02‏/10‏/2023

رؤى/ المشاركة السياسية الفاعلة

خليل إبراهيم
للمشاركة السياسية علاقة وطيدة بطبيعة التنشئة السياسية، التي تلعب دوراً مؤثراً في بناء المواطن وإعداده وتأهيله للقيام بدور فاعل تجاه القضايا السياسية، وإدارة الشأن العام، ورسم مسار السياسات العامة.
وهي من أبرز معالم الحياة السياسية السليمة، وأهم متطلباتها، من حيث إنها تسهم في ترسيخ الديموقراطية وتعزيزها، وتساعد على بناء روح الانتماء للوطن؛ إذ تعبّر عن وجود المواطن، ورأيه، وأن له كرامة ورسالة، ولديه إرادة مستقلّة، الأمر الذي يؤدي إلى ضرورة إسهامه في العملية السياسية، بعد إدراكه لما يجري في بلده من قضايا.
والمشاركة السياسية هي المدخل الرئيس لتحقيق الحكم الرشيد، الذي بات مطلباً ملحّاً للشعوب، وهدفاً نبيلاً لنضالها، ومرتكزاً أسياسياً لعملية الإصلاح، وتغيير الأوضاع نحو الأحسن..
تهدف المشاركة السياسية إلى بناء نظام سياسي رشيد يستجيب لمطالب الشعب، ويحقق الاستقرار السياسي والأمني، والعدالة الاجتماعية، والتنمية، ويحشد الجماهير لصناعة الرأي العام والتأثير على صانعي القرار وعلى السياسات العامة.
ولسنا هنا في مجال الخوض في تعريف المشاركة السياسية، والمدارس التي تناولت هذا المصطلح، وتباين الرؤى والصياغات حوله، بشكل أكاديمي، بل نكتفي بالإشارة إلى أنّها تعني الإسهام والمشاركة في أيّ نشاط أو ممارسة سياسية، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف التأثير في عملية صنع القرار، ووضع السياسات العامة، واختيار الممثلين في المجالس المنتخبة والهيئات التنفيذية، سواء كان ذلك الإسهام رسمياً أم غير رسمي، منظماً أم غير منظم.
يمارس المواطن عبر هذه المشاركة دوره الإيجابي والفاعل في الحياة السياسية والمجتمعية، ويسهم في وضع الأهداف العامة للشعب، ويحرص على أداء دوره بشكل إرادي طوعي في ممارسة حقوقه السياسية والمدنية؛ مثل حق التصويت، والترشح للمجالس أو الهيئات، وحق التعبير عن الرأي، ويدخل في دراسة القضايا السياسية، والمسائل التي تهم المواطن، ويناقش المسار السياسي والشأن العام، ويعبّر عن رأيه وإرادته بحرية تامة في كلّ ذلك.
وينبغي ألّا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن ثمة عوامل تساعد على فعالية المشاركة السياسية والنشاط السياسي؛ مثل طبيعة النظام السياسي، وهل هو ديموقراطي أم دكتاتوري؟ وهل الديمقراطية حقيقية؛ شكلاً ومضموناً، في كلّ مدخلاتها ومخرجاتها؟ وهل توفر فرصاً مواتية ومتاحة للجميع؟ وهل توفر مناخاً آمناً لتداول السلطة؟ وما هي الظروف المتوفرة في ظل الفضاء السياسي، والبيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، السائدة في المجتمع.
ومن العوامل المساهمة في تفعيل المشاركة السياسية: مبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ومبدأ سيادة الشعب، وغلبة إرادته، بحيث يستطيع بهذه الإرادة التعبير عن رأيه بأي أسلوب من الأساليب الديمقراطية، وكذلك مبدأ سيادة القانون، وتساوي الجميع أمامه، واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة.
ولا ننسـى هنا أن الثقافة السياسية للمواطن، وأهليته، وكفاءته في مواجهة المشكلات وتحمل المسؤوليات، والدوافع التي تقف وراء سلوكه السياسي، لها الأثر البالغ في تحقيق المشاركة السياسية، وتنشيط الفعل السياسي.
وتتفاوت درجات المشاركة السياسية، فهناك من يقف عند عتبة الاهتمام بالقضايا السياسية لا يتعداها، وهناك من يرتقي أكثر، وينقل هذه المعرفة إلى موقف يتخذه، ورأي يتبناه، ويعبّر عن كل ذلك بوضوح.
إذن، فالمشاركة السياسية ليست على مستوى واحد، فهي تتراوح بين مهتم بها، وممارس لها بشكل ملحوظ، وبين غافل عنها، واقف على الهامش منها، غير مبالٍ بما يحدث حوله.
وتختلف دوافع المشاركة السياسية من شخص إلى آخر، فهناك أفراد يتجهون للمشاركة السياسية بدوافع نفسية لإثبات وجودهم وتحقيق ذواتهم، وهناك من يميل لخوضها لإشباع حاجاته المادية.
وقد تكون المشاركة السياسية تعبيراً عن الوعي السياسي، وانطلاقاً من الرؤية النقدية والشعور بمعاناة الناس، وإحساساً بالمسؤولية تجاه أوضاعهم، والرغبة والعزم لتغييرها نحو الأحسن.
كما أن دوافع المشاركة السياسية تتعدّد وتتنوّع بين دوافع نفسية أو دينية أو عرقية أو إثنية أو عائلية، بحكم الانتماء العائلي وصلات القرابة والعشائرية والقبلية.
وقد يندفع الفرد للمشاركة السياسية خوفاً من السلطة، أو طلباً لمال، أو موقع وظيفي، أو منصب من المناصب، أو تكون المشاركة تعبيراً عن مطالب مهنية، أو فئوية، للتضامن مع أصحاب هذه المهنة أو تلك، والاصطفاف مع هذه الشـريحة أو تلك، في المطالبة بحقوقها.
لكن مما يؤسف له أن الساحة السياسية في العراق، وفي إقليم كوردستان، تشهد عزوفاً حادّاً عن المشاركة السياسية، حيث هناك شريحة واسعة وكبيرة، تقارب الـ(70%)، تقاطع المشاركة السياسية في أبرز محطاتها؛ وهي الانتخابات؛ تصويتاً أو ترشحاً.
إن عزوف هذه الشـريحة عن المشاركة لا يأتي من فراغ، وليس أمراً عشوائياً، بل هناك أسباب وعوامل تقف وراء ذلك؛ من أبرزها:
* فشل أحزاب السلطة في التمثيل الحقيقي لهوية الشعب وتطلعاته، وعدم تلبية مطالبه، أو تأمين الخدمات الضـرورية له، فضلاً عن عدم وجود معايير واضحة في سلوك السلطة وأدائها، فلا تخضع للقواعد الدستورية، ولا لحكم سيادة القانون، ولا لمرجعية تتسم بالديموقراطية، فضلاً عن عدم وجود رؤية وطنية واضحة، ومشـروع وطني متفق عليه، للسير نحو مستقبل مشرق للبلد.
* الإحساس بعدم جدوى المشاركة وعبثيتها، وفقدان الثقة بإصلاح الأوضاع، وسيادة روح اليأس والإحباط.
* تأثير التربية العائلية، والتنشئة السياسية، على الأفراد، بما يشجع على العزوف عن المشاركة في الشأن العام، والانشغال بالمصالح الشخصية الضيقة، والأعمال الحياتية اليومية.
* غياب الشعور بالمسؤولية، وانعدام الحسّ الوطني، أو ضعفه.
* الخوف من معارضة السلطة ومواجهتها، والتوجّس من تبعاتها.
* غياب الوعي بالمشهد السياسي وتطوراته، ومستقبل الشعب والوطن، في ظل الحكم السائد. * الجهل، والأمية، وضعف الإدراك.

t مجلة الحوار ǀ العدد 185  ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ خريف 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق