ما كان ثابتاً، أو نفي ما كان منفياً"([15]). وله أنواع ذكرها الأصوليون، وقال بحجيّته الشافعية وبعض الحنفية والحنابلة وأكثر المالكية، وردّه كثير من الحنفية وبعض الشافعية"([16]).

6- قول الصحابي، أو فتوى الصحابي، أو مذهب الصحابي. قال به بعض الفقهاء، ولكن الإمام الشافعي؛ في مذهبه الجديد، ذهب إلى أن قول الصحابي ليس بحجة مطلقاً، ولا يجوز تقليده، وهو الرواية الثانية للإمام أحمد، وكذلك رد الغزالي وآخرون حجيته، بدليل عدم كون الصحابي معصوماً"([17]).

7- سد الذرائع. ورد ذكره في مصادر المالكية والحنبلية بالدرجة الأساسية، وقال به معظم المذاهب، عدا الظاهرية، الذين أنكروا حجيته"([18]). وسد الذرائع هو ـ باختصار ـ : "إعطاء الوسيلة حكم غايتها"([19]).

   وهنا لا بدّ من القول بأن هذه المصادر أطلق عليها لفظ مصادر التشـريع تجوّزاً، وإلا فإنها تابعة لكتاب الله سبحانه، والسنّة المبيّنة للقرآن، "فما سواهما تبع لهما"، كما قال الإمام الشافعي([20]). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا قلنا: الكتاب والسنة والإجماع، فمدلول الثلاثة واحد، فإن كل ما في الكتاب فالرسول موافق له، وكذلك ما سنّه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فالقرآن يأمر باتباعه فيه، والمؤمنون مجمعون على ذلك، وكذلك كل ما أجمع عليه المسلمون، فإنه لا يكون إلا حقاً موافقاً لما في الكتاب والسنة"([21]). وقال الجصاص (ت:370هـ/980م)([22]) عند تفسيره لقوله تعالى: [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْـرَى لِلْمُسْلِمِين] النحل/٨٩: "يعني به - والله أعلم- تبيان كل شيء من أمور الدين بالنص والدلالة، فما بيّنه النبي (صلى الله عليه وسلم)، فإنما صدر عن الكتاب بقوله تعالى: [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] الحشـر/٧، وما حصل عليه الإجماع فمصدره أيضاً الكتاب، لأن الكتاب دلّ على حجّيّة الإجماع، وأنهم لا يجتمعون على ضلال. وما أوجبه القياس واجتهاد الرأي وسائر ضروب الرأي والاستحسان وقبول خبر الواحد، جميع ذلك من بيان الكتاب. لأنا إذا لم نجد لحادثة حكماً منصوصاً، لا في الكتاب، ولا في السنة - وقد أخبر الله أن في الكتاب كل شيء من أمور الدين -، ثبتَ أن طريقه النظر والاستدلال بالقياس على حكمه، من غير هذه الجهة"([23]). وكذلك - وقريباً من ذلك - قال الشاطبي، أثناء حديثه عن دليل السنة وحجيته، وعند تفسيره لقوله تعالى: [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] الأنعام/٣٨"([24]).

ثانياً/ منهجية سبحاني في عرض مصادر التشريع، وترتيبها، وحجيتها:

1- معالم الهدي القرآني:

   يرى سبحاني أن الله سبحانه أنزل الهدى عن طريق خاتم النبيين على عباده، حاوياً تبيين مقتضيات وظيفة الخلافة في الأرض، وهادياً إلى تصورات حول الإنسان والكون والحياة، وجامعاً بيان ما يلزم من القيم والأحكام. وبما أن الشهيد سبحاني كان يسعى، للوصول إلى كل حقيقة، أن يجد في كتاب الله أصلاً لها، بحث ــ من هذا المنطلق ـ للحصول على الأصل القرآني الذي يشير إلى مصادر التشريع أيضاً، فتوصّل إلى أن الآيتين 59 و60 من (سورة النساء) أصل لهذا الأمر، تساندها آيات أخر. قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا] النساء/٥٩٦٠.

ولذلك، يؤكد الشهيد؛ في معظم دراساته ودروسه - لا سيما الدروس المخصصة لدراسة علم الأصول والتفسير - على أن المصدر الأساس والأول للأحكام هو القرآن الكريم، الذي فصّل الحديث عن أمور العقيدة والغيب تفصيلاً مجزياً ومغنياً، بحيث لم يقم النبي (صلى الله عليه وسلم) - في هذا المجال - إلا بواجب التبليغ والتبيين. كما وأكد على أن القرآن الكريم قد بيّن أساسيات الأحكام العملية الثابتة، دون الدخول في تفاصيلها وجزئياتها، التي تركت لتبيينات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومعظمها يتعلق بالقيم والمعاملات. ثم ذكر أن القرآن قد وضع - بجانب ذلك - ضوابط وقواعد كلية تكون مصدراً لأهل الاستنباط، لكي تتحقق مصدرية الإجماع، الذي جعله العلماء المصدر الثالث للتشـريع"([25])،حيث يجتمع مجتهدو كل عصـر لاستنباط الأحكام الشـرعية، لما يستجد من الأمور، على ضوء القواعد الكلية المشار إليها.

2- منزلة السنة النبوية:

   ثم يأتي في المرتبة الثانية لمصادر التشـريع: السنة، التي عرّفها الشهيد سبحاني بأنها([26]): "الحياة الفردية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والحياة الأسرية الاجتماعية لأهله، والحياة الجمعية الإجماعية للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار"([27]).

وهو بهذا من أشد الملتزمين بسنّة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والمدافعين عنها، باعتبارها التطبيق العملي لما في القرآن من الأحكام والقيم، بل كان يرى أن المراد بالحكمة - في معظم الآيات الكثيرة الواردة - هي سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)([28])..

   قلت: سبق أن أكد الشافعي على أن الحكمة تعني السنة عند العرب، ولم أجد أحداً قبله - حسب ظني - نقل هذا القول. فلقد قال في الرسالة: "سمعت من أرضى - من أهل العلم بالقرآن - من يقول: الحكمة سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"([29]).

   على كل حال، الذي يلاحظ هو أن سبحاني قد أكد على "أن الحكمة - التي هي سيرة رسول الله، والسابقين من صحبه - هي مجموعة الأحكام التفصيلية التي تهدي إلى الصواب في تطبيق القواعد الكلية المشار إليها في القرآن. وتلك الحكمة منها ما جاء به كتاب الله، ومنها ما قد فعله أو قاله أو أقره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حياته الفردية، أو في حياته الأسرية مع أزواجه، أو في حياته الاجتماعية مع السابقين الأولين"([30]). ثم مثّل الشهيد للحكمة الثابتة بالأحكام الواردة في القرآن، وللحكمة المتطورة ببعض ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مجال الزكاة، وذكر بعض الأموال، وتعيين الأنصبة، وتبيين مقادير الزكاة التي تؤخذ.

وينهي الشهيد قوله، في هذا السياق، بالقول: "إذا تذكرنا بأن الحكمة: الطريقة الوسط في تطبيق أصول العمل الصالح، وأن السيرة والسنة تلك الطريقة كذلك، أدركنا أن الحكمة - من جانب -، والسيرة والسنة - من جانب آخر -، أمر واحد". ثم يقول: "فكل ذلك معرفته متوقفة على رعاية أصول وموازين قد اصطلح على تسميتها بعلم الحديث"([31]).

 أقول هذا، لأن بعض من استمع إلى مقاطع من دروسه، أو قرأ - دون إمعان - جانباً من مؤلفاته - لا سيّما التي تتحدث عن الحديث، وعلومه، وحجية السنة -، قد شكّ، أو حصلت له أوهام، في أنه رحمه الله - لم يكن يعتني بحجية الحديث، بينما كان في الحقيقة - يستدل على حجيته بأدلة قرآنية لا تحمل شكاً، كقوله تعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا] الأحزاب/ ٢١، وقوله تعالى: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] النحل/٤٤، وقوله سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا] النساء/٥٩، وآيات أخر كثيرة.

ومع هذا، لا أخفي أنه كان حاسماً في القول بعدم الأخذ بأحاديث الآحاد فيما يتعلق بأمور العقيدة، وكذلك ما فُصّل في القرآن من الأحكام، وفق المنهجية المتّبعة لكثير من العلماء قبله، الذين أكدوا أن حديث الآحاد يفيد الظن، ولا تُبنى الأحكام العقديّة، وثوابت الأحكام، على الظنون([32]). لا سيما الإمام أبو حنيفة، الذي خالف رأي الجمهور من فقهاء المذاهب الأخرى، الذين قبلوا خبر الآحاد فيما تعمّ به البلوى، أي مما يحتاج كل أحد إلى فهمه ومعرفته.

3 ـ فكرة الاكتفاء بالقرآن، ورد السنة بإطلاق:

   ولقد ردّ سبحاني فكرة الاكتفاء بالقرآن، وناقش بعض من سمعوا بالفكرة، وتأثروا بها بعض الشـيء، مؤكداً أن ردّ السنة النبوية ردّ للحكمة التي ذكرها الله، وردّ للتطبيق العملي لما في القرآن من الأحكام والقيم. ويرجّح - في هذا السياق - معظم ما قاله الشاطبي في (الموافقات) حول الدليل الثاني من الأدلة الشـرعية الأساسية، وهو السنة، مؤكداً على أنه ليس في السنة أمرٌ إلا وأصله في القرآن، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، وموضحاً أن العمل بالسنة راجع إلى طاعة الرسول الواجبة في القرآن، ومؤكداً - كذلك - أن هناك سنة غير تشـريعية، لا يلزم أن يكون لها أصل في القرآن، كالقصص ونحوها. ثم إنه كان يرى - كما يرى الشاطبي - أن سنة الصحابة كسنّة الرسول يُعمل بها، إلا أن سبحاني يرى أن هذا يشمل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وأصحاب بيعة الرضوان، الذين رضي الله عنهم، وزكّاهم، بينما يستعمل الشاطبي مصطلح الصحابة على عمومه([33]).

   ومما ينبغي أن أشهد له وأذكره في هذا السياق، أنه حدثت عام (1410هـ/ 1982م) مناقشة علمية ساخنة بين الشهيد سبحاني، وبين بعض الشباب المتأثرين بالفكرة الداعية إلى الاكتفاء بالقرآن. ولقد ردّ الشهيد بأدلة دامغة على الفكرة، وكشف عن عوارها، وخطورتها على الفكر الإسلامي. وأثبت؛ بالقرآن ذاته، أن الجانب التطبيقي والعملي لمعظم ما في القرآن، لا يمكن تلقّيه وفهمه بصورة كاملة إلا عن طريق السنة النبوية وسيرة السابقين من صحبه. وأثبت - كذلك - أن القرآن نفسه قد أثبت حجية السنّة، وكونها مبيّنة للقرآن الكريم، كما أسفلنا، إلا أنه - ككثير من المحققين - كان يحذّر من مغبّة الوقوع في مَهلكة رفع الروايات إلى درجة القضاء على القرآن الكريم، والتكلّف في تأويل الآيات لتوفيقها مع الروايات، وأخذ المعاني من ألفاظ القرآن الدالة عليها، بدل ذلك. ومما يثبت ذلك، ويؤكده، ما حكاه لي أخوه([34]) بأنه زار - مع أخيه الشهيد سبحاني - العلامة مفتي زاده، عام (1980م)، فطلب سبحاني من الأستاذ أحمد مفتي زادة أن يطالع كتب صحاح الحديث، لكي يتسلّح للردّ على مزاعم القائلين بذلك، ولا تتسع رقعة القائلين بالفكرة. فقال الأستاذ مفتي زادة: "جزاك الله خيراً، سأضع توصيتك على عيني"! إلا أنه لم يتأكّد من دوافع تلك التوصية. ولكنني عرفت - فيما بعد - أن بوادر الفكرة كانت قد ظهرت في بداية الثورة لدى بعض الناس، ولهذا خاف الشهيد ناصر من انتشارها. ولكنها اندثرت - بفضل الله - ولم تقم لها قائمة.

   ولا ننسـى أن العلامة سبحاني كان يجلّ الأستاذ أحمد مفتي زاده - كما ينقل عنه أحد طلابه - إلى درجة يراه مجتهداً معاصراً، بل كان يكرر دوماً "أنه لو كان للمسلمين في العالم مجلساً عالميّاً للشورى، ولم يكن الأستاذ مفتي زاده عضواً فيه، لاعتبر هذا المجلس ناقصاً غير مكتمل".. وفي المقابل، صرّح الأستاذ مفتي زاده لطلابه وأصحابه، بأن الأخ ناصر سبحاني عالم مجتهد، وذلك لمّا نقلوا له بعض فتاوى الأستاذ ناصر([35]).

4- هذا ولقد كان الشهيد سبحاني يتجنب التكلف، الذي ذكره الشاطبي، في النظر إلى تفاصيل الأحاديث في القرآن، فلقد رجّح أن القرآن لا يفي بهذا المقصود، والساعي إلى ذلك لا يصل مبتغاه إلا أن يتكلف في ذلك، وإلا فسيقع في مآخذ لا يتقبلها كلام العرب. بل لقد سلك الشهيد مسلكاً بعيداً عن هذا التكلف، لما دعا إلى دراسة الحديث سنداً ومتناً، وأكد على رعاية القواعد المتفق عليها التي ذكرها المحدّثون، والانطلاق من القرآن وقواعده العامة، ثم تعزيز ما يبحث عنه في السنة، وفق تلك الأسس والقواعد.

5ـ أما تصوره للإجماع:

   فكان يرى أن الإجماع - بصورته الحقيقية - لم يحصل بعد الخلافة الراشدة، بل منذ استشهاد الخليفة عثمان (رضي الله عنه). وهذا ما قاله الإمام أحمد، فلقد حكى عنه ابنه أنه قال: من ادّعى الإجماع، فقد كذب. قال ابن تيمية: "وإنما قال ذلك، لأنه كان يذكر الحديث، فيُعارَض بالإجماع، فيقول: إجماع من؟ إجماع أهل المدينة؟ إجماع أهل الكوفة؟"([36])، مشيراً بذلك إلى كثرة الاجتهادات، وتشتّت أماكن المجتهدين، وتباعد أمصارهم، وعدم التمكن من الاجتماع.

   وكان سبحاني يؤيد - كذلك - قول من قال من العلماء بعدم حجية الإجماع السكوتي، الذي هو إبداء رأي من قبل مجتهد أو أكثر في أمرٍ ما، وسكوت غيرهم فيه، ممن سمعوا بمقالته. وكان ينتقد منهج كثير من الفقهاء في قولهم - بكثرة -: (أجمع العلماء على كذا)، دون التحقيق في الأمر. فيقول في ذلك: "كان الأولى أن يقولوا: لا أعلم خلافاً في الأمر الفلاني، أو: لا أعلم أنه اختلف فيه العلماء"([37]). يقول ذلك مستدلاً بالقول المشهور للعلماء بأن الإجماع لا يمكن أن يتحقق بدون اتفاق مجتهدي كل عصـر قاطبة، بحيث إذا شذّ أحد منهم فلا يتحقق الإجماع. وكان يتساءل بكثرة: إذا كان الأمر هكذا، فكيف تم استقراء حالات الإجماع في نهاية القرن الأول الهجري والقرنين الثاني والثالث، حتى يقال: إن الفقهاء أجمعوا على كذا وكذا؟ حيث تفرّق الفقهاء في المدن والأمصار، ولم يتمكنوا من الاجتماع كما قلنا. بل لم يتمكن فقهاء الأصحاب، بعد مقتل عثمان (رضي الله عنه)، من الاجتماع، فكيف بمن بعدهم؟

   أمّا حول (حجية الإجماع)، فكان الشهيد يرى أنه مصدر أصلي من مصادر التشـريع، بدليل قوله تعالى: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.. الآية ] النساء/٥٩، وقوله - سبحانه -،  في وصف عباده المؤمنين: [وأمرهم شورى بينهم] الشورى/٣٨. ولكنه كان يؤكد على أن إجماع الفقهاء على أمر، حجةٌ لزمانه ومحيطه وظرفه الخاص، ومخالفته مخالفةٌ للكتاب والسنة. ولكنه ليس حجةً لظرف مغاير لظرفه، وشـروط مختلفة لشـروطه. وهذا أمر لم يقل به غيره من العلماء - على ما أعلم -، وكما أكد هو بنفسه أثناء حديثه عن حجية الاجماع([38]).

ولم يكن رحمه الله - مؤيداً للتقسيم الدارج للإجماع إلى نوعين: (صريح)، يحظى بإقرار جميع المجتهدين قولاً أو فعلاً، دون مخالفة أحد منهم. و(سكوتي)، يتفق فيه بعض المجتهدين على أمر دون بعض، فيبقون ساكتين؛ شـرط أن لا يكون هناك مانع من إبداء آرائهم([39]). وكان يرى أن هذا بقي في واقع الأمة نظرياً، حيث تناثر عقد الإجماع الفعلي باستشهاد عثمان رضي الله عنه، كما قلنا.

 

6 ـ رأيه في القياس:

   أما القياس، فأمر زائد عن المصادر الأصلية - في نظره -، لأن القواعد العامة، والضوابط الشـرعية الكلية، كافية. ففي أمر قياس النبيذ على الخمر - مثلاً  - كان يقول: إذا كانت علة التحريم السكر، فكل مسكر حرام، سواء كان اسمه نبيذاً أو خمراً، لأن القرآن لم يذكر ماء العنب فقط، بل ذكر كلمة (الخمر)، كي ينخرط تحته كل مصاديقه من المسكرات. وهو - بهذا - أيد علماء الظاهرية، وآخرين، من الذين ردّوا حجية القياس.

7 ـ رأيه في المصادر التفصيلية الأخرى:

   أمّا حول المصادر الإضافية الأخرى، فلقد أكّد أن (الاستحسان) ليس إلا العمل بأقوى الدليلين، فليس هذا حجة بذاته، وقد قال فيه مثلما قال الشاطبي، من أن الاستحسان لا يكون إلّا من مستحسن، وهو: إمّا العقل، أو الشـرع. أمّا الشـرع، فاستحسانه واستقباحه قد فرغ منهما؛ لأنّ الأدِلّة اقتضت ذلك، فلا فائدة لتسميته استحساناً... وإن كان العقل هو المستحسن، فإن كان استحسانه بدليل، فلا فائدة في هذه التسمية، وإن كان بغير دليل، فذلك هو الابتداع الذي يستحسن([40]).

   أمّا (العرف)، و(سد الذرائع)، فيدخلان تحت القواعد العامة، و(شـرع من قبلنا) محدود جداً. و(رأي الصحابي) - في نظره - ليس حجة، ما دمنا قد أكدنا أن الإجماع حجّة([41]). ولقد كان يؤيد، في تعريف الصحابي، قول المحققين من الأصوليين، الذين أكدوا ضرورة شـرط طول ملازمة الصحابي لرسول الله، بحيث تتحقق فيه صفة الصحبة عملاً، فقالوا: الصحابي هو مسلم طالت صحبته مع النبي، متبعاً([42]). ولم يكن مع تعريف أهل الحديث له، الذي يتلخص في أنه: هو من لقي النبي مؤمناً، ومات على الإسلام([43]).

8 ـ فكرة اختزال المصادر:

   ومن جانب آخر، كان العلامة سبحاني يرى أن تلك الأمور المسماة بالمصادر تكثير للمصطلحات، حيث إنها تندرج ضمن المصادر الأصلية بشكل من الأشكال، أو تخضع لها. ولقد تأثر، في تبني هذه الآراء، بما أكد عليه الشاطبي في (الموافقات) حول ما سماه: كليّة تعريف القرآن بالأحكام الشـرعية، حيث قال: "إذا نظرنا إلى رجوع الشـريعة إلى كلياتها المعنوية، وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال، وهي: الضـروريات والحاجيات والتحسينيات، ومكمّل كل واحد منها، وهذا كله ظاهر، فالخارج من الأدلة عن الكتاب، هو السنة والإجماع والقياس، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن"([44]).

   ثالثاً/ ثوابت الأحكام، ومتغيراتها:

1- قسم العلامة سبحاني جميع الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين إلى نوعين - حسب أفعال المكلفين -، حيث ذكر أنها قسمان: قسم لا ينفك من جلب مصلحة خاصة، أو دفع مفسدة، في أي ظرف زماني أو مكاني؛ كإخلاص العبودية، والإحسان، والإنفاق، وحرمة إيذاء الجار، وسباب المسلم، وحرمة التقتير، والتبذير، والكنز.. وقسم يكون في جلبه للمصالح، أو درئه للمفاسد، تابع لتطور الزمان والمكان، لذا يكون حكم الأمر به، أو النهي عنه، مقيداً بذلك التطور، مثل: أكل لحوم ذوات الأظفار من الحيوان، وشحوم البقر، والغنم، وهو - في ظروف كان بنو إسرائيل يبغون فيها - مجلبة لمفسدة المدّ في الظلم، ولذا حرّمه الله عليهم. فلما تغيّرت الظروف، اقتضت الحكمة تغيير الحكم من التحريم إلى الإباحة، كما هو شأن الأمور التي يكون جلبها للمصالح، أو درؤها للمفاسد، تابعة لظروفها([45]).

وفي استقرائه للثوابت في الأحكام، عدّ سبحاني الأنواع التالية: أ- التصورات والحقائق: التي لا بدّ من الإيمان بها، فهي ثابتة غير متطورة، ومحصورة يسهل تلقّيها، فلذلك لم يغادر كتاب الله - في مجال تبيينها - صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

ب - أصول العمل الصالح، وقواعده الكلية: فهي كذلك ثابتة ومحصورة، ولذلك جاء بيانها - كلها - في كتاب الله([46]). ثم مثّل للأول منهما بالإخباريات؛ كأسماء الله وصفاته، وتفاصيل ذكر التوحيد والنبوة واليوم الآخر، وما يتعلق بكل من هذه الأمور مما كُلّف المؤمن بالإيمان بها. ومثّل للثاني بالأحكام، كالتي تتعلق بأركان الصلاة والصوم والحج والطلاق وغيرها، مما لا يؤثر الزمان والمكان والحالات فيها تغييراً أو تعديلاً([47])، فيقال فيها ما يقال في التصورات من عدم الاختلاف من شريعة لأخرى([48]).

ويرى العلامة ناصر أن هذا التفصيل في تقسيم ما أشار إليه كتاب الله، هو تفسير لقوله تعالى: [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] النحل/٨٩"[49]

2 ـ الأحكام الثابتة محدودة، والمتغيرة متعددة:

   النوعان المذكوران من الأحكام يختلفان من حيث الكمّ والعدّ، وأيضاً حسب طبيعة أعمال المكلفين. فقال سبحاني بحق الأول: "أما القسم الأول من الأفعال، فإن كون أحكامه صالحة لكل الظروف، جعل أحكامه محصورة حصـراً، لا يحسن معه إلا بيان كل حكم بخصوصه. وأما القسم الثاني منها، فإن كون أحكامه متفاوتة؛ لا يغني بيانها في ظرف عن بيانها في سائر الظروف، قد أدّى إلى كون أحكامه من الكثرة بحيث لو بُيّن كل منها بخصوصه، لكانت الكتب المشتملة عليها أكثر من أن يتمكّن الإنسان من تلقّيها وحفظها. ولكان ذلك - إضافة إلى هذا الأمر - مناقضاً للحكمة التي اقتضت إعطاء الإنسان ما يتعلق بأمر الاجتهاد والاستنباط من القدرات. فاستبدل بذلك بيان كلياتٍ محصورة، تشتمل على كل الجزئيات"([50]).

   هذا ما قاله العلامة سبحاني، وعبّر عنه بعض العلماء قديماً بعبارات أخر، قال العلامة  الشهرستاني - مثلاً -: "نعلم قطعاً ويقيناً أن الحوادث والوقائع؛ في العبادات والتصـرفات، مما لا يقبل الحصـر والعدّ. ونعلم قطعاً أنه لم يرد في كل حادثة نص، ولا يُتصور ذلك أيضاً. والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى، عُلِم قطعاً أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار"([51]). ويؤكد الشاطبي المعنى نفسه، في سياق أكّد فيه ضرورة فتح باب الاجتهاد، قائلاً: "إن الوقائع في الوجود لا تحصـر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصـرة، ولذا اُحتيج إلى فتح باب الاجتهاد"([52]).

   رابعاً/ القواعد الكلية في القرآن:

   فيما يتعلّق بالقسم الثاني من أفعال المكلفين، التي تقتضـي تعدّد الأحكام، وتغيّرها من ظرف إلى ظرف، عالجها القرآن - في نظر سبحاني - بذكر قواعد كلية محصورة، تشتمل على كل الجزئيات. قال في ذلك: "بين كل مجموعة من الجزئيات تناسباً، قد سوّغ أن يكتفي في بيانها بذكر قاعدة كلية، مما أدّى إلى أن يأتي كتاب الهدى - في بيان هذا القسم من الأحكام - مشتملاً على قواعد كلية، يستنبط الجزئيات الملائمة لمختلف الظروف منها أهل الاختصاص في الاجتهاد والاستنباط"([53]).

   وهذه القواعد بعيدة عن التأثر بالتطورات، ثابتة ثبات القسم الأول من الأحكام([54]).

   ومثّل لتلك القواعد التي لا تختلف من شريعة لأخرى، بتلك التي تنفع لحفظ مصالح العباد في العاجل والآجل؛ بحفظ الدين والنفس والعقل والنفس والمال([55]). ولكل من هذه الأمور الخمسة - في نظر سبحاني - جهات متعددة، تنزل لحفظها أحكام جزئية، قد تختلف من شـريعة لأخرى، أو من ظرف لآخر، في شـريعة واحدة كذلك، ولكنها تتفق في أصلٍ هو حفظ ذلك الأمر. ثم يؤكد على أن الأمور الخمسة - المتعلقة بمصالح الإنسان - بجهاتها المتعددة، ثابتة في كل زمان ومكان، فتكون الأصول المتعلقة بحفظها ثابتة كذلك في كل الشرائع.

   ولكي يكون التصّور أكثر وضوحاً، يذكر سبحاني أمثلة لتلك الأصول في كلّ من الأنظمة الإسلامية: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. ففي النظام السياسي الإسلامي - مثلاً - يرى أن من أصوله: كون الله سبحانه هو الحاكم الأعلى، والإنسان هو المنفذ للأحكام، وإقامة القسط والعدل، ومبدأ الشورى والمشاورة، وغيرها. كما يرى أن كون نعم الله مسخرة للعباد، وكون الله مالكاً حقيقياً لها، وكون الإنسان مستخلفاً عليها، وكون الإنسان مالكاً لما يكسبه، وتحريم الربا والكنز والتقتير والتبذير والاحتكار، وأكل أموال الناس، وغير ذلك، من أصول النظام الاقتصادي الإسلامي. كما وأن كون الناس مشتركين في المخلوقية لرب واحد، ووحدة جنسهم، ووظائف جنسَـيْ كل من الرجل والمرأة، وغيرها، ثوابت في النظام الاجتماعي. هذه، وغيرها من الأصول المذكورة في كتاب الله، أصول ثابتة لا شأن لها باختلاف الأزمان والأمكنة والأوضاع، فلا يتعلق بها نسخ أو تبديل، ولا يُقال في شيء منها: إنه شرع من قبلنا([56]).

هذا مختصـر ما حرّره العلامة سبحاني في الموضوع، وسنتحدّث عن في فهم القرآن الكريم، وعلومه، وتفسيره، ونظريته في مصادر التشـريع، وترتيبها، ورأيه في مدارس التفسير والمفسّرين، ومنهجه في التفسير، في حلقة مقبلة بإذن الله.



[1] أقول هذا لأن كثيراً من المحققين فرّق بين أحوال النبي (صلى الله عليه وسلم) وتصرفاته كنبي ورسول، وأحواله كإنسان خارج دائرتي النبوة والرسالة. ولقد استعمل الإمام القرافي(ت684هـ)، لأول مرة، مصطلح (تصرفات النبي)، الذي عقد له الفرق السادس والثلاثين من فروقه، للتمييز بين قاعدة تصـرفه (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة، وبين قاعدة تصرفه بالفتوى، وهي التبليغ، وبين قاعدة تصـرفه بالقضاء، وقاعدة تصـرفه بالإمامة، وذلك في كتابه: (الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام). قال العلامة ابن خلدون: "وقع في ذكر أحوال النبي (صلى الله عليه وسلم) من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجِبِلّة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه إنما بُعث ليعلمنا الشـرائع، ولم يبعث لتعريف الطب وغيره من العاديات، ووقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال (صلى الله عليه وسلم): أنتم أعلم بأمور دنياكم.." (المقدمة، 1/392).

[2] الشاطبي، الموافقات، 4/7.

[3] المصدر نفسه، 4/12.

[4] يقول آية الله كاشف الغطاء: "إنهم - أي الشيعة - لا يعتبرون من السنة إلا ما صحّ لهم، من طرق أهل البيت، عن جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم). أما ما يرويه مثل أبي هريرة، وسمرة بن جندب، وابن العاص، ونظرائهم، فليس لهم عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة!" (كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأصولها، ص: 236).

[5] الشوكاني، محمد، بن علي، بن محمد، تحقيق: محمد سعيد البدري، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، ط4، القاهرة، مؤسسة الكتب الثقافية، 1984م، 131.

[6] أبو الحسن الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، الحلبي، القاهرة، 1967م، 3/190.

[7] لأصول الفقه تعريفات عديدة، فهو باختصار: "العلم بالأحكام الشرعية العملية، من أدلتها التفصيلية"، وموضوعه: "بيان طريق استنباط الحكم الشرعي". وأول من صنّف فيه، ووضع له القواعد والضوابط، الإمام الشافعي. (محمد أبو زهرة، أصول الفقه، صفحات: 6، 8، 13).

[8] الشافعي، الرسالة، تحقيق، محمد أحمد شاكر، القاهرة، الحلبي، 1358ه، ص: 508.

[9] محمد أبو زهرة، أصول الفقه، دار الفكر العربي، القاهرة، د. ت، ص: 273.

[10] المصدر نفسه، ص: 263.

[11] ينظر: الشافعي، الأم، ص: 1587.

[12] الشاطبي، الاعتصام، 2/113، والغزالي، المستصفى، 1/139. ومن المعاصرين: د. مصطفى البغا، أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي، دار القلم، دمشق، ط 4، 1428هـ/ 2007م، ص: 35.

[13] ينظر: الشاطبي، الاعتصام، 2/11، والغزالي، المستصفى، 1/141.

[14] ينظر: شرح المحلى على جمع الجوامع، 4/192. ومحمد أبو زهرة، أصول الفقه، ص: 305- 308.

[15] الشوكاني، إرشاد الفحول، ص: 237.

[16] ينظر لتفاصيل أكثر: د. زكريا عبدالرزاق المصري، إمتاع الأصول بعلم الأصول، مركز حمزة، بيروت، 1429هـ/2009م، ص: 5661.

[17] ينظر: محمد خضري بك، أصول الفقه، ص: 357. ومصطفى البغا، أثر الأدلة المختلف فيها، ص: 340 

[18] محمد أبو زهرة، أصول الفقه، ص: 288.

[19]  د. مصطفى الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجديد، طبعة 20، بغداد، د. ت، ص: 175.

[20] الشافعي، الأم، ص: 1567.

[21] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 7/40.

[22] الجصاص: أبوبكر، أحمد بن على، الرازي. لفظ الجصاص نسبة إلى العمل بالجص. ولد في مدينة الري، التي ينسب لها الرازي. ولد عام (305هـ). ورحل إلى بغداد، وحاز مكانة علمية سامقة بين العلماء، لا سيما علماء الحنفية. وقد انتهت إليه رياسة المذهب الحنفي ببغداد. له: شرح الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، وأحكام القرآن، ومؤلفات أخرى، توفى عام (370هـ).  (ينظر: الموسوعة العربية العالمية.

[23] قلت: لم يشر الجصاص إلى ما دلّ على حجية الإجماع في القرآن الكريم ـ وكان الأجدر والأنسب أن يشير إليه في هذا السياق ـ وهو قوله تعالى: [أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم] النساء/٥٩. ينظر: أبو بكر الجصاص، أحكام القرآن، القاهرة، مطبعة الحلبي، 1378هـ.

[24] ينظر: الشاطبي، الموافقات، 4/1216.

[25] ينظر لتفاصيل ذلك: ناصر سبحاني، دروس في علم أصول الفقه، سنندج، 1986. وكتابه: الولاية والإمامة، 138-144 وأحكام شرعية، ص: 51-52.

[26] ناصر سبحاني، دروس في علم أصول الفقه، الدرس الثاني.

[27] يقصد سبحاني بهذا أن رسول الله أسوة عملية، وكان مطبقاً لما في القرآن الكريم، وجميع أقواله وأفعاله وتقاريره حجة، وذلك في دائرة السلوك الفردي التشـريعي. وكذلك في حياته الأسرية مع أهله، في دائرة السلوك العائلي. وكذلك حياة السابقين من صحبه، لأنه عايشهم بنفسه، ولأنهم هم الذين زكّاهم الله تعالى، ورضي عنهم بإطلاق، في آيات صريحة، منها قوله تعالى: [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ] الفتح/١٨، وقوله: [وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] التوبة/١٠٠.

[28] ينظر: ناصر سبحاني، رسالة في علوم الحديث، ص: 21.

[29] الشافعي، الرسالة، طبعة القاهرة، د.ت، ص: 78.

[30] ناصر سبحاني، رسالة في علوم الحديث، ص: 24.

[31] المصدر نفسه، ص: 24-25.

[32] أكد على ذلك في كثير من دروسه، ينظر مثلا: دروس في أصول الفقه، الدرس الرابع.

[33] ينظر لتفاصيل المقارنة: الشاطبي، الموافقات، 4/386. و: ناصر سبحاني، الولاية والإمامة، ص: 138، وكتابه: أسس التصورات والحكم، ص: 108، ورسالته: علوم الحديث، ودروسه المخصصة لعلم أصول الفقه.

[34] هو السيد منصور سبحاني، الأخ الشقيق للعلامة ناصر سبحاني، يسكن مدينة (باوة) في شرق كوردستان. داعية وعامل أعمال حرة، (مقابلة معه حول ذكريات مع العلامة الشهيد ناصر سبحاني، الإثنين، (4/7/2011م)، الساعة الخامسة عصراً، في منزله الخاص).

35 أبو حسني، عالم ومدرس، مقابلة خاصة حول حياة الأستاذ سبحاني، (جوانرود- إيران)، الأربعاء، 3/9/1997م.

36 الزركشي، البحر المحيط، 6/383.

[37] ناصر سبحاني، دروس في علم أصول الفقه، باللغة الكوردية، الدرس الرابع.

[38] ينظر: المصدر نفسه، الدرس الخامس.

[39] ينظر: نظام الدين عبد الحميد، دراسات في العقيدة والتفسير والفقه المقارن، دار المعرفة، بيروت، 1430هـ/ 2009م، 102.

[40] ينظر: ناصر سبحاني، زبدة الاعتصام، السليمانية، (برهم)،1428هـ/2007م، ص: 65.

[41] ناصر سبحاني، دروس في علم أصول الفقه باللغة الكردية، الدرس الرابع.

[42] ينظر: ابن عبد الشكور، مسلم الثبوت،2/158.

[43] ينظر: ابن النجار، شرح الكوكب المنير، 3/323.

[44] الشاطبي، الموافقات، 3/368.

[45] ينظر: ناصر سبحاني، رسالة في علوم الحديث، ص: 52. وكذلك: الولاية والإمامة، ص: 66.

[46] ينظر: ناصر سبحاني، رسالة في علوم الحديث، ص: 20-21.

[47] ينظر: ناصر سبحاني، معرفة الله، ص: 503، وكذلك: أسس التصورات والقيم، ص: 109.

[48] ناصر سبحاني، أحكام شرعية، ص: 51.

[49] ينظر: ناصر سبحاني، الولاية والإمامة، ص: 68.

[50] المصدر نفسه ص: 67.

[51] الشهرستاني، الملل والنحل، 2/37.

[52] الشاطبي، الموافقات، 4/ 104.

[53] شبّه العلامة سبحاني هذا النوع بالمعادن، يؤخذ من كل منها ما لا يحصى من المشتقات، يستخرجها من هم في العلم بالسنن المسخرة لها أهل اختصاص. (الولاية والإمامة، ص: 68).

[54] ناصر سبحاني، الولاية والإمامة، ص: 67.

[55] قال الشاطبي: "اتفقت الأمة - بل سائر الملل - على أن الشـريعة وضعت للمحافظة على الضـروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري"، (االموافقات، 1/ 138) .

[56] ينظر لتفاصيل ذلك: ناصر سبحاني، معرفة الله، ص: 500-510، كذلك: رسالة في علوم الحديث، ص: 51.


t مجلة الحوار ǀ العدد 185  ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ خريف 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق