تقرير - ميمونة الباسل
يفتقد الكثير من سكان العالم العناية بالصحة النفسية رغم الحاجة الماسة إليها خاصة في بلدان ما تعرف بدول العالم الثالث، لا سيما الشعوب التي تتعرض للكوارث الطبيعة أو الحروب مثل العراق، حيث يعاني آلاف العراقيين من القلق، والتوتر، والاكتئاب، نتيجة الظروف الصعبة التي مر بها البلد على مدى عقود من ظروف صعبة تجسدت على شكل؛ حروب، وحصار، وأخيرا الاحتلال وما جره من مشاهد عنف يومية تسبب بها الاقتتال الطائفي وانتشار ....
العصابات، وتشكل مافيات الفساد والعنف وتغولها على مؤسسات الدولة والمجتمع، مجمل هذه الأمور تسببت بأزمات نفسية عند الكبار والصغار وحتى المسنين.
وبمناسبة يوم الصحة العالمية أصدرت منضمة الصحة العالمية تقريرا عرضت فيه بموجب أرقام وإحصائيات وضع الصحة العالمية في العالم، وقد أحببت أن اعرض المعلومات التي جاءت في التقرير؛ مع إجراء عرض ومقارنة لوضع الصحة النفسية في العراق على ضوء التقرير.
هل يحصل سكان العالم على الرعاية النفسية الملائمة
هذا الوضع الذي يعيشه العراق هو نموذج لمجتمع يعيش جملة أزمات؛ ولكن هل سكان العالم الذين سيبلغ عددهم 7 مليار نسمة عند صدور هذا العدد من مجلة الحوار بحسب الأمم المتحدة يحصلون على الرعاية النفسية الملائمة بحسب المعايير الدولية؟ هذا السؤال يجيب عنه تقرير منظمة الصحة العالمية التابع للأمم المتحدة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن رُبع سكان العالم بحاجة إلى رعاية صحية نفسية في مرحلة ما من حياتهم، ولكن في كثير من البلدان لا يُستثمر في خدمات الصحة النفسية إلاّ 2% من مجموع موارد القطاع الصحي.
ويؤكد التقرير أنه لا يزال متوسط الإنفاق العالمي على الصحة النفسية أقلّ من 3 دولارات للفرد الواحد كل عام، ويشير أطلس الصحة النفسية 2011، الصادر عن منظمة الصحة العالمية بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، إلى أنّ ذلك الإنفاق قد ينزل في البلدان المنخفضة الدخل ليبلغ 0.25 دولاراً للفرد الواحد كل عام، ويورد التقرير أيضاً أنّ معظم تلك الموارد يُنفق على خدمات لا تفيد إلاّ القليل من الناس نسبياً.
وقال الدكتور علاء العلوان، المدير العام المساعد المسؤول عن دائرة الأمراض غير السارية والصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية إن "الحكومات تنزع إلى إنفاق معظم مواردها الصحية النفسية الشحيحة على الرعاية الطويلة الأجل في مستشفيات الأمراض النفسية فمن الملاحظ، الآن، أنّ نحو 70% من الإنفاق على الصحة النفسية يذهب إلى مؤسسات الطب النفسي، وإذا أنفقت البلدان المزيد على مستوى الرعاية الصحية الأولية، فإنّه سيكون بمقدورها بلوغ مزيد من الناس؛ والشروع في التصدي للمشاكل في مراحل مبكّرة بما يكفي للحدّ من الحاجة إلى توفير خدمات الرعاية المكلّفة في المستشفيات."
ويسلّط الأطلس الأضواء على اختلالات أخرى؛ فهناك من جهة خدمات الصحة النفسية الجيدة التي تركّز على تزويد المرضى بتوليفة متكافئة من الأدوية والرعاية النفسية الاجتماعية، بينما يُلاحظ في البلدان المنخفضة الدخل نقص في الموارد والمهارات بقدر يؤدي في غالب الأحيان إلى الاقتصار على الأدوية في علاج المرضى، ومن المعروف أن انعدام الرعاية النفسية الاجتماعية يقلّل من نجاعة العلاج.
وهناك، من جهة أخرى، العديد من الناس الذين لا يستفيدون على الإطلاق من أيّة خدمات صحية نفسية، فمن اللافت على صعيد مجموعة البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، أنّ أكثر من ثلاثة أرباع الناس الذين هم بحاجة إلى رعاية صحية نفسية لا يتلقون حتى أدنى الخدمات الأساسية من تلك الرعاية.
حاجة العراق للمراكز الطبية النفسية
تجدر الإشارة هنا إلى أنه من أسباب عدم شمول الأشخاص بالرعاية الصحية يعود إلى تجنب الكثير من الناس لمراجعة الأطباء النفسانيين بسبب أن هؤلاء الناس لا يحبذون الخوض في تاريخ مرضهم النفسي، بسبب ثقافة (الخجل والعيب) المترسّخة في ذهنية المجتمعات حيث يطلق على الشخص الذي يقوم بمراجعة الطبيب النفسي لقب مجنون!! ما يجعل الكثير من الناس لا يرغبون في العلاج أو الذهاب إلى المراكز المتخصصة بالصحة النفسية.
وحسب معلومات نشرت على الانترنت فان أول إحصاء علمي اجري للأمراض النفسية في العراق تم عام 2006 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث أشارت النتائج إلى أن نسبة الأمراض النفسية في البلاد بلغت حوالي عشرين بالمائة، وهي نسبة طبيعية مقارنة مع باقي دول العالم على اعتبار أن نسبة الأمراض النفسية في أي بلد تبلغ من 10 إلى 20%، كما أن عدد الأطباء النفسانيين في العراق هو اقل من العدد المطلوب عالميا في أي بلد.
وتشير تقارير أخرى إلى أن 35% من العراقيين يعانون من اضطرابات نفسية، مشيرة إلى أن عام 2009 شهد مراجعة 100 ألف مريض للمستشفيات والمراكز الخاصة.
وإلى جانب ذلك ثمة مشكلة تتمثل بعدم توفر الكوادر الطبية والعدد الكافي من الأطباء النفسيين القادرين على التعامل مع الصحة النفسية ومتطلباتها، وهي مشكلة عالمية عامة كما يشير إلى ذلك الدكتور شيخار ساكسينا، مدير إدارة الصحة النفسية ومعاقرة موارد الإدمان بمنظمة الصحة العالمية بالقول "إنّ نصف سكان العالم تقريباً يعيش في بلدان حيث لا يوجد في المتوسط سوى طبيب نفسي واحد (أو أقلّ من ذلك) لخدمة 200000 نسمة ولا يوجد في كثير من البلدان المنخفضة الدخل إلاّ أقلّ من أخصائي واحد في مجال الصحة النفسية لكل مليون نسمة."
ولا يمتلك العراق، الذي شهد ثلاث حروب مدمرة خلال العقود الأخيرة أسفرت عن أمراض اجتماعية ونفسية متنوعة، سوى مراكز قليلة في العاصمة بغداد؛ كمستشفى الرشاد، ومستشفى الجملة العصبية، ويقتصر الأول على استقبال المدمنين الذين يحتاجون لفترات دخول طويلة (يضم حاليا 1250 نزيلا)، فيما يستقبل الثاني الحالات المتفاقمة كالكآبة الحادة والذهان الحاد والإدمان الكحولي والقلق المزمن والأعراض الهستيرية.
الصحة العالمية تمد يد العون للدول
بحسب التقرير؛ أطلقت منظمة الصحة العالمية عام 2008 برنامج عملها الخاص برأب الفجوة في الصحة النفسية من أجل مساعدة البلدان على تعزيز الخدمات المرتبطة بالاضطرابات النفسية والعصبية؛ والاضطرابات الناجمة عن معاقرة مواد الإدمان، ويوفّر البرنامج المعارف والمهارات اللازمة لمقدمي خدمات الرعاية الصحية الأولية من قبيل الأطباء العامين، والممرضين، والعاملين في مجال الرعاية الصحية بغرض تمكينهم من الكشف عن تلك الاضطرابات وتدبيرها.
ومن ذلك العام تمكّنت بعض البلدان، بفضل المساعدة التي قدمتها لها منظمة الصحة العالمية، من إحراز تقدم كبير في هذا المجال؛ وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك التقدم المحرز:
شرعت إثيوبيا ونيجيريا في تدريب مقدمي خدمات الرعاية الصحية الأولية على تحديد وعلاج الاضطرابات النفسية ذات الأولوية؛ والتزمت وزارة الصحة في كلا البلدين بدعم البرنامج لضمان استدامة آثاره.
قامت الصين بتوسيع برنامجها الخاص بتوفير الرعاية للمصابين بالصرع ليشمل 19 مقاطعة، وذلك استناداً إلى التجربة الناجحة التي أحرزها ذلك البرنامج الرائد في عدد من المقاطعات. وقد بات البرنامج يغطي أكثر من 40 مليون نسمة.
تحرز الأردن حالياً تقدماً في تنفيذ برنامج يُعنى بالتصدي للاضطرابات النفسية ذات الأولوية؛ وبدأت بنما أيضاً بتدريب مقدمي خدمات الرعاية الصحية الأولية بشكل منهجي.
كما تستعد بلدان نامية كبرى مثل البرازيل والهند وتايلند، لتحقيق إنجازات سريعة في تعزيز الرعاية من خلال برامجها الصحية الوطنية.
خاتمة
التقرير يضع دول العالم أمام مسؤولياتها لتوفير خدمات الصحة النفسية لأفرادها، وهو يضع العراق كواحدة من هذه الدول أمام مسؤولية مضاعفة؛ حيث فاقمت الحروب، والازمات الاقتصادية، والعنف الطائفي، والارهاب، والاختلافات السياسية، وضع الصحة النفسية المتردي، حيث تزداد الامراض النفسية خصوصا في اوساط الاطفال الذين تعرض مئات الآلاف منهم لمشاهد العنف، او ففقدوا احد والديهم أو اقاربهم، إلى جانب عدم توفر البنية التحتية الملائمة لهذه الخدمة، هذه الاوضاع تضع الدولة العراقية وحكوماتها أمام مسؤولية وضع هذه القضية على اجندة العمل خلال السنوات المقبلة بهدف توفير ظروف نفسية ملائمة تفلح بالخروج بالعراق من الوضع النفسي المتازم الذي طال امده وخلف اجيالا متازمة نفسيا واجتماعيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق